الدرس الثاني
الفصل 1
النص الكتابي:
"1اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، 2كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأيام الأخيرةِ فِي ابْنِهِ - الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أيضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ. 3الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي، 4صَائِراً أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْماً أَفْضَلَ مِنْهُمْ. 5لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ»؟ وَأيضاً: «أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً»؟ 6وَأيضاً مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إلى الْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ». 7وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ: «الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ». 8وَأَمَّا عَنْ الاِبْنِ: «كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إلى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. 9أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلَهُكَ بِزَيْتِ الاِبْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ». 10وَ«أَنْتَ يَا رَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأرض، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. 11هِيَ تَبِيدُ وَلَكِنْ أَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، 12وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ. وَلَكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى». 13ثُمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: «اِجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟» 14أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحاً خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ".
كما لاحظنا في درسنا السابق لا نقدر أن نجزم بخصوص شخصية كاتب الرسالة إلى العبرانيين والرسالة نفسها لا تخبرنا عن كاتبها وكذلك لا نعلم بالضبط أين كان أولئك الذين أُرسلت إليهم هذه الرسالة. ولكننا نعلم من نص الرسالة أنهم كانوا قد اعتنقوا المسيحية وكانوا من أصل يهودي. ولكن نظراً للاضطهادات التي ألـمَّتْ بالمؤمنين في مختلف أنحاء إمبراطورية رومية فكروا بالارتداد عن الطريق القويم. وهكذا كتب صاحب هذه الرسالة رسالة خاصة تظهر العلاقة بين ما أوحى به الله في أيام العهد القديم (أي في أيام ما قبل المسيح) ووحي الله النهائي في المسيح وفي عمله الفدائي على الصليب.
1. وحي الله النهائي في المسيح يسوع: كان مستلمو هذه الرسالة من أصل عبري وكانوا لذلك على علم بمحتويات الوحي المدون في أسفار العهد القديم. وكاتب الرسالة يقر بها ويقول:"1اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، 2كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأيام الأخيرةِ فِي ابْنِهِ". لا ينكر مطلقاً أن الله قد كشف عن ذاته بواسطة عبيده الأنبياء من أيام موسى إلى ملاخي الذي عاش نحو 400 سنة قبل الميلاد. ولكن وحي الله التام والمباشر تمم في المسيح يسـوع الذي جاء إلى عالمنا هذا في ملء الزمن حسب قول الكتاب المقدس – وعاش بيننا وأظهر لنا بحياته وتعاليمه وأعماله ما لم نكن قد علمناه إلا بصورة جزئية أثناء أيام العهد القديم. وليس ذلك فقط بل أن يسوع المسيح جاء إلى هذا العالم كاشفاً بواسطة عمله الكفاري والفدائي على الصليب محبة الله الفائقة للجنس البشرى الساقط في حمأة الشر والظلام. هناك حلقة وصل بين أيام العهد القديم وهذه الأيام أيام العهد الجديد إذ أن الله ذاته هو المتكلم بواسطة الأنبياء وهو الذي تكلم نهائيا بواسطة المسيح. ولكن كل أمور الوحي في العهد القديم لم تكن إلا تمهيدية. وجميع رموز وطقوس تلك الأيام كانت تشير إلى مجيء مخلص البشرية وفاديها. ولذلك فان وحي الله الأخير هو أكثر وضوحاً وأكثر أهمية مما أوحي به سابقاً. وسنلاحظ أثناء دراستنا لهذه الرسالة (التي هي بمثابة تفسير موحى به من الله للكتاب المقدس في عهده القديم) أن الفهم التام لوحي الله في العهد القديم لا يتم بدون أخذ تعليم العهد الجديد بعين الاعتبار.
2. الابن (أي المسيح يسوع) هو أعلى شأناً وأهم من أنبياء العهد القديم ومن الملائكة:
جرى وحي الله في أيام العهد القديم بواسطة الأنبياء والملائكة ولكن الوحي النهائي الذي تم بواسطة المسيح ابن الله هو وحي فريد. والسبب هو أن المسيح ذاته هو كلمة الله أو حسب قول كاتب الرسالة:"الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ". وكما نتعلم من رسالة بولس إلى كولوسي نجد نفس التعليم هنا: بواسطة الابن عمل الله العالمين. وفي القسم الأخير من الفصل الأول نجد عدة شواهد كتابية أكثرها من سفر المزامير والتي تبرهن بشكل قاطع أن المسيح هو أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً أفضل منهم. وبما أن مستلمي هذه الرسالة كانوا يقرون بأن الله تكلم بكلمات أسفار العهد القديم كان لابد لهم إذن من الخضوع لتعاليم كلمته تعالى بخصوص مكانة المسيح وسموه اللامتناهي فوق سائر المخلوقات، بشرية كانت أو ملائكية.
- عدد الزيارات: 4574