Skip to main content

الفَصلُ السَّادس مَلَكُوتُ الله - ملكوتُ اللهِ في العهدِ القَديم

الصفحة 2 من 3: ملكوتُ اللهِ في العهدِ القَديم

 

ملكوتُ اللهِ في العهدِ القَديم

لقد تمتَّعَ بنُو إسرائيل تحتَ مُوسى بِقيادَةٍ بِحَسَبِ مشيئَةِ الله. فما أرادَهُ اللهُ لهذا الشعب كان الثيوقراطية، أي حُكمُ الله على الشعب. وكُل ما كان اللهُ يحتاجُه من أجل إقامةِ ثيوقراطيَّة كان نبياً-كاهناً مثل موسى أو صموئيل لاحِقاً. فعندما صعدَ موسى إلى الجبلِ ليتشفَّعَ بالشعبِ أمامَ الله، كان بمثابةِ كاهن (على سَبيلِ المِثال، عدد 11: 1- 2؛ 21: 7). وعندما نزلَ من الجبل إلى الشعب حاملاً كلماتٍ من الله لهذا الشعب، كان بمثابةِ نبي (أُنظُر خُروج 20- 24). فطالما كان عند الله رجلٌ مثل موسى يقومُ بمثلِ هذا العمل، كان بإمكانِ الله أن يقودَ الشعب من خلالِ هذا الرجل. فكان هذا النبي-الكاهن بمثابةِ وسيلة إعلان إرادة الله، وكان اللهُ ملِكَهم. كانت هذه مشيئَةُ اللهِ لِشعبِهِ المُختار.

في سفر صموئيل الأوَّل، كان صموئيل هذا النوع من القادة. لقد كان نبياً-كاهناً. ولكن عندما تقدَّمَ صَمُوئيلُ في السِّنِّ، ورأى الشَّعبُ أنَّ بَنيهِ لم يتمتَّعُوا بإستِقامَةِ أبيهِم، جاءَ الشعبُ إلى صموئيل وقالوا له، "يا صموئيل، نُريدُ أن يكونَ لنا ملكٌ مثلما لسائر الشعوب ملوكُها." (1صَمُوئيل 8: 1- 5) فحزِنَ صموئيلُ واستاءَ كثيراً. وعندما ذهبَ صموئيلُ إلى حضرةِ الله، قالَ لهُ الله، "يا صموئيل، لا تحزن وكأنَّ طلبهم للحُصُولِ على مَلِكٍ مُوجَّهٌ ضدَّك، فهم لا يرفضونك أنتَ، بل يرفضوني أنا. لا يُريدونني أن أكون ملكَهم." ثم قالَ اللهُ لصموئيل، "يا صموئيل، إن كانوا يطلبون ملوكاً، فسوفَ نُعطيهم طلبَهم." (1صمُوئيل 8: 6- 22)

يَصِلُ بنا هذا الأمرُ إلى مَفهُومِ ملكُوتِ الله. فالملكوتُ الذي أرادَهُ شعبُ اللهِ كانَ مَملَكَةً أرضِيَّةً قومِيَّةً تحكُمُ على شَعبٍ مُعَيَّن. ولكَي ينجحَ هذا الأمرُ، إحتَاجَ اللهُ إلى ملكٍ يُطيعُهُ، وإحتاجَ إلى كَهَنَةٍ يدخُلُونَ إلى محضَرِهِ نيابَةً عنِ الشَّعب. وإحتاجَ أيضاً إلى أنبِياء يُكَلِّمُونَ الشَّعبَ وقادَتَهُ بالنَّيابَةِ عنِ اللهِ.

أوَّلُ مَلِكٍ أعطاهُ اللهُ لبَني إسرائيل كانَ يُدعَى شاوُل، الذي مَسَحَهُ صمُوئيلُ ملكاً. (1صَمُوئيل 9). وللأسَف، بَرهَنَ الملكُ شاوُل أنَّهُ غير طائع لله؛ ولم يَكُن لديهِ قَلبٌ ليعمَلَ مشيئَةَ الله. بعدَ بِضعِ سنواتٍ، كانَ على صَمُوئيل أن يُخبِرَ شاوُل أنَّ اللهَ رفضَهُ من أن يكُونَ مَلِكاً على إسرائيل. (1صَمُوئيل 15). وكما سنرى في كُلِّ أدَبِ المملكة، كانَ اللهُ لا يزالُ يستَخدِمُ النَّبِيَّ-الكاهِنَ في عصرِ المملكة. فإذا لَم يعمَلِ المَلكُ بمَشيئَةِ الله، كانَ النَّبِيُّ-الكاهِنُ يُواجِهُهُ بكلمةِ الله. وكانَ يَقولُ لهُ ما معناهُ، "منَ الأفضَلِ لكَ أن تعمَلَ ما يَأمرُكُ اللهُ أن تعمَلَهُ، وإلا ستُعاني أنتَ وشَعبُكَ الأمَرَّين." وعندما أصبحَ شاوُل عاصياً وغيرَ مُطيعٍ لله، فإنَّ صموئيل الذي كانَ لهُ إمتِيازُ تنصِيبِ أوَّلِ مَلِكٍ لإسرائيل، أُمِرَ منَ اللهِ بِعَزل أول ملكٍ في إسرائيل. وبدلاً عن شاوُل، وجَّهَ اللهُ صَمُوئيل ليَمسحَ مكانَهُ الشَّاب داوُد، الذي كانَ رَجُلاً بِحَسَبِ قَلبِ الله، والذي كانَ سيعمَلُ مَشيئَتَهُ. (الإصحاح 16؛ أنظُرْ أيضاً أعمال 13: 22). لقد كان داوُد أفضلَ مَلِكٍ في إسرائيل. ولأنَّ داوُد كان مَلِكاً طائعاً وأرادَ أن يعملَ إرادة الله، عَمِلَ اللهُ من خِلالِه. لم يَكُنْ داوُد مَلِكاً، كما سنَرى لاحقاً، ولكنَّ قَلبَهُ كانَ طائعاً وخاضِعاً بينَ يدَي الرَّبّ.

ولقد خَلَفَ داوُدَ على العرش إبنُهُ سُليمان. وفي البداية بدا وكأنَّ سُليمان سيكون ذلك الرجُل الذي سيستخدِمُهُ الله. فلقد صَلَّى طالِباً الحِكمَةَ ليحكُمَ على شَعبِ اللهِ بالعَدل، الأمرُ الذي كافَأَهُ اللهُ عليهِ بالحِكمَةِ والغِنَى والكرامة (1مُلوك 3: 5- 14). بنى سُلَيمانُ هَيكَلَ اللهِ، الذي كانَ والِدُهُ داوُد قد حَلِمَ بِبِنائِهِ (أُنظُرْ 1أخبار 22).

ولكن في مَرحَلَةٍ مُبكِّرَة من مُلكِهِ إبتعدَ سُليمانُ بِشكلٍ مأساوِيٍّ عن الله. فكانَ لهُ سبعمائة زوجة وثلاثمائة سُرِّيَّة. ولقد عَبدَت هذه النساءُ الأوثانَ، فتَبِعَهُم سُليمانُ في عبادَتِهم الصَّنَمِيَّة. (1مُلوك 11: 1- 8) لقد كانت خَطِيَّةُ داوُد فادِحَةً، كما سنرى لاحِقاً. ولكنَّ خَطِيَّةَ سُليمان هي التي جَلَبَتِ العواقِبَ الوخيمة على هذه الأُمَّة المُختارَة. وهكذا حَلَّ رَحبُعام مكانَ أبيهِ سُليمان ليَكُونَ مَلِكاً رابِعاً على إسرائيل (11: 9- 13).

وكنتيجةٍ لحُكمِ سُليمان، إنقسَمَت المملكة. فكانت توجدُ عشرةُ أسباط في شمالي إسرائيل، الذين سَمُّوا أنفُسَهُم إسرائيل. أما في الجنوب، فكان هُناكَ سِبطَان فقط، سبط بنيامين وسبط يهوذا، اللذين عُرِفت مملكتُهما بإسم يهوذا. ولقد وردَت أسماءُ مُلوكٍ عَديدينَ في أسفارِ مُلوك الأوَّل والثَّاني وأخبار الأيَّام الأوَّل والثاني التَّاريخيَّة. ولم يَكُن في مملكَةِ الشَّمالِ ولا أيُّ مَلِكٍ واحِدٍ صالِح. فأخذَ الأشوريُّون الأشرار والقُساة المملكةَ الشماليَّة بأسباطِها العَشر إلى السبي. ولم ترجعْ هذه الأسباط الشمالية أبداً من السبي، وإنقطَعَ ذكرُهُم من التاريخ. وهزَمَ البابليُّون مملكة يَهُوَّذا الجنوبيَّة. فأُخذ سِبطا بنيامين ويهوذا إلى السبي البابلي لمدَّةِ سبعين سنةً. وعندما إحتلَّت فارسُ بابلَ، أحدُ أوَّل الأُمور التي حدثت عندما سيطرت فارس على بابل، كان أن اللهَ وجَّهَ كوروش الكَبير، أمبراطور فارس العظيم، لكي يُصدِرَ قراراً يسمَحُ لِكُلِّ اليَهُودِ بأن يرجِعُوا إلى أرضِهِم ليبنُوا هيكَلَ الله. (2أخبار الأيَّام 36: 22- 23؛ وعزرا 1).

إنَّ التاريخ العبري ممكن أن يكونَ موضوعاً صَعباً ومُشَوِّشاً، ويحتاجُ القارِئُ إلى شَهِيَّةٍ قَوِيَّةٍ ليستطيعَ قراءَةَ هذه الأسفار، ولكن بإمكانِكَ أن تُحافِظَ على التَّوازُنِ التَّاريخيّ إذا رَكَّزتَ على سبعةِ أُمورٍ عن التاريخ العِبري:

1-المملكة المُوَحَّدَة (تحتَ شاوُل، داوُد، وسُليمان.).

2- المملكة المُنقَسِمة.

3-السبي الأشوريّ للمملكة الشمالية: إسرائيل.

4-إنقراض المملكة الشماليَّة.

5-السبي البابلي للمملكة الجنوبيَّة: يَهُوَّذا.

6-الإحتلالُ الفارِسيّ لبابِل.

7-العَودَةُ من السبي البابلي (الفارِسيّ).

تَلخيصاً لما جاءَ أعلاهُ، كانَ مَلكُوتُ اللهِ في العهدِ القديم حَرفِيَّاً. كانَ المَلَكوتُ آنذاك مجالاً تاريخيَّاً وجُغرافِيَّاً، كانَ يسُودُ عليهِ اللهُ، وكانَ يُريدُ أن يَكُونَ الحاكِمَ الوحيدَ على شَعبٍ خاصٍّ في مكانٍ مُعَيَّنٍ وزمانٍ مُعَيَّنٍ في التَّاريخ. ولكنَّ الشَّعبَ رفضَ اللهَ كملِكٍ عليهِ وطلبَ مُلُوكاً منَ البَشَر وحصلَ عليهم. وكانت النَّتيجَةُ مأساوِيَّةً.

أَتَذَكَّرُ سيِّدَةً لم تقرأ الكتاب المقدس بتاتاً من قبل. ولكنَّها كانت سيِّدةً مُثقَّفةً جداً. قالت، "لم يسبق لي أن قرأتُ هكذا شيء مُرعِب في حياتي من قبل. لو لم يكُن الروح القدس هو الذي أوحى به، لما إستطعتُ تحمُّلَهُ وقُبولَه. إنهُ رهيب!" وهذا صحيح! فعندما تقرأُ في أدبِ المملكة، تجدُهُ رهيباً لأن الله لم يُرِدْ أبداً أن يكونَ لشعبِهِ ملوكاً، ولا أن يحصدوا عواقب حصولهم على مُلوك. لم يكُن اللهُ مسؤولاً عن الأُمور التي نقرأُها في أدب المملكة. بل كان المُلوكُ أنفُسُهم هم المسؤولين، لأن مُعظمَهم كانوا أشراراً. وكان الشعبُ أيضاً مسؤولاً لأنهم أرادوا أن يحصلوا على هؤلاء الملوك. لا تنسَ هذا أبداً عندما تقرأُ أدبَ المملكة.

مَلَكُوتُ اللهِ في العهدِ الجَديد
الصفحة
  • عدد الزيارات: 7817