Skip to main content

ما هو السبب؟ -2

عاش أيوب هذا في أيام ما قبل الميلاد في القسم الشمالي الشرقي من الجزيرة العربية وكان من أغنى رجال المشرق. وقد وهبه الله سبعة بنين وثلاث بنات وكانت حياته حياة رغيدة ولم يسمح لثروته بأن تصبح عائقة بينه وبين ربه والهه بل كان يتعبد لله. وفي كل أسبوع كان يقدم محرقات لله عن بنيه وبناته قائلا: ربما أخطأ بنى وجدفوا على الله في قلوبهم. هكذا كان يفعل أيوب كل الأيام.

سمح الله للشيطان بأن يسلب أيوب ماله وبنيه وبناته وصحته فأصيب أيوب بداء البرص. لكنه لم ينكر الله ولم يتفوه في بادئ الأمر بأية كلمة سلبية.

جاء أصحاب أيوب لتعزيته وكان لسان حالهم أن الإنسان  يتعذب بمقدار الآثام والمعاصي والشرور التي كان قد ارتكبها. هذه كانت نقطة انطلاق تفكيرهم. وهكذا ما رأوا أيوب في حالته التعيسة حتى هالهم الأمر "وجلسوا معه على الأرض سبعة أيام وسبع ليالٍ" صامتين بدون أن يتفوهوا بكلمة واحدة. وبعد أن تكلم أيوب عن مصيبته أخذ أصدقاؤه الثلاثة , أليفاز التيماني وبلدد الشوحي وصوفر النعماتي , أخذوا يوجهون إليه الانتيقادات اللاذعة لأنهم ,حكموا على أيوب مسبقا بأنه كان مذنبا وإلا لما لحق به ما لحق. وبعد أن دافع أيوب عن نفسه في الفصل السابع جاء دور رفيقه بلدد فقال له مؤنبا:

2[إِلَى مَتَى تَقُولُ هَذَا وَتَكُونُ أَقْوَالُكَ رِيحاً شَدِيدَةً! 3هَلِ اللهُ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ أَوِ الْقَدِيرُ يَعْكِسُ الْحَقَّ؟ 4إِذْ أَخْطَأَ إِلَيْهِ بَنُوكَ دَفَعَهُمْ إِلَى يَدِ مَعْصِيَتِهِمْ. 5فَإِنْ بَكَّرْتَ أَنْتَ إِلَى اللهِ وَتَضَرَّعْتَ إِلَى الْقَدِيرِ - 6إِنْ كُنْتَ أَنْتَ زَكِيّاً مُسْتَقِيماً فَإِنَّهُ الآنَ يَتَنَبَّهُ لَكَ وَيُسْلِمُ مَسْكَنَ بِرِّكَ. 7وَإِنْ تَكُنْ أُولاَكَ صَغِيرَةً فَآخِرَتُكَ تَكْثُرُ جِدّاً.

كان منطق بلدد الوحشي يسير على هذا النمط: مات بنو وبنات أيوب ميتة مريعة، اذا لابد أنهم كانوا خطأة، أثمة، فجار. ولكن أيوب كان يعلم علم اليقين أن أبناءه وبناته ام يكونوا عصاة متمردين على شريعة الله.

كان منطق بلدد ورفيقيه منطقا خاطئا لأن الإنسان  لا يعاقب دوما بصورة متناسبة مع أخطائه ومعاصيه. يتعذب العديدون من الأبرياء بدون سبب يدرونه. هذا هو اختبار العديدين من أناس الله الأتقياء.

وناشد بلدد أيوب بأن يبكر متضرعا إلى القدير ليبعد عنه جميع هذه الشرير التي أحاقت به ولكن هذه النصيحة لم تكن في محلها لأن أيوب كان بالفعل يصلي إلى الله ويدعوا باسمه ويقدم الذبائح بصورة مستمرة ومنتظمة. لم يكن بحاجة إلى نصيحة بلدد زكأنه لم يكن عابدا لله بصورة مستقيمة. لم يكن أيوب ببحاجة إلى محاضرات عن كيفية التقرب من الله ونيل رضاه.

تابع بلدد محاضرته قائلا لأيوب المعذب:

8[اِسْأَلِ الْقُرُونَ الأُولَى وَتَأَكَّدْ مَبَاحِثَ آبَائِهِمْ. 9لأَنَّنَا نَحْنُ مِنْ أَمْسٍ وَلاَ نَعْلَمُ لأَنَّ أَيَّامَنَا عَلَى الأَرْضِ ظِلٌّ. 10فَهَلاَّ يُعْلِمُونَكَ. يَقُولُونَ لَكَ وَمِنْ قُلُوبِهِمْ يُخْرِجُونَ أَقْوَالاً قَائِلِينَ 11هَلْ يَنْمُو الْبَرْدِيُّ فِي غَيْرِ الْمُسْتَنْقَعِ أَوْ تَنْبُتُ الْحَلْفَاءُ بِلاَ مَاءٍ؟ 12وَهُوَ بَعْدُ فِي نَضَارَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ يَيْبَسُ قَبْلَ كُلِّ الْعُشْبِ. 13هَكَذَا سُبُلُ كُلِّ النَّاسِينَ اللهَ وَرَجَاءُ الْفَاجِرِ يَخِيبُ 14فَيَنْقَطِعُ اعْتِمَادُهُ وَمُتَّكَلُهُ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ! 15يَسْتَنِدُ إِلَى بَيْتِهِ فَلاَ يَثْبُتُ. يَتَمَسَّكُ بِهِ فَلاَ يَقُومُ. 16هُوَ رَطْبٌ تُجَاهَ الشَّمْسِ وَعَلَى جَنَّتِهِ تَنْبُتُ أَغْصَانُهُ. 17وَأُصُولُهُ مُشْتَبِكَةٌ فِي الرُّجْمَةِ فَتَرَى مَحَلَّ الْحِجَارَةِ. 18إِنِ اقْتَلَعَهُ مِنْ مَكَانِهِ يَجْحَدُهُ قَائِلاً: مَا رَأَيْتُكَ. 19هَذَا هُوَ فَرَحُ طَرِيقِهِ وَمِنَ التُّرَابِ يَنْبُتُ آخَرُ.

ثابر بلدد على مهاجمة أيوب مستعينا باسلوب أدبي منمق. فأدعى بأنه غير ملم بأمور الحياة كما يجب ولذلك استشهد بحكمة القدماء:

المعذب يستحق عذابه لأنه هو نتيجة حنمية لمعصية اقترفها المعذب. هذا التفكير الذي كان يدور في حلقة مفرغة كان تفكيرا عميقا إلا أن بلدد ورفيقه ردداه بصورة مستمرة. رجاء الفاجر يخيب. هذا أكيد , هذا صحيح , ولكن يا صاحبنا بلدد , لماذا قفزت من ذها القول الصائب إلى تأكيد بأن أولاد أيوب كانواقد نسوا الله أو تناسوه في حياتهم؟ ألا تظن بأن الحياة الدنيا مكتنفة بأسرا وألغاز لا يستطيع العقل البشري سبر غورها؟ لما لا تقر بمحدوديتك وتشهد بأن الحكمة لله وحده فقط؟ وأنهى بلدد محاضرته بكلام صحيح في جوهره ولكنه لم يكن منطبقا على حالة أيوب: [هُوَذَا اللهُ لاَ يَرْفُضُ الْكَامِلَ وَلاَ يَأْخُذُ بِيَدِ فَاعِلِي الشَّرِّ. 21عِنْدَمَا يَمْلَأُ فَمَكَ ضَحِكاً وَشَفَتَيْكَ هُتَافاً 22يَلْبِسُ مُبْغِضُوكَ خِزْياً. أَمَّا خَيْمَةُ الأَشْرَارِ فَلاَ تَكُونُ].

وهنا لا بد من تكرار ما ذكرناه منذ بدء هذه السلسة الجديدة من العظات المبينة على سفر أيوب: كان أفق أيوب منحصرا فيما كان الله قد أوحى به في تللك الأيام أي أن أمور الحياة الآتية لم تكن واضحة. ولذلك كان قديسو أيام ما قبل الميلاد أي أيام النظام القديم , كانوا يقفون حائرين تجاه معضلات الحياة الدنيا والمصائب التي تلم بالمؤمنين والمؤمنات. ناضل أيوب وغيره من رجالات تلك الأيام ناضلوا نضالا شديدا ليحلوا مشكلة العذاب والآلام وحفظت لنا أقوالهم وثمار نضالهم الروحي ضمن الأسفار المقدسة. ونحن الذين من علينا الله أن نعيش في ايام ما بعد الميلاد , فانه تعالى منحنا بأن نستفيد من الضوء الوضاح الذي وفد عالمنا بمجيء المسيح يسوع إلى عالمنا لتنفيذ تدبيره أو برنامجه الخلاصي. قد تم ذلك في آلامه و موته

الكفاري وقيامته من بين الاموات.هذا ليعني أن وطأة المصائب في أيامنا هذههي أقل من أيام أيوب الصديق ولكننا نعلم أولا: أن المعذبين لم يكونوا قد استحقوا عقاباتهم بصورة أوتوملتيكية.كثيرا يسمح الله للابرياء بأن يتألموا.وثانيا يعد الله المؤمنين والمؤمنات بالخلاص التام في اليوم الأخير. وقد جاء هذا الوصف المعزي في آخر سفر من أسفار الوحي ,في سفر رؤيا يوحنا:

1ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ. 2وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا. 3وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلَهاً لَهُمْ. 4وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ». 5وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً». وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ». 6ثُمَّ قَالَ لِي: «قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. أَنَا أُعْطِي الْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ الْحَيَاةِ مَجَّاناً. 7مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلَهاً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً. 8وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي».

آمين.

  • عدد الزيارات: 3994