Skip to main content

الحرية في المسيح

فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به: إن أنتم ثبتم في كلامي فأنتم بالحقيقة تلاميذي، وتعرفون الحق والحق يحرّركم.

الإنجيل حسب يوحنا 8: 31 و 32

قال المسيح: أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة. أشار المسيح بكلماته هذه إلى أن الإنسان في حالته الحاضرة سائر في ظلام روحي دامس وأنه بحاجة ماسة إلى النور الكائن في المسيح. لم ترحب جماعة الفريسيين بهذه الكلمات الصريحة فقالوا للمسيح: أنت تشهد لنفسك فشهادتك ليست حقاً. أجاب يسوع المسيح وقال لهم: إني وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق، لأني أعلم من أين آتيت وإلى أين أذهب، وأما أنتم فلا تعلمون من أين آتي ولا إلى أين أذهب. أنتم بحسب الجسد تدينون وأما أنا فلا أدين أحداً. وإن كنت أدين فدينونتي حق لأني لست وحدي بل أنا والآب الذي أرسلني. إنكم لا تعرفونني أنا ولا تعرفون أبي، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً.

كانت هذه الكلمات شديدة اللهجة ولكن معاصري المسيح كانوا بحاجة إلى سماعها لأنهم كانوا قد خدعوا أنفسهم ظانين بأن حياتهم الروحية كانت على ما يرام لمجرّد انحدارهم من نسل ابراهيم واسحق ويعقوب. ونظراً لهذه التعاليم الصريحة التي تفوّه بها المسيح يسوع آمن به العديدون من الناس. فقال للذين آمنوا به: إن أنتم ثبتم في كلامي فأنتم بالحقيقة تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرّركم. وكان من المنتظر من الذين سمعوا هذه الكلمات أن يرحّبوا بها لكونها مبنية على الحق ولأنها أشارت إلى أهم موضوع في العالم ألا وهو الحرية والتحرر من ربقة الشيطان وعبودية الخطية العالقة بكل بشري. ولكن هؤلاء الذين كانوا قد آمنوا بالمسيح ايماناً سطحياً رفضوا تعليمه هذا عن الحرّية قائلين: نحن ذرّية ابراهيم ولم نستعبد قط، فكيف تقول أنت: إنكم تصيرون أحراراً ؟

وكم من المؤسف أن معاصري المسيح تفوّهوا بهذه الكلمات: لم نستعبد قط هل نسوا أن آباءهم استعبدوا إلى فرعون وإلى الآشوريين والبابليين والسلوقيين وأنهم كانوا في تلك الأيام رازحين تحت الاستعمار الروماني ؟ لم يكن المسيح قد تكلم عن الاستعباد بمفهومه السياسي بل أشار إلى ذلك الاستعمار الذي هو أشرّ من العبودية التي رزح تحتها بنو اسرائيل في الماضي. وهكذا استطرد المسيح قائلاً ومعلّماً:

الحق، الحق أقول لكم: إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد. فإن حرّركم الابن صرتم في الحقيقة أحراراً. أنا أعلم أنكم من ذرية ابراهيم ولكنكم تطلبون أن تقتلوني لأن كلامي لا مقرّ له فيكم. أنا أتكلّم بما رأيت عند أبي وأنتم أيضاً تعملون بما رأيتم عند أبيكم.

إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. هل رغب الذين آمنوا بالمسيح أن يقبلوا هذا التشخيص الواقعي لحالة الإنسان المحزنة ؟ وأنت أيها القارئ الكريم، ما هو موقفك من المحاورة التي جرت بين المسيح والبعض من معاصريه ؟ هل تقف مع المسيح أم مع الذين ناصبوه العداء ؟ هل تعترف بأن الذي يصنع أو يعمل الخطية هو عبد لها ؟

لم يكتف المسيح بالكلام عن الداء الذي يلازم الناس أجمعين بل أعطانا الدواء الشافي قائلاً: فإن حرّركم الابن صرتم في الحقيقة أحراراً. فالحرية هي في المسيح وبالمسيح. هذه هي الحرية الحقيقية التي يختبرها كل من آمن بالمسيح وثبت في كلامه المنعش. ما أعظم هذه الحرية ! إنها التحرّر من ربقة الخطية الكامنة في قلب كل انسان. ويا لها من كلمات هذبة ! وكم نصاب بدهشة كبيرة عندما نلاحظ الرفض القاطع لكلمات المسيح: إن أبانا هو ابراهيم. وادّعوا بأنهم كانوا سائرين على الطريق القويم الذي رسمه لهم ابراهيم الخليل.

لم يقبل المسيح هذا الادعاء الفارغ فقال: لو كنتم أبناء ابراهيم لعملتم أعمال ابراهيم. ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني، أنا انسان قد كلمتكم بالحق الذي سمعته من الله، فهذا لم يعمله ابراهيم. أنتم تعملون أعمال أبيكم. فقالوا له: إننا لم نولد من زنى، وإنما لنا أب واحد وهو الله. قال لهم يسوع: لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني لأني من الله خرجت وأتيت، فإني لم آت من نفسي بل هو أرسلني. لماذا لا تفهمون كلامي ؟ ذلك لأنكم لا تستطيعون أن تسمعوا كلمتي. أنتم من أب هو ابليس وتريدون أن تعملوا شهوات أبيكم. فإنه كان من البدء قتّالاً للناس ولم يثبت على الحق لأنه لا حق فيه فإذا ما تكلّم بالكذب، فإنما يتكلّم بما عنده فإنه كذوب وأبو الكذب. أما أنا فلأني أقول الحق لا تصدّقونني. من منكم يثبّت علي خطيّة ؟ فإن كنت أنطق بالحق لماذا لا تصدّقونني ؟ من كان من الله يسمع كلام الله، فأنتم لا تسمعونه لأنكم لستم من الله.

هل تتعجب أيها القارئ العزيز من كلمات المسيح هذه ؟ هل تظن أن محبته للبشرية كانت تعني تجاهل حالة الناس الروحية المحزنة ؟ اذكر أن المسيح جاء إلى عالمنا هذا كمخلّص ولهذا دعي اسمه يسوع أي مخلص أو منقذ أو محرّر. ولكن إن وقف الناس من محرّرهم وقفة غير حميدة وأنكروا حاجتهم إلى الخلاص والحرّية والانعتاق، ألا يكونون ناسبين إلى المخلص المسيح الكذب لأنه كان قد علّمهم عن ضرورة التحرّر من الخطية، بينما كانوا بدون حاجة إلى الحرية ؟

تكلّم المسيح بصراحة فائقة ولكن معاصريه استمروا على عنادهم وقالوا للمسيح: ألسنا على صواب حين نقول أنك سامري وأن بك شيطاناً ؟ أجاب يسوع: أنا ليس بي شيطان، إنما أكرم أبي وأنتم تهينونني. أنا لا أطلب مجدي فإنه يوجد من يطلبه ومن يدين. فالحق، الحق أقول لكم: إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد. فقال له اليهود: الآن علمنا أن بك شيطاناً، فقد مات ابراهيم والأنبياء وأنت تقول: إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يذوق الموت إلى الأبد ! ألعلك أعظم من أبينا ابراهيم الذي مات ؟ والأنبياء أيضاً ماتوا ؟ فمن تجعل نفسك ؟ أجاب يسوع: إن كنت أمجد نفسي فليس مجدي بشئ، أبي هو الذي يمجّدني وهو الذي تقولون عنه أنه إلهكم. إن ابراهيم أباكم ابتهج أنه سيرى يومي فرأى وفرح. فقال له اليهود ليس لك بعد خمسون سنة أفرأيت ابراهيم ؟ قال لهم يسوع: الحق، الحق أقول لكم: قبل أن يكون ابراهيم، أنا كائن. فرفعوا حجارة ليرجموه أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل وجاز فيما بينهم ومضى.

جاء المسيح ليعلّم الناس ويشرح لهم رسالته الخلاصية التي اؤتمن عليها من قبل الله الآب. لكن الذين كانوا من بني جنسه والذين سمعوه بآذانهم ورأوا بأعينهم الآيات والمعجزات التي قام بها، لم يؤمنوا به بل نسبوا إليه التعاون مع الشيطان. ونحن لم نبحث في تعاليم الفصل الثامن من الإنجيل لمجرّد تنمية معرفتنا التاريخية أو لمجرّد انتقاد معاصري المسيح من سكان الأرض المقدّسة. غايتنا هي المناداة بكلمات المسيح المنعشة والمحرّرة. فسؤالي هو لكل قارئ وقارئة: هل اختبرتم الحرية الحقيقية التي تكلّم عنها المسيح ؟ من حرّره المسيح يسوع هو بالحقيقة حرّ طليق يكرّس حياته لخدمة الله وعبادته الطاهرة ولخير ورفاهية الناس أجمعين.

  • عدد الزيارات: 18709