الدرس السابع: الكنيسة تنظم أمورها الداخلية وتتابع الدفاع عن الحق
لاحظنا في دراستنا السابقة ظهور أعداء داخليين للكنيسة أي أولئك الذين حاولوا القضاء على الكنيسة المسيحية التي تأسست بواسطة الرسل القديسين، وذلك بترويج البدع الكاذبةومن هذه البدع المخربة بدعة الاغنوستيكيين وبدعة المونتانيين اللتين أنكرتا حقائق هامة موحى بها في كتاب الله المقدس وكذلك رأينا أن قادة الكنيسة الغيورين هبوا للمدافعة عن الحق واستطاعوا بأن ينتصروا على الهراطقة أي أصحاب البدع
ومن جراء هذه الحوادث الهامة التي جرت في فجر المسيحية حدث نمو في العقيدة المسيحية إذ أن أهل الحق لجئوا إلى دراسة عميقة للكتاب المقدس في محاربتهم لأهل الباطل
ونظراً لأهمية التفريق بين ما كتبه الرسل والبشير ون بوحي الروح القدس وما كتبه تلاميذهم وغيرهم من قادة الكنيسة في القرن الأول والقسم الأول من القرن الثاني الميلادي أتت إلى الوجود اللائحة القانونية لأسفار العهد الجديد واعترفت الكنيسة بها بإرشاد روح الله الذي أوحى بها إلى كاتبيها وكذلك المحنا إلى نشوء النظام الأسقفي لحكم الكنائس من جراء الجهاد الذي حدث ضد الهراطقة المفسدين وسنتكلم قليلا في درسنا اليوم عن هذا الأمر منتقلين بعد ذلك إلى الكلام عن بعض قادة الكنيسة المشهورين وعن استمرار الجهاد ضد أصحاب البدع والمبادئ الباطلة
نشوء النظام الأسقفي لحكم الكنائس المسيحية:
عندما كان الرسول بولس يذهب من مكان إلى آخر في سبيل نشر الدعوة المسيحية كان يؤسس كنائس حيثما كانت مهمته تلقى النجاح ومن المهم الملاحظة أن نظام حكم الكنائس كان أولا بسيطاً للغاية إذ أن الرسل تركوا في كل كنيسة شيوخاً وشمامسة، الشيوخ للاهتمام بالأمور الروحية والشمامسة للاهتمام والاعتناء بالأرامل واليتامى ولإظهار روح المحبة في معاملتهم لذوي الحاجة والعوز وهكذا نقرأ في رسالة بولس إلى مساعده تيطس ما يلي:" من اجل هذا تركتك في كريت لكي تكمل ترتيب الأمور الناقصة وتقيم في كل مدينة شيوخاً كما أوصيتك" وكان الرسول قد تكلم أيضاً عن هذا الموضوع في رسالته الأولى إلى مساعده وابنه الروحي تيموثاوس: "صادقة هي الكلمة إن ابتغى أحد الأسقفية فيشتهي عملاً صالحاً، فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل امرأة واحدة صاحياً عاقلاً محتشماً " . وبعد ذكر عدد من الصفات الجيدة التي يجب تظهر في الأسقف وكذلك الصفات الذميمة التي يجب أن تكون غير موجودة لديه ينتقل إلى الكلام عن الشمامسة وعن صفاتهم والرسول يستعمل كلمة شيخ وكلمة أسقف بشكل مترادف والكلمة الأخيرة يونانية الأصل وتعني المشرف على أمر أو عمل
كان الشيوخ أو الأساقفة في بادئ الأمر ذوي مرتبة واحدة ولكن حدث بعد مدة أن الشيخ الذي كان اشد مقدرة من غيره صار يحتل مكاناً خاصاً في حكم الكنيسة ومع الزمن أعطي لهكذا شيخ لقب أسقف بينما دعي الباقون بشيوخ فقط
تأسست أكثر الكنائس في بادئ الأمر في مدن كبيرة كأفسس أو كورنثوس أو تسالونيكي ومن هذه المدن انتشرت المسيحية إلى الجماعات الوثنية التي كانت تسكن الارياف وكان المؤمنون من سكان الأرياف يأتون إلى كنائس المدن لعبادة الله وهكذا دعيت المدينة والإقليم الريفي المحيط بها باسم أبرشية والأسقف الذي كان يرعى شؤون المدينة أصبح يعرف بأسقف الابرشية
وحدث قرب العام مائتين بعد الميلاد أن الكنائس المسيحية المختلفة توحدت في الأقاليم العديدة التي كانت موجودة فيها للدفاع عن الحق الموحى به في الكتاب المقدس والذي أذاعه الرسل وجميع هذه الكنائس كانت تتفق معاً بخصوص خلاصة الإيمان أو المعتقد المسيحي حسب ما ورد في قانون الإيمان المعروف بقانون إيمان الرسل وكذلك بخصوص اللائحة الرسمية لأسفار العهد الجديد القانونية وكذلك في النظام الأسقفي لحكم الكنائس وطبعاً بقي أصحاب البدع من الهراطقة خارج نطاق الكنيسة المسيحية مؤلفين من كنائس أو مجتمعات صغيرة هنا وهناك وأخذت الكنيسة المسيحية الحقة تعرف أيضاً باسم الكنيسة الجامعة أي الكنيسة الموجودة في أنحاء العالم المختلفة
آباء الكنيسة يتمعنون في تعاليم الكتاب المقدس بخصوص يسوع المسيح:
يؤمن المسيحيون بأن يسوع المسيح هو ابن الله الأزلي وأنه الأقنوم الثاني للاهوت الأقدس وهذا التعليم أو المعتقد مبني على تعاليم كلمة الله المقدسة وقد صيغ بشكل منطقي أو نظامي من قبل الكنيسة المسيحية أثناء جهادها ضد أصحاب البدع الكاذبة الذين لم يشاؤوا الرضوخ إلى تعاليم الكلمة الإلهية فنحن مدينون إلى هؤلاء القادة المسيحيين الذين درسوا الكتاب المقدس واضعين نصب أعينهم فهم تعاليم الوحي الإلهي بخصوص يسوع المسيح المخلص
وندعو علماء الدين المسيحيين في العصور الأولى من القرن الميلادي بآباء الكنيسة وقد تكلمنا عن بعضهم في درس سابق وسنأتي الآن إلى ذكر آخرين عاشوا في القرنين الثاني والثالث بم
ايرنايوس: ولد ايرنايوس ما بين العام 115 و142 م في مكان ما في أسيا الصغرى وقد تربى في مدينة سميرنا المدعوة الآن ازمير وقد سمع الأسقف بوليكاربوس يعظ في سميرنا فتأثر كثيراً من تعاليمه ومن سيرته انتقل ايرنايوس إلى مدينة ليون في إقليم غاليا ( فرنسا الحالية) وأصبح أسقف تلك المدينة واستشهد فيها في العام 2م وقد بذل جهوداً كثيرة في سبيل الوقوف على تعاليم الكتاب بأسرها بخصوص يسوع المسيح ويمكن قراءة ثمرة أتعابه العقائدية في كتابه المعروف بكتاب " ضد البدع "
ترتوليان: ولد ترتوليان ما بين العام 15 و155 م في مدينة قرطا جنة في إفريقيا الشمالية ( بالقرب من مدينة تونس الحالية) وقد ذهب إلى رومية حيث درس الحقوق وعمل بالمحاماة وبعد اهتدائه إلى المسيحية عاد إلى مسقط رأسه حيث أصبح أسقفاً في الكنيسة وكان عالما فذاً في الفلسفة والتاريخ واستطاع بأن يدافع عن الحقائق الكتابية المتعلقة بيسوع المسيح أكثر من الكثيرين من علماء الدين في الكنيسة
كليمنت الاسكندري: اشتهر هذا الأب كأحد معلمي المدرسة اللاهوتية الإسكندرية اللامعين ولد في الإسكندرية بين العام 182 و185 م واستشهد في العام 251 م
اوريجينوس: كان اوريجينوس تلميذاً لكليمنت الاسكندري وقد فاق معلمه علماً ومعرفة ويعد من أعظم اللاهوتيين المسيحيين في تلك الأيام وقد اشتهر اوريجينوس بعمق تفكيره مما دفعه أحيانا إلى المجيء بنظريات مستحدثة وقد ساهم مساهمة فعالة مع أستاذه كليمنت الاسكندري في سبيل الوصول إلى عقيدة نظامية مختصة بيسوع المسيح ومبنية على كلمة الله المقدسة
- عدد الزيارات: 4267