Skip to main content

الدرس الثالث: الكنيسة تنتشر في العالم بأسره

تحدثنا في الدرس السابق عن اهتداء شاول الطرسوسي إلى المسيحية، وقد جرت هذه الحادثة في تاريخ الكنيسة المسيحية بالقرب من مدينة دمشق كان شاول قد صمم القضاء على مسيحيي دمشق ولكنه دخل تلك المدينة رجلاً متغيراً ولم يلبث أن اعتمد وانضم إلى الكنيسة المسيحية هناك

ظهر المسيح يسوع لبولس (وهو الاسم الآخر لشاول الطرسوسي والذي نستعمله عادة للدلالة على القسم الثاني من حياته) وافهمه بأنه اختاره للعمل له في بلدان الوثنيين المختلفة إذ أن أزمنة الجهل كانت قد ولت وها أن الله الآن يدعو جميع الناس إلى ترك عبادة الأوثان والإيمان به وبيسوع المسيح، مخلص البشرية الوحيد ولم تطل إقامة بولس في دمشق إذ أنه اضطهد هناك من قبل بني جنسه الذين تآمروا أيضاً للقضاء عليه ولكنه فر من المدينة بمعونة الكنيسة

ذهب بولس إلى مسقط رأسه في كيليكية حيث وجد برنابا الذي كان قد أرسل من قبل كنيسة القدس للعمل في حقل الكنيسة الانطاكية وكان برنابا قد ذهب إلى طرسوس للبحث عن شاول المهتدي والمجيء به إلى انطاكية وكان بولس أو شاول قد وهب جميع المؤهلات التي تساعد المبشر المسيحي للعمل في حقل وثني وخاصة في مدينة كأنطاكية فولادته في مدينة وثنية كبيرة ودراسته في جامعة طرسوس وإتقانه اللغة اليونانية، كل هذه العوامل جعلت منه مبشر الكنيسة الأنطاكية والكنيسة الجامعة الاعظم وقد انشغل بولس الرسول في بادئ الأمر في أعمال التبشير في مدينة أنطاكية التي كانت عاصمة الولاية السورية الرومانية والتي كانت من اكبر وأعظم مدن العالم القديم في تلك المدينة بشر بولس الرسول اليهود والوثنيين من سائر الجنسيات بالمسيح يسوع وساهم مساهمة كبيرة في تأسيس كنيسة قوية وعاملة

نقطة التحول الثانية في تاريخ الكنيسة المسيحية:

رأينا في درسنا السابق أن الكنيسة ولدت في مدينة القدس وأنها ابتدأت بالانتشار في بقاع أخرى من الأرض المقدسة من جراء الاضطهاد الذي لحق بها وخاصة بعد استشهاد الشماس استفانوس وكذلك رأينا أن المسيحيين اخذوا بالانتشار خارج بلاد فلسطين فرأيناهم وقد سكنوا في لبنان ودمشق وأنطاكية وجزيرة قبرص وقد دعيت تلك الظاهرة بالنقطة الهامة في تاريخ الكنيسة نظراً لانتشارها خارج نطاق المدينة المقدسة أما الآن فسنكلم عن نقطة التحول الثانية والتي سيلعب بولس الرسول فيها الدور الرئيسي مع غيره من الرسل والمساعدين

كانت معرفة الله منحصرة في البلاد المقدسة ما بين اليهود في الأيام التي سبقت مجيء المسيح وكانت فلسطين كجزيرة صغيرة ضمن محيط الوثنية الكبير وفي كل المدن الوثنية وجدت الهياكل الكبيرة الفخمة للآلهة الوثنية التي كانت تعبد وكانت صور تلك الآلهة تملأ بيوت الناس وهكذا فعندما أخذت الكنيسة المسيحية معرفة الإله الواحد الحقيقي إلى سائر أصقاع الأرض كانت تواجه خطر تأثر المؤمنين بالعبادات الوثنية.

كيف انتشرت الكنيسة في بدء التاريخ الميلادي:

إن الله هو الذي هيأ العالم والرجال والمكان لانتشار الكنيسة

1- كان الله قد هيأ العالم في تلك الأيام لان العالم المتمدن بأسره كان تحت سلطة واحدة أي سلطة الإمبراطورية الرومانية وكان السلام يعم على ربوع تلك البلاد الشاسعة وكان النظام الروماني والقانون الروماني يسهل السفر والتنقل لجميع أفراد الشعوب الخاضعة لرومية وقد اشتهرت الطرق المعبدة التي كانت تصل مختلف أنحاء الإمبراطورية بمدينة رومية وكذلك السفن العديدة تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط ناقلة الناس والبضائع المتنوعة من ثغر إلى اخر ولابد أيضاً من الإشارة إلى امتداد اللغة اليونانية واستعمالها من قبل جميع الناس ليس فقط كلغة الآداب والفلسفة بل كلغة المعاملات التجارية والمباحثات الدينية وكان الكتاب المقدس في عهده القديم قد ترجم من العبرية والآرامية إلى اليونانية قبل نحو 3 سنة من العهد الميلادي

ومع تنوع الديانات الوثنية وكثرة البدع الغربية كان العالم عل اشد الحاجة إلى ديانة حقيقية تنشر معرفة الإله الواحد الحقيقي وتبشر بطريقة فوق بشرية للتغلب على الشر ضمن حياة الانسان

2- أعد الله أيضاً الرجال الذين نشروا الكنيسة وبشارتها الخلاصية نذكر الآن بطرس واستفانوس وبرنابا وبولس المدعو أيضاً بشاول الطرسوسي

لقد تأسست الكنيسة في مدينة القدس بواسطة تبشير بطرس الرسول وكذلك في مدينة قيصرية على الشاطئ الفلسطيني وذلك في بيت قائد مئة روماني ومع أن عمل استفانوس كان قصير الأمد إلا أنه كان من أهم ناشري الكنيسة إذ أن استشهاده في سبيل البشارة كان السبب الذي دفع المسيحيين إلى ترك القدس والذهاب إلى بقاع أخرى من فلسطين وكذلك إلى البلاد المجاورة ولابد أن بولس تأثر جداً لرؤيته موت استفانوس الذي كان احد العوامل في اهتدائه إلى ديانة الناصري المنتصر

أما برنابا فمع أنه لم يكن واعظاً لامعاً أو مبشراً شهيراً كبطرس وبولس إلا أنه كان من منظمي الحركة التبشيرية وهو الذي أتى ببولس من طرسوس إلى الكنيسة في انطاكية وقد رافق الرسول بولس في رحلاته التبشيرية إلى مدة ما

لكن بولس يعد مبشر المسيحية الأعظم لأنه عمل أكثر من جميع الرسل الآخرين على تأسيس الكنيسة، وسوف نتكلم عنه بصورة مفصلة في درسنا المقبل يكفينا الآن أن نذكر أن الرسائل التي كتبها إلى الكنائس تدل على نشاطه عديم النظير وعن التراث الضخم الذي تركه للكنيسة في شتى العصور والبلاد

3- وكذلك اعد الله المكان الذي منه انتشرت الكنيسة إلى مختلف أنحاء العالم المتمدن وهذا المكان هو أنطاكية فمع أن الكنيسة ولدت في القدس إلا أنها عملت على تسيير حملاتها الروحية لكسب العالم إلى ملكوت المسيح من أنطاكية التي كانت تتمتع بموقع جغرافي مساعد للغاية فلقد كانت اقرب إلى آسيا الصغرى بنحو 48 كم من القدس ولقربها من البحر المتوسط كان باستطاعتها الاتصال بمختلف أواسط العالم وبالفعل تقدمت الكنيسة إلى هكذا درجة في تلك الأيام حتى تأسست كنائس رسوليه في أهم مدن آسيا الصغرى واليونان

  • عدد الزيارات: 4716