Skip to main content

الله أعظم من الإنسان -2

عاش أيوب في أيام ما قبل الميلاد في قسم الشمالي الشرقي في الجزيرة العربية وكان الله قد من علينا بخيرات الكثيرة ولكن الله سمح للشيطان بأن يسلب أيوب ثروته الطائلة وأولاده وصحته ولم يدر أيوب الصديق بالدور الذي لعبه الشيطان في نزول هذه الولايات عليه وأخذ يتساءل عن سبب كل ما صار. وجاء لتعزيته ثلاثة من رفاقه ولكنهم صاروا من منتقديه إذ أخذوا نقطة انطلاق تفكيرهم ظنهم أن كل إنسان  تحل به هكذا مصائب لابد من يكون قد استحقها. طبعاً لم يقبل أيوب نظرتها الحياتية التبسيطية والخاطئة وثابر على المدافعة عن نفسه منادياً ببراءته. ووقفنا حتى الآن على دفاع أيوب عن نفسه وعن مهاجمة أصحاب أيوب الثلاثة له. أما اليوم وقد أتينا إلى دراسة محتويات الفصل الثاني والثلاث الثلاثين فإننا نجد إنسان اً رابعاً دخل حلبة النقاش و اسمه أليهو وقد ورد ما يلي في النص الكتابي كمقدمة لكلامه:

1فَكَفَّ هَؤُلاَءِ الرِّجَالُ الثَّلاَثَةُ عَنْ مُجَاوَبَةِ أَيُّوبَ لِكَوْنِهِ بَارّاً فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ. 2فَحَمِيَ غَضَبُ أَلِيهُوَ بْنِ بَرَخْئِيلَ الْبُوزِيِّ مِنْ عَشِيرَةِ رَامٍ. عَلَى أَيُّوبَ حَمِيَ غَضَبُهُ لِأنَّهُ حَسَبَ نَفْسَهُ أَبَرَّ مِنَ اللهِ. 3وَعَلَى أَصْحَابِهِ الثَّلاَثَةِ حَمِيَ غَضَبُهُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا جَوَاباً وَاسْتَذْنَبُوا أَيُّوبَ. 4وَكَانَ أَلِيهُو قَدْ صَبِرَ عَلَى أَيُّوبَ بِالْكَلاَمِ لأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ أَيَّاماً. 5فَلَمَّا رَأَى أَلِيهُو أَنَّهُ لاَ جَوَابَ فِي أَفْوَاهِ الرِّجَالِ الثَّلاَثَةِ حَمِيَ غَضَبُهُ.

 6فَقَالَ أَلِيهُو بْنُ بَرَخْئِيلَ الْبُوزِيُّ: [أَنَا صَغِيرٌ فِي الأَيَّامِ وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ لأَجْلِ ذَلِكَ خِفْتُ وَخَشِيتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ رَأْيِيِ

وبعد هذه المقدمة التي اظهر فبها أليهو تواضعه وفسر سبب تأخره في الكلام عن مشكلة أيوب الروحية , وجه كلماته لصاحبنا المعذب قائلا:

[وَلَكِنِ اسْمَعِ الآنَ يَا أَيُّوبُ أَقْوَالِي وَاصْغَ إِلَى كُلِّ كَلاَمِي. .... 6هَئَنَذَا حَسَبَ قَوْلِكَ عِوَضاً عَنِ اللهِ. أَنَا أَيْضاً مِنَ الطِّينِ جُبِلْتُ. 7 هُوَذَا هَيْبَتِي لاَ تُرْهِبُكَ وَجَلاَلِي لاَ يَثْقُلُ عَلَيْكَ.

كان أيوب أثناء تأملاته في صحته الشديدة وخاصة بعد أن انتقده أصحابه الثلاثة مد عين بأنه مستحقا لكل ما حل به من نوائب , كان أيوب يتوق للمثول أمام الله ليرفع أليه دعواه وليحصل من القدير على العون والنجاة. فابتدأ أليهو وهو الذي لم يكن قد انضم إلى أصحاب أيوب المنتقدين , ابتدأ كلامه مناشدا أيوب بأن يصغي إليه , لأنه ( أي أليهو ) لم يكن ليخيفه فهو تراب جبل من الطين مثله. ولم يكن أليهو متفقا مع آراء أصحاب أيوب لم يظن بأن أيوب كان قد عمل شرا معينا جلب عليه كل تلك النكبات. وكذلك لم يتفق مع أيوب الذي لم يكف عن التذمر على الله وعلى ما وقع عليه من كوارث. لخص أليهو آراء أيوب وتقويمه لمشكلته موجها كلماته لأيوب وقائلا:

8[إِنَّكَ قد قُلْتَ في مَسَامِعِي وَصَوْتَ أَقْوَالِكَ سَمِعْتُ. 9قُلْتَ: أَنَا بَرِيءٌ بِلاَ ذَنْبٍ. زَكِيٌّ أَنَا وَلاَ إِثْمَ لِي. 10هُوَذَا يَطْلُبُ عَلَيَّ عِلَلَ عَدَاوَةٍ. يَحْسِبُنِي عَدُوّاً لَهُ. 11وَضَعَ رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ. يُرَاقِبُ كُلَّ طُرُقِي.

لم يقبل أليهو الشاب هذا التعليل لمشكلة أيوب ولكنه لخصها ليظهر بعد واختلاف رأيه الخاص عنها. ابتدأ أليهو بعظته التصحيحية قائلا:

12[هَا إِنَّكَ فِي هَذَا لَمْ تُصِبْ. أَنَا أُجِيبُكَ. لأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الإنسان . 13لِمَاذَا تُخَاصِمُهُ؟ لأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا. 14لَكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإنسان . 15فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ عِنْدَ سُقُوطِ سُبَاتٍ عَلَى النَّاسِ فِي النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ. 16حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ 17لِيُحَوِّلَ الإنسان  عَنْ عَمَلِهِ وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ 18لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الْحُفْرَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ الزَّوَالِ بِحَرْبَةِ الْمَوْتِ. 19أَيْضاً يُؤَدَّبُ بِالْوَجَعِ عَلَى مَضْجَعِهِ وَمُخَاصَمَةُ عِظَامِهِ دَائِمَةٌ 20فَتَكْرَهُ حَيَاتُهُ خُبْزاً وَنَفْسُهُ الطَّعَامَ الشَّهِيَّ. 21فَيَبْلَى لَحْمُهُ عَنِ الْعَيَانِ وَتَنْبَرِي عِظَامُهُ فَلاَ تُرَى 22وَتَقْرُبُ نَفْسُهُ إِلَى الْقَبْرِ وَحَيَاتُهُ إِلَى الْمُمِيتِينَ. 23إِنْ وُجِدَ عِنْدَهُ مُرْسَلٌ وَسِيطٌ وَاحِدٌ مِنْ أَلْفٍ لِيُعْلِنَ لِلإنسان  اسْتِقَامَتَهُ 24يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: أُطْلِقُهُ عَنِ الْهُبُوطِ إِلَى الْحُفْرَةِ قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً......

29[هُوَذَا كُلُّ هَذِهِ يَفْعَلُهَا اللهُ مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثاً بِالإنسان  30لِيَرُدَّ نَفْسَهُ مِنَ الْحُفْرَةِ لِيَسْتَنِيرَ بِنُورِ الأَحْيَاءِ. 31فَاصْغَ يَا أَيُّوبُ وَاسْتَمِعْ لِي. انْصُتْ فَأَنَا أَتَكَلَّمُ. 32إِنْ كَانَ عِنْدَكَ كَلاَمٌ فَأَجِبْنِي. تَكَلَّمْ. فَإِنِّي أُرِيدُ تَبْرِيرَكَ. 33وَإِلاَّ فَاسْتَمِعْ أَنْتَ لِي. انْصُتْ فَأُعَلِّمَكَ الْحِكْمَةَ].

يا أيوب لا تظن بأن الله هو كالإنسان . وعندما تقترب منه طالبا تفسيرا لما الم بك وحلا لمعضلتك , لا تقف من باريك موقف المخاصم ز ليس الله ملزما بأن يجيب على تساولاتك. واعلم أيضا بأن الله يهتم بالإنسان  ولا يتركه بلا قائد أو مرشد أو معين. فقد يأتي اله إليك في حلم ليطلعك على خفايا الأمور. أو قد يلجأ إلى استخدام الآلام التي يسمح لها بان تعكر صفو حياتك لتنقية إيمانك حياتك. والعم بأن القدير لن يتركك وحيدا بل سيعين وسيط بينك وبينه ويترأف عليك ولا يسمح لك بان تنزل إلى القبر قبل وقتك. كانت هذه أفكار أليهو وناشد أيوب بأن يقبلها ولا ينظر إليه كما نظر إلى رفاقه الثلاثة الذين انتقدوا انتقادا شديدا. وما سمع أيوب هذه الكلمات حتى لاذ بالصمت لأنها لم تكن ككلمات أصحابه الثلاثة بل كان فيها عمقا روحيا حقيقياً. وهكذا سمح لمعزيه الشاب أليهو بأن يتابع كلامه الذي دون في الفصول التالية من سفر أيوب الصديق.

مستمعي الكرام , لا نستطيع أن نترك هذا كلامنا عن سيرة أيوب بدون أن نلقي نور الوحي الكامل على ما ورد في النص الكتابي. ما أعنيه هو أننا نحن الذين نعيش في ظل العصر الميلادي , لدينا كتاب الله المقدس بأسره أي كلا من أسفار أو كتب العهد القديم والعهد الجديد. وهكذا نشهد بأن الله أرسل المسيح إلى عالمنا ليكون الفادي والوسيط بين الله والإنسان  الخاطىء. وجميع مشكلات الدنيا وما يصاحبها من آلام وعذابات لا تقارن بالمجد العظيم الذي سيعلن لدى عودة المسيح يسوع إلى العالم في اليوم الأخير. من آمن بالمسيح كما كشف عن ذاته في الإنجيل لا تخلو حيلته من المشقات والعذابات ولكنه يحيا على اليقين التام فإن الله سينقذه ويعطيه النصر التام على سائر القوى التي تعصف بحياته في هذه الدنيا , آمين

  • عدد الزيارات: 3742