الدرس الرابع عشر: المجامع المسكونية -1-
أهمية المجامع المسكونية في تاريخ الكنيسة:
عقدت في تاريخ الكنيسة المسيحية عدة مجامع أو اجتماعات ضمت قادة الكنيسة من مختلف إنحاء العالم للبحث في أمور الكنيسة وخاصة للبت في القضايا العقائدية على ضوء تعالين الكتاب المقدس الدستور الوحيد للإيمان والحياة. ولدى قراءتنا لسفر أعمال الرسل نلاحظ أن أول مجمع كنائسي عقد في القسم الأول من القرن الميلادي الأول في مدينة القدس. وقد بحث الرسل إثناء ذلك الاجتماع في القضايا الناشئة عن دخول الوثنيين المهتدين إلى الكنيسة. وقد اتفقت الكنيسة على أن الله يدعو الوثنيين أيضاً للتوبة والإيمان وان كل كن آمن بالمسيح يسوع صار من أولاد إبراهيم ووارثاً للوعد الذي قطعه الله مع عبده وخليله.
لم تكن جميع المجامع التي عقدت في تاريخ الكنيسة القديم، مجامع مسكونية. بل أنه عقدت أيضاً مجامع إقليمية حيث كانت الكنائس في إقليم ما تبحث في قضايا مشتركة. وكذلك كانت هناك أيضاً مجامع وطنية أي ضمن لبلد واحد وكانت تشمل عدة أقاليم وكان لها تأثير معين في الوطن لكننا سنهتم في دراستنا هذه لتاريخ الكنيسة المسيحية فقط بتلك المجامع التي انعقدت للبحث في الأمور التي تهتم الكنيسة في كل أنحاء العالم. وتسمى هذه المجامع الكنسية بالمجامع المسكونية وهذه الكلمة تستعمل إلى يومنا هذا في الكلام عن الاجتماعات التي تعقد للبحث في شؤون الكنيسة في مختلف بلدان العالم والتي تضم ممثلين من أكثر من بلد أو قارة واحدة.
ولم تكن هناك أية منظمة لعبت دوراً هاماً كالدور الذي لعبته المجامع المسكونية التي انعقدت في تاريخ الكنيسة القديم. وسوف نتكلم بصورة خاصة عن المجامع المسكونية التالية: 1: مجمع نيقية (325)، 2: مجمع القسطنطينية (381)، 3:مجمع أفسس (431)، مجمع خلكدونية (451).
مجمع نيقية:
كنا قد تكلمنا سابقاً عن هذا المجمع المسكوني الذي اجتمع بناء على دعوة الإمبراطور قسطنطين وذلك في العام 325. وكان السبب الرئيسي لدعوة هذا المجمع الصراع بين أتباع آريوس وأتباع أثناسيوس، ذلك الصراع الذي كان يهدد حياة الكنيسة بشكل كبير. أنكر الأسقف آريوس الاسكندري العقيدة الكتابية عن إلوهية السيد يسوع المسيح له المجد وعلّم أن المخلص كان أكثر من إنسان وأقل من الله. انبرى الشماس أثناسيوس وكان من الإسكندرية أيضاً للدفاع عن شهادة كلمة الله بخصوص إلوهية يسوع المسيح. وكان هذا المدافع عن العقيدة الصحيحة يظهر للجميع أن المس بتعليم الكتاب عن إلوهية السيد المسيح إنما يؤدي إلى إنكار الخلاص العظيم الذي أتمه على الصليب. وبعد جلسات عديدة انتصر أنصار أثناسيوس على أنصار آريوس وقرر مجمع نيقية أن العقيدة الصحيحة المبنية على تعاليم الكتاب هي التي تعترف بإلوهية المسيح بشكل يفصلها عن الجماعات التي رفضت الخضوع لتعاليم كلمة الله ولقانون الإيمان النيقاوي المبني عليها.
مجمع القسطنطينية المسكوني:
لم ينجح مجمع نيقية بإنهاء النزاع الآريوسي لأن صاحب هذه البدعة وبعض الأساقفة رفضوا تبني قانون الإيمان الذي صيغ في المجمع وثابروا على نشر آرائهم وتعاليمهم في أنحاء عديدة من العلم. ونظراً لتدخل الدولة في شؤون الكنيسة، ذلك الأمر الذي ابتدأ منذ أيام قسطنطين الكبير، كان بعض أباطرة الرومان يتحزبون لبدعة الآريوسيين ويضطهدون أعضاء الكنيسة وقادتها المؤمنين. وهكذا اضطر البطل أثناسيوس أن يدافع دفاعاًُ مستمراً في سبيل المحافظة على العقيدة القويمة المتعلقة بيسوع المسيح. وقد تألم كثيراً في جهاده الطويل ومات وهو ينادي بتعاليم كلمة الله عن يسوع المسيح ابن الله الذي جاء لفدائنا من الخطية والشيطان. وبعد وفاة أثناسيوس انتقلت قيادة الكنيسة إلى رجال ثلاثة عرفوا باسم " عظماء كبدوكية الثلاثة" وذلك لأنهم كانوا جميعاً من إقليم كبدوكية في بلاد آسيا الصغرى (تركيا الحالية).
كان هؤلاء الأبطال: باسيل من مدينة القيصرية، غريغوريوس من مدينة نازيانوس وغريغوريوس من مدينة نيسا. وقف عظماء كبدوكية الثلاثة وقفة واحدة للدفاع عن الإيمان القويم وعن تعاليم الكتب المقدسة. وقد عقد في أيامهم المجمع المسكوني الثاني وذلك في مدينة القسطنطينية في العام 381 أي بعد 56 سنة من مجمع نيقية.
تكلم هذا لمجمع بشكل خاص عن عقيدة الثالوث الأقدس، ووافق على جميع تعاليم وقرارات المجمع المسكوني الأول. وفي هذا المجمع صيغت عقيدة إلوهية الروح القدس التي تعلم في الكتاب المقدس، صيغت ضمن قانون الإيمان. وهكذا صارت الكنيسة المسيحية تتميز عن سائر البدع التي رفضت الإذعان لقرارات المجامع المسكونية وبشكل خاص بإيمانها بعقيدة الثالوث الأقدس التي هي عقيدة أساسية في الكنيسة المسيحية. وقد رفضت بدعة الآريوسيين بصورة تامة ونهائية وأخذت هذه البدعة تبدأ بالاضمحلال ولم تلبث أن تلاشت بصورة رسمية في تاريخ الكنيسة وإن لم تختف بصورة نهائية إذ أن البعض من الذين يدعون أنفسهم من أتباع السيد المسيح في هذه الأيام يدينون بمعتقدات آريوس ويحرفون كلمة الله لدعم آرائهم الباطلة غير آبهين بشهادة كلمة الله عن عقيدة الثالوث الأقدس ولا معترفين بقيادة الروح القدس للكنيسة في شتى العصور وخاصة أثناء انعقاد المجامع المسكونية التي كانت تعترف بسلطة يسوع التامة على الكنيسة وبالكتاب المقدس كالمرجع لوحيد والنهائي لحل سائر المشاكل التي تعترض الكنيسة. وسنأتي على ذكر المجامع المسكونية الأخرى في درسنا المقبل إن شاء الله.
- عدد الزيارات: 10629