Skip to main content

ليكن اسم الرب مباركاً -2

كما ذكرنا في عظتنا السابقة، لقد وهبنا الله سفراً واحداً أي كتابا من كتب الوحي في أيام ما قبل الميلاد يعرف بسفر أيوب الصدّيق. وقد عالج كاتب هذا السفر الملهم، عالج فيه موضوع العذابات والمشكلات التي تنقض على خائفي الله والمتعبدين له. ولاحظنا من القسم الأول من الفصل الأول لسفر أيوب أن الله سمح للشيطان بأن يسلب أيوب من كل مقتنياته ومن أولاده ليمتحن إيمان عبده وليظهر بأن هذه النوائب لن تبعد أيوب عن السر على طريق الله القويم. وها إننا نقتبس الآن من سفر أيوب:

13وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَبْنَاؤُهُ وَبَنَاتُهُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْراً فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ 14أَنَّ رَسُولاً جَاءَ إِلَى أَيُّوبَ وَقَالَ: [الْبَقَرُ كَانَتْ تَحْرُثُ وَالأُتُنُ تَرْعَى بِجَانِبِهَا 15فَسَقَطَ عَلَيْهَا السَّبَئِيُّونَ وَأَخَذُوهَا وَضَرَبُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ]. 16وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: [نَارُ اللهِ سَقَطَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتِ الْغَنَمَ وَالْغِلْمَانَ وَأَكَلَتْهُمْ وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ]. 17وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: [الْكِلْدَانِيُّونَ عَيَّنُوا ثَلاَثَ فِرَقٍ فَهَجَمُوا عَلَى الْجِمَالِ وَأَخَذُوهَا وَضَرَبُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ]. 18وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: [بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْراً فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ 19وَإِذَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ جَاءَتْ مِنْ عَبْرِ الْقَفْرِ وَصَدَمَتْ زَوَايَا الْبَيْتِ الأَرْبَعَ فَسَقَطَ عَلَى الْغِلْمَانِ فَمَاتُوا وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ].

قبل كل شيء علينا أن نذكر بأن أيوب لم يكن ملماً بما كان يحدث في حضرة الله. كان أيوب عائشاً في دنيانا هذه بدون أن يعرف مكائد الشيطان وبدون أي علم بأن الله كان سيسمح لعدوه اللدود بأن يجلب على حياته نائبة تلو الأخرى. يطلعنا الوحي على الدور الذي لعبه الشيطان في حياة أيوب لكن هذا كان سراً بالنسبة له. هذا أمر هام جداً علينا أن نبقيه في ذاكرتنا. كل ما يجري لنا في هذا العالم إنما هو طرف واحد من وجود يبقى تحت إشراف وهيمنة الله والطرف الآخر من هذا الوجود يبقى في العالم غير المنظور أي في عالم الغيب.

جاء يوم وظهر وكأنه يوم اعتيادي كبقية الأيام، كان أبناء أيوب وبناته يحضرون وليمة أقامها لهم أخوهم الأكبر. كانت بقر أيوب تحرث والأتن ترعى بجانبها، كانت غنم أيوب ترعى تحت إشراف رعاتها، وجمال أيوب كانت مسافرة ضمن قوافل في رحلات تجارية. كل شيء ظهر طبيعياً واعتيادياً ولكنه كان أشبه بالهدوء الذي يسبق هبوب عاصفة هائلة. ويا له من يوم أسود مكتظ بالنكبات التي لم يعرف لها مثيل في تاريخ البشرية، توالت الأنباء السيئة على أيوب من كل حدب وصوب وكأنها سهام لاهبة مصوبة بكل دراية إلى قلبه.

سقط السبئيون على البقر والأتن فأخذوها وقتلوا الغلمان الذين كانوا يحرسونها. نار سقطت من السماء فأحرقت الغنم والرعاة. تآمر الكلدانيون على قوافل أيوب فأخذوا الجمال وقتلوا الغلمان الذين كانوا يقودونها.

لم ينجحوا من هذه الضربات الهائلة إلا ثلاثة أشخاص جاء كل واحد منهم ليخبر سيده أيوب بالكارثة. وأخيراً جاءته أخبار الفاجعة العظمى:

[بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْراً فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ 19وَإِذَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ جَاءَتْ مِنْ عَبْرِ الْقَفْرِ وَصَدَمَتْ زَوَايَا الْبَيْتِ الأَرْبَعَ فَسَقَطَ عَلَى الْغِلْمَانِ فَمَاتُوا وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ].

ولا بد لنا نحن الذين نسمع هذه الكلمات المستقاة من الكتاب المقدّس، لا بد لنا من أن نقول: كيف سمح الله القدير لهذه النوائب بأن تنقضّ على عبده أيوب؟ ألم يكن باستطاعة الله أن ينجّي عبده من كل هذه الأمور؟ المسألة ليست بخصوص مقدرة الله على منع من الحدوث. طبعاً أن الله على كل شيء قدير. المشكلة هي أننا نعيش في عالم ساقط في حمأة الشر والخطيئة، والشيطان يلعب دوراً مخرّباً ضمن هذا العالم ليغوي الناس ويبعدهم عن الله خالقهم. ويصوّب الشيطان سهامه الحارقة باتجاه خائفي الله لأنه يخال بأنهم سيتخلوّن عن إيمانهم منكرين الله وهابطين إلى مستنقع اليأس والقنوط. كان الشيطان قد ادعى لدى ظهوره أمام الله بأن أيوب كان سائراً على طريق الله لأنه كان قد استلم الخيرات والبركات العديدة من ربه. وادعى الشيطان أنه فيما إذا خسر أيوب مقتنياته وأولاده كان سينكر الله ويموت بدون أي رجاء في هذه الحياة أو في الحياة الآتية.

نعود الآن إلى النص الكتابي الذي يصف لنا موقف أيوب من المصائب التي ألمت به:

20فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ 21وَقَالَ: [عُرْيَاناً خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَاناً أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكاً]. 22فِي كُلِّ هَذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ لِلَّهِ جَهَالَةً.

ليس المؤمن من جبلة فوق بشرية. إنه يفرح ويحزن، يضحك ويبكي، يقيم الولائم ويحضر المآتم. المؤمن إنسان  اعتيادي، طبيعي. ما يفرّقه عن غير المؤمنين هو أنه يأخذ بعين الاعتبار سلطنة وهيمنة الله على جميع مقدرات الحياة وكذلك جديّة الوجود غير المنظور أي عالم ما فوق الطبيعة. وبعبارة أخرى مع تعلق المؤمن بالحياة الدنيا ألا أنه يؤمن من قرارة قلبه بأنها ليست كل ما في الوجود. النظرة الحياتية التي يدين بها المؤمن هي نظرة مستقبلية وكونها مستقبلية لا يعني أنها تهرّب من الواقع الأليم. ومع كون تفاصيل الحياة بعد الموت مع أنها كانت ضئيلة في أيام ما قبل الميلاد، أي أيام كتابة سفر أيوب، إلا أن الله كان قد كشف كفاية عن الحياة بعد الموت حتى أن المؤمنين به لم ينهاروا انهياراً تاماً لدى حدوث الكوارث الحياتية. وهكذا نرى أنه بعكس قول الشيطان بأن أيوب كان سيجدّف فيما إذا خسر أمواله وأولاده، نرى أنه استسلم كلياً لله ولمشيئته التي تفوق مقدرتنا على تفهم تفاصيلها وسجد وقال: عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود إلى هناك " ويعني أن جسده سيعود إلى الأرض نظراً من أنه منحدر من آدم الذي جبله الله من تراب الأرض " الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الله مباركا.

ومن الجدير بالذكر أن الله تابع في إعطائنا وحيه المقدس منذ أيام أيوب وأن هذا الوحي اكتمل في مجيء المسيح إلى عالمنا منذ نحو ألفي سنة. علمّنا المسيح بأن ما وراء هذا الوجود يكمن وجود حقيقي غير منظور وأن مصير الإنسان  لا ينتهي بمجرد موته بل هناك حياة أبدية سعيدة للذين تصالحوا مع الله ونالوا غفران خطاياهم. أما الذين يتبعون مسيرتهم في طرق الشر والخطية فإن نهايتهم ستكون رهيبة.

وبنى المسيح أساس المصالحة على عمله الكفّاري الذي أتمه عندما مات عنا على الصليب. لكنه لم يبق في قبضة الموت بل قام في اليوم الثالث من بين الأموات وأعطانا صورة حية لمصير جميع الذين وضعوا ثقتهم القلبية فيه. وهكذا إن كان أيوب قد صمد في وجه أعاصير الحياة التي هبت عليه وسلبته أمواله وأولاده، فنحن أيضاً أهل هذه الأيام سنصمد في وجه كوارث هذه الحياة بمعونة الله وننضم إلى أيوب قائلين: الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركا. آمين.

ليس المؤمن من جبلة فوق بشرية. انه يفرح ويحزن، يضحك ويبكي، يقيم الولائم ويحضر المآتم. المؤمن إنسان  اعتيادي، طبيعي. ما يفرقه عن غير المؤمنين هو أنه يأخذ بعين الاعتبار سلطنة وهيمنة الله على جميع مقدرات الحياة وكذلك جدية الوجود غير المنظور أي عالم ما فوق الطبيعة. وبعبارة أخرى مع تعلق المؤمن بالحياة الدنيا إلا أنه يؤمن من قرارة قلبه بأنها ليست كل ما في الوجود. النظرة الحياتية التي يدين بها المؤمن هي نظرة مستقبلية وكونها مستقبلية لا يعني أنها تهرّب من الواقع الأليم. ومع كون تفاصيل الحياة بعد الموت مع أنها كانت ضئيلة في أيام ما قبل الميلاد، أي أيام كتابة سفر أيوب، إلا أن الله كان قد كشف كفاية عن الحياة بعد الموت حتى أن المؤمنين به لم ينهاروا انهياراً تاماً لدى حدوث الكوارث الحياتية. وهكذا نرى أنه بعكس قول الشيطان بأن أيوب كان سيجدّف فيما إذا خسر أمواله وأولاده، نرى أنه استسلم كلياً لله ولمشيئته التي تفوق مقدرتنا على تفهم تفاصيلها وسجد وقال: " عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود إلى هناك " ويعني أن جسده سيعود إلى الأرض نظراً لأنه منحدر من آدم الذي جبله الله من تراب الأرض " الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الله مباركا.

ومن الجدير بالذكر أن الله تابع في إعطائنا وحيه المقدس منذ أيام أيوب وأن هذا الوحي اكتمل في مجيء المسيح إلى عالمنا منذ نحو ألفي سنة. وأن مصير الإنسان  لا ينتهي بمجرد موته بل هناك حياة أبدية سعيدة للذين تصالحوا مع الله ونالوا غفران خطاياهم. أما الذين يتبعون مسيرتهم في طرق الشر والخطية فإن نهايتهم ستكون رهيبة. وبنى المسيح أساس المصالحة على عمله الكفّاري الذي أتمه عندما مات عنا على الصليب. لكنه لم يبق في قبضة الموت بل قام في اليوم الثالث من بين الأموات وأعطانا صورة حية لمصير جميع الذين وضعوا ثقتهم القلبية فيه. وهكذا إن كان أيوب قد صمد في وجه أعاصير الحياة التي هبت عليه وسلبته أمواله وأولاده، فنحن أيضاً أهل هذه الأيام سنصمد في وجه كوارث هذه الحياة بمعونة الله وننضم إلى أيوب قائلين: الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركا.آمين.

  • عدد الزيارات: 10006