الخير والشر -1
النص الكتابي: أيوب 2
كانت الرسالة مؤثرة للغاية. فلقد تشردت الأسرة المكونة من أب وأم وثلاثة أولاد وحطت بهم الرحال في بلد مجاور لا يعرفون لغة أهله. خسروا كل شيء،بيتهم ومحتوياته، العمل الذي كان يقوم به رب البيت، الأهل والأصحاب الذين كانوا بمقربتهم. وقد وصلوا إلى مقر إقامتهم بثيابهم التي كانت على ظهورهم. كيف نفهم هكذا حادثة والتي تكررت في السنين الأخيرة آلاف بملايين المرات وفي شتى أنحاء العالم. فان لم تكن الحرب، فربما كانت عاصفة هوجاء أو زلزال مدمر. كيف نستطيع أن نعي هكذا أمور كارثية ونحن نؤمن في نفس الوقت بأن الله هو سيد الكون ورب العالمين؟ فبالنسبة إلى العديدين من معاصرينا والذين لا يؤمنون بالله بل يعتقدون بتعددّ الآلهة أو ربما هم ملحدون لا يؤمنون بعالم ما فوق الطبيعة، يقولون أن البشر يعيشون تحت رحمة أقدار عاتية. نصيب البعض منهم شرّ مهلك بينما نصيب آخرين هو خير ورفاهية.
المشكلة التي يجابهها كل مؤمن بالله القدير هي كيفية تسوية وجود كل من عامل الشر وعامل الخير ضمن حياة البشرية. وتزداد الأزمة حدّة بالنسبة إلينا نحن أهل هذه الأيام لأن طرق المواصلات والاتصالات تجعلنا ملمين توّا بالكوارث التي تحدث بالناس في مختلف أنحاء العالم لقد كان أجدادنا في أيام ما قبل الراديو والتلفزة، لقد كانوا يسمعون عن نوائب وكوارث الحياة بعد عدة أشهر من حدوثها. أما الآن فإننا نسمع عن سقوط طائرة ركاب أو تفشيّ الجوع في أمكنة معينة من الأرض وقضائه على الآلاف من الأولاد المتضوّرين جوعاً. ولا نسمع فقط عن هذه الأمور التراجيدية بل نشاهدها على شاشة التلفزيون فتصدم عقولنا بصورة شديدة.
كيف نفسر وجود الشر في عالم جاء إلى حيز الوجود نظرا لما قام به الله في بدء التاريخ أي عمل الخليفة؟ فسرّت بعض الديانات الوثنية وجود كل من الخير والشر باللجوء إلى فلسفة ازدواجية نسبت الخير إلى اله الخير والشر إلى اله الشر. أما في أيامنا فقد مال البعض إلى الظن بأن الله لا يستطيع أن يسيطر على كل ما يجري في دنيانا وهكذا تحدث أمور مزعجة للغاية للناس يقف الله تجاهها مكتوف اليدين. وادعى تلامذة الفلسفة المادية المنكرة لوجود الله بأن الشر يعود إلى التناقضات الاقتصادية المسيطرة على المجتمع البشري. لا يقبل المؤمن هكذا آراء منكرة لله أو منادية بمحدوديته بل يبني إيمانه على كتب الوحي. وهو لا ينسب الشر إلى الله. الله منبع كل خير وبركة. أما سبب دخول الشر إلى العالم فهو الشيطان الذي ثار على الله في البدء وأغوى كل من آدم وحواء على التعدّي على وصية الله فسقط أبوانا في حمأة الشر والخطية. ليس الشر إذاً من صلب الوجود البشري بل كما قال العالم الديني الإفريقي الشهير القديس أوغسطينوس: ينتج الشر عن فساد الخير. وبكلمة أخرى: الشر عامل طفيلي مزعج لما كان وجودا له لو لم يسبقه وجود الخير.
- عدد الزيارات: 4991