Skip to main content

إلى أقصى الأرض

مع أن حماس التلاميذ لنشر البشارة كان عظيما، وفعلا نشروا رسالة المسيح بكل قوة وعزم، إلا أنه مع ذلك لم يتعدى حدود التقاليد اليهودية. فانحصر تبشيرهم في الأمة اليهودية دون غيرها. وأما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس فاجتازوا إلى فينيقية و قبرص و إنطاكية وهم لا يكلمون أحدا بالكلمة إلا اليهود فقط (أعمال 11، 19) و يلاحظ قارئ الإصحاح العاشر من أعمال الرسل الطريقة الشاقة و الحكيمة التي استخدمها الله ليعلم بطرس ويقنعه بضرورة التخلي عن تعصبه الديني. لم يقصد الرب أن يبشر اليهود فقط في البلاد الغريبة بل الأمم الغرباء، و الوثنيين كذلك " ولكن كان معهم قوم وهم رجال قبرسيون وقيروانيون الذين لما دخلوا إنطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع(أعمال 11، 20و21)

لقد انتشرت البشارة بسرعة و بعمق كما يغوص حجر ويغرق إذا ما رمي في البحر. هكذا حدث لكلمة الله التي زرعت في أورشليم و اليهودية، و السامرة، سوريا، وقبرص، وفينيقيا، فانتشرت و امتدت جذورها إلى اليهود و إلى غير اليهود فوصلت إلى الأمة الرومانية و اليونانية. و الحق يقال أن الأحد عشر رسولا وصلوا إلى أقصى المسكونة، وأقاصي الأرض وما أن نصل إلى الإصحاح الحادي عشر من سفر أعمال الرسل إلا و نرى أن العالم كله قد وصلته البشارة و كل ما عمل بعد ذلك الحين و خلال القرون اللاحقة ليس إلا تكملة لهذا العمل الأول المبارك ولقد أطاعت الكنيسة الأولى أمر المسيح طاعة عمياء و كانت النتيجة النجاح الباهر الذي يحملنا على التساؤل عن نوعية هذه الكنيسة لم نجحت بهذا الشكل؟ ما نوع تلك الكنيسة التي أثرت في سامعيها هذا التأثير؟ بأي خصال عملت تلك الكنيسة فنقتفي خطواتها و نتبع آثارها؟

نجد الإجابة عن هذه الأسئلة في الإصحاح الثاني من أعمال الرسل و الأعداد 42ـ47.

لن ابحثها في هذا الكتيب لكن أشير إلى ما يهمنا منها.

1ـ... و كانوا يواظبون على تعليم الرسل ( 42) لا يعني هذا الاستماع إلى المواعظ، و التعليق عليها و حسب، بل انهم أعطوا من نفوسهم ليعملوا حسب هذه التعاليم التي هي الآن العهد الجديد الذي بين أيدينا.

أول بادرة من بوادر الحياة الجديدة هي الانصباب على قراءة الكتاب المقدس و قراءته.

ثم درسه درسا عميقا بتمعن و دقة يعلمه الروح القدس. قد نستمع إلى مواعظ عديدة، و نصرف أوقاتا طويلة في عبادتنا الشخصية و نهتم اهتماما كبيرا في الذهاب إلى الكنيسة و ما شابه ذلك و لكن لم تكن هذه خصال الكنيسة الأولى التي تميزت بالنجاح.

2-.. وكانوا يواظبون على التعليم... و الشركة " (عدد 42) لن نجد الشركة إلا إذا بحثنا عنها بجد وتضحية عن طريق الطاعة و الخدمة. عندما يعمل الروح في قلوبنا، نجد ن أول حاجة نطلبها هي الشركة مع باقي المؤمنين.

3-... وكانوا يواظبون... على الصلاة. (عدد 42) ما كان أعظم عمل الصلاة في حياة الكنيسة الأولى. فتحت أبواب السجن، شفت المرضى، جعلت من التلاميذ الجبناء رجالا شجعان أقوياء، هزت البيت الذي كانوا فبه مجتمعين. أليس من المؤسف أن يقال عن اجتماعات الصلاة في كنائسنا اليوم إنها مملة؟ فهل كنت تشعر بالملل يا ترى لو كنت أحد المصلين في الكنيسة الأولى في أورشليم؟

بعد رسائل متى حملت مسؤولية رعاية إحدى الكنائس الصغيرة و اكتشفت لحزني العميق أن اجتماعات الصلاة فيها تكاد تكون بلا حياة. فحاولت كل ما لدى من جهود لإنعاشها غيرت اليوم المعين للصلاة، غيرت شكل الجلوس – أولا على المقاعد، ثم في شكل حلقة، ثم ركوعا. حاولت أن أفصل بين الأحداث و البالغين. حثثت المصلين على الصلوات القصيرة، استخدمت الموسيقى، بذلت كل ما لدي من جهود لمدة سنة كاملة. وفي نهايتها وجدتني في مكاني. لم يتغير شيء و لم يتغير أحد. عندها جثوت صارخا إلى الرب أقول " يا رب أنت اعمل – وإلا ماتت الجماعة و ماتت صلواتهم. أرسل الحياة و رسلها بقوة " استجاب الله " و دبت الحياة بقوة ونشاط دون أي احتيال أو مداهنة وذلك لأن المصلين شعروا شعورا قويا بجفافهم الروحي و حاجتهم الماسة إلى الصلاة فقد قال أحدهم " ما شعرت قط أنني بحاجة روحية، إلى أن سمعت بعض المصلين، فشعرت أنهم يصلون بحرارة لأجل الحاجة الروحية التي يشعرون بها، فوجدت أنني أنا أيضا بحاجة مثلهم ورحت أصلي لأجلها بحرارة في تلك الليلة عينها اتخذ الرب يسوع مخلصا شخصيا لحياته. ليس العلاج في تنظيم اجتماعات الصلاة، أو ترتيبها أو الحث عليها. العلاج هو الشعور الشخصي بحاجة روحية داخل النفس البشرية.

4- وصار خوف في كل نفس. و كانت عجائب وآيات كثيرة تجري على أيدي الرسل (2، 43) نحن لا ننتظر أن نرى قوات وعجائب تجري على أيدينا كما حدث للرسل ولكن حيث روح الرب، هناك قوة وإذا ما ملأ روح الرب قلب أي من الأفراد أو جماعة من الجماعات فلا يمكن أن تخفي قوة ذلك الروح. سألت مرة سيدة متى تجددت فأجابت. منذ خمس عشرة سنة. فقلت " بم تختلف حياتك عن باقي صديقاتك غير المؤمنات؟ أجابت " لا شيء" من السهل علينا أن نعترف أن أجسادنا هياكل الروح القدس، وما أسرع ما ننسى هذه الحقيقة بقولنا أن الامتلاء من الروح ليس أمرا شعوريا. نعم هذا صح و لكن الحياة الروحية لا بد وأن تظهر في طرق كثيرة تختلف بها عن غيرها. إننا لا ننتظر شيئا من الله و لذلك لا ننال منه شيئا – تطلبون ولا تنالون لأنكم لا تطلبون جيدا (يعقوب 4، 3).

5-"... وكان الرب يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون. (أعمال 2، 47) لا يطلب الله من كل مسيحي أن يكون رابح نفوس لأن عطايا الله لأولاده و المؤمنين باسمه تختلف من شخص لآخر وكذلك المواهب، فكل له موهبة في حقل مختلف عن غيره، ولكن واجب الشهادة للرب ونشر البشارة مسؤولية كل مسيحي مهما اختلفت مواهبه و مقدراته.

ليس خلاص النفوس هو المقياس الوحيد لنجاح الحياة الروحية. فقد عمل البعض سنين عديدة وطويلة في البلاد الإسلامية ولم يتجدد سوى نفر قليل جدا. علينا أن نصحوا إلى الحقيقة أن المسؤولية المسيحية هي الشهادة للرب، وقوة الرب، أينما وجد المسيحيون، وإظهار الرب للآخرين و تعريفهم عليه. الكنيسة اليوم ليست بحاجة إلى معرفة أكثر بل إلى روح أقوى ليست الحاجة إلى عمل تبشيري فحسب بل إلى قوة الروح التي يعمل بها هذا العمل. لنسأل أنفسنا إذا كنا قد حصلنا على هذه القوة أم لا وفي حالة النفي ما هو السبب؟ من المألوف أن يقال أن النهضة الروحية نتيجة الصلاة وأما الحقيقة فهي أن النهضة تدعو إلى الصلاة. بعد أن ألقى بطرس عظته الأولى في أورشليم سأله السامعون. ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟ فأجابهم بطرس" توبوا و ليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس (2، 37و38) كان السائلون غير مؤمنين أما الإجابة فتضع أمامنا الأساسين الأوليين للنعمة المسيحية و البركة وهما أولا الاعتراف بالذنب، و الثاني الإيمان بالرب يسوع المسيح.

بدأ الرسل تبشيرهم إلى أقصى الأرض من أورشليم – إذا أورشليم كانت مفتاح العالم وهذا يعني أن التبشير يجب أن يبدأ في بيتك، في بلادك، لأن الفارق هذه الأيام بين البلاد المرسلة و المرسل إليها أخذ بالتلاشي. وهذا أفضل إذا كانت الأولى تبغي الرعاية و السيطرة. وكذلك كنائسها فهي قديمة وجودها طبيعي. و لكن قد تكون الكنيسة قديمة و طبيعية في بلد ما و تفتقر إلى الحياة – فهي إذا كنيسة مائتة.

لسنا اليوم بحاجة إلى مبشرين ولا مرسلين أكثر، بل بحاجة إلى قوة روحية أكثر. لسنا بحاجة إلى إكثار الصلاة، بل إلى صدق في الصلاة، إلى واقعية في الصلاة – وعند ذلك فقط نرى في أيامنا تتميم رسالة المسيح و أوامره.

  • عدد الزيارات: 4322