الدرس الثامن
الفصل 5: 11- 6: 20
النص الكتابي:
"11اَلَّذِي مِنْ جِهَتِهِ الْكَلاَمُ كَثِيرٌ عِنْدَنَا، وَعَسِرُ التَّفْسِيرِ لِنَنْطِقَ بِهِ، إِذْ قَدْ صِرْتُمْ مُتَبَاطِئِي الْمَسَامِعِ. 12لأَنَّكُمْ إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ، تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ، وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إلى اللَّبَنِ لاَ إلى طَعَامٍ قَوِيٍّ. 13لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَأول اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ، 14وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.".
"1لِذَلِكَ وَنَحْنُ تَارِكُونَ كَلاَمَ بَدَاءَةِ الْمَسِيحِ لِنَتَقَدَّمْ إلى الْكَمَالِ، غَيْرَ وَاضِعِينَ أيضاً أَسَاسَ التَّوْبَةِ مِنَ الأَعْمَالِ الْمَيِّتَةِ، وَالإيمان بِاللهِ، 2تَعْلِيمَ الْمَعْمُودِيَّاتِ، وَوَضْعَ الأَيَادِي، قِيَامَةَ الأموات، وَالدَّيْنُونَةَ الأبديةَ - 3وَهَذَا سَنَفْعَلُهُ إِنْ أَذِنَ اللهُ. 4لأَنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً، وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، 5وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي، 6وَسَقَطُوا، لاَ يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أيضاً لِلتَّوْبَةِ، إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمُِ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ. 7لأَنَّ أرضاً قَدْ شَرِبَتِ الْمَطَرَ الآتِيَ عَلَيْهَا مِرَاراً كَثِيرَةً، وَأَنْتَجَتْ عُشْباً صَالِحاً لِلَّذِينَ فُلِحَتْ مِنْ أَجْلِهِمْ، تَنَالُ بَرَكَةً مِنَ اللهِ. 8وَلَكِنْ إِنْ أَخْرَجَتْ شَوْكاً وَحَسَكاً، فَهِيَ مَرْفُوضَةٌ وَقَرِيبَةٌ مِنَ اللَّعْنَةِ، الَّتِي نِهَايَتُهَا لِلْحَرِيقِ. 9وَلَكِنَّنَا قَدْ تَيَقَّنَّا مِنْ جِهَتِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ أموراً أَفْضَلَ، وَمُخْتَصَّةً بِالْخَلاَصِ، وَإِنْ كُنَّا نَتَكَلَّمُ هَكَذَا. 10لأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ الْمَحَبَّةِ الَّتِي أَظْهَرْتُمُوهَا نَحْوَ اسْمِهِ، إِذْ قَدْ خَدَمْتُمُ الْقِدِّيسِينَ وَتَخْدِمُونَهُمْ. 11وَلَكِنَّنَا نَشْتَهِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يُظْهِرُ هَذَا الاِجْتِهَادَ عَيْنَهُ لِيَقِينِ الرَّجَاءِ إلى النِّهَايَةِ، 12لِكَيْ لاَ تَكُونُوا مُتَبَاطِئِينَ بَلْ مُتَمَثِّلِينَ بِالَّذِينَ بِالإيمان وَالأَنَاةِ يَرِثُونَ الْمَوَاعِيدَ. 13فَإِنَّهُ لَمَّا وَعَدَ اللهُ إبراهيم، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْظَمُ يُقْسِمُ بِهِ، أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ، 14قَائِلاً: «إِنِّي لَأُبَارِكَنَّكَ بَرَكَةً وَأُكَثِّرَنَّكَ تَكْثِيراً». 15وَهَكَذَا إِذْ تَأَنَّى نَالَ الْمَوْعِدَ. 16فَإِنَّ النَّاسَ يُقْسِمُونَ بِالأَعْظَمِ، وَنِهَايَةُ كُلِّ مُشَاجَرَةٍ عِنْدَهُمْ لأَجْلِ التَّثْبِيتِ هِيَ الْقَسَمُ. 17فَلِذَلِكَ إِذْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُظْهِرَ أَكْثَرَ كَثِيراً لِوَرَثَةِ الْمَوْعِدِ عَدَمَ تَغَيُّرِ قَضَائِهِ، تَوَسَّطَ بِقَسَمٍ، 18حَتَّى بِأَمْرَيْنِ عَدِيمَيِ التَّغَيُّرِ، لاَ يُمْكِنُ أَنَّ اللهَ يَكْذِبُ فِيهِمَا، تَكُونُ لَنَا تَعْزِيَةٌ قَوِيَّةٌ، نَحْنُ الَّذِينَ الْتَجَأْنَا لِنُمْسِكَ بِالرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، 19الَّذِي هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ، تَدْخُلُ إلى مَا دَاخِلَ الْحِجَابِ، 20حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِقٍ لأَجْلِنَا، صَائِراً عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ، رَئِيسَ كَهَنَةٍ إلى الأَبَدِ."
أخذ كاتب الرسالة بالكلام عن كهنوت المسيح يسوع مظهراً أنه له المجـد كان رئيس على رتبة ملكي صادق. وقبل أن يتطرق إلى البحث في هذا الموضوع الهام نراه يوجه كلمات عتاب لمستلمي الرسالة نظراً لعدم نموهم في الإيمان المسيحي. ويوجه أيضاً إنذاراً هاماً لجميع المؤمنين لئلا يرتدوا عن الإيمان القويم ويلفت أخيراً أنظارهم إلى الله الذي وعد بأن ينقذ جميع الذين يلتجئون إليه بواسطة المسيح يسوع.
1. بطء مستلمي الرسالة في فهم المسيحية وعدم نموهم الروحي الناتج عن ذلك: كان من المنتظر من المؤمنين، كما هو متوقع من كل مؤمن في سائر الأوقات، أن ينموا في المعرفة وفي حياتهم المسيحية ولكن عوضاً عن ذلك توقفوا عن النمو وأخذوا بالتراجع وصاروا بحاجة إلى لبن الكلمة الإلهية أي إلى التعاليم الأولية. ولم يعد بمقدورهم أن يتناولوا الطعام القوي الكائن في الكلمة أي التعاليم العميقة. وهذا أمر مؤسف للغاية في حياة المؤمنين الروحية ويجب أن لا يبقوا على تلك الحالة لئلا يتعرضوا لأخطار جسيمة. فالذي لا يتقدم – هو من الناحية النظرية في تأخر وتراجع. والمتراجع إن استمر على تراجعه إنما ينتهي بالفشل الذر يع.
2. وجوب السير سيراً حثيثاً على طريق الإيمان والإصغاء بكل انتباه إلى إنذار الله: ينتقل كاتب الرسالة في الفصل السادس إلى الكلام عن ضرورة عدم البقاء في المباديء الأولية للإيمان بل يجب التقدم بصورة مستمرة في طريق الكمال. ولكي يظهر أهمية هذا الأمر يأتي بإنذار شديد لا لينـزع الرجاء الحي من قلوب المؤمنين بل ليريهم مغبة عدم النمو والتراجع والارتداد عن الإيمان. وهو لذلك لا يتكلم عن المؤمنين أنفسهم بل عن آخرين ويخبرنا أنه كان قوم من الذين تعرضوا لتأثير الإنجيل واستناروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي وسقطوا أي ارتدوا عن السير في الإيمان لا يمكن تجديد هؤلاء للتوبة لأنهم إنما يكونون وكأنهم يصلبون المسيح ثانية واضعين أنفسهم على نفس المرتبة التي كان عليها أعداء المخلص. وهذه الكلمات تُرينا خطورة أمر السماع المستمر لكلمة الله وعدم العمل بها وتذكّرنا بما تعلّمناه سابقاً عن بني اسرائيل الذين لم يدخلوا أرض الميعاد لعدم إيمانهم بالله بالرغم مـن المعجزات العديدة التي شاهدوها بأعينهم. وليست هذه الإنذارات الكتابية لتخويف المؤمنين ولنـزع الرجاء من قلوبهم بل إنها ضرورية لإظهار جدية الحياة المسيحية وضرورة النمو المضطرد في المعرفة وفي الحياة المبنية على المعرفة المستقاة من كلمة الله الحية.
3. علينا أن ننظر إلى الله الذي لن يتركنا بل يقوم بتنفيذ جميع ما وعد به في كلمته: لم يشأ صاحب الرسالة أن يترك أهل الإيمان على نغمة كئيبة بل طلب منهم أن يتأملوا في صفات الله تعالى وفي مواعيده بخصوص حياتهم وخلاصهم التام وأن يحصلوا بذلك على قوة تدفعهم للاجتهاد في حياة الإيمان ونظراً لوجود اضطهادات كثيرة كانوا يتعرضون لها، كان من واجبهم أن يتعلموا فضيلة الأناة والصبر وأن لا يدَعوا اليأس يدب في قلوبهم. ليتأملوا في حياة إبراهيم أبي المؤمنين. ألم يقسم الله بنفسه قائلاً له: "لأباركنّك بركة وأكثرنّك تكثيراً"؟ ولكن إبراهيم لم ينل كل شيء أثناء حياته على الأرض لأنه مات بدون أن تكون كلمات الرب هذه قد تحققت بكاملها ومع ذلك فإنه إذ تأنى نال الموعد أي انه تحلى بالصبر وكان أن أعطاه الله اسحق الذي صار الواسطة البشرية لتحقيق وعد الله له.
لا يكتفي الله بوعده بل يقسم بذاته ليظهر لإبراهيم ولسائر المؤمنين أن مواعيده ستتحقق بدون أن يتمكن البشر من مقاومة تنفيذها. ونحن أيضاً لنا تعزية قوية جداً نحن الذين التجأنا إلى الرب لأن يسوع المسيح هو الآن في السماء كرئيس كهنة على رتبة ملكي صادق وهو يشفع بنا ويسهر على حياتنا في سائر نواحيها ولابد من أن يحقق جميع مواعيد كلمة الله في حياتنا حسب مشيته وفي الوقت المعين من قبل الله منذ الأزل. أهناك إذن مبرر للتقهقر أو الارتداد ولنا مخلص هكذا عظيم؟
- عدد الزيارات: 4920