الدرس الرابع
الفصل 2
النص الكتابي:
"1لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَتَنَبَّهَ أَكْثَرَ إلى مَا سَمِعْنَا لِئَلاَّ نَفُوتَهُ، 2لأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ صَارَتْ ثَابِتَةً، وَكُلُّ تَعَدٍّ وَمَعْصِيَةٍ نَالَ مُجَازَاةً عَادِلَةً، 3فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هَذَا مِقْدَارُهُ، قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا، 4شَاهِداً اللهُ مَعَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ مُتَنَّوِعَةٍ وَمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، حَسَبَ إِرَادَتِهِ؟ 5فَإِنَّهُ لِمَلاَئِكَةٍ لَمْ يُخْضِعِ «الْعَالَمَ الْعَتِيدَ» الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ. 6لَكِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعٍ قَائِلاً: «مَا هُوَ الإنسان حَتَّى تَذْكُرَهُ، أَوِ ابْنُ الإنسان حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ 7وَضَعْتَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ. بِمَجْدٍ وَكَرَامَةٍ كَلَّلْتَهُ، وَأَقَمْتَهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. 8أَخْضَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ». لأَنَّهُ إِذْ أَخْضَعَ الْكُلَّ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ شيئاً غَيْرَ خَاضِعٍ لَهُ - عَلَى أَنَّنَا الآنَ لَسْنَا نَرَى الْكُلَّ بَعْدُ مُخْضَعاً لَهُ - 9وَلَكِنَّ الَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ. 10لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إلى الْمَجْدِ أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ. 11لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً، 12قَائِلاً: «أُخَبِّرُ بِاسمكَ إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ». 13وَأيضاً: «أَنَا أَكُونُ مُتَوَكِّلاً عَلَيْهِ». وَأيضاً: «هَا أَنَا وَالأولاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمِ اللهُ». 14فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأولاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أيضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، 15وَيُعْتِقَ أولئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. 16لأَنَّهُ حَقّاً لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إبراهيم. 17مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيماً، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِيناً فِي مَا لِلَّهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. 18لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّباً يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ".
لا يزال كاتب الرسالة إلى العبرانيين يبحث في موضوع السيد المسيح له المجد وتساميه فوق الملائكة لأنه ابن الله الأزلي ولأنه صار أيضاً مخلص البشرية بواسطة تجسده وموته الكفاري على الصليب. وكنا قد رأينا في درسنا السابق أن صاحب هذه الرسالة استشهد بسفر المزامير خاصة ليبرهن بصورة تامة أن المسيح يسوع هو أسمى من الملائكة بمقدار عظيم. أما في الفصل الثاني من هذه الرسالة فإننا نأتي أولاً إلى البحث في موضوع الواجب المترتب على كل إنسان يسمع عن وحي الله النهائي في المسيح يسوع وكذلك الخلاص الذي أتمه والذي ندعوه بالإنجيل. وفي القسم الأخير من هذا الفصل نرى أن كاتب الرسالة يستشهد أيضاً بسفر المزامير ليظهر أن غاية الله هي إخضاع العالم المقبل للإنسان (المفدي والمنعتق من الخطية والمتحد مع رئيس البشرية المتجددة أي المسيح) وليس للملائكة.
1. ضرورة الإذعان لوحي الله النهائي ومغبة عدم الإيمان به:
كان الله قد كشف عن ذاته في أيام العهد القديم بواسطة الأنبياء وحتى هؤلاء الأنبياء كانوا قد سمعوا الكلمة الإلهية بواسطة الملائكة، أي أن الله كان غالباً يكشف عن ذاته بطريقة غير مباشرة أو على الأصح بواسطة وسطاء. ويمكن الإشارة إلى شريعة الله كمثال لذلك لأن موسى إنما كان يستلم وحي الله بواسطة الملائكة. فان كان التعدي على ذلك الوحي المعطى بواسطة وسطاء ملائكة وبشر أدى إلى مجازاة المتعدين فكم بالحري سيجازى غير المبالين بوحي الله النهائي والأخير وهذا الوحي هو أهم بكثير مما أوحي به في الماضي لهذه الأسباب:
أولاً: لأنه تم في ابن الله وليس بواسطة ملائكة أو أنبياء أي أنه كان وحياً مباشراً.
ثانياً: لأن هذا الوحي كان بخصوص الخلاص الذي أعده الله وتممه المسيح في وسط التاريخ. وهذا الوحي إنما شهد ولا يزال يشهد عنه خدام الله الذين أرسلوا إلى العالم بكلمة المصالحة والسلام. ليحذر إذن كل سامع لكلمة الله الأخيرة في الإنجيل لئلا ينال مجازاة أكبر إن أهمل الإذعان لأوامر الله بخصوص التوبة والإيمان. هذا هو تعليم القسم الأول من هذا الفصل.
2. يعلم الكتاب المقدس في عهده القديم أن المسيح هو أسمى من الملائكة نظراً لكونه ابن الله ونظراً لعمله الفدائي:
كان مستلمو هذه الرسالة يعلمون من جراء ولادتهم كعبرانيين أن الملائكة ذوو أهمية كبيرة في تدبير الله لهذا العالم. ولكن الكتاب المقدس يعلم سمو المسيح على الملائكة بغض النظر عن تجسده واتضاعه وآلامه. وهنا يعمد صاحب الرسالة إلى الكلام عن تفسير المزمور الثامن. فمع أن المزمور يقول عن الإنسان: "وضعته قليلا عن الملائكة" إلا أن ذلك لم يكن قصد الله النهائي بخصوص الإنسان. وذلك لا يرى الآن بسبب الخطية أي أن منصب الإنسان العالي في الخليقة محجوب عن الأنظار بسبب ثورة الإنسان وعصيانه على الله. ولكن قصد الله الأول للإنسان كما نتعلم من سفر التكوين هو أن يسود الإنسان ويتسلط على الطبيعة بأسرها. وليس ذلك فقط بل أن يخضع الكل – أي كل ما هو مخلوق – للإنسان. ولكن ما لم يقدر أن يقوم به الإنسان نظراً لسقوطه من المرتبة العالية التي خلق عليها قام به المسيح يسوع الإنسان الكامل الذي بعد أن ذاق الموت صعد إلى السماء وأصبح مكللاً بالمجد والكرامة وكل الذين يؤمنون به سيشتركون في النهاية (أي لدى اكتمال ملكوته في اليوم الأخير) في إخضاع الكل لهم مع رئيسهم ومكمل خلاصهم يسوع المسيح. وهكذا يتم قصد الله بخصوص الإنسان بواسطة السيد المسيح وما قام به من أعمال خلاصية. إذاً بموته انتصر المسيح على الموت وحرر جميع المؤمنين به والذين كانوا تحت سلطة الشيطان. ما أعظم هذا الخلاص العظيم الذي قام به المخلص وما أشد غباوة الذين لا يستفيدون منه.
- عدد الزيارات: 4488