Skip to main content

الدرس الثاني عشر: انتصار الكنيسة على الوثنية

بهذه العلامة تنتصر!

في العام 306 م. أعلن الجيش الروماني المرابط في الجزر البريطانية قسطنطين إمبراطوراً. وقد امتدت سلطته أيضاً إلى بلد غاليا (فرنسا الحالية). لكن الأقسام الأخرى من الإمبراطورية الرومانية فإنها كانت خاضعة لمكسنتيوس الذي كان يرغب في السيطرة على سائر أنحاء الإمبراطورية ولذلك فإنه حاول القضاء على قسطنطين. وقد ناصب الإمبراطور مكسنتيوس قسطنطين العداء وأمر بإنزال التماثيل أو الأنصاب التي كانت تمثل قسطنطين والتي كانت موجودة في أماكن عديدة في ايطاليا. فما كان من قسطنطين إلا أن قرر مهاجمة خصمه بأسرع ما يكون ولذلك فإنه قدم على رأس جيش من بريطانيا إلى ايطاليا واستعد لملاقاة مكسنتيوس بالقرب من مدينة رومية. وتلاقت الجيوش المتخاصمة في مكان يبعد نحو16 كم شمال العاصمة الرومانية. وكان نهر التيبر والجسر المبني عليه يفصلان جيوش مكسنتيوس عن رومية. وكان جيش مكسنتيوس اكبر من جيش قسطنطين بنحو ثلاثة أضعاف وكان يحتوي على زهرة الجحافل الرومانية.

وجد قسطنطين نفسه في مأزق حرج للغاية إذ أنه لم يكن يعلم كيف يتغلب بجيوشه الصغيرة على جيوش خصمه الكبيرة. شعر قسطنطين بحاجة إلى معونة إلهية وقد كان من عابدي مثرا وهو آلهة وثنية كانت تعبد في بلاد الفرس وكان والد قسطنطين أيضاً من عابديه. وكانت عبادة مثرا منتشرة في الجيش الروماني إذ أنهم كانوا يعتقدون أنه كان قادراً على إعطاء النصر لجميع الذين كانوا يتعبدون له نظراً لقوته الكبيرة.

يقال أنه في لليلة التي سبقت المعركة بين قسطنطين مكسنتيوس رأى قسطنطين عند غروب الشمس صليباً في الأفق وكان الصليب يحمل هذه الكلمات بشكل منير: بهذه العلامة تنتصر! وفي اليوم التالي التقى الجيشان في معركة حامية الوطيس وكان ذلك في الثامن والعشرين من تشرين الأول – أكتوبر في السنة 312 م. ومع صمود جيوش مكسنتيوس بشكل قوي إلا أنها لم تقدر الوقوف في وجه قسطنطين وجنوده المندفعين وهكذا انكسرت جيوش مكسنتيوس وغرق هذا الأخير وهو يحاول الهرب على جسر نهر التيبر.

قرار ميلانو بمنح المساواة بين الديانات في الإمبراطورية الرومانية:

كانت معركة جسر ميلفين الذي يصل ضفتي نهر التيبر من أعظم واهم المعارك في التاريخ إذ أنه جعلت من قسطنطين سيد الإمبراطورية الرومانية بأسرها. ولكن لم يقتصر ظفر قسطنطين على الأمور السياسية بل أنه قام بعمل كان له التأثير الديني الكبير. فقد شعر هذا الإمبراطور الظافر أن نصره كان قد تم بواسطة مساعدة إله المسيحيين ولذلك صار قسطنطين مسيحياً وهكذا أضحى من كان من عابدي مثرا من أتباع يسوع المسح نور العالم.

وقد أصدر قسطنطين في العام 312م. قراراً تمنح به جميع الديانات في الإمبراطورية الحرية والمساواة. لم يكن هذا القرار الذي أصدر من مدينة ميلانو في شمالي ايطاليا لجعل المسيحية ديانة الدولة الرومانية ولكنه أعطى لهذه الديانة حرية أعظم من التي كانت تتمتع بها منذ إصدار قرار جاليريوس قبل بضع سنوات. وهكذا انتهت الاضطهادات التي كانت الكنيسة المسيحية تقاسيها وأصبحت المسيحية على قدم المساواة مع بقية الديانات في رومية.

انتصار الكنيسة هو معجزة كبيرة:

يمكن النظر إلى قرار ميلانو كانتصار للمسيحية على الوثنية وهذا الانتصار من أعجب حوادث التاريخ البشري. فالكنيسة كانت منذ نشأتها تضم جماعة من المؤمنين بيسوع المسيح وكانت ل تتمتع بأية قوة أرضية كالقوة التي كانت تتمتع بها رومية. وكان أكثر المؤمنين من عامة الشعب ولم يكونوا متمتعين بثقافة رسمية عالية.أما رسالة الكنيسة فأنها كانت تعد كجهالة أو كحجر عثرة من قبل الكثيرين من الناس. وقد وقفت الكنيسة في وجه عوامل جبارة كانت كلها تعمل ضد الكنيسة كالمال والعدد والثقافة والقوى السياسية والعسكرية: العالم بأسره وقف ضد الكنيسة المسيحية وحاول القضاء عليها في مهدها. وكذلك كانت الكنيسة تعاني من أزمات داخلية قوية كعدم الانصياع إلى قوانين الإيمان والأخلاق من قبل بعض أعضائها ومعاداة الديانات الوثنية لها ولعقائدها وقيام البدع الكاذبة التي كان لابد من القضاء عليها بالرجوع إلى تعاليم الكتاب المقدس. فمع وجود هذه الظروف الغير مؤاتية لنمو وازدهار الكنيسة نرى أن الكنيسة نمت وبعد نحو 300 سنة انتصرت على أعدائها انتصاراً باهراً.

يا ترى كيف تمكنت الكنيسة المسيحية من الانتصار بالرغم من جميع الدلائل التي كانت تشير إلى عكس ذلك أثناء القرون الثلاثة الأولى من الميلاد؟ يمكن الإشارة إلى عدة عوامل ومنها استعداد المؤمنين بالمسيح يسوع على الاستشهاد في سبيل مخلصهم وربهم. وهكذا اختبرت تلك الأعوام العديدة حقيقة لا مجال فيها للشك وهي أن دماء الشهداء هي بذار للكنيسة. لو لم يظهر المسيحيون انفصالهم التام عن الوثنية وعن اليهودية لما استطاعوا الثبات إلى النهاية.

ولكن الجواب التام والمقنع لسؤالنا المتعلق لسؤالنا المتعلق بكيفية انتصار الكنيسة هو أن ذلك تم بواسطة يسوع المسيح سيد الكنيسة وربها الذي كان يسهر على حالتها من عرشه السماوي والذي اظهر صحة كلامه الذي قاله لتلاميذه أثناء حياته الأرضية عندما قال لهم له المجد إن أبواب الجحيم لن تقوى على كنيسته المقدسة.

  • عدد الزيارات: 4492