Skip to main content

نشيد التمجيد

(3: 20و21):

(1) أساس التمجيد (3: 20):

20وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا،

إن الغاية القصوى التي أوصلنا إليها الرسول في العدد السابق. تضطرّنا إلى أن نقف حيارى، متسائلين "ومن هو كفء لهذه الأمور؟" ولكن الرسول إنسان تحت الآلام مثلنا، فلا شكّ أنه قدّر هذه الصعوبة الكبرى التي قامت في أذهاننا، وفي أذهان المكتوب إليهم، بل في ذهنه هو نفسه، فأسرع إلى إزالة هذه الصعوبة بقوله: "والقادر أن يفعل..". حقاً أن طلبة الرسول في العدد السابق: "لكي تمتلئوا إلى كلّ ملء الله"، قد فاقت حدّ التصوّر، وتخطّت حدود ملكات الفكر، فأقدم الرسول على معالجة هذه العقبة بقوله: "والقادر أن يفعل فوق كلّ شيء أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر". فأساس التمجيد هو قدرة الله، أو قل هو الإله المقتدر، وقياس قدرته، هو "القوة التي تعمل فينا".

(أ) الإله المقتدر: "والقادر أن يفعل فوق كلّ شيء..". لا غذاءً للإيمان يعادل الارتكاز على الله المقتدر، والارتكاز على قدرته الفائقة: "والقادر أن يفعل". هذا هو مسك الختام في خير مقام (أعمال20: 32، رومية 16: 25، يهوذا 24). فلا ترياق للشكّ ولا علاج للضعف مثل التفكير في قدرة الله، والتمسّك بها في الملمّات (متى19: 26، رو4: 21، 11: 23، 14: 2، 2كو8: 9، في3: 21، عب7: 25).

هذا ارتقاء تدرّجي: الدرجة الأولى "والإله القادر أن يفعل". الدرجة الثانية: "والإله القادر أن يفعل فوق كلّ شيء. الدرجة الثالثة: "والإله القادر أن يفعل.. أكثر مما نطلب". الدرجة الرابعة: "والإله القادر أن يفعل.. أكثر جداً مما نطلب". الدرجة الخامسة: "والإله القادر أن يفعل فوق كلّ شيء أكثر جداً مما.. نفتكر".

(ب) قياس قدرة الله: القياس الأول: القدرة الإلهية الفائقة حدّ الطلب والفكر: "والقادر أن يفعل فوق كلّ شيء أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر". الكلمة المترجمة "أكثر جداً" هي في الأصل كلمة واحدة مركّبة صاغها الرسول للتعبير عن خصب المعاني، وغزارة المادة التي ازدحم بها عقله الجبّار، الذي ألهمه روح الحكمة والإعلان في معرفة الله (أفسس3: 10، 5: 13). والكلمة المترجمة "نفتكر" تعني حرفياً "ندرك" أو "نفهم" أو "نعي" (متى15: 17). هذا مما يدعو إلى شكر الله وحمده: أننا مهما فكّرنا وطلبنا فلا يمكننا أن نصل إلى حدود إمكانيات القدرة الإلهية، ولا أن نستنفد بعض الموارد الإلهية المذخرة لنا.

القياس الثاني: القدرة الإلهية بحسب عملها فينا: "بحسب القوة التي تعمل فينا" ـ هذه قوة الروح القدس. لقد أشار الرسول إلى فعل هذه القوة في رسالته إلى كولوسي1: 29 بقوله: "الأمر الذي لأجله أتعب أيضاً مجاهداً بحسب عمله الذي يعمل فيَّ بقوة". لكنه في رسالته إلى كولوسي تكلّم عن القوة في فعلها الاختباريّ، وفي هذه الرسالة ـ أفسس ـ تكلّم عن فعل القوة في إمكانياتها. أمام هذه الممكنات الإلهية الجليلة، ليس لنا إلا‍ أن نسلّم حياتنا وقلوبنا تسليماً تاماً ليكون المجال متّسعاً أمام هذه القوة لتعمل بنا وفينا كما تشاء وأنّى تشاء. فإذا ما اشتكى أحدهم من ضيق التنفّس، فليس الضيق في الهواء بل في صدره. "ها أنّ يد الربّ لم تقصّر عن أن تخلّص" لكن خطايانا صدّت تيار عملها، وعدم إيماننا حال دون تنفيذ مراميها في حياتنا. لم يقدر المسيح أن يصنع معجزات في الناصرة بسبب عدم إيمان أهلها.

عدد21:

21لَهُ الْمَجْدُ فِي الْكَنِيسَةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ إِلَى جَمِيعِ أَجْيَالِ دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ.

ـ الحمدلة الختامية (3: 21).

في هذه الحمدلة، تتجلّى لنا أربع حقائق عن المجد الإلهي:

(أ) ماهية المجد: "المجد". (ب) مآل المجد: "له". (ج) دائرة إظهار المجد: "في الكنيسة في المسيح يسوع". (د) دوام المجد: "إلى جميع أجيال دهر الدهور". آمين.

(أ): ماهية المجد: "المجد" ـ هو كمالات الصفات الأدبية، المنعكسة من الجلال الإلهي على البشرية المفتداة، والعائدة إليه تعالى. فهي منه منبعثة، وإليه تعود. ويمكننا أن نعرف حقيقة المجد متى قابلناه بالنعمة. فالمجد هو النعمة في نضوجها وكمالها، والنعمة هي المجد في بذرته ونشأته.

(ب) مآل المجد: "له المجد" ـ أي لله الآب. فالمجد لله طبيعياً وذاتياً، سواء أرغبنا نحن أم لم نرغب. والمجد لله، باعتبار كونه واجباً مقدّساً علينا أن نؤدّيه لعزّته. هذا هو مطلع قصيدة الفداء العجيب، يوم ميلاد مخلّصنا المجيد. "المجد لله في الأعالي". وهو قلب قصيدة الفداء، الذي فاه به الفادي: "أنا مجّدتك على الأرض". وهو خاتمة قصيدة الفداء التي يترنّم بها جمهور المفديين الذين انتقلوا من أرض الشقاء إلى سماء الخلود: "أنت مستحقّ أيها الربّ أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة. لأنّك أنت خلقتَ كلّ الأشياء وهي بإرادتك كائنة وخُقلت" (رؤيا4" 10-11).

(ج) دائرة إظهار المجد: "في الكنيسة في المسيح يسوع" ـ اختلف المفسّرون في ترجمة هذه الجملة، وبالتالي في تفسيرها: فمنهم ـ أ ـ لوثر وميخائيليس وروزنملير وأولزهوزن يترجمونها إلى: "في الكنيسة التي هي في المسيح يسوع". و ـ ب ـ ثيوفلاكت وجروتيوس وكلفن يترجمونها: "في الكنيسة بواسطة المسيح يسوع" أي أن المسيح هو واسطة تجلّي المجد الإلهيّ في الكنيسة. و ـ ج ـ ماير وألفورد وأليكوت يتفقون والترجمة العربية في هذا الوضع: "في الكنيسة في المسيح يسوع" ـ أي أن الكنيسة هي الدائرة الخارجية التي يتجلّى فيها المجد الإلهي، لكن المسيح هو الروح الداخليّ والعامل الأساسي في تجلّي هذا المجد في الكنيسة. فلن يُتاح للكنيسة أن تظهر المجد الإلهي إلاّ بقدر ما تكون في المسيح، مستمدّة حياتها وكيانها وكمالها منه. و ـ د ـ روبنسون وموليه وغيرهما من المفسّرين المعاصرين يترجمونها إلى: "في الكنيسة وفي المسيح يسوع" أي أن المجد الإلهي يظهر في الجسد الذي هو الكنيسة، وفي المسيح الذي هو الرأس. فالكنيسة في المسيح، والمسيح متمم رسالته بالكنيسة (1: 23). وفي اعتقادنا أن الرأيين الأخيرين هما أصوب الآراء.

هذه هي المرة الثالثة التي ذُكرت فيها كلمة "كنيسة" في هذه الرسالة: في المرة الأولى (1: 23) أشار بولس الرسول إلى الكنيسة باعتبار كونها "الجسد" الذي يكمّل فيه الرأس. وفي المرة الثانية (3: 10) ذكر الرسول الكنيسة باعتبار كونها "المرآة" التي عليها تنعكس أشعة حكمة الله المتنوّعة. وفي هذه المرة الثالثة (3: 21) تكلّم عن الكنيسة باعتبار كونها "مظهر" تجلّي المجد الإلهي.

(د) دوام المجد الإلهي: "إلى جميع أجيال دهر الدهور" ـ أو بعبارة أخرى ـ إلى أبد الآباد. إن هذه العبارة تنمّ عن سلسلة طويلة مكوّنة من حلقات متراصّة متماسكة. بكلّ حلقة منها ينتهي جيل خاص بتدبير معيّن، وكل هذه الحلقات تكوّن معاً سلسلة الآباد التي لا نهاية لها ولا حدّ.

والظاهر أن العبارة: "دهر الدهور" عبرية الأصل (مزمور72: 5و102: 24) وهي مرادفة لقولنا "أبد الآبدين". فإذاً، إظهار هذا المجد الإلهي في الكنيسة ليس مقصوراً على الكنيسة المجاهدة على الأرض، لكنه يمتدّ إلى الكنيسة الممجدة في السماء.

"آمين". هذه كلمة عبرية معناها "استجب"، وهي من مصدر "أ م ن" ومعناه الحرفي "أيّد". "آمين" ـ هذه كلمة واحدة، لكن يخيّل إلينا أنها خلاصة أناشيد الأجيال كلّها، متجمّعة ومركّزة في هذه الكلمة الواحدة كأنّ كلّ جيل في كلّ دهر يضمّ صوته إلى أصوات الأجيال الأخرى لتلتئم كلّها في مقطع خاص، فتتجمّع كلّ هذه الكلمة الواحدة. آمين.

آمين ـ بهذه الكلمة تختتم صلاة الرسول في هذا الأصحاح،

فيختتم بها القسم التعليمي من هذه الرسالة الجليلة،

ويستهل القسم العملي

آمين.

  • عدد الزيارات: 6113