شهادة المعجزة الأولى
الإصحاح الثاني
1وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ
2: 1- 11
عرفنا من الإصحاح الأول شهادة التلاميذ الأولين للمسيح، والآن نرانا أمام شهادة نطقت بها أولى معجزات المسيح على الأرض. فيما مضى سمعنا شهادات من أفواه البشرية، وهنا نسمع شهادة فاهت بها إحدى قوات الطبيعة – الماء المتحول خمراً. قبلاً رأينا التلاميذ وقد شاهدوا "حمل الله" فشهدوا له بصراحة من غير خفاء، والآن نرى الماء الحساس وقد رأى خالقه، فاحمر وجهه خجلاً، فشهد له في خفر وحياء!!
هذه هي المعجزة التي استهل بها المسيح خدمته الجهرية. ما أشبهها بالباب "الجميل" الذي كان يؤدي إلى الهيكل! إن حدوث هذه المعجزة في بيت، يجعلها حلقة اتصال بين الثلاثين عاماً التي قضاها المسيح في صمته منفرداً، وبين الثلاثة الأعوام التي قضاها وسط المجتمع خادماً ناطقاً. على أن هذه ليست أولى معجزات المسيح على الإطلاق، فقد سبقتها معجزة أخرى – هي معجزة الصمت. إن صمت "الكلمة" عن الكلام، معجزة. وسكوت رب القدرة عن إتيان معجزة ما، مدة ثلاثين عاماً، لهو معجزة المعجزات.
هذه المعجزة الأولى التي أجراها المسيح، تحمل معها رمزاً لطبيعة خدمته. ويتبين لنا هذا من قابلة خدمة المسيح، بخدمة أول أنبياء العهد القديم – موسى، وخاتمتهم – يوحنا المعمدان.
كَانَ عُرْسٌ
فأول معجزة قام بها موسى هي تحويل الماء إلى دم – والدم رمز الموت. لكن أول معجزة قام بها المسيح هي تحويل الماء إلى خمر – والخمر رمز الحياة. فمن هذا يتضح لنا أن خدمة موسى هي خدمة موت لموت، وأن خدمة المسيح هي خدمة الحياة لحياة. أما يوحنا المعمدان، فقد كان رجلاً زاهداً عن الناس، ومعاشرتهم، لكن المسيح أحب الخطاة وعاشرهم، وقدس الصلاة البشرية الشريفة، ورفعها إلى أعلى مستوى. إذاً تعتبر هذه المعجزة نقطة انتقال من ماء اليهودية المميتة إلى خمر المسيحية المقدسة المبهجة.
أليس من العجيب حقاً أن رجل الأحزان يفتتح خدمته بوليمة عرس؟ لكن العجيب يزول متى ذكرنا أنه فادينا. فقد صار رجل أحزان، لكي نصير نحن أبناء البهجة والسرور. نعم كان فادينا رجل الأحزان، لكنه كان أيضاً رجل الفرح. إن الذي اضطرب بالروح وبكى أمام قبر لعازر (يوحنا 11: 34و 35) قد تهلل بالروح أمام رسله (لوقا 10: 21). إن الذين لا يرون على وجه فادي الأنام سوى غضون الهموم والآلام، لا يرونه كما هو. والذين يفتشون عن المسيح تحت القباب السوداء، لا حق لهم أن يتعجبوا إن لم يجدوه هناك. إن مسيحنا هو مسيح النور لا مسيح الظلال والظلام. وإن الذي كسر شوكة الموت، أهدانا وردة الحياة.
في تحويل الماء إلى خمر، أظهر المسيح قدرته الخالقة من غير أن يفوه بكلمة – وما الداعي لأن يفوه بكلمة وهو هو "الكلمة"؟ بذلك أرانا أن العمل الذي تنجزه النواميس الطبيعية في عام أو بعض عام، فقد أجراه رب الطبيعة في لحظة – لأن الخمرة هي ماء سقيت به الكرمة، ثم سوته الشمس
فِي قَانَا الْجَلِيلِ
في بعض شهور، حتى صار عنباً، ثم اختمر. فكل هذه العملية الطويلة قد أتمها المسيح في لحظة من غير كلمة ولا لمسة.
في هذه المعجزة تجلت لنا تضحية المسيح. لأن الذي استطاع أن يحول الماء إلى خمر، كان في إمكانه أن يحول الحجر إلى خبز، لما جاع في البرية (مت 4: 3). لكنه لم يستخدم قوته المعجزية لإشباع مطالب جسده. سيما وأن هذا الطلب كان من مقترحات المجرب.
في هذا الفصل 2: 1 – 11 نجد (أ) مقدمة تاريخية 2: 1 و2 (ب) الدورين اللذين اجتازتهما المعجزة 2: 3-8 (حـ) الشهادات اليقينية لصدق المعجزة 2: 9 و10 (د) كلمة ختامية 2: 11.
ع 1 (أ) مقدمة تاريخية 2: 1 و2 تحدثنا هذه المقدمة التاريخية عن زمان المعجزة، ومكانها، والمدعون إليها.
نحن الآن في اليوم الثالث منذ اليوم الذي دعى فيه فيلبس (1: 43)، وفي قرية "قانا الجليل" – غير قانا الفينيقية القريبة من صور – وتعرف الآن باسم "كفر قنة"، قرية ما أصغرها لكن هذه المعجزة قد رفعتها وجعلتها "أشهر من نار على علم". وهي تبعد عن الناصرة أربعة أو خمسة أميال، وبينها وبين الجليل مسيرة ثلاثة أيام – هذا يفسر القول: "في اليوم الثالث" إذاً نحن الآن في اليوم السابع منذ اليوم الذي فيه شهد يوحنا المعمدان للمسيح أمام الوفد السنهدريمي. أسبوع ما أمجده! فهو غرة خدمة المسيح الجهرية، يقابله أسبوع الآلام الذي اختتمت به حياة فادينا على الأرض – وكلاهما أسبوع مجد. لأن المسيح تمجد بالشهادة له كما أنه تمجد أيضاً بالآلام.
وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. 2وَدُعِيَ أَيْضاً يَسُوعُ وَتلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. 3وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ».
وبعد أن أرخى الليل سدوله، اجتمع المدعوون في بيت والد العروس – أو ولي أمرها – حسب عادة اليهود وقتئذ، وكان العريس يحيي المدعوين ويحتفي بهم. أما أم[1] المخلص فكانت قد سبقتهم إلى العرس، بدليل القول: "وكانت أم يسوع هناك" ويغلب على اعتقادنا أنها كانت تتصل بأصحاب العرس بصلة وثيقة. ولعلهم كانوا يرجعون إليها في تدبير ما يلزمهم في العرس. ويستنتج جل المفسرين من عدم ذكر اسم يوسف أنه كان وقتئذ قد توفى.
عدد2. المسيح وتلاميذه يدعون إلى الوليمة "ودعى أيضاً.." كان يسوع، وتلاميذه الحديثون – البالغ عددهم نحو ستة – من المدعوين. وقد حضر المسيح وإياهم في وقت متأخر، ربما لأنهم دعوا بعد رجوعهم من السفر (1: 49).
هذه أول مرة في هذه البشارة وصف فيها اتباع المسيح بكلمة "تلاميذ" – وهي تعين صلتهم به كمعلم. (1: 49).
عدد 3 (ب) الدوران اللذان اجتازتهما المعجزة 2: 3-8
الدور الأول: 2: 3-5. وهو يحدثنا عن المناسبة التي دعت إلى المعجزة، ومن خلاله نرى مجد أم المخلص في: (1) ما لاحظته: "ليس لهم
4قَالَ لَهَا يَسُوعُ
خمر" (2) ما طلبته: "قالت أم يسوع له" عدد3 (3) ما سمعته "قال لها يسوع مالي ومالك" عدد (4) ما أوصت به: "قالت أمه للخدام.." عدد5
(1) ما لاحظته أم المخلص. جرت العادة قديماً أن تمتد ليالي العرس حتى تتم الأسبوع (تك 29: 22 قضاة 14: 12). وكان أصحاب هذا العرس من الوسط المستور بالبركة، فمن المحتمل جداً أم مجيء المسيح وتلاميذه أوقع أصحاب العرس في شيء من الارتباك لأن الخمر نفذت أو كادت فلاحظت ذلك أم المخلص ببصرها الثاقب، وحسن تدبيرها.
عدد 4 (2) ما طلبته أم المخلص: "قالت له ليس لهم خمر". لقد عملت أم المخلص كل ما في طاقتها أن تعمل، وهو أن تطلع ابنها القدوس على حقيقة الأمر. وقد تضاربت آراء المفسرين في معرفة قصد مريم بسؤالها. فمن قائل أن أم المخلص أوعزت إليه بطريقة لطيفة أن يغادر العرس هو وتلاميذه لكي لا يوقع أصحاب الوليمة في ورطة الخجل. ويعتقد يوحنا الذهبي الفم أن العذراء أرادته أن يصنع معجزة ليظهر مجدها كأم أمام المدعوين والتلاميذ. ومن قائل أنها قصدت إليه أن يصرف أذهان المدعوين عن الخمر ونفاذها، بعظة منه فيسكرهم بسحر كلامه الذي هو أطيب من الخمر. لكن المستفاد من إجابة المسيح على كلامها أنها تمنت إليه، ومن طرف خفي، أن يظهر قوته الإعجازية التي طالما أحست بها هي، ولمستها، أثناء صمته مدة الثلاثين سنة، وما أعرف الأم بحقيقة مواهب ابنها. ومن قائل أنها طلبت إليه أن يسد الحاجة المطلوبة.
مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ!
لقد عبرت لنا أم المخلص بقولها: "ليس لهم خمر" عن ماهية الصلاة الحقيقية. التي تقوم برفع أشواق قلوبنا إلى الله من غير أن نملي عليه إرادتنا (في 4: 6). وعلى هذا المثال عينة أرسلت مريم ومرثا إلى يسوع قائلتين: "هوذا الذي تحبه مريض" (11: 3) فكلا الإثنين طلب في صيغة خبر.
(3) ما سمعته أم المخلص: "قال لها يسوع... " الكلمة الأصلية المترجمة "امرأة" لا تنطوي على الجفاء المتضمن في الكلمة العربية. لأن معناها في الأصل هو "يا سيدة" – وهي تقال عادة بنغمة الوقار والاحترام، والرعاية (19: 26). ولكن هل من اللائق أن يقول يسوع لأمه: مالي ولك؟ في الواقع أن مريم أدركت لياقة هذا الجواب لأنها فهمت قصده واقتنعت به وأوصت الخدام أن يطيعوا المسيح بكل دقة. وفي إمكاننا نحن أن نتحقق لياقة هذا الجواب متى ذكرنا أن المسيح قد بدأ الآن خدمته الجهرية كوسيط وفاد. فقد خرج إذاً من حدود تلك النسبة الضيقة التي كان فيها تحت نفوذ أمه بحسب الجسد. وأصبح مستمعاً لصوت الآب السماوي ومصغياً إلى دقات ساعة الأزل (يو 5: 19). ومنذ الآن لا نعود نسمع المسيح يخاطب مريم بالقول: "يا أمي". وربما هذه أولى المرات التي أحست فيها مريم بذلك السيف يجوز في نفسها (لوقا 2: 35). على أنه ليس في هذا الجواب ما يفيد رفض المسيح لطلب أمه، لكنه ينطوي على تأجيل الطلب إلى أن تأتي "ساعته". هذه أولى المرات الثلاث – المذكورة في هذه البشارة – التي فيها أجل المسيح طلباً إلى أن تحين ساعته. والمرة الثانية في (7: 3 و6) لما طلب إليه أخوته أن يذهب إلى العيد، والمرة الثالثة في (11: 5) حين
لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». 5قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ».
أرسلت إليه الأختان أن يأتي إلى بيت عنيا ليشفي لعازر المريض. وفي كل هذه الثلاث الحالات كانت غاية الطالبين أن يحملوه على إظهار مجده وقدرته قبل مجيء ساعته. ولعله كان يرى في هذه الطلبات أو في بعضها تجربة بأن يظهر مجده في أية ساعة. كأنه جاء إلى الأرض ليصنع مشيئته هو لا مشيئة الآب الذي أرسله.ووجه الخطر في هذه التجارب هو أنها وجهت إليه من المقربين, كأن التجربة أرادت أ، تسخر المحبة لإرادتها ومصلحتها. لكن المسيح أجاب الطلب الأول بعد مرور ساعة أو بعض ساعة, والطلبة الثانية بعد مرور يوم أو بعض اليوم والطلبة الثالثة بعد مرور يومين. وردت كلمة "ساعة" على لسان المسيح عدة مرات (يو 12: 27 و17: 1 ومت 26: 45) وفي بعض هذه المرات تشير كلمة "ساعتي" إلى وقت إظهاره مجده في أعماله وهو في مستهل خدمته الجهرية, وفي البعض الآخر تشير إلى وقت إظهاره مجده في آلامه عند نهاية خدمته على الأرض.
ويستفاد منها بوجه عام, أن كل خطوة خطاها المسيح على الأرض, كانت إتمام لبرنامج معين قد دبر منذ الأزل. لذلك لم يعمل شيئاً قبل أو أنه ولا بعد أوانه, بل كان على الدوام متمماً قصد الآب في وقته الخاص (5: 19).
عدد 5. (4) ما أوصت به مريم: "قالت أمة للخدام. مهما قال لكم فافعلوه". رأت مريم في جواب المسيح بارقة أمل, بل شبه وعد بأنه سيصنع أمراً عجيباً. ولشدة تقديرها لهذه الشخصية العجيبة تذرعت بالصبر, وأوصت الخدام, بأن يكونوا على أهبة الاستعداد لتنفيذ كل أمر يطلب
6وَكَانَتْ
منهم. إن في كلامهما صبراً, وإيماناً وثيقاًَ, وتسليماً تاماً, وطاعة من غير قيد ولا شرط "مهما قال لكم فافعلوه". هذه هي الشروط المستديمة التي يجب أن تتوفر في البشر حتى يتمكن المسيح من عمل معجزة بينهم.
عدد 6 الدور الثاني 2: 6 – 8 في هذا الدور نجد عناصر المعجزة: (1) عناصر طبيعية – الأجران عدد 6, والماء عدد 7. (2) العامل الإلهي والرئيسي: المسيح الآمر عدد 7 و8. (3) العامل البشري أو الثانوي: الخدام المطيعون عدد 7 ,8.
(1) العناصر الطبيعية – الأجران والماء عدد 6 و7. كان في إمكان المسيح أن يصنع هذه المعجزة من غير أن يستخدم شيئاً من المواد الأولية. أليس هو الخالق الذي أبدع كل شيء من العدم؟ لكنه لا يتغاضى عن الموارد الطبيعية لأنها ملكه وخادمة له, وهو الحكيم الذي لا يلجأ إلى استخدام قوة خارقة إلا بعد نفاذ القوات الطبيعية. من أجل هذا لم يشرع المسيح في عمل هذه المعجزة إلا بعد نفاذ الخمر الطبيعية. ولئلا يقال فيما بعد أن الخمر كانت محفوظة في مكان معين, ولكي يعد قلوبهم لانتظار معجزته. فلما فرغت كؤوس خمرهم, امتلأت كؤوس رجائهم بانتظار عطية الله. أما العناصر الطبيعية التي استعملها المسيح في هذه المعجزة فهي: الأجران, والماء. "وكانت ستة أجران". كانت تلك الأجران موضوعة في دهليز الدار, ليغتسل منها المدعوون حسب عادة الفريسيين (مت 15: 2 ومر 7: 1 – 4 ولو 11: 38) وربما كانت موضوعة أيضاً لأجل غسل الأباريق والأواني (مر 7: 3 و4). ولا يبعد أن الكلمة: "حسب تطهير اليهود" تنطوي
سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثلاَثَةً. 7قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ﭐمْلَأُوا
على إشارة ضمنية إلى التطهير المسيحي (3: 25 وعب 1: 3 و2 بط 1: 9). ويظهر من عدد 8 أنها كانت موضوعة في مكان لا يراها منه العريس والمدعوون. وكانت مصنوعة من حجر, لتكون غير قابلة للكسر. "كل واحد منها كان يسع مطرين أو ثلاثة" – أي أكثر من مطرين وأقل من ثلاثة. والمطر يعادل نحو 80 رطلاً أو 35 لتراً.
عدد 7 و8 (2) العامل الإلهي والرئيسي – المسيح الآمر: "قال لهم يسوع. املئوا الأجران ماء". لم يفه المسيح بصلاة لكي يتمم هذه المعجزة، ولا استخدم فيها قوة ذراعه، لكنه أجراها بمجرد كلمة منه ألقاها إلى الخدام على دفعتين – أولاهما "أن يملأوا الأجران ماء" – لكي يختبر مقدار طاعتهم عدد7، والثانية "أن يقدموا الخمر إلى رئيس المتكأ" لكي يذوق الرئيس فيؤمن ويشهد. إن المسيح لم يغض الطرف عن العوامل البشرية – "الخدام"، والطبيعة – "الماء". فهو لا يعمل لنا ما نقدر نحن أن نعمله لأجل أنفسنا.
(3) الخدام المطيعون: كما كان أمر المسيح على دورين، كذلك كانت طاعة الخدام: "فملأوها إلى فوق" عدد7، .. "فقدموا" عدد8، كانت طاعة الخدام لازمة لإتمام هذه المعجزة لزوماً جوهرياً، فهي المجرى الذي فيه سرت قوة المسيح الآمر. لأن الطاعة الحقيقية هي محك الإيمان الحقيقي. ومع أن طاعة الخدام كانت طاعة تامة، لكنها لم تكن طاعة عمياء، بل كانت غاية في حدة البصيرة، لأنها رأت ببصيرتها ما لا يرى.
الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلَأُوهَا إِلَى فَوْقُ. 8ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «ﭐسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. 9فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْراً وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ - لَكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ
فرأت خمراً حين كان أمامها مجرد ماء. فقدمتها للمدعوين. وعند شروعهم في تقديمها تمت المعجزة (انظر لوقا 17: 14).
عدد 9 و10 (ج) الشهادات اليقينية لصدق المعجزة 2: 9 و10 يقدم لنا هذان العددان ثلاث شهادات ناطقة بصدق المعجزة – وعلى فم شاهدين أو ثلاثة تقوم كل حجة – أولاها شهادة الخدام لحقيقة المادة قبل التحول – فأنهم كانوا يعلمون أنها كانت مجرد ماء – لا أكثر ولا أقل. والثانية هي شهادة رئيس المتكا لحقيقة المادة بعد التحول "فلما ذاق" عدد 9. "إنما يضع الخمر الجيدة" عدد 10, وفي قوله هذا. لم يكن واصفاً حقيقة حال, بل كان متكلماً بمثل, ومقرراً حقيقة عامة. فلا يستنتج من هذا أن الذين كانوا في العرس "سكروا". إن قول رئيس المتكأ: "الخمرة الجيدة" شهادة خالدة لحقيقة بركات المسيح. فهو يقدم لأتباعه، صلباناً، وأشواكاً، وآلاماً، في هذه الحياة، لكنه يقدم لهم في النهاية أكليل المجد والحياة. بخلاف الشيطان الذي يعد بالسعادة العاجلة التي تختتم بالشقاوة الآجلة.
وثالث الشهادات هي شهادة العريس الذي دعا إليه رئيس المتكأ:
عَلِمُوا - دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ 10وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ». 11هَذِهِ
عدد 11 (د) كلمة ختامية: "هذه بداية الآيات...". وفي هذا العدد يصف البشير هذه المعجزة بأربعة أوصاف. (1) أولها يصف المعجزة من حيث ترتيبها – "هذه بداية الآيات صنعها يسوع". فهي ليست أولى معجزات قانا الجليل فقط، بل هي أولى معجزات المسيح على الإطلاق. (2) ثانيها يصف المعجزة من حيث مكانها: "قانا الجليل". (انظر اش 8: 20 – 9: 2). (3) ثالثها يصف المعجزة من حيث القصد منها: "بداية الآيات... أظهر فيها مجده" – هذه أول مرة نعثر فيها على كلمة "آية" في هذه البشارة. وهي تصف المعجزة بالنسبة إلى القصد منها لتكون برهاناً على صدق رسالة المسيح، وعلامة لحقيقة لاهوته. وسميت أحياناً "عجيبة" إشارة إلى تأثيرها على أذهان المشاهدين، وسميت أحياناً أخرى: "قوات" إشارة إلى أنها تفوق قوة البشر وسميت أيضاً: "معجزة" إشارة إلى ما تعجز القوة البشرية عن إتيانه. إذاً لم يكن القصد من هذه المعجزة، إشارة إعجاب الذين في العرس، بل كانت آية إظهار مجد المسيح – أي مجد شخصيته السرمدية، وبنوته الممتازة، وقدرته الفائقة. هذا برهان جديد على إثبات لاهوت المسيح. لأن المعجزات التي أظهرها موسى وغيره، أظهرت مجد "يهوه" (خروج 16: 7) لكن معجزات يسوع أظهرت مجد المسيح. فهو إذاً "يهوه"، "ويهوه" هو. ومن المهم أن نلاحظ الفرق بين نظرة يوحنا البشير إلى معجزات المسيح وبين نظرات سائر البشيرين إليها. يوحنا ينظر إلى المعجزات في صلتها بقدرة
بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ
المسيح ومجده. وينظر إليها سائر البشيرين، في صلتها بعطف المسيح على الجماهير. (4) رابعها يصف المعجزة في تأثيرها على التلاميذ: "فآمن به تلاميذه". هذا إيمان متدرج. أول درجة منه ظهرت في 1: 37 والدرجة الثانية في 1: 39 وفيما بعد نرى درجات أرقى، لأن الإيمان الحي يبدو بذرة، ثم ينمو فيصير شجرة، ثم يزهر، وينضج ثمراً.
[1] يوحنا هو البشير الوحيد الذي لم يذكر إسم أم المخلص بالذات.
- عدد الزيارات: 7739