الدرس العاشر
"1فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإيمان لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ 2الَّذِي بِهِ أَيْضاً قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإيمان إِلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. 3وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً فِي الضِّيقَاتِ عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْراً 4وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً 5وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا. 6لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ. 7فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارٍّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضاً أَنْ يَمُوتَ. 8وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. 9فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ. 10لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ. 11وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً بِاللَّهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ" (رومية 5: 1-11).
لنراجع ما تعلمناه منذ بدء دراستنا لرسالة الرسول بولس إلى أهل رومية:
كرس الرسول نفسه بنعمة الله للمناداة بالإنجيل لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن، لأن في الإنجيل كشف الله عن طريقته للتبرير. يتبرر الإنسان بالإيمان بالله وبما قام به من أجل إنقاذه من الخطية والشر. خارج نعمة الله الخلاصية ليس هناك سوى غضب الله المعلن من السماء على جميع فجور الناس الذين يحجزون حق الله بآثامهم وخطاياهم. إن العالم بأسره هو في بحر الخطية إذ أن الإنسان لا يعبد الله ولا يُبقي معرفة الله في قلبه بل يعبد صنع يديه ويغرق في حمأة الوثنية والانحطاط الأخلاقي.
إن شريعة الله المكتوبة على قلب كل إنسان وخاصة شريعته التي أعلنت لموسى والتي تعرف في الكتاب بكلمة ناموس أو توراة لا تخلص الإنسان لأنها عاجزة عن إعطائه المقدرة والقوة اللازمتين لتتميم جميع أوامر الشريعة. الإنسان إذن هو تحت دينونة الله بغض النظر عن أصله أو جنسه أو لونه. الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله.
لكن الرسالة المسيحية لا تقف عند ذلك الحد، إنها لا تتكلم عن وباء الإنسانية الخطير أي عن الخطية إلا لكي تنادي بدواء الله الناجح ألا وهو الإنجيل الخلاصي الذي أتمه يسوع بموته على الصليب وبقيامته من الأموات. في الإنجيل نرى الطريقة الوحيدة لنيل البر والخلاص وذلك بالإيمان بما عمله الله من أجل خلاص الإنسان. وهذا تعليم ينافي تقاليد علماء اليهود ولكنه لا يخالف روح ونص كلمة الله التي كانت قد أعطيت إليهم إذ أنها تشهد بكل وضوح أن إبراهيم أبا المؤمنين تبرر بالإيمان لا بالأعمال. وذلك قبل حصوله على الختان الذي لم يكن إلا ختماً ورمزاً لبر الإيمان.
عندما يتبرر الإنسان يعلن باراً أمام محكمة الله أي كأنه لم يخطيء وذلك نظراً لاستحقاقات المسيح يسوع التي نالها أثناء حياته على الأرض وخاصة بموته على الصليب. لكن الخطية ليست فقط سبب وجود ستار فاصل بين الإنسان والله بل أنها أيضاً منبع الاضطرابات التي تعكر صفو حياة الإنسان وتجعله يعيش بضمير معذّب نظراً لتعدّيه المستمر على نواميس الحياة. يشعر الإنسان دوماً بفشله الذريع في تتميم غايته في الحياة وذلك لعدم نجاحه في العيش حسب إرادة الله. فإن كان الإنجيل دواء الإنسان الشافي لابد له من أن يعمل على شفاء هذا الداء الملم بصاحبه. لا يكفي أن يعدّ الإنسان باراً أمام المحكمة الإلهية بل يجب أن يشعر في قرارة نفسه بأن الله راضٍ عنه وأنه قد تصالح معه بصورة تامة وأكيدة. وهكذا نأتي إلى التأمل مع الرسول في ثمار هذا التبرير التي تصاحب كل مؤمن يمتثل لأوامر الكلمة الإلهية.
1. من ثمار التبرير بالإيمان:
السلام مع الله بواسطة الرب يسوع المسيح. كنا قد لاحظنا أن غضب الله هو معلن من السماء على كل إنسان خاطيء، وهو أمر واقعي لا يمكن التهرب منه. لكن متى آمن الإنسان بالله وبطريقته الفريدة للتبرير فإنه يتخلص من غضب الله ويأتي ضمن نطاق سلام الله، ذلك السلام الذي يفوق كل عقل وتصور والذي لا يستطيع أي إنسان أن ينتزعه من الذي ناله بإيمانه الخلاصي.
2. من ثمار التبرير أيضاً:
الدخول في نطاق النعمة الخاصة التي تجعل الخالص يعيش تحت عناية الله الخاصة والتي تجعله ينخرط في مدرسة الله التي تعدّه لنيل خلاصه التام والكامل لدى عودة المسيح إلى العالم في اليوم الأخير. هذا امتياز عظيم للغاية لا يمكن التعبير عن قيمته بكلمات بشرية وهو الذي يدفع المتبرر إلى أن يفتخر بالله مخلصه وبالمجد الذي سيعلن فيه في يوم القيامة.
3. من ثمار التبرير أيضاً:
الافتخار بالضيقات والمصاعب التي لا تتوانى عن المجيء إلى حياة المؤمن. وهذه الضيقات هي جزء من التعليم الذي يناله المتبرر في مدرسة النعمة. والله لا يرسل الصعوبات إلى حياة المؤمن به إلا لكي يقوي أخلاقه ويحضره لحياة النعيم الخالية من كل خطية وشر.
4. من ثمار التبرير أيضاً: الرجاء المسيحي:
إذ أن عمل الله الخلاصي الذي يبدأ في هذه الحياة لا ينتهي إلا في ساعة الموت ولدى رجوع المسيح إلى العالم. المسيحي خالص ومتبرر ولكن عليه أن يعمل دوماً على محاربة الخطية في حياته، ولذلك فإنه خالص بالرجاء الذي هو ليس مجرد أمل بشرى بل من عمل الروح القدس المعطى لكل مؤمن.
5. من أثمار التبرير أيضاً:
التأكد التام والمطلق بأن المؤمن لن يخسر هبة الله المجانية التي نالها بالإيمان وذلك نظراً للاعتبارات الآتية:
أ – مات السيد المسيح عن المؤمنين وهم بعد في حالة الضعف الروحي الشديد، وهم بعد في سلك الفجار، أي انه لم يوجد أي شيء ضمن حياة المؤمن الذي كان يستحق تضحية المسيح يسوع. في دنيا الإنسان لا يحدث هذا الشيء مطلقاً، إذ من هو الذي يود أن يموت من أجل رجل بار حسب المقاييس البشرية، أي الذي لا يتعدى على الشرائع المقبولة؟ قد يموت أحد من أجل الصالح حسب المقاييس البشرية، الذي يعمل أكثر من متطلبات الشرائع المعمول بها. لكن المسيح مات عن المؤمنين وهم بعد في حالة الخطية والموت الروحي والعداوة مع الله.
ب – إن مات المسيح عن الناس الذين لم يستحقوا فداءه الثمين فكم بالحري سيعتني بهم ويقودهم إلى ميناء السلام التام في نهاية حياتهم مساعداً إياهم أثناء جهادهم المقدس ضد الخطية والشر؟ ليس هناك إذن أي سبب للخوف بل على المتبرر أن يفتخر بالله منقذه.
- عدد الزيارات: 7682