Skip to main content

لماذا يتعذب الناس -2

عندما تكتنف حياتنا مشكلات تجلب علينا الآلام نود بأن نفهم لماذا نتعذّب ولماذا لا نجد في كثير من الأحيان منفذاً للنجاة؟ لا يكمن الجواب في نظريات فلسفية ملحدة بل في تسليم مقاليد حياتنا لإلهنا المحب والشفوق. لا يزال القدير على عرشه ومهما صار وحدث فإننا لن نتخلّى عن إيماننا به.

الخطوة الثانية التي علينا أن نخطوها هي الإقرار بأننا نجهل الأسباب القريبة للمشكلات الحياتية التي نواجهها. أن نكون مؤمنين بالله لا يعني أن مسيرتنا الحياتية تصبح لنا في جميع تفاصيلها. هناك أسرار وألغاز نجابهها لأننا بشر ضعفاء ومحدودون ولأن الله لا يشاء بأن يطلعنا في كل دور من أدوار حياتنا على سبب هذا الشيء أو ذاك الذي يحدث لنا.

الخطوة الثالثة التي علينا أن نعترف بها هي أنه لا توجد دائماً علاقة مباشرة بين مسيرتنا الحياتية والأمور المزعجة التي تعصف بنا. وهذا بالفعل ما نتعلّمه من سفر أيوب الصديق الذي ابتدأنا بدراسته منذ مدة قصيرة. فبعد أن خسر هذا الإنسان  أمواله وبنيه وبناته وصحته جاء إليه أصحابه الثلاثة لتعزيته ولكنهم ما لبثوا أن انقلبوا عليه مدّعين بأن ما حدث له إنما كان يستحقّه نظراً لعمل شرير كان قد ارتكبه هو أو أحد أفراد عائلته. لم يقبل أيوب هكذا تعليل خاطئ لمشكلاته وثابر في جوابه على القول بأنه لم يرتكب خطأ معينا لتنهمر عليه نوائب الحياة. أجابه أول أصحابه أليفاز التيماني قائلاً:

2[إِنِ امْتَحَنَ أَحَدٌ كَلِمَةً مَعَكَ فَهَلْ تَسْتَاءُ؟ وَلَكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ الاِمْتِنَاعَ عَنِ الْكَلاَمِ! 3هَا أَنْتَ قَدْ أَرْشَدْتَ كَثِيرِينَ وَشَدَّدْتَ أَيَادِيَ مُرْتَخِيَةً. 4قَدْ أَقَامَ كَلاَمُكَ الْعَاثِرَ وَثَبَّتَّ الرُّكَبَ الْمُرْتَعِشَةَ. 5وَالآنَ إِذْ جَاءَ عَلَيْكَ ضَجِرْتَ! إِذْ مَسَّكَ ارْتَعْتَ! 6أَلَيْسَتْ تَقْوَاكَ هِيَ مُعْتَمَدَكَ وَرَجَاؤُكَ كَمَالَ طُرُقِكَ؟ 7اُذْكُرْ مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ وَأَيْنَ أُبِيدَ الْمُسْتَقِيمُونَ؟ 8كَمَا قَدْ رَأَيْتَ أَنَّ الْحَارِثِينَ إِثْماً وَالزَّارِعِينَ شَقَاوَةً يَحْصُدُونَهُمَا. 9بِنَسَمَةِ اللهِ يَبِيدُونَ وَبِرِيحِ أَنْفِهِ يَفْنُونَ. 10زَمْجَرَةُ الأَسَدِ وَصَوْتُ الزَّئِيرِ وَأَنْيَابُ الأَشْبَالِ تَكَسَّرَتْ. 11اَللَّيْثُ هَالِكٌ لِعَدَمِ الْفَرِيسَةِ وَأَشْبَالُ اللَّبْوَةِ تَبَدَّدَتْ.

وها هي خلاصة ما جاء في المقطع الأول من الفصل الرابع من سفر أيوب:

يا صاحبنا أيوب، لا تستاء مما سنذكره في ردنا على كلاماتك لأنه من المستحيل لنا أن نبقى صامتين. أنت الذي علّمت وأرشدت العديدين من معارفك، تذكر ما كنت تنادي به. لا يهلك بريء في دنيانا، بل الذي يزرعها الإنسان  فإياه يحصد.

لم تكن العلّة في كلمات أليفاز في كونها غير منطبقة على الحقيقة بل لأنها لم تأخذ الحقيقة بأسرها بعين الاعتبار. طبعاً كان أيوب الصديق يعلّم الناس وينادي بطرق الله المستقيمة. فمن البديهي أن الحارثين إثما والزارعين شقاوة يحصدونها. ولكن هذا لا يتم بصورة آلية ففي بعض الأحيان يتألم ويتعذّب الأبرياء والأشرار لا يعاقبون كما يستحقّون.

وتابع ألفاز كلماته اللامعزّية والتي سكبها في قالب جعلها تظهر وكأنها انبعثت من مصدر سماوي قائلاً:

12ثُمَّ إِلَيَّ تَسَلَّلَتْ كَلِمَةٌ فَقَبِلَتْ أُذُنِي مِنْهَا هَمْساً. 13فِي الْهَوَاجِسِ مِنْ رُؤَى اللَّيْلِ عِنْدَ وُقُوعِ سُبَاتٍ عَلَى النَّاسِ 14أَصَابَنِي رُعْبٌ وَرَعْدَةٌ فَرَجَفَتْ كُلُّ عِظَامِي. 15فَمَرَّتْ رُوحٌ عَلَى وَجْهِي. اقْشَعَرَّ شَعْرُ جَسَدِي. 16وَقَفَتْ وَلَكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَنْظَرَهَا. شِبْهٌ قُدَّامَ عَيْنَيَّ. سَمِعْتُ صَوْتاً مُنْخَفِضاً: 17أَالإنسان  أَبَرُّ مِنَ اللهِ أَمِ الرَّجُلُ أَطْهَرُ مِنْ خَالِقِهِ؟ 18هُوَذَا عَبِيدُهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً. 19فَكَمْ بِالْحَرِيِّ سُكَّانُ بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ الَّذِينَ أَسَاسُهُمْ فِي التُّرَابِ وَيُسْحَقُونَ مِثْلَ الْعُثِّ؟ 20بَيْنَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ يُحَطَّمُونَ. بِدُونِ مُنْتَبِهٍ إِلَيْهِمْ إِلَى الأَبَدِ يَبِيدُونَ. 21أَمَا انْتُزِعَتْ حِبَالُ خِيَامِهِمْ؟ يَمُوتُونَ بِلاَ حِكْمَةٍ.

طبعاً لا مقارنة بين الإنسان  المخلوق الضعيف والخاطئ وبين الله القدوس القدير، الإنسان  أبرّ من الله أم الرجل أطهر من خالقه؟ حاشا...ليسكت الإنسان  وليرتعب وهو يتأمل في كمال خالقه وباريه. نقول آمين إذ نصغي إلى كلمات رفيق أيوب، ولكن، ولكن......لم تكن في محلّها بمعنى أن أيوب الصديق كان شاعراً كل الشعور بأنه لم يرتكب أية معصية فلماذا تنهال عليه نوائب الحياة. أقرّ أيوب في أكثر من مناسبة بأن الله بار وقدوس يتعالى على جميع مخلوقاته من ملائكة وبشر. انحصرت مشكلته في عدم فهمه لسبب كل الكوارث التي انقضت عليه وكأنه كان من أعظم وأكبر الأشرار والخطأة.

فمشكلة أليفاز الذي جاء مع صاحبيه لتعزية أيوب أنه انقلب إلى مشتك على أيوب لأنه نظر إلى حالة أيوب بمنظور تبسيطي.فالحياة البشرية التي نعيشها في هذه الدنيا هي معقّدة للغاية ولا يمكننا أن نحلّل و نفسّر تفاصيلها على الطريقة التي لجأ إليها أصحاب أيوب الثلاثة. في كثير من الأحيان يتعذب الأبرياء بدون سبب معقول. ليست الحياة الدنيا حياة بسيطة شفّافة بل تكتنفها ألغاز وأسرار لانقدر أن نسبر غورها.

 الله وحده عليم وقدير ومهيمن على جميع تفاصيل دنيا البشر. ولا نكون متهربين من مسؤولياتنا عندما نقول: نحن لا نفهم لماذا تمّ ما تمّ ولماذا مات والد هذه الأسرة وترك امرأته وأولاده في حالة يرثى لها !نحن لا نفهم لماذا لا يزال الأسرى بدون حل لمشكلتهم ولماذا لا يزال الجوع يفتك بملايين البشر ولماذا يتقاتل الناس وقد خلقهم الله ليعيشوا بسلام ووئام !

ولقد أعطانا الله سفر أيوب لنفهم أنه علاوة على العامل البشري في دنيانا هذه هناك العامل الشيطاني الذي يعكر صفو الحياة ويجعل منها كابوساً مخيفاً ومرعباً. لكن عاقبة أيوب التي سنطّلع عليها في المستقبل سترينا أن الغلبة هي لله ولمحبيه والسائرين على طريقه المستقيم.

وبما أن سفر أيوب هو واحد من أقسام العهد القديم أي كتب الوحي التي جاءت في أيام ما قبل الميلاد، يجدر بنا نحن الذين نعيش في أيام ما بعد الميلاد أن نسلّط نور الوحي الكامل على مسيرتنا وعلى مشكلاتنا. ما أعنيه هو أنّ مجيء المسيح المخلصّ إلى عالمنا وتتميمه لعمله الخلاصي والفدائي على الصليب يعطينا نور الوحي الكامل الذي يعلّمنا أنه بالرغم من جميع الآلام والعذابات التي تعصف بحياتنا فإن النصر حليفنا فيما إذا كنا قد سلّمنا مقادير حياتنا للذي انتصر على الشر والموت والشيطان بقيامته الجبارة من بين الأموات.

يا من تتعذب وتتألم وتتخبّط في تساؤلاتك عن سبب كل ما حدث لك وصار؟ هل وجّهت نظرك إلى من جاء إلى عالمنا لينقذنا من كل الشرور التي تهدّدنا هل آمنت بالمسيح يسوع كمخلّصك من الخطية؟ لا تؤجّل إلى المستقبل المجهول أهم قرار في حياتك، آمن بالمخلّص اليوم واختبر الغفران على الشر والشيطان، آمين.

  • عدد الزيارات: 4482