العذابات في عالم الله -2
كان أيوب أحد رجال الله الأتقياء وكان الله قد أنعم عليه بثروة طائلة. لكن الشيطان ادعى بأن أيوب إنما كان يخاف الله ويسير على طريقه المستقيم نظراً لتلك البركات التي نالها من ربه. فسمح الله للشيطان بأن يجرّب أيوب، فخسر أولاً ثروته ثم بنيه وبناته وأخيراً صحته إذ مني بمرض يشبه داء البرص. ولم يترك أيوب مسيرته الإيمانية ولكنه لم يفهم كيف سمح الله لجميع تلك المصائب بأن تنهال عليه ولم يدر بأن الشيطان لعب دوراً هاماً في كل ما حدث له. خضع أيوب الصديق للمشيئة الإلهية وتمنى من قرارة قلبه بأن يمن عليه الله بالشفاء وبحل مقنع لمصيبته.
ومما زاد في محنة أيوب أن أصدقاءه الثلاثة الذين جاؤوا لتعزيته صاروا من منتقديه. وكان منطقهم أن الذي تصيبه هكذا نوائب لا بد أن يكون قد استحقها. فنصحوا أيوب بأن يتواضع أمام الله ويقرّ بخطيته ويستغفر باريه طالباً منه الصفح والغفران. لم يقبل أيوب تعليل أصدقائه لمشكلته الحادة فأجابهم في الفصل السادس قائلاً:
2[لَيْتَ كَرْبِي وُزِنَ وَمَصِيبَتِي رُفِعَتْ فِي الْمَوَازِينِ جَمِيعَهَا. 3لأَنَّهَا الآنَ أَثْقَلُ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَغَا كَلاَمِي. 4لأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ فِيَّ تَشْرَبُ رُوحِي سُمَّهَا. أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي. 5هَلْ يَنْهَقُ الْفَرَاءُ عَلَى الْعُشْبِ أَوْ يَخُورُ الثَّوْرُ عَلَى عَلَفِهِ؟ 6هَلْ يُؤْكَلُ الْمَسِيخُ بِلاَ مِلْحٍ أَوْ يُوجَدُ طَعْمٌ فِي مَرَقِ الْبَقْلَةِ؟ 7عَافَتْ نَفْسِي أَنْ تَمَسَّهَا فَصَارَتْ خُبْزِيَ الْكَرِيهِ!
كان أصحاب أيوب الثلاثة من المؤمنين بالله ولكنهم تسرّعوا في حكمهم على أيوب واستنتجوا بناء على اجتهاداتهم الخاطئة، استنتجوا بأن أيوب كان مذنباً ولذلك كان مستحقاً لكل ما حدث له وصار. فلسفتهم الحياتية كانت تبسيطية للغاية. أعني بكلمة تبسيطية أنها كانت تنظر إلى الحياة من منظور بسيط للغاية بينما الحياة البشرية المعاشة هي أكثر تعقيداً وتفاصيلها أكثر تشابكاً مما يظن الناس. كثيراً ما يتألم الأبرياء ويعذبون بينما لا يعاقب الخطأة والأثمة ومرتكبو المعاصي والشرور. نحن لا نحيا في عالم تجري فيه الأمور بصورة آلية أو ميكانيكية. وعندما نقرّ بإيماننا بالله القدير فهذا لايعني أننا نصبح عالمين بسبب كل ما يجري ويتم في دنيا البشر. الله وحده عليم بكل شيء.
كان أيوب الصديق يتوق إلى من يؤاسيه ويشعر معه ويسانده في محنته الشديدة التي ألمّـت به بصورة فجائية. جاء أصحابه لتعزيته فكان من المنتظر منهم بأن يزنوا مصيبته وأن يظهروا تكاتفهم معه وهو ينتظر من الله العون والنجاة. طبعاً كان أيوب يؤمن في قرارة قلبه بسلطة الله على كل ما يجري في العالم، فلما سمح القدير بأن تنهال سهامه على عبده أيوب؟ ألم يكن باستطاعة الله بأن يجيز عن عبده كل تلك الأهوال؟
تابع أيوب كلامه فقال: 8[يَا لَيْتَ طِلْبَتِي تَأْتِي وَيُعْطِينِيَ اللهُ رَجَائِي! 9أَنْ يَرْضَى اللهُ بِأَنْ يَسْحَقَنِي وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي. 10فَلاَ تَزَالُ تَعْزِيَتِي وَابْتِهَاجِي فِي عَذَابٍ لاَ يُشْفِقُ أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ الْقُدُّوسِ. 11مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ وَمَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ 12هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ الْحِجَارَةِ؟ هَلْ لَحْمِي نُحَاسٌ؟ 13أَلاَ إِنَّهُ لَيْسَتْ فِيَّ مَعُونَتِي وَالْمُسَاعَدَةُ مَطْرُودَةٌ عَنِّي!
لم يتألم أيوب فقط بسبب خسرانه لثروته أو لبنيه وبناته أو صحته، بل تألم أيوب لأنه وهو المؤمن والسائر على طريق الله، وصلّ إلى حالته هذه التي لا تطاق. لم يشعر أيوب بأنه كان قد ارتكب ذنباً أو معصية تستحق ما ألم به، إني لم أجحد كلام القدوس. لماذا إذن أصابتني كل هذه المصائب؟ كان أيوب إنسان اً لا مخلوقاً جباراً هرقلياً. لا يتمتع المؤمن بقوة الحجارة ولحمه ليس من نحاس ! يا الله لماذا يتعذب المؤمنون؟
وعندما يسير المؤمن في درب الآلام ينتظر من أصحابه ورفاقه تعزية لا انتقاداً. لماذا جاء إليه أصحابه بنقدهم اللاذع وبحكمهم الجائر؟ هذا ما زاد من محنة أيوب فقال لأصحابه معاتباً:
14[حَقُّ الْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ الْقَدِيرِ. 15أَمَّا إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ الْغَدِيرِ. مِثْلَ سَاقِيَةِ الْوِدْيَانِ يَعْبُرُونَ. 16الَّتِي هِيَ عَكِرَةٌ مِنَ الْبَرَدِ وَيَخْتَفِي فِيهَا الْجَلِيدُ. 17إِذَا جَرَتِ انْقَطَعَتْ. إِذَا حَمِيَتْ جَفَّتْ مِنْ مَكَانِهَا. 18تَحِيدُ الْقَوَافِلُ عَنْ طَرِيقِهَا تَدْخُلُ التِّيهَ فَتَهْلِكُ. 19نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ. مَوَاكِبُ سَبَأٍ رَجَوْهَا. 20خَزُوا فِي مَا كَانُوا مُطْمَئِنِّينَ. جَاءُوا إِلَيْهَا فَخَجِلُوا. 21فَالآنَ قَدْ صِرْتُمْ مِثْلَهَا. رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ. 22هَلْ قُلْتُ: أَعْطُونِي شَيْئاً أَوْ مِنْ مَالِكُمُ ارْشُوا مِنْ أَجْلِي 23أَوْ نَجُّونِي مِنْ يَدِ الْخَصْمِ أَوْ مِنْ يَدِ الْعُتَاةِ افْدُونِي؟ 24عَلِّمُونِي فَأَنَا أَسْكُتُ وَفَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ. 25مَا أَشَدَّ الْكَلاَمَ الْمُسْتَقِيمَ وَأَمَّا التَّوْبِيخُ مِنْكُمْ فَعَلَى مَاذَا يُبَرْهِنُ؟ 26هَلْ تَحْسِبُونَ أَنْ تُوَبِّخُوا كَلِمَاتٍ وَكَلاَمُ الْيَائِسِ لِلرِّيحِ! 27بَلْ تُلْقُونَ عَلَى الْيَتِيمِ وَتَحْفُرُونَ حُفْرَةً لِصَاحِبِكُمْ! 28وَالآنَ تَفَرَّسُوا فِيَّ فَإِنِّي عَلَى وُجُوهِكُمْ لاَ أَكْذِبُ. 29اِرْجِعُوا. لاَ يَكُونَنَّ ظُلْمٌ. ارْجِعُوا أَيْضاً. فِيهِ حَقِّي. 30هَلْ فِي لِسَانِي ظُلْمٌ أَمْ حَنَكِي لاَ يُمَيِّزُ فَسَاداً؟
يا لها من كلمات رائعة ! ويا ليت نسجلها على عقولنا وأفئدتنا ! عندما نواجه مشاكل الحصاة المستعصية كمرض عضال حلّ بنا أو بأحد أحبائنا، أو عندما نخسر مصدر قوتنا لا عمل لنا ولا رجاء. ألا تزداد بليتنا عندما ينقلب معزوناً إلى مشتكين علينا؟ ما العمل؟ وإلى من نلتجئ؟
يكمن الجواب الوحيد والمقنع في كتاب الله المقدس. فعندما عاش أيوب الصديق وحفظت لنا سيرته ضمن الأسفار المقدسة كانت أيامه أيام ما قبل الميلاد أيام الانتظار، انتظار قدوم مسيح الله وتتميمه لعمله الخلاصي والفدائي لصالح البشرية المعذبة والساقطة في وهدة الشر والخطية. نعيش نحن في أواخر القرن العشرين أي بعد نحو ألفي سنة من أيام المسيح المخلص ولذلك يجدر بنا أن نتسلح بتعاليم الكتاب بأسره. وإذ نتأمل في سيرة السيد المسيح وما قام به من أعمال باهرة كشفاء المرضى وإقامة الموتى، وخاصة إذ نأخذ بعين الاعتبار الآلام التي قاساها المسيح في الأسبوع الأخير من سيرته على الأرض وفي موته وقيامته من بين الأموات، لا بد لنا آنئذ من تكوين منظور حياتي سليم. فلا نتسرع في الحكم على أقراننا بني البشر عندما تنهال عليهم مصائب الحياة. نقرّ بمحدوديتنا وبعدم مقدرتنا على فهم كل ما يجري في دنيانا هذه. ولكننا نقرّ في نفس الوقت بأن القدير لا يزال مهيمناً على جميع مقدّرات العالم وأنه يجعل جميع تفاصيل حياتنا تؤول في الهاية لخيرنا الأبدي. فإن اكتفينا بالنظر إلى الحياة الدنيا وكأنها الكل في الكل فإننا إذا ذاك نصاب بخيبة أمل كبيرة.
وسنرى ونحن نتابع دراستنا لسفر أيوب أهمية التسلح بالإيمان والصبر لأننا لا نبقى وحيدين في عالم الله بل يسير القدير معنا في كل خطوة من خطوات حياتنا. وعلينا أن نتسلح قبل كل شيء بإيمان حي بمن أرسله الله كمخلّص العالم الوحيد أي بيسوع المسيح. متى خطونا هذه الخطوة الأساسية فإننا نكون سائرين على الطريق الوحيد الذي يؤمن لنا انتصاراً أكيداً على جميع قوى الشر والظلام التي تعصف بحياة البشر ولا سيما في هذه الأيام العصيبة. ساعدنا الله القدير لنكون من المؤمنين بالفادي والمخلّص المسيح، آمين.
كان أيوب أحد رجال الله الأتقياء وكان الله قد أنعم عليه بثروة طائلة. لكن الشيطان ادعى بأن أيوب إنما كان يخاف الله ويسير على طريقه المستقيم نظراً لتلك البركات التي نالها من ربه. فسمح الله للشيطان بأن يجرّب أيوب، فخسر أولاً ثروته ثم بنيه وبناته وأخيراً صحته إذ مني بمرض يشبه داء البرص. ولم يترك أيوب مسيرته الإيمانية ولكنه لم يفهم كيف سمح الله لجميع تلك المصائب بأن تنهال عليه ولم يدر بأن الشيطان لعب دوراً هاماً في كل ما حدث له.
ومما زاد في محنة أيوب أن أصدقاءه الثلاثة الذين جاؤوا لتعزيته صاروا من منتقديه. وكان منطقهم أن الذي تصيبه هكذا نوائب لابد أن يكون قد استحقّها. فنصحوا أيوب بأن يتواضع أمام الله ويقرّ بخطيته ويستغفر باريه طالباً منه الصفح والغفران. لم يقبل أيوب تعليل أصدقائه لمشكلته الحادة فأجابهم في الفصل السادس قائلاً:
2[لَيْتَ كَرْبِي وُزِنَ وَمَصِيبَتِي رُفِعَتْ فِي الْمَوَازِينِ جَمِيعَهَا. 3لأَنَّهَا الآنَ أَثْقَلُ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَغَا كَلاَمِي. 4لأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ فِيَّ تَشْرَبُ رُوحِي سُمَّهَا. أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي. 5هَلْ يَنْهَقُ الْفَرَاءُ عَلَى الْعُشْبِ أَوْ يَخُورُ الثَّوْرُ عَلَى عَلَفِهِ؟ 6هَلْ يُؤْكَلُ الْمَسِيخُ بِلاَ مِلْحٍ أَوْ يُوجَدُ طَعْمٌ فِي مَرَقِ الْبَقْلَةِ؟ 7عَافَتْ نَفْسِي أَنْ تَمَسَّهَا فَصَارَتْ خُبْزِيَ الْكَرِيهِ!
كان أصحاب أيوب الثلاثة من المؤمنين بالله ولكنهم تسرّعوا في حكمهم على أيوب واستنتجوا بناء على اجتهادتهم الخاطئة، استنتجوا بأن أيوب كان مذنباً ولذلك كان مستحقاً لكل ما حدث له وصار. فلسفتهم الحياتية كانت تبسيطية للغاية بمعنى أنها كانت تنظر على الحياة من منظور بسيط للغاية بينما الحياة البشرية المعاشة هي أكثر تعقيداً وتفاصيلها أكثر تشابكاً مما يظن الناس. فكثيراً ما يتألمّ الأبرياء ويعذّبون بينما لا يعاقب الخطأة والأثمة ومرتكبوا المعاصي والشرور. نحن لا نحيا في عالم تجري فيه الأمور بصورة آلية أو ميكانيكية. وعندما نقرّ بإيماننا بالله القدير فهذا لا يعني أننا نصبح عالمين بسبب كل ما يجري ويتمّ في دنيا لبشر. الله وحده عليم بكل شيء.
كان أيوب الصديق يتوق إلى من يؤاسيه ويشعر معه ويسانده في محنته الشديدة التي ألمّت به بصورة فجائية. جاء أصحابه لتعزيته فكان من المنتظر منهم بأن يزنوا مصيبته وأن يظهروا تكاتفهم معه وهو ينتظر من الله العون والنجاة. طبعاً كان أيوب يؤمن في قرارة قلبه بسلطة الله على كل ما يجري في العالم، فلما، لما سمح القدير بأن تنهال سهامه على عبده أيوب؟ ألم يكن باستطاعة الله بأن يجيز عن عبده كل تلك الأهوال؟
تابع أيوب كلامه فقال: 8[يَا لَيْتَ طِلْبَتِي تَأْتِي وَيُعْطِينِيَ اللهُ رَجَائِي! 9أَنْ يَرْضَى اللهُ بِأَنْ يَسْحَقَنِي وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي. 10فَلاَ تَزَالُ تَعْزِيَتِي وَابْتِهَاجِي فِي عَذَابٍ لاَ يُشْفِقُ أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ الْقُدُّوسِ. 11مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ وَمَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ 12هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ الْحِجَارَةِ؟ هَلْ لَحْمِي نُحَاسٌ؟ 13أَلاَ إِنَّهُ لَيْسَتْ فِيَّ مَعُونَتِي وَالْمُسَاعَدَةُ مَطْرُودَةٌ عَنِّي!
لم يتألّم أيوب فقط بسبب خسرانه لثروته أو لبنيه وبناته أو صحته، بل تألّم أيوب لأنه وهو المؤمن والسائر على طريق الله، وصل إلى حالته هذه التي لا تطاق. لم يشعر أيوب بأنه كان قد ارتكب ذنباً أو معصية تستحق ما ألمّ به، إني لم أجحد كلام القدوس.لماذا إذاً أصابتني كل هذه المصائب؟ كان أيوب إنسان اً لا مخلوقاً جباراً هرقلياً. لا يتمتّع المؤمن بقوة الحجارة ولحمه ليس من نحاس ! يا ألله لماذا يتعذب المؤمنون؟
وعندما يسير المؤمن في درب الآلام ينتظر من أصحابه ورفاقه تعزية لا انتقاداً. لماذا جاء إليه أصحابه بنقدهم اللاذع وبحكمهم الجائر؟ هذا ما زاد من محنة أيوب فقال لأصحابه معاتباً:
14[حَقُّ الْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ الْقَدِيرِ. 15أَمَّا إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ الْغَدِيرِ. مِثْلَ سَاقِيَةِ الْوِدْيَانِ يَعْبُرُونَ. 16الَّتِي هِيَ عَكِرَةٌ مِنَ الْبَرَدِ وَيَخْتَفِي فِيهَا الْجَلِيدُ. 17إِذَا جَرَتِ انْقَطَعَتْ. إِذَا حَمِيَتْ جَفَّتْ مِنْ مَكَانِهَا. 18تَحِيدُ الْقَوَافِلُ عَنْ طَرِيقِهَا تَدْخُلُ التِّيهَ فَتَهْلِكُ. 19نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ. مَوَاكِبُ سَبَأٍ رَجَوْهَا. 20خَزُوا فِي مَا كَانُوا مُطْمَئِنِّينَ. جَاءُوا إِلَيْهَا فَخَجِلُوا. 21فَالآنَ قَدْ صِرْتُمْ مِثْلَهَا. رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ. 22هَلْ قُلْتُ: أَعْطُونِي شَيْئاً أَوْ مِنْ مَالِكُمُ ارْشُوا مِنْ أَجْلِي 23أَوْ نَجُّونِي مِنْ يَدِ الْخَصْمِ أَوْ مِنْ يَدِ الْعُتَاةِ افْدُونِي؟ 24عَلِّمُونِي فَأَنَا أَسْكُتُ وَفَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ. 25مَا أَشَدَّ الْكَلاَمَ الْمُسْتَقِيمَ وَأَمَّا التَّوْبِيخُ مِنْكُمْ فَعَلَى مَاذَا يُبَرْهِنُ؟ 26هَلْ تَحْسِبُونَ أَنْ تُوَبِّخُوا كَلِمَاتٍ وَكَلاَمُ الْيَائِسِ لِلرِّيحِ! 27بَلْ تُلْقُونَ عَلَى الْيَتِيمِ وَتَحْفُرُونَ حُفْرَةً لِصَاحِبِكُمْ! 28وَالآنَ تَفَرَّسُوا فِيَّ فَإِنِّي عَلَى وُجُوهِكُمْ لاَ أَكْذِبُ. 29اِرْجِعُوا. لاَ يَكُونَنَّ ظُلْمٌ. ارْجِعُوا أَيْضاً. فِيهِ حَقِّي. 30هَلْ فِي لِسَانِي ظُلْمٌ أَمْ حَنَكِي لاَ يُمَيِّزُ فَسَاداً؟
يكمن الجواب الوحيد والمقنع في كتاب الله المقدّس. فعندما عاش أيوب الصديق وحفظت لنا سيرته ضمن الأسفار المقدّسة كانت أيامه أيام ما قبل الميلاد، أيام الانتظار، انتظار قدوم مسيح الله وتتميمه لعمله الخلاصي والفدائي لصالح البشرية المعذّبة والساقطة في وهدة الشرّ والخطية. نعيش نحن في أواخر القرن العشرين أي بعد نحو ألفي سنة من أيام المسيح المخلّص ولذلك يجدر بنا أن نتسلّح بتعاليم الكتاب بأسره. وإذ نتأمّل في سيرة السيد المسيح وما قام به من أعمال باهرة كشفاء المرضى وإقامة الموتى، وخاصة إذ نأخذ بعين الاعتبار الآلام التي قاساها المسيح في الأسبوع الأخير من سيرته على الأرض وفي موته وقيامته من بين الأموات، لا بد لنا آنئذ من تكوين منظور حياتيّ سليم. فلا نتسرّع في الحكم على أقراننا بني البشر عندما تنهال عليهم مصائب الحياة. نقرّ بمحدوديتنا وبعدم مقدرتنا على فهم كل ما يجري في دنيانا هذه. ولكننا نقرّ في نفس الوقت بأن القدير لا يزال مهيمناً على جميع مقدّرات العالم وأنه يجعل جميع تفاصيل حياتنا تؤول في النهاية لخيرنا الأبديّ. فإن اكتفينا بالنظر إلى الحياة الدنيا وكأنها الكل في الكل فإننا إذا ذاك نصاب بخيبة أمل كبيرة.
وسنرى ونحن نتابع دراستنا لسفر أيوب أهمية التسلّح بالإيمان والصبر لأننا لا نبقى وحيدين في عالم الله بل يسير القدير معنا في كل خطوة من خطوات حياتنا. وعلينا أن نتسلّح قبل كل شيء بإيمان حيّ بمن أرسله الله كمخلّص العالم الوحيد أي بيسوع المسيح. متى خطونا هذه الخطوة الأساسية فإننا نكون سائرين على الطريق الوحيد الذي يؤمّن لنا انتصاراً أكيداً على جميع قوى الشر والظلام التي تعصف بحياة البشر ولا سيما في هذه الأيام العصيبة. ساعدنا الله القدير لنكون من المؤمنين بالفادي والمخلّص المسيح، آمين.
- عدد الزيارات: 3830