الفَصلُ الثَّانِي خَيمَةُ العِبادَةِ اليَوم
في سفرِ التكوين نقرأُ أنهُ عندما يُخطِئُ الإنسانُ، فَإنَّ أخطَرَ نتيجَةٍ لِخطيَّة الإنسان كانت طلاقاً – أي إنفصالاً- بين الله والإنسان. إن حلَّ هذه المُعضِلَة الأساسيَّة، والمُصالَحة بعدَ هذا الإنفصال، هو كل ما يتكلَّم عنهُ الكتابُ المقدس. وهذا هو كل ما كانت هذه الخيمة في البرِّيَّة تتكلم عنه.
فلماذا لا نُقدِّمُ نحنُ اليومَ الذبائحَ الحيوانيَّة؟ لأنَّ مُتطلِّباتِ الله تغيَّرت. الرِّسالَةُ إلى العِبرانيين تشرحُ لنا السبب كالتالي: في الإصحاح التاسِع من سفرِ العبرانيين يقولُ الكاتبُ أن خيمةَ العِبادَة كانت مُجرَّدَ رمز، أي بمثابةِ نسخةٍ عن خيمةِ عِبادَةٍ توجدُ في المجالِ السماوي. وهذه الخيمة السماويَّة ليست مصنوعةً من موادٍ مادِّيَّة، بل من موادٍ روحيَّة سماويَّة. فالخيمةُ التي قالَ اللهُ لموسى أن يبنيَها كانت مُجرَّدَ تعبيرٍ منظورٍ وملموس على الأرض عن خيمةٍ روحيَّةٍ غير ملموسَة موصوفَة في عبرانيين 9.
تَذَكَّرُوا أنَّهُ عندما ماتَ يسوعُ على الصليب، إنشقَّ حجابُ هيكَل سُليمان من فوقُ إلى أسفَل. تذكَّرُوا أنهُ مرَّة واحِدَة في السنة، كانَ يدخلُ رئيسُ الكهنة إلى قُدسِ الأقداس، وكانَ يَرُشُّ دَماً ليُكَفِّرَ عن خطايا الشَّعبِ بأسرِهِ. وبنفسِ هذا المعنى، عندما ماتَ يسوعُ على الصليب أصبحَ رئيسَ كهنتِنا الأعظم، وبهذا دخلَ في السماءِ إلى الخيمةِ السماويَّة. فأمامَ المذبحِ النُحاسي في الخيمةِ السماويَّة، قدَّمَ موتَهُ كالتتميمِ النِّهائي لكلِّ الذبائح الدمويَّة. ثمَّ تقدَّمَ إلى المِرحَضَة وجعلَ التطهير الكامِل من الخطايا مُمكِناً.
قبلَ مَوتِ المسيح، لم يَكُنِ مُمكِناً لِلخاطِئ أن يقتَرِبَ منَ الله. فقط الكاهِنُ كانَ بإمكانِهِ أن يقتَرِبَ منَ اللهِ لِيَتَشَفَّعَ بالخاطِئ. ولكنَّ كلَّ هذا إلتَغى عندما ماتَ يسُوعُ على الصَّليب. فعندما ماتَ يسُوعُ على الصَّليب، مكَّننا أنا وأنتَ منَ الدُّخُولِ إلى محضرِ اللهِ.
تطبيقٌ آخر هامٌّ هُوَ أنَّ أجسادَنا هي الآن هياكِلُ للهِ. ولقد كتبَ بُولُس ما معناهُ، "ألستُم تعلمونَ أن روحَ اللهِ ساكنٌ فيكُم؟ إن كانَ أحدٌ يفسِدُ هذا الهيكَل، يُفسِدُهُ الله، لأن هيكلَ اللهِ مُقدَّسٌ الذي أنتُم هو." لقد حاوَلَ الرَّسُول بُولُس أن يُوصِلَ هذه الحقيقة لِلكُورنثِيِّين، الذين كانُوا يُواجِهُونَ الخطايا الجِنسيَّة. فقالَ لهُم: "جسدُكم لم يُخلق للجنس، بل لله. ألستُم تعلمونَ أن جسدَكم هو هيكلُ الله، وأن اللهَ ساكِنٌ فيكم؟" (1كُورنثُوس 6: 15- 20). وفي كولوسي 1: 27، يَقُولُ الرسول بولس عنِ المُؤمنين، "الذين أرادَ اللهُ أن يُعَرِّفَهُم ما هُوَ غِنَى مجدِ هذا السِّرّ في الأمَم، الذي هُوَ المسيحُ فيكُم رَجاءُ المَجد." نعمَ، فالمسيحُ الساكِنُ فيكُم هُوَ الذي يأتيكُم بِكُلِّ الأُمُورِ المجيدَةِ العَتيدة.
فالمسيحُ فيكُم هُوَ مُعجِزَة. لأنهُ يعني أن حضورَ اللهِ يسكُن فيكم؛ بل يعني أيضاً أنَّ لديكُم كل القوة التي تحتاجونها لتعيشوا الحياة التي يُريدُها اللهُ لكُم.
والآن دَعُونا نتأمَّل في التطبيقات الروحية الجميلة لخيمة العبادة هذه على حياتِنا. فعندما تستيقظُ في الصباح، أُشَجِّعُكَ على أن تَتَمتَّعَ بِفترة التأمُّلِ والعِبادَة، حيثُ تقضي وقتاً في حضرةِ الله قبلَ أن تخرجَ إلى العالم لتعيشَ نهارَك. وعندَما تفعَلُ ذلكَ، حاوِل أن تجدَ طريقَكَ عبرَ خيمة العِبادة. فقط تصوَّر أنكَ تمرُّ أمامَ المذبحِ النُحاسي، وَثِقْ بالأخبارِ السَّارَّةِ أنَّ يسوعَ المسيح كانَ حملَ اللهِ الذي ماتَ على الصَّليب لِيغفرَ خطاياك. فإن لم تَكُنْ بعدُ قد آمنتَ بالمسيحِ لِغُفرانِ خطاياك، إفعَلْ ذلكَ الآن. وبعدَ هذا أُشكُر الله لغفرانِهِ خطاياك على صليبِ يسوع، وأكِّدْ إقتناعَكَ بأنهُ كان الذبيحةَ الكامِلَة لِغُفرانِ خطاياك.
والآن تخيَّل أنكَ تُتابِع طريقَكَ نحو المِرحَضَة، حيثُ ستغسلُ يديكَ وقدميك، وحيثُ ستحتاجُ لهذا الغسلِ باستمرار. فهل هُناكَ أُمورٌ وسِخَةٌ ولا تُرضي الله في حياتِكَ؟ إعترفْ بها واتركها، واطهُرْ. ثمَّ أدخُل مجازيَّاً إلى القُدس، وقِفْ أمامَ المنارة واشكُر الله على الإعلان، وعلى عدم تركِكَ في الظلمة. أُشكُرْ الله أنَّهُ لم يترُككَ في الظُّلمَةِ فيما يتعلَّقُ بالحياةِ والخلاص. وأشكُر اللهَ على كَلِمَتِهِ.
ثمَّ تصوَّر نفسَكَ واقِفاً أمامَ مائدةِ خبزِ الوجوه، واشكر الله على تأمينِه إحتياجاتك. إعترفْ بروحِ عِرفان الجميل أن اللهَ هو مصدرُ كل قطعةِ خبزٍ لديك، وكل مقتنياتك، وكل ما يسدُّ حاجاتِك. إعتَرِفْ بأنَّ اللهَ هُوَ الذي يُلِّبي كُلَّ إحتِياجاتِكَ هذهِ، وأعتَرِف بذلكَ بِعُرفانِ جميلٍ لهُ.
وبعدها فكِّر بمذبحِ البخور، وبمُعجزةِ الصلاة. وإقضِ وقتاً في الصلاة من أجلِ تفاصيلِ إحتياجاتِكَ، ومن أجلِ التَّحدِّياتِ التي تُواجِهُها في كُلِّ يوم.
وعندها عندما تُفكِّر بقدس الأقداس، ضعْ أمامَكَ ذلكَ التحدِّي الذي يُذكِّرُكَ أن هناكَ حضور الله الجليل، ليسَ فقط روح الله الساكِن فينا، بل إمكانيَّة أن تكونَ في حضرةِ الله الحقيقيَّة أينما كُنتَ في العالم. فنحنُ لم نَعُدْ بحاجَةٍ إلى كاهِنٍ لندخُلَ إلى محضَرِ اللهِ. ولم يَعُدْ واجِباً علينا أن نجتازَ عبرَ نظامِ العبادَةِ الحرفِي المُبَيَّن في خيمَةِ العبادة، لأنَّهُ عندما ماتَ المسيحُ على الصَّليب، مكَّنَنا من أن نقتَرِبَ مُباشَرَةً من حضرَةِ الله.
هُناكَ تطبيقاتٌ روحيَّةٌ تَعَبُّدِيَّةٌ كَثيرَةٌ يُمكِنُ إستِخلاصُها من خيمةِ العبادَةِ في البَرِّيَّة. وهذا أهمُّها: لا يزالُ مُمكناً لرجلٍ خاطئ أو إمرأةٍ خاطئة الإقتراب من الله القدوس والدخول إلى حضرتِهِ من خِلالِ طريقةِ عيش جديدة، التي أصبحت مُمكِنَة بواسطةِ يسوع المسيح ربَّنا.
عندما نَقدُرُ قِيمَةَ ما توجَّبَ على اللهِ عملُهُ ليجعَلَ هذا مُمكِناً، سوفَ نَظُنُّ أنَّ النَّاسَ سيتراكَضُونَ إلى محضَرِ الله. ولكن لماذا ليست الحالُ هكذا؟ هل سبقَ ودخَلتَ إلى محضَرِ اللهِ القُدُّوس؟ قالَ يسُوع، "أنا هو الطريقُ والحقُّ والحياة، ليسَ أحدٌ يأتي إلى الآب إلا بي." (يُوحَنَّا 14: 6) نرى هذه الحقيقةَ الروحيَّة الإنجيليَّة العظيمة مُمَثَّلَةً في خيمةِ العبادَة. فاللهُ يُريدُ أن يلتقيَ معكَ وأن يجعلَ من حياتِكَ خيمةً لهُ.
وهكذا، وبعدَ أن حصلنا على وجهةِ نظرٍ عن خيمةِ العِبادَة، أصبحنا مُستعدِّينَ لدراسة سفر اللاويين القصير.
إن سفرَ اللاويين كانَ بالحقيقَةِ بمثابةِ دليلٍ يستخدمهُ الكهنة. فهُوَ يقدِّمُ دليلاً يُعطِي للكهنةِ تعليماتٍ مُفَصَّلَةً عن كيفيَّةِ ذبحهم للحيوان، وماذا يفعلون بأحشائِهِ وبأجزائهِ المُختلِفة. بالطبعِ هذا ليسَ موحِياً لنا مثل المزمور الثالث والعشرين (الربُّ راعيَّ)، ولا مثل الإصحاح الثالث عشر من رسالَة كورنثوس الأولى. ولكن أرجو أن لا يتبادَر لأذهانكم أنه لا توجد حقائقُ روحيَّة أو تطبيقاتٌ تأمُّلية يُمكنُ الحصولُ عليها من سفر اللاويين. فهذا السفرُ مليءٌ بالحقائق الجميلة التي أرجو أن أُبرزَ بعضَها.
الأجزاء
ينبغي معرفة أنَّ هذا الدليل مقسوم إلى ثلاثة أجزاء. تُشدِّدُ الإصحاحاتُ السبعة الأولى من سفرِ اللاوِيِّين على الذبائح. فهذا السِّفرُ يُعَلِّمُ الكهنةَ بالتَّدقيقِ كيفيةَ تحضير هذه الذبائح، وهُوَ يُعطينا أيضاً بصيرةً لنفهمَ معنى هذه الذبائح أيضاً.
أما في الإصحاحات 8-10، فالتَّركيزُ فيها هو على الخُدَّام أو على الكهنة أنفسِهِم. فهذه الإصحاحات الثامن، التاسع، والعاشر تقدِّمُ تعليمات مُهمَّة عن الكهنة، وعن أي نوعٍ من الرجال ينبغي أن يكونوا، وعلى أي مستوى ينبغي أن يعيشوا. تَطبيقيَّاً، تُوجَدُ الكثيرُ منَ الحقائِقِ التَّعبُّدِيَّة الجَميلة في هذه الإصحاحات.
أما قلبُ سفر اللاويين فنجدُهُ في الإصحاحات 11-22. وأنا أُسمِّي هذا القسم من السفر "التقديس." فكلٌّ من خيمة العبادة والكهنة الذين خدموا فيها كانوا بمثابةِ شهادة الله للعالم أجمع أن شعبَ الله المُختار كان شعباً مُقدَّساً لأن إلهَهُم قدوس. والتشديدُ في هذه الإصحاحات 11-22 هو أنَّ هذا الشعب اختِيرَ ليكونَ شعباً مُمَيَّزاً ومُختلِفاً. فكلمة مُقدَّس تعني "يخصُّ الله." كانَ على هؤلاء الكَهَنَة أن يَعِيشُوا كأشخاصٍ يَخُصُّونَ الله.
وفي الإصحاحات 23-25 لدينا ما أُسمِّيهِ "الخدَمات." فهناكَ الكثيرُ من الأيَّام والأعياد المقدَّسة في الإيمان اليهودي. وتجدُها مُوثَّقَةً في الأسفار الخمسة الأولى في الكتاب المقدس. وبما أن هؤلاء الكهنة هم الذين كانوا سيقومون بالخدمة خلال هذه الأعياد المقدَّسة، إحتاجوا لتعليماتٍ للقيامِ بذلك.
وعندما تصلُ إلى هذا القسم من سفر اللاويين، إسألْ نفسَكَ هذا السؤال: بماذا أرادَ اللهُ أن يُذكِّرَ الكهنة عندما أسَّسَ لهم يوماً مُقدَّساً كالفصحِ مثلاً؟ ثم إسأل نفسَكَ: لماذا أرادَ اللهُ أن يتذكَّرَ الكهنةُ هذه الأُمور؟
التَّطبيقاتُ
أنا أُسمِّي الإصحاحين الأخيرين من سفر اللاويين "التسليم." فكلٌّ من سفر اللاويين والتثنية ويشوع تُختَتَمُ بعِظاتٍ تَطبيقيَّةٍ قَوِيَّة. فهذه الأسفارُ الثلاثةُ تُختَتَمُ بتحريضٍ عظيم جليل لشعبِ الله بإطاعةِ نواميسَ الله وبأن يكونوا شعبَاً مقدَّساً كما دعاهُم الله. فلقد تم تحريرُهُم وخلاصُهم ليكونوا قدِّيسين. التَّحريضاتُ المَوجُودَة في نهايَةِ سفرِ اللاوِيِّن تجعَلُ من هذه الإصحاحاتِ الأخيرة من هذا السِّفر في غايَةِ الدِّينامِيكِيَّة. لقد قالَ موسى أنهُ كانَ يتلعثمُ في الكلام، وأنَّهُ كانَ يلدَغُ. ولكن هُنا يبدو موسى في قمَّةِ بلاغتِهِ وفصاحتِه.
تطبيقاتٌ تعبُّدِيَّة، شخصِيَّة، وعَمَلِيَّة
دَعُونا ننظُرُ الآن إلى بَعضِ البَركاتِ التَّعَبُّدِيَّة التي يُمكِنُنا إيجادُها في سفرِ اللاوِيِّين. فمثلاً أُنظروا إلى الجزءِ الأوَّل، "الذبائح." الإصحاحاتُ السَّبعَةُ الأُولى من هذا السِّفر تحتَوي على بعضِ الحقائِقِ الجَميلة المُختَصَّة بالطريقة التي بها تعلَّمَ الكهنَةُ تقديمَ الذَّبائحِ لله. مثلاً، عندما ينزلُ الخاطئُ إلى خيمةِ العبادة طالباً الغُفران، كان الكاهنُ يلتقيهِ عندَ بابِ الخيمة. وكانَ يُعلِّمُهُ الكاهِنُ عن معنى الذبيحَة التي كان سيُقدِّمُها.
بالإضافَةِ إلى مَسؤوليَّاتِهم الأُخرى، كانَ الكَهَنةُ مُعَلِّمِي شعبِ اللهِ أيضاً. فعندما يأتي الخاطئُ بذبيحتِهِ الحيوانيَّة، كانَ يُعَلِّمُهُ الكاهِنُ أن يضعَ يدَهُ على رأسِ الحيوان. وعندما كانَ الخاطِئُ يفعَلُ هذا، كانَ يُصبِحُ الحيوانُ بَدِيلَهُ. وهكذا فإن قصاصَ المَوت الذي إستحقَّهُ الخاطئ يُدفعُ تماماً بموتِ الحيوان وليسَ بموتِ الخاطِئ. من هُنا تأتي عِبارَة "كَبشُ المُحرَقَة، أو كَبشُ الفِداء." هذا كان المعنى وراء تقديم الذبيحة. وهذا ما يُسمِّيهِ اللاهوتيون "الكفَّارَة البديليَّة،" عندما يُطَبِّقُونَ هذا الرَّمزَ الجَميل على موتِ يسُوع المسيح على الصَّليب من أجلِ خَطَايانا.
بينما تقرَأُونَ هذا السِّفر، سوفَ تكتشفُون فيما يتعلَّقُ بالذبائح أنهُ مرَّت أوقاتٌ في تاريخ إسرائيل عندما أخطأَت الأُمَّة بكامِلِها. ولهذا كان ينبغي أن تحصُلَ توبةٌ للشعبِ بكامِلِه. فعندما كانوا يُدرِكُونَ خُطُورَةَ الشر الذي فعلوه،كانَ عليهم أن يُقدِّموا ثوراً فتيَّاً كذبيحةِ خطيَّة. وعليهم أن يأتوا بهِ إلى خيمةِ العبادة حيثُ سيضعُ قادةُ الشعبِ أيديَهُم على رأسِ هذا الحيوان، ثم يذبحونَهُ أمام الرب. عندها سيقومون بالعمليَّةِ ذاتِها التي يقومون بها عندما يُقدِّمون ذبيحة خطيَّةٍ إعتياديَّة. وبهذه الطريقة، يُكفِّرُ الكهنةُ عن كل الشعب. ألن يكونَ رائعاً لأمَّةٍ أن تختبِرَ مثل هذه التوبَة الجماعيَّة عن خطيَّة الوطن. إنَّ التَّوبَةَ الوَطَنِيَّة عن خَطِيَّةِ الأُمَّة هي حَدَثٌ رائِعٌ إذا حَدَثَ في أيَّةٍ أُمَّة. هذه هي إحدى المُمارسات الموصوفة في سفر اللاويين.
كانَ هؤلاء الكهنة رجالاً ممسوحين؛ أي أنَّهُم كَكَهَنة، ينبَغي أن يكُونُوا تحتَ قيادَةِ الرُّوحِ القُدُوسِ وسيطَرَتِهِ. وللدَّلالةِ على ذلك كانوا يُمسَحُونَ بدمِ الذبيحة خلفَ آذانهم، وعلى أباهِم أيديَهم وأَرجلِهم اليُمنى. وكان هذا رمزاً جميلاً يقولُ للكهنة، "أنتُم رجالٌ مُقدَّسون. وعليكُم قيادَة الشعب ليكونوا قدّيسين. وكل ما تسمعونَهُ أو تَلمُسُونَهُ أو تُمسِكُونَهُ بأيدِيكُم، وكُلُّ مكانٍ تذهَبُونَ إليهِ، ينبغي أن يكونَ ممسوحاً بالروح القدس."
في سفرِ اللاويين سوفَ نجدُ أيضاً إيضاحاً عما نعنيهِ عندما نقول أن موسى كتبَ عن يسوع عندما كتبَ أسفارَ الناموس. ففي العهدِ الجديد، عندَما كان يسوعُ يشفي إنساناً أبرَص، كانَ دائماً يقولُ لهُ، "إذهب أَرِ نفسَكَ للكهنة." لماذا فعلَ يسوعُ هذا؟ لأنَّ هذا التعليم موجودٌ في سفرِ اللاويين.
عندما نقرَأُ الإصحاحات الأخيرة من سفر اللاويين، نجدُ الكثيرَ منَ المُحتَوى التَّعَبُّدِيّ في مواعِظَ موسى الرائعة. على سَبيلِ المِثال، تَجِدُ اللهَ يَقُولُ، "إذا سلكتُم في فرائضي وحفِظتُم وصايايَ وعمِلتُم بها. أُعطي مَطَرَكُم في حينِه وتُعطِي الأرضُ غلَّتَها وتُعطي أشجارُ الحقلِ أثمارَها. ويلحقُ دراسُكُم بالقِطافِ ويلحقُ القِطافُ بالزرعِ فتأكلونَ خُبزَكُم للشبعِ وتَسكُنُون في أرضِكُم آمنين. وأجعلُ سلاماً في الأرضِ فتَنَامُونَ وليسَ من يُزعِجُكُم. وتطرُدونَ أعداءَكُم فيسقُطُونَ أمامَكُم بالسيف. يطرُدُ خمسةٌ منكُم مائةً ومائةٌ منكُم يطرُدونَ رِبوةً ويسقطُ أعداؤكُم بالسيف. وأسيرُ بينَكُم وأَكونُ لكُم إلهاً وتكونون لي شعباً." (لاويين 26: 3- 12).
وسوفَ تكتشِفُونَ في سفرِ اللاويين أن هُناكَ أموراً مُحظَّرَة، مثل الشذوذ الجِنسِي. فحياةُ الشذوذ لا تتطابقُ مع خطةِ الله لشريكَي حياة يُصبِحانِ والدَين يُنجِبان أولاداً يُصبِحونَ بدورِهم شُركاءَ ووالدِين. فالشُّذُوذُ الجِنسيُّ مُحَظَّرٌ لأنَّ مائِدَةَ العواقِب الوَخيمة المُتَرتِّبَة عليهِ لَيسَت جَيِّدَة. لقد تكلَّمَ مُوسى عن هذه المُشكِلَة بشكلٍ واضِحٍ ومُباشَر. ولهذا حكَمَ موسى على الشذوذ الجنسي بصَرَامَةٍ قاطِعَة. ونجدُ أن سفرَ اللاويين يحكُمُ أيضاً على السحر والشعوذة والرُّقيَة والعِرَافَة وأمثالِها. وهكذا فإنَّ نواميسَ موسى صارِمَة لأنَّهُ على شعبِ الله أن يكونوا قدِّيسين. فالقداسةُ هي النَّتِيجَةُ النِّهائِيَّةُ التي يَرغَبُ اللهُ أن يُعَلِّمَها لِشعبِهِ في سفر اللاويين.
أرجو أن تكونَ هذه المُقدِّمَة والإستطلاع لسفر اللاويين قد جعلت هذا السفر مفهوماً وسبب بركةٍ لكَ. لأنَّكَ، وكما تتذكَّر، فإنَّ هذا السفر كان بمثابةِ دليلٍ للكهنة، وأظهرَ لهُم كيفَ يكونون ممسوحين كرجالٍ قديسين ليَخدِموا الله القدوس. "كونوا قدِّيسين لأنِّي أنا قدُّوس، يقولُ الربُّ." هذه هي رسالةُ سفر اللاويين لكَ ولي.
- عدد الزيارات: 7795