Skip to main content

الفصل الثاني: حاجة الإنسان وقصد الله

ماذا في العالم؟ ما دهاه؟

قليلون يقتنعون أن العالم مضطرب، ومشاكل عديدة تتنازعه. غير أن نظرة إلى البلدان التالية تثبت عدم استقرار العالم وتوتره ومشاكله – انظر إلى هنغاريا، والسويد،والجيريا، وكوبا، والكونغو، وفورموزا، والصين، والهند، وكوريا، ماذا تجد؟ كل من هذه البلدان يسوده القلق وعدم الاستقرار والخوف والموت.

ولا حاجة للذهاب إلى " العالم الثلث" لنثبت هذه الحقائق، ففي العديد من البلدان النامية تسود الحياة مآس محزنة. من عدم استقرار، وتحزب سياسي واجتماعي، وتنازع عنصري، وتخلف عقلي وصحي، وطلاق وتفكك عائلي. عشر سكان الولايات المتحدة الأمريكية يشكون من الأمراض العقلية أو العاطفية، وقد تؤدي هذه بكل واحد من عشرين إلى مستشفيات عقلية، يقضون فيها باقي حياتهم. ألا يشعر أكثرنا بهذه الفوضى وعدم الوئام و الخوف في دواخلنا؟ هل نشعر بالاستقرار؟ هل نشعر بالهدوء؟ هل نشعر بالوئام؟

ماذا في العالم إذا؟ ما دهاه؟

لقد حاول البعض أن يجدوا الجواب. فتطلعوا إلى الحكومات و السياسة محاولين أن يستنتجوا الحل من هذين الحقلين فبدا لهم ممكنا لأن الحكومة والسلطة هي التي تضع حدا للفوضى، فتعاقب الشاذين عن القانون وتؤمن التقدم و الهدوء للجميع ومع ذلك لم يخرجوا بحل ناجح أو مقنع. لأن الحكومات في كثير من الأحيان تجد نفسها خاضعة للواقع الذي لا تقدر أن تسيطر عليه. فالقوة قد تكون سبب الخراب، و السلطة المطلقة تسبب خرابا عارما سواء وجدت في شخص ملك أو حزب أو ديكتاتور. وبعد أجيال عديدة من الحكم القوي اتضح أنه ليس هنالك قوة تستطيع أن تسيطر تمام السيطرة على الشعب المحكوم.

ظن البعض أن المشكلة هي الجهل فلجؤوا إلى العلم والمعرفة، ونحن نرى عواقب الجهل سيما في البلاد النامية وعندما نشهد التبدل الحاصل بسبب العلم نتفاءل ويحملنا هذا التفاؤل إلى إعادة النظر والتفكير. إذ نتوقع أن يكون العلم حقا مصدر الخير والسعادة الوئام للإنسانية جمعاء. ولكن يشهد كل من نهل العلم واستشفه أن الحل ليس في العلم.

اعتقدت الشيوعية أن العلم يغير الإنسان تغيرا جذريا، ويقمع منه الأنانية فيهتم بغيره، ويضع خير بلاده فوق كل شيء ويقدمه حتى على راحته الشخصية ولكن ميلوفان جيلاس ضحد هذه العقيدة في كتابه " الطبقة الجديدة".

أكد ماركس أنه ما دام في البلاد غني و فقير، متنعم ومحروم، لا يمكن أن تحل مشاكل المجتمع، وأثبت ذلك بقوله أن عدم المساواة الاقتصادية هو السبب في التناحر و التنازع فالمساواة في الثروة، والمقتنيات، والمراكز لابد أن يشيع القناعة و الرضى بين الجميع. هذا التأكيد قد يكون فيه بعض الحق، فالتفاوت و الطبقية ينتج المرارة، وافتقاد العدل ينتج البغض، فإن أغلقنا عيوننا عن هذه الحقيقة كما تظهر لنا في بعض البلاد الغربية، أو الإفريقية والأسيوية التي تطالب باستقلالها بكل قوة وشدة و صراحة فلن ينفعنا العلم شيئا. لكن الحل الحقيقي ليس في العلم وإلا لكانت البلدان المتقدمة في العلم سعيدة، لا شعور فيها للقلق أو النزاع وتحمل مفتاح السعادة لغيرها على الأقل في هذا العالم. ولكن ما نشاهده من تفكك عائلي وانهيار صحي في مثل هذه البلاد يضحد هذه النظرية. أذكر جولة قمت بها مع قائد متفهم في أواسط أمريكا حيث السكان ينعمون في بيوت كبيرة كأنها قصور ملوكية، ذات نظارات جميلة، لكل منها ثلاثة كاراجات يقع على بحيرة ميشيغن Michigen وبلاجات خاصة. لم ينقصهم شيء من متاع هذه الحياة ولكن رفيقي القائد قال لي " ليس هنالك بيتا واحدا بين هذه البيوت جميعها لم يتألم سكانه من مأساة أو أخرى – طلاق، مخدرات، انتحارات، جرائم.....الخ. قد نتحرر من الفقر و الفاقة و لكن المآسي جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان – ماذا في العالم؟ ما دهاه؟ الجواب ليس في العلم، ولا الاقتصاد ولا العدالة، و لا المساواة، ولكن في الكتاب المقدس.

ذهبت مرة لحضور حفلة موسيقية لهاندل – انقطع التيار الكهربائي، فعجز العازفون عن رؤية رئيسهم، فدبت الفوضى بين العازفين و المشاهدين – و هكذا يحدث لكل من لا يرى الله، من لا يثق به، ولا يتبع طرقه. هذه هي مأساة العالم – أن العالم خرج على معرفة الله و إرادته و أبعده بعدا تاما عن تفكيره وحكمه و سياسته.

إذا ما دارت رحى الحرب في بلد تفقد السلطة سيطرتها وتعم الفوضى ويصبح كل شيء – الإنسان وكل ما له في خطر دائم. إذا ما انقطع جيش عن قاعدته و قائده تفكك و اندثر، و هكذا حال الإنسان في قطيعته عن الله.

خلق الله الإنسان وسلطه على الخليقة.

تسلطه على كل أعمال يديك

جعلت كل شيء تحت قدميه

الغنم و البقر جميعا و بهائم البر أيضا

و طيور السماء والسمك السالك في سبل المياه

و كل ما في البحر ومياهه

 

( مزمور 8 0 6- 8 )

سلط الله الإنسان على خليقته ولكنه يطلب منه أن يخضع لسلطته هو تعالى اسمه.

صلى أحد الطلاب التونسيين مرة صلاة سخرية عندما قال : " اللهم قدسني ولكن ليس الآن " في السادسة عشر من عمره أنجب طفلا غير شرعي و لكن الله لم يتركه فعاش ليكتب قائلا " خلقتنا لنفسك، ولت تجد قلوبنا راحتها إلا فيك " كان هذا الطالب القديس أوغسطينوس عاش هذا القديس قبل ألف وست مئة سنة غير أن قوله آنذاك ينطبق تمام الانطباق علينا اليوم.

ثار الإنسان على الله و فضل نفسه عليه وعلى سلطته، وبعمله هذا قطع نفسه عن ينبوع السلام و الوئام – الله نفسه. فليس القلق، والإرهاق، و التشاحن و النزاع إلا انعكاس شعور قلبه وما يدور في داخله "... آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم...." ( أشعيا 59 - 2 ) إنما لله قصد وقد فصله و شرحه لنا.

" مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح.... أفسس 1: 3 – 14.

 

يا له من مقطع عظيم مقدس، يدعو إلى الكثير من الدرس و التنقيب و التحليل، و لكن لنركز على ثلاث نقاط فيه :

الحقيقة الأولى : لله قصد في هذا العالم و لا قوة أرضية أو جهنمية تثنيه عن هذا القصد

" لأن غضب الإنسان يحمدك " ( مزمور 76 - 10 ) علينا أن نتفهم أنه لا حكمة أعدائه و لا جهالة اتباعه أو ضعفهم يحول دون تتميم قصده الإلهي المجيد، لذلك وسط الشدائد و الضيقات وسط التنازع و القلق، حين نزعم أننا في يد إبليس المجرمة،لندرك أن الله فوق الجميع و لا شيء يثنيه عن قصده أو تتميم إرادته.

ثانيا : الحقيقة الأزلية و الأبدية و قصد الله الإلهي هو شخص الرب يسوع و مهما عملت الكنيسة، وتقدمت وتطورت في مشاريعها و أعمالها و نشر رسالتها، ما لم يكن محورها جميعها شخص الرب يسوع ستفشل كلها.

ثالثا : مع أن شخص الرب يسوع هو محور قصد الله غير أن للإنسان دورا في تتميم هذا القصد، بغض النظر عن قدراته – متعلم كان أم جاهل، موهوب كان أم عادي، مخلص أو خاطئ. الله يستخدم الإنسان ليعمل معه كما هو واضح من الإصحاح الثاني من رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس حيث يصف حالة الإنسان قبل خلاصه. علينا أن نعرف قصد الله للذين يتبعونه.

 

ما هو قصد الله لأهل أفسس.؟

ما هو قصد الله لك؟

ما هو قصد الله لي؟

قد لا يكون ناجحا، مقبولا، أو نافعا، المهم والمقصود أن نكون جميعا مقدسين و بلا لوم قدامه

( أفسس 1 - 4 ).

رابعا : علينا أن نهدف لتمجيد اسم الله في كل ما نعمله، قد أكون طبيبا مرسلا ماهرا ولكن لا أمجد الله. قد أكون معلما مسيحيا بارعا ولكن لا أمجد الله. قد أعطي وأضحي، وأنكر نفسي في سبيل الآخرين و لكن لا يؤول ذلك إلى تمجيد اسمه. قد نضاعف جهودنا كمرسلين وفي الوقت نفسه لا نمجد اسمه، قد أكون متطوعا ناجحا وممتازا، ونشيطا في هذا الحقل التبشيري المرسلي و لكن لا أجلب بذلك حمدا أو مجدا لاسمه. قد أكون في هذه جميعها أطلب تمجيد نفسي و مدحها ليس إلا.

قد يعمل أحدهم مدة أربعين سنة في مكان مغمور، وبعده العالم فاشلا حسب مقاييسه وقد تتفق كنيسة اليوم كذلك على هذه المقاييس، غير أن نفسا اختبرت الغلبة على الخطيئة، ومجدت الرب يسوع في سلوكها تعد حياة ناجحة منتصرة في نظر الله وحسب مقاييسه، لأن إنسانا كهذا وضع نصب عينيه تمجيد الرب يسوع فحسب وهذا هو قصد الله من عمل كل إنسان وأي كنيسة.

نقدر نجاح مؤسسة بميزاتها ورصيدها، ونجاح معهد أو مدرسة بعدد طلابها وتطور أساليب تعليمها، ومستواها العلمي ونجاح رجل الأعمال بثروته ومركزه، ومن الطبيعي أن نستعمل هذا الأسلوب في تقييم عمل الرب – إنه أمر طبيعي – وهذا هو صلب المشكلة. المقياس الطبيعي يختلف عن المقياس الروحي، و التقييم الطبيعي يختلف عن التقييم الروحي و الكتاب يخبرنا أن الإنسان الطبيعي أي غير الروحي لا يقبل ما لروح الله ( اكو 2 – 14 ) والرسالة الثانية إلى أهل كورونثس ( 4 – 18 ). تعلمنا أن الأشياء التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية. إننا بشر و لذلك نؤخذ بالأمور المنظورة ونهتم بها وهذه النظرة البشرية تمتد إلى عمل الرب وإلى حياتنا الشخصية الخاصة. فمحاولاتنا تبرير أنفسنا و أعمالنا، وتوقنا إلى النجاح في ما نعمله حتى ولو في حقل الرب دليل على كبريائنا الداخلي.

إذا سئل مرسل عما يعمل، وما هو هدف عمله، وماذا ينوي أن يحقق، وجد جوابا على الفور، ولكن الحق يقال أن كثيرا ما لا نفكر في الجواب أو الأجوبة التي نعطيها، فعوضا عن تسمية الهدف و القصد من عملنا ندور حول أهداف ثانوية ليست هي الأساس.

فبعض المؤمنين يتحدثون عن إصدار كميات من المطبوعات قد توازي أو تزيد عن الكميات التي تصدرها روسية السوفياتية. آخرون يتحدثون عن ضرورة قمع العقائد الخرافية و السحر وما إلى هنالك. هذه امور ضرورية و لكنها ليست الهدف الأساسي.

ما هو دور الكنيسة أو عملها في القرن العشرين؟ أهو بناء مستشفيات أكبر؟ أو تطوير أساليب التعليم المسيحي؟ أو استحداث وسائل الإعلان وتطويرها؟ أو الإكثار من الطيران؟ أو الذهاب إلى قبائل أكثر، أو تذليل لغات أكثر لطبع الكتاب المقدس و ترجمته؟ ماذا؟ هذه جميعها ضرورية وجزء لا يتجزأ من أعمال الكنيسة اليوم. ولكن ليست الهدف الأساسي. الخطأ الذي وقعنا فيه هو أننا استبدلنا الوسائل بالهداف – فطورنا و لا نزال نطور الوسائل ونهمل الهدف الرئيسي.

ما هو هدف كنيسة المسيح؟ لو طرح هذا السؤال على الكنيسة الإنجيلية قبل بضعة سنوات لكان الجواب " خلاص النفوس " أما اليوم فقد تقدمنا و استحدثنا عن ذي قبل، ولو طرح السؤال نفسه على الكنيسة الإنجيلية اليوم لكان الجواب " خلاص النفوس و تأسيس الكنائس " أنه لتطور عظيم ومفيد ولكن هل هو الجواب الصحيح عن السؤال؟ هل يلخص هدف كنيسة المسيح؟

وهب أننا نسلم أن هذا هو الهدف. خلاص النفوس وتأسيس الكنائس، لنفحص بهذا المقياس حياة صموئيل زويمر – عمل زويمر حوالي خمسا و عشرين سنة في البلاد العربية ومصر بين المسيحيين، ولم يربح للرب اكثر من سبعة أشخاص. فلو كان قصد الرب لزويمر ربح النفوس، ومقياسه عدد المتجددين لعدت حياة زويمر فاشلة وعمله فاشلا. ولو كان المقصود له تأسيس كنائس و بنائها لعدت حياته خائبة تماما. قد يقول البعض " لكن زويمر كان نادرا و ليست حياته قاعدة مضطردة ". ولكن لنذكر أن اختباره لم يكن فريدا، فقد شاركه في مثل هذه الخدمة، وهذه النتيجة عدد وافر من الأشخاص الذين عملوا في بلاد قاسية و شعوب لا تذعن للكلمة " الرب يطلب منا أن نربح النفوس و نأسس الكنائس " وهذا جزأ من إرادته و الويل للمسيحيين اللامبالين بهذا الأمر و لكنه ليس هدف الكنيسة الأساسي المطلق. فما لم نتفهم الحقائق لن نتفهم إرادة الله للعالم. قصد الله الأول وهدفه هو تمجيد ذاته – تمجيد الله – لا شك أن الله يهتم بالبشر " لأنه هكذا أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مؤمن باسمه بل تكون له الحياة الأبدية "

( يوحنا 3 – 16 ).

الله يهتم بالإنسان و لكن يهمه قبل كل شيء أن يظهر نفسه ويظهر مجده للعالم، والذين مجدوه وأظهروا مجده للعالم في التاريخ هم أقلية قليلة جدا. نوعية العمل والبشر هي التي تمجد الله وليس الكمية.

الله قدوس ويبحث عمن يستطيع أن يظهر قداسته. هب أنه وجد عشرة مسيحيين يعيشون حياة علمية، ليبيرالية هل يستطيع الله أن يظهر ذاته عن طريقهم؟ هب أن العشرة أصبحوا مئة، فهل يتغير الوضع؟ هل ترى قداسة الله أو بره من خلالهم لأن عددهم ازداد؟

خطة الله وقصده هو أن يقمع الخطيئة ويخلق لنفسه شعبا بارا مستقيما. ستتم هذه الخطة و تكمل، وشوقنا لذلك اليوم عظيم، حين تبطل الخطيئة، وشعب الله يصبح مثله يحيون معا في سماء جديدة و أرض جديدة يسكن فيها الخير و البر، يا له من يوم مترقب، منتظر، سيتم فيه قصد الله بشكل تام وكامل وإلى ذلك الحين لا يزال الله يعمل في قلوب أولاده ونفوسهم، فيزيدهم تبريرا ليصبحوا على شبهه وصورته وهو يدعوهم إلى حياة القداسة.

أليس اختيار الله لنا، وتأمينه إيانا على عمله امتيازا عظيما جدا؟ ألا نشعر مع بولس حين يقول " لي أنا أصغر جميع القديسين أعطيت هذه النعمة أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح (أفسس 3- 8)

نحتاج إلى شعور عميق بالوقار لهذا الاختياران نكون عملة معه. و الامتياز الأعظم هو أنه اخترنا لنكون أولاده لا خدامه و عاملين معه وحسب – قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة، مشابهين صورة المسيح نعيش لمدح مجده.

ما أدهش الصورة التي لنا في الكتاب المقدس، ومحبة الله التي أجزلها علينا. عندما خارت قوانا قال " تقووا" أحبنا و اختارنا، وجعلنا له بنين وورثة في ملكوته. وطبع علينا اسمه، اتخذنا أبناء وورثة في بيت الله، وجعلنا ورثة مع المسيح. و بولس الرسول يكرر هذه الحقيقة أننا أولاد الله وندعوه " أبا" في الإصحاح الخامس من رسالته إلى أفسس و العدد الأول يقول بولس " فكونوا متمثلين بالله كأولاد أحباء " إذ كنا أولاد الله يجب أن نكون مثل الله. لماذا؟ لأن الابن عادة يشبه أبويه. فقد سمعت والدتي تقول لي مرارا وتكرارا " هكذا كان أبوك يتكلم، أو ينظر، أو يجيب، مع أنني لم أعرف والدي إذ قد توفي وأنا في الشهر الرابع من العمر. فعلمت من كلام أمي إلي كما علم الآخرون أنني ابن والدي، إذ كنت أشبهه كثيرا وقد أخذت بعض طباعه. وهذه هي الحال معنا إذ يقول لنا الكتاب بصراحة أننا ورثاء الطبيعة الإلهية. و بولس أيضا يقول " بما أنكم أولاد الله عليكم أن تشبهوه - ليس فقط لأننا شركاء طبيعته بل لأننا أولاده ونحبه و المحب عادة يتمثل بالمحبوب، لا تخفا عنا محبة أولادنا لنا، ومحاولتهم تقليدنا والتمثل بنا، وكم من المرات يردون إلينا جوابنا بمثله و نظرتنا بمثلها. ونحن إن كنا نحيا بقرب الله و لنا شركة يومية معه نتمثل به ونصبح مثله. ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في المرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما في الرب الروح ( 2 كورنثس 3 – 18 )

طبعا إن الله يحب أن الجميع يقبلون إلى الحق ويخلصون والويل لي إن كنت لا أشعر بمسؤوليتي تجاه الآخرين و الإقبال بهم إلى المسيح و لكنني بحاجة ماسة على صلاة حارة كي يقويني الرب لأكون قدوة للآخرين و الطريق لخلاصهم. اعلم أن الله وحده يخلص الإنسان، وهو وحده يعرف من سيخلص لذلك لا تهمني كمية العمل الذي أقوم به، ولا عدد الذين أشهد أمامهم، ربما الله يتمجد عندما يخلص إنسان خاطئ و يحمل طابع المسيح. أعرف بعض الفاسقين الذين استخدموا للإتيان بالآخرين إلى المسيح، مما يعني أن قوة الله أعظم جدا حتى من الخطية وشر الإنسان.

يريد الله أن تتأسس الكنائس، وعلينا أن نتذكر أنه من الممكن تأسيس كنائس مستقلة ماديا وعلميا و لكنها لا تمجد اسم الله. فأين المسيحية إذا؟ ألم يؤسس الشيوعيون في العالم بأسره فرقا متنوعة و متعددة قائمة بنفقات نفسها ومستقلة بحكمها وحرة في مناطقها؟ يقال أن الصلاة الحارة ووساطة أولاد الله بالصلاة هي دعامة أي انتعاش كنسي لكنني أشك في هذا القول، لأن ما سجله التاريخ و الكتاب المقدس هو أن الانتعاش نتيجة التوبة الحقيقية. وركيزة الانتعاش هو الاعتراف بالذنوب، و الندم على الخطية و يبدو أن التوبة و الندم هما الأساسان المطلوبان لأي بركة روحية حقيقية. لن تحصل الكنيسة على الانتعاش المنشود ما لم تعترف أمام الله بأخطائها، و بحاجتها إلى القداسة و بقصورها عن تمجيد اسمه. فقول أشعياء بعد الرؤيا لم يكن عفويا فاسمعه يقول. "... رأيت الرب جالسا على كرسي عال و مرتفع و أذياله تملأ الهيكل... وهذا السرفيم نادى ذاك و قال قدوس، قدوس، قدوس رب الجنود.." ( أشعياء 06 أو 3 ) بعد ذلك بخطيئته وذنوبه "... ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين و ساكن بين شعب نجس الشفتين ( أشعياء 6،5 ) و تاق أشعياء إلى الخدمة فقال " هاأنذا ارسلني ( أشعياء 8،6)

إذا ملأ مجد الله عقولنا، يزداد شعورنا بالإثم، وتمتلئ قلوبنا بالشعور بالخطية و التبكيت. وهذا هو أساس الانتعاش الشخصي و انتعاش الكنيسة " أنتم جنس مختار... لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب " إذا عليك أن تمتحن نفسك بسؤالك إياها لم أنا أفعل؟ و ليس ماذا أنا فاعل أو هل نجحت في إظهار مدح الذي دعاني من الظلمة إلى نوره العجيب؟

هنالك بعض الأسئلة التي علينا ن نطرحها على أنفسنا وهي " كم يهمني أن يظهر مجد الله في العالم بأسره؟ هذا كان هم بولس الأوحد و كذلك تمنى صاحب المزامير حين قال :

حدثوا بين الأمم بمجده

قولوا بين الأمم الرب قد ملك

لأن كل آلهة الشعوب أصنام

أما الرب فقد صنع السموات

(مزمور 69-3و10و5 )

أيهمك هذا الأمر أتسعى ليتمجد اسم الله في العالم؟ السؤال الثاني هو ماذا أنا فاعل؟ كيف أسهم في نشر مجد الله في العالم؟ قد أكون منغمسا في دروسي أو عملي حتى في حقل الرب، وتنقصني المعرفة، معرفة حاجة العالم – هل يعرف العالم أن الله جعل يسوع هذا ربا ومسيحا؟ كيف أساهم في هذا العمل؟ كيف تساهم أنت؟ كيف نساهم جميعنا معا لنشر مجد اسم الله في العالم؟

السؤال الثالث هو هل فيَ أي دافع؟ دافع لأحيا حياة تمجد اسم الله؟

إذا شعرنا من خلال قراءة هذه الصفحات – إذا شعرنا بقصورنا و حاجتنا الماسة إلى هذه الخصال و الدوافع الروحية، فما علينا إلا أن نطلب من الله أن يمنحنا ما نحن بحاجة إليه لأن محاولتنا تذهب هباء و لا جدوى لها، فمن يحاول أن يزود نفسه بالمواهب الروحية كالذي يحاول أن يخلق تفاحة شهية بدل أن يقطفها عن الشجرة. الفضائل الروحية هي ثمر الحياة الروحية كما التفاحة الطبيعية هي ثمرة شجرة التفاح الطبيعية.

ما هي الخطوة الأولى إذا؟ هي المجيء إلى الرب معترفين بخطايانا، معترفين بقصورنا، واضعين أمامه فشلنا في نشر مجد اسمه، وقصورنا الروحي، معترفين أيضا بإيماننا فيه " طوبى للجياع و العطاش إلى البر لأنهم يشبعون " ( متى 5-6) ليت الله يبكتنا عن كل خطيئة، على كل ما لا يرضيه. لتكن محبته هي العامل فينا لتمجيد اسمه و الدافع الوحيد في حياتنا، وفي كل عمل نعمله، في هذه الأيام العصيبة.

  • عدد الزيارات: 4259