Skip to main content

الفصل الأول: مقدمة

حاولت في هذه الصفحات أن أكتب عن ثلاثة مواضيع

1- تشجيع القارئ على درس الكتاب المقدس

2- إثبات حاجة العالم إلى التبشير وواجب كل مسيحي في هذا العالم

3- تقديم الحقائق، مع تطبيقات شخصية، لجعل حياة المرسل حياة ذات فائدة وعمل ولذة.

- المشكلة العملية التي تحتاج إلى صلاة كل مؤمن و انتباهه الفوري هي :

كيف تستطيع كنيسة المسيح أن تنتشر البشارة السارة في العالم قبل نهاية الجيل الحالي . .. كيف يبشر المؤمنون المخلصون في هذا الجيل إخوانهم غير المخلصين. .. هذا هو السؤال الذي يواجهنا اليوم.

للإجابة على هذا السؤال ، لحل هذه المشكلة بطريقة الله الخاصة يتوجب على كل عضو من أعضاء كنيسة المسيح أن يخضع كل ما لديه من عقل وقلب وضمير وارادة و ثروة وتفكير و ممتلكات يتوجب عليه أن يضعها جميعها تحت تصرفنا

لما عدت إلى بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية تذكرت بوضوح المخاطر التي أنقذت منها حياتي خلال سني عمري في شمالي أفريقيا ، فشكرته و ما زالت أشكره وأحمد اسمه على احساناته وبركاته جميعها.

حقا لقد أحسن إلي الله و أبقاني ، فما هو قصد لمستقبلي يا ترى. . أريده أن يكون له – له وحده.

لا يمكن المرء أن يفكر بالمستقبل دون العودة إلى الماضي ، وقد كنت عند تفكيري بمهنة لحياتي أذكر دائما وجود ثلاثة وعشرين مليون نسمة من المسلمين المقيمين جنوب البحر الأبيض المتوسط ، ما بين المحيط و الصحراء الإفريقية ، لا يعرفون الرب يسوع ولم يؤثر فيهم التبشير كما وأنه لم يحرك في قلوبهم ساكنا. في أوقات تفكيري هذا ، كثيرا ما بدا لي شخص الآنسة بوتيكاس التي كرست حياتها لخدمة الرب في واحة أبو سعدي الصغيرة في الجيريا لأنها عندما غادرت ذلك المكان قالت لي " سأطلب من الله كي يعيدك مرسلا إلى هذه البلاد.

رغبت بالعودة ، ولكن الرب لم يوجهني إلى ذلك. لابد أن قصده اختلف عن رغبتي ، ومع ذلك ما انفككت يوما عن التفكير في الخدمة في بلاد غريبة ، وكان هذا التفكير تجربة صريحة لي.

أمستعد أنا لإطاعة الرب ؟ نعم، ومع أن الدعوة إلى شمالي أفريقيا لم تكن أمرا شيقا لكني كنت راضيا- راضيا أن أذهب. وبدا الأمر مرضيا وطبيعيا أن ألبي الدعوة آنذاك. وبالرغم من ثقتي بأنني أعمل العمل الذي عينه لي الرب ، في المكان الذي عينه إلا أن القول " أنا راض ومطيع يارب " بدا لي ردا هزيلا و ضعيفا أمام إرادة الرب ، إذا ما قوبل بموقف بولس الرسول وتنفيذه للدعوة الإلهية. هل قال بولس " أنا راض أو أريد أن يخلص إسرائيل ". ... أما قال. " فإني أود لو أكون أنا نفسي محروما من المسيح لأجل إخواني أنسبائي حسب الجسد " ( رومية 9 ، 3 ) " ويل لي أن كنت لا أبشر " ( اكو 9 ، 16 ) فهكذا ما هو لي مستعد لتبشيركم أنتم الذين في رومية أيضا ( اكو 1 ، 15 ). لم تكن شهرة بولس الرسول " أن أنير الجميع " رغبة عابرة أو تبرعا لخدمة خجل رفضها بل كانت رغبة خارجة من أعماق نفسه وكيانه ، ملتهبة بشعور عميق بالشكر لله الذي أئتمنه على جزء من الخدمة الإلهية المباركة.

وجدتني منذ بضعة سنوات مثقلا بديون لم أجرها على نفسي وذلك أن والدتي عند وفاتها جعلتني وصيا على ما كان لها من أرزاق ووصيتها واضحة وصريحة. فعلي أن أدفع مبلغا معينا من المال لأخي الأكبر وآخر لأخي الثاني ، وآخر لأخي الثالث. وما دام المال باسمي فأنا مديون لأخوتي جميعهم ، ودفع المال لهم ليس كرما مني ولا فضلا ولكنه أمر واجب فرضه علي القانون

وهكذا بولس في قوله أني مديون (رومية 1، 14) يلخص فلسفة حياته بأسرها – كان رجلا مديونا ترك الله أكبر ورثة يمكن لأي رجل أن يقتنيها ، ولكنه جعل منها وصية واضحة وصريحة كتلك التي أوصتني أمي وهي أنه عليه أن يتقاسم هذه التركة أو الورثة مع الجميع اليهود و الأمم ، العبيد و الأحرار ، الحكماء و الجهال. لذلك امتلىء حماسا ، وتحركت فيه كل عاطفة والشعور بمسؤولية رسالته ، او بالحرى عمل حياته.

قارن بين موقف بولس الجدي تجاه هذه الرسالة وموقفنا الحالي اليوم ، شعورنا باللامبالاة. فنحن لا نشعر بأننا مديونون للإنجيل وعلينا أن نقدمه للجميع لأنه ضرورة من ضروريات الحياة ، بل نتخذه كأنه إحدى الكماليات التي تعطى للآخرين إذا سنحت الفرصة أو عندما نشعر بالراحة و الطمأنينة. هذا عين الخطأ ، فالتبشير ليس مسؤولية على أعناق أقلية ذات حماس ، بل هو مسؤولية وضعت على كل مؤمن ، على كل عضو من أعضاء كنيسة المسيح. عندما أخذنا بركة الخلاص وقبلناها ، أخذنا على عواتقنا – بعلمنا أو غير علمنا – تقديمها للآخرين وتبشيرهم بها ووضعنا على عواتقنا كذلك نشرها بين جميع الأمم " وإلى أقصى الأرض" فإن سمح الله لنا بالسفر أو البقاء في بلادنا ، سواء كنا موظفين أو معلمين ، أمهات أو ربات بيوت ، لازالت المسؤولية على عواتقنا وواجبنا الأول هو نشر كلمة الحياة.

كثيرا ما يكتب ألي بعض الطلاب معترفين بشعورهم البارد تجاه التبشير ، ويطلبون علاجا ، فبكتب أحدهم مثلا قائلا :

" حضرت مؤتمرا مسيحيا ، وكلمني الرب عن عمل الإرساليات الأجنبية ، وثقل الموضوع على قلبي ولكنه تبخر بعد بضعة أسابيع كأنه لم يكن. فما الداعي لهذا الفتور و اللامبالاة. ... وما هو العلاج. . لقد راودني هذا الشعور مرة بعد مرة.

ألفت هذا النوع من الرسائل كما ألفت الأسئلة التالية وهي كثيرة :

هل من الضروري أن يكون لدي عاطفة المرسلين ؟ ما مقدار وما نوع العاطفة التي يجب علي أن أشعر بها قبل أن أصبح مرسلا ؟

الشعور بالعمل المرسلي و التبشير ليس اصطلاحا كتابيا. العاطفة ليست إلا شعورا. والشعور يختلف كما تختلف الشخصيات و الأمزجة. فشعوري بضرورة الإرساليات العالمية يختلف باختلاف مزاجي ، أو صحتي. فقد يصعب التفكير عندما أصاب بصداع ، ولكن هذا لا يعني أن تقديري وشعوري نحو العمل المرسلي و التبشيري ، وضرورته يتغير أو يقل أو يفتر. نذعن لأمر الله عن طريق الإرادة ، و الله يلمس الإرادة عن طريق الشعور أو العقل و الاثنين معا. فلو تأثرت بإحدى الاجتماعات بشعور عميق لا يعني أن هذا الشعور أو هذا التأثر يجب أن يدوم. وليس خطا أن لم أتأثر. لن يكون شعوري نحو العمل المرسلي و الإرساليات سبيلا للدينونة ، ولكن ماذا أعمل تجاه هذه المؤسسات قد يعرضني للدينونة.

موهبة التبشير التي أعطيت لبولس لم تعط لنا ، وأكثرنا يعترف بهذا. ولكن كيف نتمكن من تنمية روح التبشير فينا وبين أصدقائنا. ... الخطوة الأولى هي الاعتراف أمام الله أننا لا نشاركه اهتمامه في عالمه و الطلب منه أن يمنحنا بعضا من روحه ومحبته واهتمامه وهذه صلاة ترضي الله وتستحثه على أجابتها.

الخطوة الثانية هي أن نكتسب معلومات أكثر نستقيها من كلمة الله ومن الله نفسه. يجب أن يتضح أمامنا قصد الله لعالمه وقد أظهره لنا في كلمته والحق أن الكتاب كله من التكوين إلى الرؤيا يشرح اهتمام الله بعالمه وقصده له ، ونرجو منه تعالى أن يملأ قلوبنا بحقه ويحركها حسب قصده ونحن نقرأ صفحات هذا الكتيب. فما لم تكن مشاعرنا مؤسسة على الكلمة والكتاب المقدس فهي غير مرضية أمام الله ولذلك لا تثبت.

الخطوة الثالثة هي أن نلم بما يحدث في العالم فعندما سأل جون وسلي عن سبب قراءته للصحف أجاب : " علي أن أعرف ماذا يفعل الله في العالم. " إذا علينا أن نتعرف على عالم الله وكلمة الله وماذا يحدث في العالم من حولنا.

فإن لم يكن لدينا تفكير بولس وهدفه الأوحد وهو نشر الكلمة والتبشير فلنبدأ بالخطوة الأولى و نستعد للخطوتين التاليتين ، لأن موقفنا وهدفنا عند دراسة كتيب كهذا ضروري جدا.

وما هو القصد من هذا الكتيب ؟ هو أن نتمكن حقا من العثور في صفحات الكتاب المقدس على بعض ما يقصده الله لخليفته ، وما هو دورنا ، وكيف نستطيع أن نساهم في تتميم هذا القصد.

سنرى مدى اهتمام الله بالعالم كما دونه العهدين القديم والجديد. سنرى تشديد الرب يسوع في تعاليمه على تبشير العالم وكيف نفذت الكنيسة الأولى الرسولية هذا التشديد.

سنبحث الهدف الأساسي الحقيقي لعمل المرسلين ثم نتدرج إلى موضوع الصلاة ، والعطاء ، واخيرا إلى مؤهلات المرسلين. وموقفنا تجاه هذه الأبحاث سيكون أفضل دليل على نتائج دروسنا معا.

  • عدد الزيارات: 3920