Skip to main content

الفَصلُ التَّاسِع كيفَ نسقُطُ بِنجاح - غُيُومُ عاصِفَةِ الخَطِيَّة

الصفحة 3 من 5: غُيُومُ عاصِفَةِ الخَطِيَّة

غُيُومُ عاصِفَةِ الخَطِيَّة

عندما نصلُ إلى صموئيل الثاني الإصحاح الحادي عشر، سوفَ نبدأُ فصلاً جديداً في حياةِ داود. وهذه المرحلة كانت أطولَ المراحِل وأصعَبَها في حياةِ داود. وهُنا نجدُ حياةَ داوُد، التي سبقَ وكانت مِثالاً رائعاً، تتحوَّلُ لِتُصبِحَ واحِداً من أرهَبِ التَّحذيراتِ في الكتابِ المُقدَّس. لقد إرتكبَ داود خطيةَ الزنى، ثم إرتكبَ خطيَّةَ القتل، وحاول طمسَ خطاياه لمدةِ سنةٍ كامِلة.

كيفَ يُمكِنُ لرجُلٍ بحسبِ قلبِ الله الذي يعملُ إرادَتَه، كيفَ يُمكِنُ لهُ أن يسقُط بالخطيَّة بهذه الطريقة المأساوِيَّة. نجدُ أن لِخَطِيَّةِ داوُد عدة تفسيرات وأسباب. فأوَّلاً أخطأَ داود لأنَّهُ مُجرَّد إنسان. حتى ولو كان إنساناً تقياً، ولكنَّهُ لم يكُن فوقَ إمكانية الخطية والسقوط الروحي. (أُنظُرْ 1كُورنثُوس 10: 12، 13).

ثانِياً، جعلَ نجاحُ داوُد منهُ شَخصاً ضَعيفاً سَريعَ العَطَب. نقرأُ في صموئيل الثاني 11: 1 "وكانَ عندَ تمامِ السنة في وقتِ خروجِ المُلوك أن داود أرسلَ يوآب وعبيدَهُ معهُ وجميعَ إسرائيل فأخربوا بني عمُّون وحاصَروا ربَّة. وأما داود فأقامَ في أورشليم."

في تلكَ الأيام كان على المُلوك أن يقودوا جُيوشَهُم في المعركة. أما داود فبقيَ هذه المرة في أورشليم، وأرسلَ شخصاً آخر ليقودَ جيشَه. أنا أعتقدُ أن الخروج من إرادةِ الله، كما فعلَ داود، جعلَهُ أكثر عُرضَةً للتجربة. وأنا أُؤمِنُ أيضاً أن داود أخطأَ لأنهُ كان في أَوجِ نجاحِه. قالَ بولُس الرسول، "أعرف كيفَ أتَضِع، وأعرف كيفَ أستفضِل." (فيلبِّي 4: 12). وإن كان الإتِّضاعُ يتطلَّبُ الكثيرَ من النضُج الروحي، فالإستفضالُ يتطلَّبُ من النضجِ الروحي أكثر مما يتطلّبُهُ الإتِّضاع. فنحنُ لا نتَّكِلُ على اللهِ كِفايَةً عندما نَكُونُ مُستَفضِلينَ، الأمرُ الذي يجعَلُنا سَريعي العَطَب رُوحيَّاً.

فبينما كان جيشُ داود يُحاصِرُ ربَّة، نقرأُ أن داود خرجَ ليتمشَّى على شُرفتِهِ، ورأى إمرأةً جَميلَةً تستحمُّ. فأرادَ داود أن يحصلَ على ما رآه. وبما أن داود كان الملك، فكان بإمكانِهِ أن يحصلَ على أي شئ يُريدُه. فأرادَ تلكَ المرأة، وحصلَ عليها. ولقد كان زِنى داود من أسوأ أنواع الزنى. إقرأ القصَّة بتمعُّن. لم يكُن بإمكانِ المرأة بتشبَع أن تقولَ شيئاً. فلم يكُن لها رأيٌ بذلك. يبدو أن بتشبع أحبَّت زوجَها بعُمق. وكان زوجُها أوريَّا واحداً من أبطالِ داود. وكان يُهاجِمُ مدينةَ ربَّة، ويُحاربُ حربَ داود.

عندما إكتشفَ داود أن بتشَبَع صارت حُبلَى منهُ، أرجَعَ داوُد زوجَها أوريَّا من المعرَكَة. وحاوَلَ داوُد لكي يُموِّه خطيَّتَهُ، أن يجعلَ أوريَّا يذهب إلى منزلِهِ وينام مع زوجتِه بتشبَع، فأسكَرَهُ وأرسلَهُ، ولكن أوريَّا رفضَ دخولَ منزِلِه من شدَّةِ ولائِهِ للملِك ولحربِه. فقالَ أوريا، "إن رِجالي هم خارجاً في البرية في أرضِ المعركة، فليس صحيحاً أن أنامَ مع زوجتي اليوم." عندما لم ينجح داوُد في جعلِ أوريا يدخُل إلى منزلِهِ وينام مع زوجتِه، كتبَ داوُد رسالةً لقائدِ جيشِهِ يوآب وأرسَلَها بيد أوريا. وهذا يُرينا أن أوريا كان موضعَ ثِقَةٍ لأنَّهُ لم يفتَحْ الرسالة ويقرأها. وكانت الرسالة تقول، "إجعلوا أوريا في وجهِ الحربِ الشديدة وارجِعوا من ورائه فيُضرَب ويموت." (2صَمُوئيل 11: 15).

ولم يمُر الكثير من الوقت حتى أرسلَ يوآب وأخبرَ داود بجميعِ أُمورِ الحرب في رسالةٍ إلى داود يقولُ فيها، "ولقد قد ماتَ عبدُكَ أوريَّا الحثِّي أيضاً." (21) وبمقتلِ أوريَّا، أصبحَ داود مُذنِباً ليسَ فقط في أبشعِ نوعٍ من الزِنى، بل وأيضاً في أبشعِ نوعٍ من الجريمة، لأنهُ قتلَ واحِداً من أبطالِهِ الأُمَنَاء. عندما تمَّ إعادَةُ ذكر هذه الخطيَّة لاحِقاً في سفرَي أخبارِ الأيَّامِ، تمَّ التَّركيزُ بشكلٍ أساسيٍّ على جريمَةِ قتلِ أُوريَّا الحِثِّي على أنَّها في قَلبِ خَطِيَّةِ داوُد. ولقد أذنَبَ داوُد بإقتِرافِهِ خَطيَّةَ الكَذِب أيضاً. وبحسب الكتاب نجدُ أن داود كتمَ خطيَّتَهُ لمدَّةِ سنةٍ كامِلة. لقد ظنَّ داوُد أن أحداً لم يعرِف بالأمر إلا هو وقائدُ جيشِهِ يوآب. إذا درستَ مزامير داود ووصلتَ إلى نتائج الخطية، ستجدُ أن أسوأَ وأحزنَ سنةٍ في حياةِ داوُد كانت تلكَ السنة عندما كتمَ داود خطيَّتَه. (أُنظُرْ المَزمُورَين 32 و51).

إن الذنبَ الذي شعرَ بهِ داود جعلَهُ مريضاً جسديَّاً. وفي النَّهايَة، إلتَفَتَ داوُد نحوَ الرَّبِّ وقالَ لهُ: "أعتَرِفُ لكَ بِخَطِيَّتي ولا أكتُمُ إثمِي. قلتُ أعترفُ للربِّ بذنبي وأنتَ رفعتَ أثامَ خطيَّتي."(مَزمُور 32: 5). قالَ داود أنَّ على الأتقياء أن يُصلُّوا من أجلِ بهجةِ الغُفران. ألا يعني هذا أنهُ مُمكِنٌ للأتقياءِ أن يُخطِئوا؟ نعم، مُمكِن. ولكن بِمعنىً ما، إن عَظَمَة داود تظهَرُ في طريقةِ تعامُلِهِ مع خطيَّتِهِ فيما بعد، وفي طريقة قُبولِهِ لعواقب خطيَّتِه.

شُعاعٌ منَ النُّور في سَماءٍ مُظلِمَة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 9786