الجواب لله -2
كيف نقدر أن نواجه بكل مسؤولية الكوارث والفواجع التي تحل بالعديدين من معاصرينا؟ وكيف نستطيع أن نضع هذه الأمور المفجعة في إطار إيماننا بالله القدير؟ هل هناك من تفسير مقنع عندما نواجه عالمنا بكل مآسيه المتكاثرة والتي تقض مضجع الملايين من أقراننا بني البشر؟
ونحن نبحث في هذا الموضوع متكلين على تعاليم الوحي الإلهي كما وردت في كتاب أيوب الصديق. وبما أن بعض مستمعينا الكرام لم يسمعوا بهذه البرامج من أولها فإنني أعود لذكر بعض المواضيع الرئيسية التي أتينا على ذكرها في الماضي. عاش أيوب في القسم الشمالي الشرقي من الجزيرة العربية وكان إنسان ا تقيا يعبد الله ويبتعد عن الشر. أنعم الله عليه بسبع بنين وثلاث بنات وبثروة طائلة. لكن الشيطان ادعى أمام الله بأن تقوى أيوب إنما كانت مبنية على أساس نفعي , وأنه فيما إذا خسر أيوب أولاده وثروته وصحته فأنه ينكر لله ويموت في بحر اليأس والقنوط.
فسمح الله للشيطان أن يسلب أيوب كل هذه الأمور ولم ينكر أيوب ربه.
أخذت الأمور تتعقد في سيرة أيوب. فقد وفد عليه أصدقائه الثلاثة لتعزيته ولكنهم فشلوا في ذلك اذ كانت نقطة انطلاق تفكيرهم كما يلي: كل إنسان متألم ومفجوع يكون قد ارتكب زنباً معينا. رفض أيوب تعليلهم هذا لأنه كان بريئا من أي ذنب معين وظل أيوب متمسكا ببراءته ولكنه أخذ يشك في عدل الله وصار يعتقد بأن الله كان واقفا منه موقف العداء. ودامت المناقشة بين أيوب ورفاقه الثلاثة لأيام عديدة لم ينجح فيها لا أيوب ولا رفاقه في إقناع الطرف الأخر بصوابية رأيه أو رأيهم. وأخيرا دخل حلبة النقاش شاب اسمه أليهو فانتقد أصحاب أيوب لأنهم لم يفلحوا في تعزية أيوب وانتقد أيوب بأن هذا الأخير حاول إظهار نفسه بأنه كان أكثر عدلا من الله القدوس. وعندما نقترب من نهاية سفر أيوب نلاحظ أن الله أخذ يتكلم مظهرا لعبده أهمية الأيمان به وعدم توجيه أي انتقاد لكيفية تسيير الله لأمور عالمه.
1فَقَالَ الرَّبُّ لأَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ: 2[مَنْ هَذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ 3اُشْدُدِ الآنَ حَقْوَيْكَ كَرَجُلٍ فَإِنِّي أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. 4أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ الأَرْضَ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ. 5مَنْ وَضَعَ قِيَاسَهَا؟ لأَنَّكَ تَعْلَمُ! أَوْ مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا مِطْمَاراً؟ 6عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَرَّتْ قَوَاعِدُهَا أَوْ مَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا 7عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ مَعاً وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي اللهِ؟
كان الخطأ الذي وقع فيه أيوب هو أنه أخذ يشك في معاملة الله له , وظن بأن الله صار عدوا له فكان جواب الله عبارة عن أسئلة متتالية من وسط عاصفة هوجاء. أين كان أيوب عندما خلق الله الأرض وكل مافيها؟ وهل اشترك في ترتيب أمور الخليقة؟ وإذ كان الله قد خلق الملائكة قبل خلقه للعالم المادي , ورد ذكر هذه المخلوقات وفرحها الفائق عندما شاهدت مجيء العالم المادي إلى حيز الوجود: عندما ترنمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بني الله.
وتابع الله كلامه واصفا الطبيعة الباهرة التي صنعها الله كموطن للإنسان . وقصد الله من كلماته هذه هي تذكير أيوب أن الباري عز وجل الذي يسوس أمور الكون الشائع الأطراف , لا يعامل مخلوقاته العاقلة على أساس مغاير للعدل أو الحق أو الاستقامة. لا يجوز لمن قال عن نفسه بأنه مؤمن أن يتمادى في هكذا أفكار لا تليق بالله.
8[وَمَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ بِمَصَارِيعَ حِينَ انْدَفَقَ فَخَرَجَ مِنَ الرَّحِمِ. 9إِذْ جَعَلْتُ السَّحَابَ لِبَاسَهُ وَالضَّبَابَ قِمَاطَهُ 10وَجَزَمْتُ عَلَيْهِ حَدِّي وَأَقَمْتُ لَهُ مَغَالِيقَ وَمَصَارِيعَ 11وَقُلْتُ: إِلَى هُنَا تَأْتِي وَلاَ تَتَعَدَّى وَهُنَا تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ؟ 12[هَلْ فِي أَيَّامِكَ أَمَرْتَ الصُّبْحَ؟ هَلْ عَرَّفْتَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ 13لِيُمْسِكَ بِأَطْرَافِ الأَرْضِ فَيُنْفَضَ الأَشْرَارُ مِنْهَا؟ 14تَتَحَوَّلُ كَطِينِ الْخَاتِمِ وَتَقِفُ كَأَنَّهَا لاَبِسَةٌ. 15وَيُمْنَعُ عَنِ الأَشْرَارِ نُورُهُمْ وَتَنْكَسِرُ الذِّرَاعُ الْمُرْتَفِعَةُ. 16[هَلِ انْتَهَيْتَ إِلَى يَنَابِيعِ الْبَحْرِ أَوْ فِي مَقْصُورَةِ الْغَمْرِ تَمَشَّيْتَ؟ 17هَلِ انْكَشَفَتْ لَكَ أَبْوَابُ الْمَوْتِ أَوْ عَايَنْتَ أَبْوَابَ ظِلِّ الْمَوْتِ؟ 18هَلْ أَدْرَكْتَ عَرْضَ الأَرْضِ؟ أَخْبِرْ إِنْ عَرَفْتَهُ كُلَّهُ! 19[أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى حَيْثُ يَسْكُنُ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ أَيْنَ مَقَامُهَا 20حَتَّى تَأْخُذَهَا إِلَى تُخُومِهَا وَتَعْرِفَ سُبُلَ بَيْتِهَا؟ 21تَعْلَمُ لأَنَّكَ حِينَئِذٍ كُنْتَ قَدْ وُلِدْتَ وَعَدَدُ أَيَّامِكَ كَثِيرٌ! 22[أَدَخَلْتَ إِلَى خَزَائِنِ الثَّلْجِ أَمْ أَبْصَرْتَ مَخَازِنَ الْبَرَدِ 23الَّتِي أَبْقَيْتَهَا لِوَقْتِ الضَّرِّ لِيَوْمِ الْقِتَالِ وَالْحَرْبِ؟ 24فِي أَيِّ طَرِيقٍ يَتَوَزَّعُ النُّورُ وَتَتَفَرَّقُ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ عَلَى الأَرْضِ؟ 25مَنْ فَرَّعَ قَنَوَاتٍ لِلْهَطْلِ وَطَرِيقاً لِلصَّوَاعِقِ 26لِيَمْطُرَ عَلَى أَرْضٍ حَيْثُ لاَ إِنْسَانَ عَلَى قَفْرٍ لاَ أَحَدَ فِيهِ 27لِيُرْوِيَ الْبَلْقَعَ وَالْخَلاَءَ وَيُنْبِتَ مَخْرَجَ الْعُشْبِ؟ 28[هَلْ لِلْمَطَرِ أَبٌ وَمَنْ وَلَدَ مَآجِلَ الطَّلِّ؟ 29مِنْ بَطْنِ مَنْ خَرَجَ الْجَلِيدُ؟ صَقِيعُ السَّمَاءِ مَنْ وَلَدَهُ؟ 30كَحَجَرٍ صَارَتِ الْمِيَاهُ. اخْتَبَأَتْ. وَتَلَكَّدَ وَجْهُ الْغَمْرِ. 31[هَلْ تَرْبِطُ أَنْتَ عُقْدَ الثُّرَيَّا أَوْ تَفُكُّ رُبُطَ الْجَبَّارِ؟ 32أَتُخْرِجُ الْمَنَازِلَ فِي أَوْقَاتِهَا وَتَهْدِي النَّعْشَ مَعَ بَنَاتِهِ؟ 33هَلْ عَرَفْتَ سُنَنَ السَّمَاوَاتِ أَوْب ؤ جَعَلْتَ تَسَلُّطَهَا عَلَى الأَرْضِ؟ 34أَتَرْفَعُ صَوْتَكَ إِلَى السُّحُبِ فَيُغَطِّيَكَ فَيْضُ الْمِيَاهِ؟ 35أَتُرْسِلُ الْبُرُوقَ فَتَذْهَبَ وَتَقُولَ لَكَ: هَا نَحْنُ؟ 36مَنْ وَضَعَ فِي الطَّخَاءِ حِكْمَةً أَوْ مَنْ أَظْهَرَ فِي الشُّهُبِ فِطْنَةً؟ 37مَنْ يُحْصِي الْغُيُومَ بِالْحِكْمَةِ وَمَنْ يَسْكُبُ أَزْقَاقَ السَّمَاوَاتِ 38إِذْ يَنْسَبِكُ التُّرَابُ سَبْكاً وَيَتَلاَصَقُ الطِّينُ؟ 39[أَتَصْطَادُ لِلَّبْوَةِ فَرِيسَةً أَمْ تُشْبِعُ نَفْسَ الأَشْبَالِ 40حِينَ تَرْبِضُ فِي عَرِينِهَا وَتَكْمُنُ فِي غَابَتِهَا لِلْكُمُونِ؟ 41مَنْ يُهَيِّئُ لِلْغُرَابِ صَيْدَهُ إِذْ تَنْعَبُ فِرَاخُهُ إِلَى اللهِ وَتَتَرَدَّدُ لِعَدَمِ الْقُوتِ؟
طرح الله على عبده أيوب هذه الأسئلة ليعلمه ويعلمنا نحن أيضا في نفس الوقت بأنه يسوس جميع أمور عالمه بمقتضى مشيئته المقدسة على أساس الحق والعدل. فان كان موقفه هكذا من الطبيعة ومن الحيوانات فكم بالحري موقف الله من الإنسان المبنى على ذات الأسس السامية؟ إلا أن هناك عامل هام لا يمكننا أن نهمله فيما يتعلق بحياة الإنسان ألا وهو عامل الشر الذي دخل حياته نظرا لمعصية الإنسان الأول وثورته على الله وبتحريض من الشيطان. وهكذا لا يجوز لنا ونحن نحاول فهم الحياة البشرية القديمة منها والمعاصرة لا يجوز لنا بأن ننسب الشر إلى الله. يعمل الله منذ فجر التاريخ على احتواء هذا العامل المزعج والمخرب والطفيلي في حياة تاج المخلوقات وهذا ما يفسر لنا وضع الله برنامجه الخلاصي والإنقاذي موضع التنفيذ منذ سقوط آدم في الخطيئة. الله هو الخالق والمعتني بمخلوقاته وهو أيضا صاحب البرنامج الخلاصي الذي ينقذ الإنسان من الشر والمعصية وسطوة الشيطان.وقد نفذ الله برنامجه الخلاصي في ملء الزمن أي عندما أرسل ابنه الوحيد للعالم والذي تجسد بولادته من مريم العذراء. وبعد إن عاش لمدة ثلاث وثلاثين سنة مات عنا على الصليب مكفرا عن خطايانا وقام في اليوم الثالث منتصرا على الشر والخطية والشيطان. وقد ورد في الفعل الخامس من رسالة بولس الرسول إلى أهل الإيمان في رومية ما يلي عن موضوع خلاصنا وكيفية مواجهة مشكلات الحياة:
1فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ 2الَّذِي بِهِ أَيْضاً قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ إِلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. 3وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً فِي الضِّيقَاتِ عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْراً 4وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً 5وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا. 6لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ. 7فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارٍّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضاً أَنْ يَمُوتَ. 8وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. 9فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ. 10لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ. 11وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً بِاللَّهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ.
- عدد الزيارات: 4142