الدرس الرابع
"18لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ. 19إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ 20لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. 21لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلَهٍ بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ. 22وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ 23وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإنسان الَّذِي يَفْنَى وَالطُّيُورِ وَالدَّوَابِّ وَالزَّحَّافَاتِ. 24لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضاً فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. 25الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. 26لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى أَهْوَاءِ الْهَوَانِ لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاِسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ الطَّبِيعَةِ 27وَكَذَلِكَ الذُّكُورُ أَيْضاً تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُوراً بِذُكُورٍ وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ. 28وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ. 29مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِناً وَشَرٍّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ مَشْحُونِينَ حَسَداً وَقَتْلاً وَخِصَاماً وَمَكْراً وَسُوءاً 30نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ مُبْغِضِينَ لِلَّهِ ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ مُبْتَدِعِينَ شُرُوراً غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ 31بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ. 32الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ بَلْ أَيْضاً يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ!" (رومية 1: 18-32).
دعا الله الرسول بولس للمناداة بالإنجيل لأن العالم بأسره هو بحاجة مطلقة إلى الخلاص المعلن فيه. في الإنجيل معلن بر الله أي طريقة الله لتبرير الإنسان من الخطية ولإنقاذه من سطوتها، وهذا البر ضروري لأن غضب الله أيضاً معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم وشرهم. وفي الأعداد الباقية من الإصحاح الأول يعطينا الرسول وصفاً واقعياً ومؤلماً لحالة العالم في أيامه، ذلك العالم الذي كان بصورة شبه تامة غارقاً في ظلام الوثنية.
1. الوثنية وعبادة الأصنام:
أهناك دليل أكبر على حاجة الإنسان الماسة إلى الإنجيل من وجود الوثنية في العالم ومن سيطرتها على قلوب وعقول وأجساد الناس؟ كيف نشأت الوثنية؟ أهناك مبرر لوجودها؟ كلا ليس هناك أي سبب معقول لنشوء الوثنية وامتدادها في العالم. إن الله تعالى غير منظور لأنه روح ولكن أمور الله غير المنظورة أي صفاته الإلهية ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات أي بالأشياء التي صنعها الله. العالم بأسره وكل ما فيه يشهد بوجود إله سرمدي متعالٍ فوق جميع المخلوقات وسامٍ في كل صفات الكمال. لكن الإنسان لم يرد بأن يتعلم من كشف الله لذاته في الخليقة بل أخذ يتوه في مجاهل الفكر الإنساني المستقل عن الله. ومع أن الإنسان يدّعي الحكمة والمعرفة إلا أنه جاهل وأحمق وغبي. كيف نقول عنه هذه الأشياء وهو الذي قام باختراعات عديدة وهو الذي أشاد بنايات منذ آلاف السنين؟ جواب الرسول هو: انظروا كيف ابتدع الإنسان عبادة الأوثان، ألا ترونه يعبد الإنسان الفاني والطيور والدواب والزحافات، أليس هذا دليل كاف على سقوطه من المرتبة العالية التي خلق عليها.
وقد يكون البعض من الوثنيين قد أقرّوا بوجود الله الخالق وادّعوا أنهم لا يعبدون الأصنام عبادة حقيقية بل إنما ينظرون إليها نظرة الوسيط المساعد في عبادة الله. ولكن هذا عذر واهٍ غير مقبول. لا يحتاج الله إلى تمثيل حسي. إنه، له المجد، روح ويجب أن يُعبَدَ بالروح والحق. ولذلك فإن جميع الأعذار التي يأتي بها عابدو الأصنام غير مقبولة لدى الله. وهي في صلبها منبثقة من قلب الإنسان المظلم الذي يحول الحق إلى كذب والذي يبعد صاحبه عن الله بصورة متواصلة.
2. الضلال في الدين يؤدي دوماً إلى نتائج وخيمة في الحياة.
هذا هو الموضوع الثاني الذي يعالجه الرسول بولس. فإن الوثنيين بعد ما استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك إلى الأبد أسلمهم الله إلى أهواء الهوان. هذا هو العقاب الصارم الذي يصحب كل انحراف عن الطريق المستقيم الذي رسمه الله في عبادته الحقيقية. إن رفض الإنسان أن يحافظ على معرفة الله الظاهرة في الطبيعة وفي ضميره فإن الله يرفضه ويسلمه حسب قضائه العادل إلى أهواء الهوان والخطايا التي يقشعر لها البدن.
يأتي الرسول على ذكر خطية شنيعة للغاية كانت سارية بين عابدي الأوثان في أيامه والتي لا تزال تفترس الكثيرين حتى هذا العصر ألا وهي الشذوذ والانحطاط الجنسي بين الرجال والنساء. طبعاً ليست هذه خطية الوثنية الوحيدة بل أشار إليها الرسول ليرينا الهوة السحيقة التي يقع فيها كل الذين يودون الابتعاد عن الله وعن عبادته الحقيقية، عندما يسلمهم الله إلى جاذبية الخطية التي هي بخلاف الطبيعة. يا لها من صورة قاتمة ولكنها حقيقية ليس فيها أية مبالغة ويمكن التأكد من صحتها باللجوء إلى قراءة تاريخ العالم اليوناني والروماني وسائر الحضارات الوثنية القديمة والحديثة.
هناك أيضا لائحة كبيرة للخطايا التي يرتكبها أولئك الذين لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم والتي يأتي الرسول على تعدادها بدون أن يعلق عليها. وهذا لا يعني أن كل عابد للأوثان واقع تحت سطوة جميع هذه الخطايا ولكن إرادة الرسول كانت في إظهار أن أي بشري وقع في خطية الوثنية يظهر نتائج ذلك في انحطاط مريع ضمن حياته الأخلاقية.
نرى ذروة الابتعاد عن الله في قول الرسول الأخير الذي به ينهي وصفه لحالة الوثنية المريعة: الذين إذ عرفوا حكم الله أن الذين يعملون مثل هذه يستوجبون الموت لا يفعلونها فقط بل يسرون بالذين يعملون. إن الذين سقطوا في وادي الهلاك الديني والأخلاقي لا يودون أن يكتفوا برؤية أنفسهم ضمن حمأة الوثنية والانحطاط بل إنهم يسرون بذلك وبالذين يحذون حذوهم من بقية أفراد البشرية.
ألا نرى إذن بؤس وتعاسة البشرية المتمردة على الخالق؟ أهناك مجال لتدخل إلهي قوي للتغلب على مرض الإنسانية المخيف؟ الإنجيل يخبرنا بالفعل عن هذا التدخل وعن تطبيقه في حياة البشر. لنبق إذن مع الرسول وهو يفسر لنا مباديء الإنجيل في دروسنا
- عدد الزيارات: 11630