مبارك الآتي باسم الرب
وفي الغد، سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آت إلى أورشليم، فأخذوا سعف النخيل وخرجوا للقائه وهم يصرخون: أوصنّا، مبارك الآتي باسم الرب، ملك اسرائيل.
الإنجيل حسب يوحنا 12: 12 و 13
الإنسان مخلوق عجيب وغامض. فمع أنّه قام منذ فجر التاريخ بمآثر لا تعدّ ولا تحصى، إلا أنّه لم ينجح إلى يومنا هذا في العيش بسلام ووئام مع جاره الإنسان ومع كثرة الحاجة إلى الاهتمام بأمور المعيشة اليومية والتغلّب على الأمراض التي تفتك ببني البشر، إلا أننا نرى بكل أسف ميل الإنسان نحو تكديس آلات الدمار والهلاك.
وبما أن الإنسان هو الذي أوجد مشاكله العديدة فإنه من العبث أن نتأمّل منه بأن يجد حلولاً لها. الله وحده قادر بأن يرينا الطريق السليم الذي نجد عليه السلام. وإذ أصبح الشرّ جزءاً من طبيعتنا البشرية فنحن بحاجة إلى أكثر من معلّم أو مرشد، إننا بحاجة إلى مخلّص ومنقذ يحررنا من عبوديتنا للخطية أي ذلك الميل الدائم الذي يدفعنا للقيام بأمور معارضة للشرعية الإلهية.
وعندما ندرس الإنجيل نلاحظ توّاً أن المسيح يسوع جاء لإنقاذنا من شرورنا وآثامنا وليعطينا الإمكانية للعيش بسلام مع أقراننا بني البشر. وقد أعطى الله الآب السيد المسيح أوراق اعتماد خاصة لتظهر للملأ صحة تعاليمه وطبيعة رسالته السماوية. وما هي أوراق الاعتماد هذه ؟
كانت المعجزات والآيات والعجائب التي قام بها لصالح بني البشر والذين كانوا من معاصريه في فلسطين. أطعم الآلاف من بضعة أرغفة خبز وسمكتين وشفى المرضى وأقام الموتى.دلّت هذه الأمور أنّ المسيح كان موفد السماء للقيام بعمل خلاصي جبار لصالح البشرية جمعاء.
ولكن ماذا حدث عندما ابتدأ المسيح يسوع بالتجوال في الأرض المقدسة معلّما وشافيا ؟ ظهرت في وجهه معارضة شديدة قادها زعماء الدين في القدس. لم يقبلوا شهادة المسيح عن نفسه ولم يؤمنوا بمعنى وهدف المعجزات التي قام بها وعملوا جهدهم للتقليل من شأنها. وعندما لم ينجحوا في ابعاد الجماهير عنه تآمروا عليه للتخلّص منه نهائياً. وعندما أقام المسيح لعازر من بين الأموات كان لهذه الآية تأثير كبير على الناس الذين كانوا قد وفدوا القدس نظراً لاقتراب موسم الأعياد. فقرّر أعداء المسيح أن يقتلوه في أول فرصة تسنح لهم. وكتب عن هذا الموضوع الرسول يوحنا في الإنجيل ما يلي:
وعلم جمع كثير من اليهود أنّه – أي المسيح – هناك، فجاءوا لا من أجل يسوع فقط، بل لينظروا أيضاً لعازر الذي أقامه من بين الأموات. فأتمر رؤساء الكهنة أن يقتلوا لعازر أيضاً، لأن كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون ويؤمنون بيسوع. يا لها من كلمات صعبة ! عوضاً عن أن يمجّد رؤساء الكهنة الله بمناسبة هذه المعجزة العظيمة التي جرت في ضواحي القدس، أخذوا يتآمرون على قتل كل من المسيح ولعازر ؟ أهناك شك في وجود خلل هائل في صميم حياة البشر ؟
حضر المسيح وتلاميذه وليمة عشاء في قرية بيت عنيا وهي قرية لعازر، فأكرمت مريم، أخت لعازر، المسيح بدهن قدميه بطيب من الناردين الخالص. فامتلأ البيت من رائحة الطيب. فقال أحد تلاميذه وهو يهوذا الإسخريوطي – الذي كان مزمعاً أن يسلّمه - : لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاث مئة دينار وتعطى للفقراء ؟ وإنما قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقاً، إذ كان الصندوق عنده وكان يسرق ما يلقى فيه. فقال يسوع: دعها. فإنها قد حفظته ليوم دفني. فإن الفقراء معكم في كل حين وأمّا أنا فلست معكم في كل حين.
هل لاحظت أيها القارئ الكريم نبوّة المسيح عن موته الذي كان سيتم بعد نحو أسبوع واحد ؟ ذكر المسيح موضوع موته الذي كان سيضحي الطريقة الفعّالة لشفائنا من خطايانا وآثامنا ولإعطائنا القوّة اللازمة للعيش بسلام مع الله ومع البشر. وقد تقول لي: ألم يكن المسيح منحدراً من نسل داود الملك، فكيف تقول بأنه كان سيقتل ؟ ! نعم كان المسيح من نسل داود وكان ملكاً لكن ملكوته لم يكن من طراز ممالك هذه الدنيا. وقد أظهر ذلك بصورة جلية عندما دخل القدس في أيام عيد الفصح راكباً على جحش متمماً نبوة زكريا النبي وهو أحد أنبياء العهد أو النظام القديم (أي أيام ما قبل الميلاد).
وفي الغد، سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آت إلى أورشليم، فأخذوا سعف النخل وخرجوا للقائه وهم يصرخون: أوصنا، مبارك الآتي باسم الرب، ملك اسرائيل. ووجد يسوع جحشاً فركب عليه كما هو مكتوب: لا تخافي يا ابنة صهيون، هوذا ملكك يأتي راكباً على جحش ابن أتان.
أوصنّا ! كلمة عبريّة أتت إلينا بقالب يوناني وتعني: خلّصنا ! هذا ما كانت ترنو إليه الجماهير الواردة إلى القدس لتعيّد عيد الفصح. خلّصنا، يا مسيح الله ! ربما لم يفقه الجميع بأن الخلاص الذي جاء المسيح لتتميمه كان خلاصنا من الخطية والشرّ الكامنين في قلب كل بشريّ. لكن المسيح لم يعلن نفسه ملكاً من طراز ملوك البشر والذين كانوا يمتطون آنئذ حصاناً للذهاب على الحرب. ركب المسيح على جحش فرمز بذلك إلى وداعته وإلى كون ملكوته ملكوتاً سماويّاً. لم يأت المسيح من تلقاء نفسه بل جاء من الله وباسم الرب أي باسم الله الآب، لتتميم مهمته الفريدة على الأرض.
ولم يفهم تلاميذه هذه الأمور أولاً ولكن لما تمجّد يسوع – أي بعد أن مات وقام من بين الأموات وصعد إلى السماء – عندئذ تذكروا أن هذا قد كتب عنه – أي في الفصل التاسع من نبوّة زكريا النبي – وأنهم صنعوا هذه له. والجمع الذي كان معه حين دعا لعازر من القبر وأقامه من بين الأموات كان يشهد له. من أجل هذا أيضاً استقبله الجمع لأنهم سمعوا أنه قد صنع هذه الآية. فقال الفريسيون فيما بينهم: أنتم ترون أنكم لا تفيدون شيئا، فهوذا العالم قد ذهب في أثره.
رحّب الناس بالمسيح وطلبوا منه أن يمنحهم الخلاص ومجّدوا اسم الله الذي أرسله للقيام بمهمته الفدائية الفريدة. لكن الذين كانوا قادة الشعب لم يرحّبوا به بل صمموا على قتله. وليس هذا بموقف منعزل عن موقف العديدين عبر العصور المتعاقبة والذين لم يرحّبوا بالمسيح وبرسالته الخلاصية. فما أكثر الذين وقعوا في نفس الخطأ الفادح الذي سقط فيه معاصرو المسيح ! نشدوا ملكاً أرضياً يضاهي إمبراطورية الرومان المستعمرين. ومع أن المسيح كان عالماً كل العلم ببطش الرومان وبقساوتهم في مستعمراتهم العديدة المنتشرة في حوض المتوسط وفي أوربا الغربية حتى أواسط بريطانيا، إلا أنه شدّد على هذا الأمر: جاء من السماء لتدشين ملكوت الله وذلك بمجابهته للشر والخطية الكامنين في حياة كل بشري، أكان يهودياً أو رومانياً أو يونانياً. الجميع أخطأوا والجميع بحاجة إلى انقاذ إلهي المصدر.
كان المسيح مصمّماً على أن لا يثنيه عن عزمه أي بشري. كان يعمل على تخليص البشرية من عذاباتها وآلامها وشقائها وذلك بالقضاء على الخطية. نشد زعماء اسرائيل في تلك الأيام بطلاً حربياً كبعض أبطالهم الذين حاربوا الاستعمار السلوقي في القرن الثاني قبل الميلاد. فلم يفتحوا قلوبهم لقبول تعاليم الكتاب المقدّس التي كانت تشير إلى شخصية المسيح المنتظر وأهمية العمل الفدائي الذي كان سيقوم به في الأرض المقدّسة وفي الوقت المعيّن من الله.
وكم علينا أن نحمد الله لأن البعض من عامة الشعب كصيادي السمك وجباة الضرائب المحتقرين، رحّبوا برسالة المسيح الخلاصية. وبعد موت المسيح على الصليب وقيامته في اليوم الثالث من بين الأموات، صاروا رسل المسيح ونادوا بانجيله الخلاصي في سائر أنحاء العالم المتوسّطي. ونحن ننضم إليهم ونؤمن بالمسيح المخلّص كما كشف عن ذاته
في الإنجيل المقدس ونقول فرحين ومتهللين: أوصنا، مبارك الآتي باسم الرب. ولا نحيي ذكرى هذه الحادثة التاريخية فقط بل ننظر إلى المستقبل برجاء حيّ وننتظر عودة المسيح إلى عالمنا كالملك الجبّار الذي سيدين الأحياء والأموات والذي سيعطينا السلام في ملكوت الله
المجيد.
أيها القارئ العزيز ! هل أنت مستعدّ للقاء المسيح ؟
- عدد الزيارات: 52927