Skip to main content

الفَصلُ الثَّانِي الكِتابُ المُقدَّس: هدَفُهُ، كتابَتُهُ، وأُصُولُهُ

هَدَفُهُ

إبتِداءً من سِفرِ التَّكوين، وَوُصُولاً إلى سفرِ الرُّؤيا، يتكلَّمُ الكتَابُ المُقدَّسُ عن يسُوع المسيح. فالكِتابُ المُقَدَّسُ لَيسَ تارِيخَ حضَارَةٍ أو كتاباً عِلميَّاً عنِ الخَلقِ. يعتَقِدُ البَعضُ أنَّ الكِتابَ المُقدَّسَ هُوَ بِشكلٍ أساسيٍّ دَليلٌ لِعَيشِ حياةٍ أخلاقِيَّةٍ صالِحة؛ ويَظُنُّ الكَثيرُونَ أنَّ يسَوعَ قُدِّمَ فقط كَمُعَلِّمٍ وكمِثَالٍ لهذا النَّمَط منَ الحياة. ولكنَّ يسُوعَ المسيح هُوَ مَوضُوعُ الكتابِ المُقدَّس المَركَزِيّ. تأييداً لهذا المَوضُوع، نَجِدُ في الكتابِ المُقدَّسِ أيضاً أربَعَةَ أهدَافٍ. الهَدَفُ الأوَّلُ هُو: تقديمُ يسُوع المسيح كَفَادِي ومُخَلِّص هذا العالم. ولكن لِكَي نفهَمَ هذا المَوضُوعَ، الذي هُوَ هدَفُنا الأوَّلَ، نحتاجُ أن نفهَمَ ضَرُورَةَ المُخَلِّص. الهَدَفُ الثَّانِي منَ الكتابِ المُقدَّس هُوَ أن يُوَفِّرَ لنا الإطارَ التَّاريخي الذي فيهِ أتى المسيحُ.

ولكن في تَكوين 12، يبدَأُ سَيرُ القِصَّةِ بالتَّباطُؤِ بِِشدَّة. فمن هذا الإصحاح، وُصُولاً إلى آخِرِ سفرِ الرُّؤيا، أي الإصحاحات ال 1178 المُتَبَقِّيَة، نَجِدُ أنَّ مَجالَ سَردِ القِصَّةِ يَضِيقُ ويُصبِحُ أكثَرَ تخَصُّصاً. فمن هذه النُّقطَة فصاعِداً، تُصبِحُ القِصَّةُ عن إبراهيم وذُرِّيَّتِهِ، خاصَّةً ذلكَ النَّسلُ المُتَحدِّرُ منهُ، والذي بهِ سَتَتَبارَكُ جَميعُ الأُمَم، أي المَسِيَّا يسُوع المسيح.

عندما نَفهَمُ هذين الهَدَفَينِ الأوَّلَين، يُصبِحُ الهَدفَانِ التَّالِيانِ أوضَحَ بِكَثيرٍ. فالهَدَفُ الثَّالِثُ هُوَ قيادَةُ غَيرِ المُؤمنِ إلى الإيمان؛ والرَّابِعُ هُوَ إظهارُ كيفَ يُريدُ اللهُ المُؤمِنَ أن يعيشَ. 


كِتابَتُهُ

من كَتَبَ أسفَارَ الكِتابِ المُقدَّس؟ متَى وأين؟ وبأيَّةِ لُغَةٍ أو لُغاتٍ؟ وهل لا تَزالُ تُوجَدُ مخطُوطاتٌ أصلِيَّةٌ؟ منِ الذي قَرَّرَ ماذا ينبَغي أن يتضمَّنَ الكِتابُ المُقدَّسُ، ومنَ الذي وضعَ تنظيمَهُ كما هُوَ عليهِ اليوم؟ إنَّ هذا النَّوع منَ الأسئِلَة سوفَ يَطرَحُ نفسَهُ عليكَ قبلَ أن تقطعَ شَوطاً كبيراً في قراءَةِ الكتابِ المُقدَّس.

دَعُونا نُفَكِّرُ أوَّلاً بِكِتابَةِ الأسفارِ المُقدَّسة. لقد سبقَ وقُلنا أنَّ اللهَ هُوَ بالطَّبع من ألَّفَ الكِتابَ المُقدَّسَ، من خلالِ أقلامِ أُناسٍ إستَخدَمَهُم، سوفَ نتَكَلَّمُ عنهُم لاحِقاً. ولكن قبلَ كُلِّ شَيء، هُناكَ كَلِمتانِ نحتاجُ أن نفهَمَهُما، عندما نتكلَّمُ عن كَونِ اللهِ كَتَبَ هذه الأسفار. الكَلِمَةُ الأُولى هي الإعلانُ. والإعلانُ هُوَ العبارَةُ العامَّة التي تُغَطِّي كُلَّ الطُّرُق التي يُعلِنُ بها اللهُ الحَقيقَةَ للإنسان – عبرَ الطَّبيعة، عبرَ الرُّوحِ القُدُس، عبرَ الأنبِياء، وعبرَ وسائِلَ أُخرى. الكَلِمَةُ الثَّانِيَة هي الوَحي. هذه العِبارَة تُشيرُ إلى ما يُسمِّيهِ اللاهُوتِيُّونَ بالإعلانِ الخاصّ. فالكِتابُ المُقدَّسُ هُوَ إعلانُ اللهِ الخاصّ. فلَدَيهِ بدايَةٌ، ولدَيهِ نهايَة. وعبرَ حوالَي ستَّةَ عشرَ قَرناً، حرَّكَ اللهُ أُناساً ليَكتُبُوا هذه الأسفار. ولكن عندما كُتِبَت الكَلِماتُ الأخيرَةُ في سفرِ الرُّؤيا، أُكمِلَ إعلانُ اللهِ الخاصّ. وهكذا فإنَّ الإعلانَ الخاصّ، أو ذلكَ النَّوع من الوَحي، لم يَعُدْ يحدُث اليوم.

والآن، وبعدَ أن تحقَّقنا من أنَّ اللهَ كتبَ هذهِ الأسفار المُقدَّسة في الكتابِ المُقدَّس، علينا أيضاً أن نعتَرفَ بأنَّ البَشَرَ أيضاً هُم الذين كتَبُوا هذه الأسفار. ولقد كانَ هؤُلاء البَشَر مُلُوكاً، صَيَّادي سَمَك، رُعاةَ غَنم، قادَةً عسكَرِيِّين، كَهَنَةً وجُنَاةَ جُمَّيز. واحِدٌ منهُم كانَ طَبيباً، وآخَرُ كانَ عَشَّاراً. لقد كانُوا ينتَمُونَ إلى فِئاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ من البَشَر.


 أُصُولُهُ

من قَرَّرَ أيَّةَ كِتاباتٍ ينبَغي أن تُتَضَمَّنَ في الكتابِ المُقدَّس، ومتى قُرِّرَ ذلكَ؟ وكيفَ إتُّخِذَت هذه القراراتُ؟

حوالي العام 100 ميلاديّ، في مجمَعِ جَمَنيا، تمَّ جمعُ أسفارِ العهدِ القديم، رُغمَ أنَّها كانت قيدَ الإستِعمال منذُ ثلاثَةِ أو أربَعَةِ قُرون. ولقد تمَّ ضَمُّ الأسفار بناءً على مِصداقِيَّةِ هُوِيَّةِ كاتِبِها، وعلى حُسنِ سِيرَتِهِ كنَبِيٍّ أو كَكَاتِبٍ. مُعظَمُ هذه الأسفار كُتِبَت بالعِبرِيَّة.

أسفارُ العهدِ الجَديد، التي كُتِبَ مُعظَمُها باليُونانيَّة، تمَّ إختيارُها وجمعُها حوالَي العام 692 ميلادِيَّة، في مَجمَعِ ترُولان. والمِعيارُ الذي على أساسِهِ تمَّ إختِيارُ هذه الأسفار يُسمَّى القانُونيَّة، ويأتي تحتَ أربَعَةِ مقاييس أو معايير فَرعِيَّة:

1-هل قامَ رَسُولٌ أو شخصٌ مُقَرَّبٌ من رَسُولٍ بكتابَةِ هذا السِّفر؟

2-هل كانَ لهذا السِّفر ذلكَ النَّوع منَ المُحتَوى الرُّوحِيَّ التَّعَبُّدِيّ الذي أوصلَ النِّعمَةَ إلى قُلُوبِ المُؤمنين؟

3-هل تَوافَقَ مُحتَوى هذا السِّفر معَ مُحتَوى الأسفار الأُخرى المُوحاة،

4-وهل كانَ يَتَوفَّرُ قُبُولٌ شامِلٌ من قِبَلِ الكنائِسِ حولَ وَحيِ هذا السِّفر؟

فكيفَ يُمكِنُ أن تَكَونَ أسفارٌ قد كُتِبَت منذُ آلافٍ السِّنين وهي لا تزالُ مُتواجِدَةً بينَ أيدِينا اليوم؟ لقد تمَّ حِفظُ هذه الأسفار بِعِنايَةِ فائِقَة. منَ الواضِحِ أنَّهُ لا يُوجَدُ لدَينا أيَّةُ مَخطُوطَةٍ أصلِيَّةٍ؛ فالوَرقُ لا يَعيشُ كُلَّ هذه الأيَّام والسِّنين. ولكن لدينا نِسخٌ مُمتازَةٌ عن هذه المَخطُوطاتِ الأصليَّة. ولقد تمَّت ترجَمَتُها بِعنايَةٍ كَبيرَة إلى لُغاتِنا المُعاصِرَة. 


خاتِمَة

كيفَ يُمكِنُنا أن نعرِفَ تماماً ما إذا كانَ الكِتابُ المُقدَّسُ هُوَ بالفِعل كلمة الله المُوحَى بها؟ وكيفَ يُمكِنُنا أن نتأكَّدَ ما إذا تمَّ إختِيارُ الأسفارِ الصَّحيحة، وأنَّهُ لم تُرتَكَبْ أخطاءٌ في النَّسخِ أو في التَّرجَمة؟ هُناكَ طريقَةٌ واحِدَةٌ لمَعرِفَةِ ذلكَ، يُخبِرُنا عنها يسُوع. قالَ يسُوع، "إذا أرادَ أحَدٌ أن يعمَلَ، فسَيَعلَمُ." فالطريقَةُ مَوجُودَةٌ في قَلبِكَ. عندما تقتَرِبُ من كَلِمَةِ اللهِ، وأنتَ مُزَوَّدٌ بإرادَةٍ لتعمَلَ بما تَقُولُهُ كلمَةُ اللهِ هذه، وعندما تعمَلُ بما تَجِدُهُ هُناك، سوفَ تُحدِثُ هذه الكَلِمَةُ تغييراً جَذرِيَّاً في حياتِكَ، فتَقُولُ عندَها، "هذه هي بالحَقيقَة كلمَةُ الله. ينبَغي أن تَكُونَ كذلكَ. ولا يُوجَدٌ أيُّ تَفسيرٍ آخر لهذه الظَّاهِرَة."

  • عدد الزيارات: 9156