Skip to main content

الفَصلُ السَّابِع مَسمُوعٌ منَ الله

كما رأينا في الفَصلِ السابِق، إنَّ مَلَكُوتَ اللهِ هُو مفهومٌ بالِغُ الأهمِّيَّة، ينبَغي أن نُبقِيَهُ نصبَ أعيُننا عندما ندرُسُ الأسفار التاريخية الستة من أدب المملكة في العَهدِ القَدِيم. علينا أن نبحَثَ في هذه الأسفار أيضاً عنِ النماذِج والتحذيرات التي تُوَفِّرُها لنا. كتبَ بُولُس الرَّسُول قائِلاً "فكلُّ تلكَ الأُمور حدثت لهم مثالاً،" كما يقولُ بولس. لقد دُوِّنت هذه الأسفار كتحذيراتٍ لكَ ولي، نحنُ الذين إنتهت إلينا أواخِرُ الدهور." (1كورنثوس 10: 11). سوفَ نَجِدُ العديدَ منَ النَّماذِج والتَّحذيراتِ في الأسفارِ التي ندرُسُها الآن!

كان سفرا صموئيل الأول والثاني يُعتَبَران سفراً واحداً، وكذلكَ اعتُبِرَ سفرا الملوك سفراً واحداً، وسفرا أخبار الأيَّام سفراً واحداً. في سفرَي صموئيل ، نَجِدُ الحقيقةَ التي يُريدُ اللهُ أن يُشارِكَها معنا، والتي نجدُها في شكلِ شخصيَّاتٍ كتابية، معَ التَّركيزِ على ثلاثِ شَخصِيَّاتٍ رَئيسيَّة. فالإصحاحات الثمانية الأولى تتكلَّمُ عن حياةِ وقيادةِ الرجُل الذي سُمِّيَ السفرُ على إسمِه، صموئيل. فهو مثالٌ عظيمٌ يستطيعُ اللهُ أن يقولَ لنا أشياءَ عديدة من خِلالِ حياتِهِ. في الإصحاحات 9-15، الشخصيَّةُ الرئيسيَّةُ هي الملكُ الأوَّلُ لإسرائيل، شاوُل. وحياةُ شاوُل هي بمثابةِ تحذيرٍ رهيب. وإذ ننظرُ إلى نهايةِ حياتِه، نجدُ أن اللهَ يُعطينا تحذيراً تطبيقيَّاً. إبتداءً من الإصحاح 16 من صموئيل الأوَّل وحتَّى نهاية صموئيل الثاني (أي في ما مجمُوعُهُ ثلاثُونَ إصحاحاً)، نجدُ داوُد كالشخصيَّة الرئيسيَّة. فداود كان أفضلَ ملكٍ في إسرائيل، وقِياساً إلى المساحة التي خصَّصَها الرُّوحُ القُدُسُ لقِصَّةِ داوُد، يُمكِنُ إعتِبارُهُ واحداً من أعظم الشخصيات الكتابية.

بالإضافَةِ إلى المساحَةِ المُخَصَّصة لداوُد في سِفرَي صَمُوئيل، كتبَ داوُد أيضاً حوالي نِصفَ المزامِير. فالكَثيرُ منَ المزامِيرِ التي كتبَها تحتَوي على عناوين تُشيرُ إلى ما كانَ يحدُثُ في حياتِهِ عندما كتبَ هذا المَزمُور أو ذاك. وبإمكانِنا أن نفهمَ المزيد من قراءَتِنا لمزامِيرِ داوُد، إذا تعرَّفَنا على تفاصيلِ سِيرَةِ حياتِهِ كما وردَت في سِفرَي صموئيل الأوَّل والثَّاني. وبإمكانِنا التمتُّعَ بِبَصيرَةٍ أعمَق إلىحياةِ داوُد ومشاعِرِهِ كما نَجِدُها في سِفرَي صمُوئيل، وذلكَ من خلالِ قراءَةِ المزامِير التي كتبها عن الإختِباراتِ التي نجدُها مُسَجَّلَةً في هذينِ السِّفرَينِ التَّاريخيَّين.

فالشَّخصِيَّاتُ الثلاث الرَّئيسة التي سننظُرُ إليها خلالَ دِراسَتِنا لسِفرَي صَمُوئيل الأوَّل والثَّاني، هي صَمُوئيل، شاوُل، وداوُد. فدَعُونا نبدَأُ معَ صَمُوئيل.


صَمُوئيل

يتألَّفُ إسمُ صَموئيل من كَلِمَتَينِ عِبرِيَّتَين تعنيِان "مَسمُوعٌ" و "منَ الله". إن إسم "مسموعٌ من الله" مناسبٌ جداً لهذا الرجل صموئيل بِسَبَبِ طريقَةِ ولادَتِهِ. فوالِدَتُهُ حَنَّة كانت قد عاشَت سنواتٍ طَويلَة معَ مرارَةِ كونِها عاقِراً. وفي تلكَ الأيام، كانوا يعتبرون إنجابَ الطفل علامةً عن بركة الله. فلا بُدَّ أنَّ حنَّة ظَنَّت أنَّ عُقمَها كانَ يعني أنَّ اللهَ لم يَكُنْ راضِياً عليها.

فذاتَ يومٍ، وبينما كانت معَ عائِلتِها تعبُدُ اللهَ في خيمَةِ الإجتِماعِ في شِيلُوه، لهذا تضرَّعت حنَّة باكِيَةً إلى الله وطلبت وجهَهُ وتوسَّلت إليهِ أن يُعطِيَها طفلاً. لقد صلَّت بحرارة من أجلِ ولادةِ صموئيل، وهِيَ تُحَرِّكُ شَفَتَيها بدُونِ أن تُصِدَرَ أيَّ صَوتٍ، لدرجةِ أن الكاهنَ الشيخ، عالي، ظنَّها سكرَى عندما رآها. فقالَ عالي لحنَّة، "إنزعي خمرَكِ عنكِ أيتُها المرأة." (1صَمُوئيل 1: 14). فقالت حنة لعالي أنها ليست سكرى بل كانت تُصلِّي بحرارةٍ إلى اللهِ من أجل ولد. فتأثَّرَ الكاهنُ الشيخ لدرجةِ أنهُ باركَها قائلاً أن اللهَ سوفَ يُعطيها سُؤلَ قلبِها (15- 17). وهكذا بارَكَها الله. فحبِلَت حنَّة وولَدَت طِفلاً دَعَتْهُ صَمُوئيل، لأنَّ الرَّبَّ سَمِعَ طِلبَتَها (20). (في كُلِّ مَرَّةٍ نَجِدُ فيهِ إسماً ينتَهي بإيل في الكتابِ المُقدَّس، يكُونُ لهذا الإسم علاقَةٌ باللهِ، مثل دانيال، لأنَّ كلمة إيل العبريَّة تعني الله.)

بعدَ ولادةِ صموئيل وفِطامِه، أخذتهُ حنَّة إلى الهيكل وأعطت صموئيل حرفيَّاً لله بتقديمِهِ للكاهن عالي. لقد وُلِدَ صموئيلُ لأن اللهَ سمِعَ صلاةَ حنَّة. وهذا يجعلُ منهُ إسماً على مُسمَّى. وهذا الإسم يُناسبُهُ أيضاً لأنهُ عندما كان صموئيل طفلاً يتربَّى في الهيكل من قِبَلِ عالي الكاهن، سمعَ صموئيلُ بنفسِهِ صوتَ الله. (الإصحاح 3) ولقد تكلَّمَ اللهُ مع صموئيل عن أمرٍ رهيب. فإن الكاهن الشيخ الذي كان يُربِّي صموئيل كأبٍ لإبنِه، أصبحَ غيرَ طائعٍ لله. فعالي لم يُؤدِّب أبناءَه. وهكذا كان أولادُ عالي يرتَكِبُونَ الكثير من الشرِّ والفساد في الهيكل، ودَنَّسُوا عبادَةَ الله. (أُنظُرْ 1صمُوئيل 2: 12- 17؛ 22- 25؛ 27- 36). فتكلَّمَ اللهُ إلى الصبي الصغير صموئيل ومن خِلالِهِ أعطى رسالةً للكاهن الشيخ بأنَّهُ سوفَ يُزاحُ عن الكهنوت لأنَّهُ لم يُؤدِّب أبناءَهُ.

ولقد كان الإسمُ "مَسمُوعاً منَ اللهِ" مُناسباً لهُ أيضاً عندما أصبحَ صموئيلُ رجُلاً. تقولُ كلمةُ الله، "وعرفَ جميعُ إسرائيل من دان إلى بئرِ سبع [أي من شمالي إسرائيل إلى جنوبِها] أنَّهُ قدِ أؤتُمِنَ صموئيلُ نبيَّاً للربّ…" (1صَمُوئيل 3ك 19- 4: 1). فسمعَ كُلُّ إسرائيل كلمةَ الله من خِلالِ هذا الرجُل صموئيل، عندما بدأَ خدمتَهُ كنبيٍّ عظيم. فكانت هذه الأسبابُ الثلاثةُ لجعلِ إسمِهِ "مسموع من الله" إسماً على مُسمَّى.

إن صموئيل هو مثالٌ على أكثرِ من وجه. فأوَّلاً، كان هو وأُمُّهُ حنَّة مثالاً عما نُسمِّيهِ اليومَ التنشئة أو التربية المسيحيَّة. فلِكَي نَكُونَ فعَّالِينَ وأتقِياء، نحتاجُ أن نتأمَّلَ بِدَورِنا كوالدين لنَكُونَ دَعوَةً ومَسؤُوليَّةً مُقدَّسَة. ونَحتاجُ أيضاً أن نعتَبِرَ أولادَنا كبَرَكاتٍ عظيمة منَ الله. (مزمُور 127: 3) فعندما نعتَرِفُ بهذا التَّركيز ونُؤكِّدُهُ كأَولَويَّة ، مثل صَمُوئيل، ولاحِقاً مثل يُوحَنَّا المعمدان، فإنَّ أولادَنا سيتمتَّعُونَ بِبَركاتِ التَّنشِئة الرُّوحيَّة.

ثانِياً، كانَ صَمُوئيلُ مِثالاً رائعاً لما يُمكِنُ للتنشِئة بالتَّقوى أن تُنجِزَهُ، وذلكَ عندما نراهُ يُخرِجُ إسرائيلَ من عصُورِها المُظلِمة الرُّوحيَّة، والتي تُعرَفُ "بالأيام التي حكمَ فيها القُضاةُ." يَعتَبِرُ بَعضُ المُفَسِّرين أنَّ صَمُوئيل هُوَ آخرُ القُضاةِ، ولذلكَ تُعتَبَرُ حياتُهُ تُخماً مُهِمَّاً في التَّاريخِ العِبريّ.

نرى مِثالاً إيجابِيَّاً ثالِثاً في أسفارِ صَمُوئيل، عندما نجدُ أنَّ هذا الرَّجُل العظيم كان أيضاً قائداً سياسيَّاً، مُشَكِّلاً حلقَةَ وَصلٍ بينَ زَمَنِ القُضاةِ وبينَ زَمَنِ المُلُوك. فلقد مسحَ صَمُوئيلُ شاوُل وداوُد، الذي كانَ أعظَمَ مَلِكٍ عرفَتْهُ إسرائيل. فعبرَ أزمِنَةِ الإضطِّرابِ، مثل حُكم شاوُل المُتَقَلقِل، إستَمَرَّ صَمُوئيلُ في أمانَتِهِ للرَّبِّ ولِشَعبِهِ إلى نهايَةِ حياتِه.


شَاوُل

بينما تُقدِّمُ لنا حياةُ صَمُوئيل أمثِلَةً إيجابِيَّةً لنقتَدِيَ بها، تضَعُنا حياةُ شاوُل أمامَ تحذيراتٍ خطيرة لنتفاداها. إن شاول هو شخصيةٌ مُثيرةٌ للجدل في الكتاب المقدس، بِسَبَبِ كونِ قصَّة حياتِهِ تُشكِّلُ مُعضِلَةً لاهُوتيَّة: هل يُمكِنُ لإنسانٍ أن يخلُصَ اليوم وأن يهلِكَ غداً؟ يَقُولُ البَعضُ أنَّهُ لا يُمكِنُ أن نخسَرَ خلاصَنا، ويقتَبِسُونَ أعداداً كتابِيَّةً تدعَمُ الموقِفَ القائِلَ أنَّ الضَّالِّينَ يرجِعُونَ دائماً. ولكن هُناكَ آخرُونَ يَقُولُونَ أنَّهُ يُمكِنُ للمُؤمِن أن يفقُدَ خلاصَهُ؛ ويستَخدِمُ هؤُلاء قصَّةَ حياة شاوُل، ومقاطِع أُخرى كثيرَة منَ الكتابِ المُقدَّس، ليَقُولُوا أنَّهُ بالإمكانِ أن تَفقُدَ خلاصَكَ. يبدُو أنَّ شاوُل قد إختَبَرَ التَّجديدَ الحقيقيَّ، ومن ثَمَّ يبدُو وكأنَّهُ فقد ذلكَ العمل العجائِبيّ للتجديد في حياتِهِ. أولئكَ الذين يأخُذُونَ هذا المَوقِف، يُؤمِنُونَ أنَّهُ يتوجَّبُ عليكَ أن تُولدَ من جَديدٍ بعدَ كُلِّ مرَّةٍ تُصبِحُ فيها ضالاً.

أنا أؤمِنُ أن الكتاب المقدس يُعلِّمُ عن سيادة الله وإختيارِه، أو أنَّ اللهَ يختارُنا ويُخَلِّصُنا فقط بنعمتِهِ وسيادَتِهِ. فأنا أُؤمِنُ أن الشخصَ الذي إختبرَ الخلاص الحقيقي والذي وُلِدَ ثانيةً، لا يُمكِنُ أن يخسرَ خلاصَه.

فشاوُل يبدو ذلكَ الإنسان الذي حصلَ على إختبارٍ روحي حقيقي وصارَ إنساناً روحيَّاً. وبعدَ أن مَسَحَهُ صَمُوئيلُ، أعطاهُ اللهُ قَلباً آخر (10: 9). وبسبب الإختبار الذي إجتازَهُ، أصبحَ شاوُل بين الأنبياء وصارَ يتنبَّأ، عندما حَلَّ عليهِ رُوحُ الرَّبِّ بِقُوَّةٍ (10: 10- 11). ومن ثم يتَّضِحُ تماماً، بينما نُتابِعُ دراسَةَ حياةِ شاوُل، أنهُ خسِرَ هذه الروحانيَّة.

ففي الإصحاح التاسِع من صموئيل الأول، تلتقي مع هذا الرجُل شاوُل. ونقرأُ أن شاوُل كان أطول من أيِّ شخصٍ في الأرض من كتفيهِ إلى فوق. وكان شاوُل أيضاً الرجُل الأكثرَ جَمَالاً في أرضِ إسرائيل (9: 2). ولكنَّ شكلَ الإنسانِ الجَسَدِيّ لا ينبَغي أن يُشَكِّلَ مِعياراً على أساسِهِ نحكُمُ ما إذا كانَ الشَّخصُ المَعنِيّ أهلاً للقِيادَة. على العَكس، فإنَّ الرَّبَّ أخبَرَ صَمُوئيل عندما ذهبَ ليمسَحَ داوُد: "لا تَنظُرْ إلى هيئتِهِ ولا إلى قامَتِهِ... فالرَّبُّ لا ينظُرُ إلى الأُمُور التي ينظُرُ إليها الإنسان. فالإنسانُ ينظُرُ إلى الشَّكلِ الخارِجيّ، أمَّا الرَّبُّ فإنَّهُ ينظرُُ إلى القَلب." (16: 7)

عندما تلتقي بهذا الرجُل شاوُل، تَجِدُهُ قد خرجَ هُوَ وصديقُهُ يبحثون عن أُتُنِ أبيهِ، ولكنَّهُم لم ينجحوا في إيجادها. وعندما أصبحوا على وشكِ قطعِ الأملِ من إيجادِها، قالَ صديقُ شاوُل، "أنا أعرفُ أنهُ يُوجدُ نبيٌّ (صَمُوئيل)، في مكانٍ ما هُنا ويُمكِنُهُ أن يُخبرَكَ بأيِّ شيءٍ تُريدُ أن تعرفَه. فلماذا لا نسألهُ عن الأُتُن؟" فذهبوا إلى حيثُ كان صموئيل. وأرادوا أن يسألوا صموئيل عن الاُتُن. وكانَ اللهُ قد حضَّرَ صَمُوئيل بطريقَةٍ عجائبيَّة لهذه الزِّيارَة (9: 3- 14؛ 18- 20).

يقولُ الكتابُ أن اللهَ تكلَّمَ إلى صموئيل في اليوم السابق وقال لهُ، "لأنَّ الرَّبَّ كانَ قد أخبَرَ صَمُوئيل قبلَ يومٍ أنَّهُ غداً نحو هذا الوقت سوفَ يأتي شابٌّ من سبطِ بنيامين لكي يراكَ. إمسحْهُ ملكاً على إسرائيل." (9: 15- 16). فعندما إلتَقى شاوُل بِصَمُوئيل، وجدَ نفسَهُ أمامَ مُفاجَئَةٍ كبيرة.

ودعا صموئيل شاوُل إلى وليمةٍ عظيمة، وأخبرَهُ أنَّ الأُتُنَ قد وُجِدَت، ثُمَّ أعلَمَهُ أنَّهُ هُوَ المَلِك المُنتَظَر لإسرائيل! (1صَمُوئيل 9: 19- 20). فعندما قال صموئيل هذا، قالَ شاول مُندَهِشاً، "أما أنا بَنيامِينيٌّ من أَصغَرِ أسباطِ إسرائيل، وعَشِيرَتي أصغَرُ كُلِّ عشائِرِ أسبَاطِ بِنيامِين." (1صَموئيل 9: 21).

وبذلكَ يَضُمُّ شاوُل صوتَهُ إلى الكثيرينَ من أولئكَ القادة في العهدِ القَديم، الذين عندما كُلِّفُوا بالقيادةِ شعروا بمثل هذا الشعور. فهذا ما قالَهُ جدعون، وهذا ما قالَهُ موسى، مُستَخدِماً الحُجَجَ ذاتِها عندما دعاهُ اللهُ ليَكُونَ المُنقِذَ العَظيم. هل تذكُرُ الحربَ الأهليَّةَ في نهايةِ سفرِ القُضاة؟ فسبطُ بنيامين حاربَ باقي الأسباط وتقريباً قضى عليهِ تماماً، وذلكَ نتيجَةً لِقِيامِ رجالِ جِبعة بنيامِين بإغتِصابِ سَرِيَّةِ رَجُلٍ من سِبطِ لاوِي، ممَّا أدَّى إلى كارِثَةٍ مَقيتَةٍ سَجَّلها الوَحي (أنظُر قُضاة 19- 20). ولقد بقي فقط ستّمائة رَجُلٍ بينامينيٍّ على قَيدِ الحياة، بعدها توقَّفَت باقي أسباط إسرائيل عن مُحارَبَتِهم، وتوجَّبَ إيجادَ زوجاتٍ لهُم لكَي لا ينقَرِضَ هذا السِّبطُ من على وجهِ الأرض (قُضاة 21).

هذه هي خلفيَّةُ شاوُل. فلا عجب أن شاول قال، "أنا من سبطٍ صغير، وعشيرتي هي الذُلَّى." لقد كانت وداعَتُهُ صادِقَةً وسَليمة. ولكنَّ صموئيل رُغمَ ذلكَ تناوَلَ الطَّعامَ معَهُ، ثُمَّ مسحَهُ في اليومِ التَّالِي ليكونَ الملكَ الأول على إسرائيل، بِحَسَبِ أمرِ الله. (1صَمُوئيل 9: 22- 10: 1).

رُغمَ أن شاوُل قد مُسِحَ ملِكاً، ولكنَّهُ لم يكُن ملكاً صالحاً. كان مُمكِناً أن يكون شاوُل مَلِكاً عَظيماً، وشخصاً روحيَّاً جداً. ولَرُبَّما كانَ اللهُ يُخَطِّطُ لجعلِ شاوُل وذُرِّيَّتَهُ مُلوكاً على إسرائيل إلى الأبد. ولكن بِسَببِ عدَم طاعَتِهِ للرَّبِّ نُزِعَ عنهُ المُلك. (1صَمُوئيل13: 13- 14).

فماذا حدَثَ لهذا الرَّجُل الذي غَيَّرَ اللهُ قَلبَهُ؟ فلقد كانَ مَرَّةً صَغيراً في عَينَي نفسِهِ (1صَمُوئيل 15: 17)، ولكنَّهُ أصبَحَ في تلكَ المرحلة يظُنُّ أنَّ أفكارَهُ كانت أكثَرَ أهمِّيَّةً من أفكارِ الله. لقد عصا اللهَ ليسَ مرَّةً واحدَةً، بل إثنَتَين. أوَّلاً في معرَكَةٍ معَ الفِلسطِينيِّين، خافَ عندما تأخَّرَ صمُوئيلُ بالمَجيء لتَقديمِ الذَّبيحَة، فإنتَهكَ شاوُلُ دَورَ الكَاهِنِ وقدَّمَ الذَّبيحَةَ بِنَفسِهِ. (إصحاح 13).

عندَما وَبَّخَ صَمُوئيلُ شاوُل، تَنبَّأَ أيضاً عن حُكمِ داوُد بأنَّهُ سيَكُونُ أعظَمَ نَبِيٍّ سيَمُرُّ في تاريخِ إسرائيل. لقد تنبَّأَ صَمُوئيلُ أنَّ اللهَ سيُعطِي المُلكَ من شاوُل إلى رَجُلٍ يكُونُ بِحَسَبِ قَلبِهِ، يُطيعُهُ ويعمَلُ مَشيئَتَهُ. (13: 14) هذه أوَّل مرَّة نسمَعُ فيها عن داوُد.

يبدو وكأنَّ اللهَ أعطى شاوُل فرصةً ثانية، لأن شاوُل عادَ وتمرَّدَ على الله ولم يُطِعْهُ ثانيةً بِعَدَمِ إبادَتِهِ لِعَمالِيق. (إصحاح 15). فلقد أمرَ اللهُ شاوُل أن يخوضَ حربَ إبادةٍ ضدَّ شعبِ عماليق الوثني. وأُمِرَ أن يفنيَ كُلَّ ما يخصُّ هذا الشعب، بما في ذلكَ قُطعانُ الماشية. ولكن عندما انتصرَ شاوُل وجيشُهُ على عماليق، إحتفظَ شاوُل ورجالُهُ لأنفُسِهم بأفضلِ الغنيمة، وحتَّى أنَّ شاوُل عَفَا عن مَلِكِ عمالِيق. فظهرَ اللهُ لصموئيل وقالَ له، "لقد ندِمتُ أني جعلتُ شاوُل ملِكاً. فهو لم يُطِعْني ثانيةً. عليكَ أن تعزِلَهُ." (15: 11).

في الصباح إنطلقَ صَمُوئيلُ حَزيناً ليُواجِهَ شاوُل، الذي إدَّعَى أنَّهُ أطاعَ الرَّبَّ تماماً، رُغمَ صَوتِ ثُغاءِ الماشِية الذي كانَ يسمَعُهُ صَمُوئيل. (13- 14). ثُمَّ قدَّمَ شاوُل حُجَّةَ كونِهِ هُوَ ورِجالُهُ قد عَفُوا عنِ الماشِيَةِ ليُقدِّمُوها ذَبيحَةً للرَّبّ. ولكنَّ صَمُوئيل لم يُصَدِّقْ شَيئاً من هذا. فقالَ صموئيلُ لشاول، "هل مسرَّةُ الربِّ بالمُحرَقاتِ والذبائح كما باستماعِ صوتِ الرب. هوذا الإستماعُ أفضلُ من الذبيحة والإصغاءُ أفضلُ من شحمِ الكِباش. لأن التمرُّدَ كخطيّةِ العرافة والعِنادُ كالوثنِ والترافيم... ودارَ صموئيلُ ليمضيَ فأمسكَ شاوُل بذيلِ جُبَّتِهِ فانمزق. فقالَ له صموئيل: يُمزِّقُ الربُّ ممكلةَ إسرائيل عنكَ اليوم ويُعطيها لصاحِبِكَ الذي هو خيرٌ منك والذي سيعملُ مشيئةَ الله." (1صَمُوئيل 15: 22- 29).

بعدَ هذا، نَرى أنَّ رُوحَ الرَّبِّ تركَ شاوُل (18: 17). كلمة "إيخابود" التي تُعَبِّرُ عن هذا الواقِع، تعني "زالَ المجدُ." يبدو أن روحَ اللهِ حلَّ على بعضِ الأشخاص في العهدِ القديم، وعندما كانوا لا يُطيعون روحَ الله، كان الروحُ يترُكُهم. اليوم لدينا وعد المسيحِ المُقام أنَّهُ عندما يَسكُنُ فينا، لن يَترُكَنا ولن يُهمِلَنا. (عبرانِيِّين 13: 5) ولكنَّ حياةَ شاوُل أصبَحَت تحذيراً رهيباً لي ولكَ. فُرغمَ أنَّ رُوحَ الرَّبِّ لن يَترُكَنا اليوم، ولكن بإمكانِنا نحنُ أن نترُكَهُ، وأن نُحزِنَهُ أو نُطفِئَهُ. يُمكِنُكَ القول أن حياةَ شاول هي تحذيرٌ ضدَّ العِصيان الممسوح – تحذيرٌ منَ الإستِهتارِ بنعمَةِ وبَرَكَةِ الله.

  • عدد الزيارات: 7068