الدرس السادس: الكنيسة تجابه الهراقطة وتنتصر عليهم
من هم الهراقطة؟
الهراقطة هم أولئك الذين ينحرفون عن التعليم القويم الذي أوحى به الله في كتبه المقدسة. وقد جابهت الكنيسة المسيحية منذ أوائل عهدها البعض من الذين كانوا قد انضموا إلى عضويتها ولكنهم لم يبغوا الرضوخ إلى تعليم الرسل والكتب المقدسة بل حاولوا بأن يأتوا بتعاليم مستحدثة غير مبنية على الوحي الإلهي وغير منطبقة على روح الإنجيل.
وقد حدث في القسم الثاني من القرن الثاني الميلادي أن قامت بدعة الاغنوستيكيين وكذلك بدعة المونتانيين وحاولتا لقضاء على تعاليم الكنيسة والتعويض عنها بآراء بشرية مخربة. أما بدعة الاغنوستيكيين فإنها كانت قد برزت إلى الوجود في نهاية القرن الأول ولو أنها كانت آنئذ غير نامية وقد جابهها الرسول يوحنا في رسائله وطلب من جميع المؤمنين عدم الوقوع في خبائها. ومن مبادئ هؤلاء الهراقطة: أن الشر كائن في المادة أو الطبيعة ولذلك فإن المسيح يسوع حسب زعمهم لم يكن له جسداً حقيقياً وبذلك أنكروا عقيدة التجسد الكتابية.
كذلك علّموا بأن خلاص الإنسان يتم بواسطة المعرفة لا بالأيمان بالله حسب تعليم الإنجيل. أما المونتانيين الذين كانوا أقوياء في شمال إفريقيا فإنهم أنكروا نزول الروح القدس على الرسل والكنيسة في يوم الخمسين كما يعلنها الكتاب في سفر الأعمال وعلّموا أن حلول الروح القدس كان على الأبواب (في نهاية القرن الثاني) وأن نهاية العالم كانت قد اقتربت. وقد أخذت هذه الآراء الكاذبة تنتشر في الكنائس ولو انتصرت على الآراء المستقيمة لما بقيت الكنيسة إلى اليوم الحاضر ولكن وعد السيد المسيح في ذلك العصر أيضاً وهو أن أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة.
هب المخلصون إلى المدافعة عن العقيدة الكتابية والرسولية وأظهروا ابتعاد الهراطقة عن قلب الانجيل وقد حدث من جراء دفاع الكنيسة عن الحقيقة ومحاربتها للهراطقة أمور هامة:
1- تحديد خلاص الإيمان أو المعتقد في قوانين الايمان
2- الإقرار باللائحة الرسمية للكتب أو الأسفار المقدسة في العهد الجديد
3- نشوء النظام الأسقفي لحكم الكنائس
وسنتكلم عن هذه الأمور بالترتيب:
قوانين الإيمان:
لما ابتدأت الكنيسة المسيحية بمحاربة أصحاب البدع الكاذبة اضطرت إلى اللجوء إلى الكتاب المقدس لتحديد العقائد المبنية عليه ولمهاجمة العقائد المغايرة لروح الكتاب ونصه وهكذا ابتدأت الكنيسة بإيجاد خلاصة لتعاليم الكتاب الهامة والتي كانت تهاجم بصورة خاصة من قبل أعداء الحق وأنصار الباطل وأول قانون إيمان جاءت به الكنيسة هو القانون المعروف بقانون إيمان الرسل لا لأنه كتب من قبل الرسل بل لأن جميع بنوده تلخص تعاليم الرسل بكل أمانة. وهذا القانون لا يزال يستعمل في كثير من الكنائس إلى يومنا هذا ولكنه غير معروف بصورة كبيرة في الأواسط الشرقية.
وهذا هو نص قانون الإيمان المعروف بالرسولي:
"أومن بالله الآب القادر على كل شيء خالق السماء والأرض وبربنا يسوع المسيح ابنه الوحيد الذي حبل به بواسطة الروح القدس وولد من مريم العذراء، تألم على عهد بيلاطس البنطي، صلب ومات ودفن ونزل إلى الجحيم وقام في اليوم الثالث من بين الأموات وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب القادر على كل شيء وأيضاً سيأتي ليدين الأحياء والاموات
أؤمن بالروح القدس أؤمن بكنيسة جامعة ومقدسة وشركة القديسين وبمغفرة الخطايا وبقيامة الجسد وبالحياة الأبدية – آمين"
وهكذا فان جميع الكنائس التي بقيت محافظة على تعاليم الرسل قبلت هذا القانون للإيمان مميزة نفسها عن الكنائس أو المجتمعات التي سارت في ركاب الهراطقة والتي لم تعترف بهذه الخلاصة للديانة المسيحية
2- ظهور اللائحة الرسمية لأسفار العهد الجديد:
لقد ألمحنا سابقاً إلى أن قادة الكنيسة المسيحية لجئوا إلى أسفار العهد القديم وكذلك إلى كتابات الرسل والبشيرين للدفاع عن التعاليم القويمة ولنبذ التعاليم الخاطئة وإذا كان في تلك الأيام العديد من الكتب القيمة التي كانت تبحث في أمور المسيحية كان لا بد من التمييز بينها وبين الكتب التي كامن قد ورثت من العصر الأول الميلادي والتي كانت تختلف اختلافاً تاماً عن بقية الكتب وهكذا اعترفت الكنيسة بلائحة رسمية للكتب المقدسة التي كانت تشكل مع أسفار العهد القديم (التوراة والأنبياء والمزامير) كلمة الله المعصومة عن الخطأومن المهم جداً أن نلاحظ أن الكنيسة لم توجد هذه الكتب في القرن الثاني الميلادي بل إنما اعترفت بها بمعونة الروح القدس الذي أوحى بالكتب المقدسة، اعترفت بتلك الأسفار الرسمية القانونية التي ذكرت أمور عن حياة المسيح وتعاليمه وعمله الفدائي على الصليب وتفسير ذلك في رسائل الرسل المقدسين وهكذا جاءت إلى الوجود تلك اللائحة القانونية للأسفار المقدسة التي تكون العهد الجديد والتي هي كما يلي: إنجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا، سفر أعمال الرسل للوقا، رسائل بولس الرسول إلى الكنائس المسيحية في رومية وكورنثوس وغلاطية وافسس وفيلبي وكولوسي وتسالونيكي ورسائل بولس إلى تيموثاوس وتيطس وفيلمون الرسالة إلى العبرانيين، رسالة بطرس الأولى والثانية، رسالة يوحنا الأولى والثانية والثالث ورسالة يهوذا أو رؤيا يوحنا عدد أسفار العهد الجديد القانونية هو إذا: سبعة وعشرون سفراً
وقد نظرت الكنيسة إلى هذه الأسفار المقدسة مع أسفار العهد القديم كالمصدر الأساسي والوحيد للتعاليم المسيحية وكانت بواسطة هذه الأسفار والتعاليم المستقاة منها تحارب الوثنية في الخارج والهراطقة في الداخل متكلة لا على الحكمة البشرية التي تلمع في هذه الدنيا لمدة ما ثم لا يلبث نورها بأن يخبو بل على الحكمة الإلهية التي توجد في جميع أسفار الكتاب والتي تشير في كاملها إلى صلب الحقيقة: المسيح يسوع الذي صلب ومات والذي سيأتي في نهاية التاريخ البشري لدينونة الأحياء والأموات وبينما اندثرت تعاليم هؤلاء الوثنيين الذين حاربوا الكنيسة وكذلك تعاليم الهراطقة نرى أن الكنيسة لا تزال حية إلى الآن وهي تشهد مع بطرس الرسول قائلةً: أما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد!
- عدد الزيارات: 5208