الدور الثالث: المسيحية العالمية
(ع6- 13)
من أوائل القرن الرابع إلى نهاية القرن السادس
"فإذ وجد قائد المئة هناك سفينة إسكندرية مسافرة إلى إيطاليا أدخلنا فيها. ولما كنا نسافر رويداً أياماً كثيرة وبالجهد صرنا بقرب سلموني. ولما تجاوزناها بالجهد جئنا إلى مكان يقال له المواني الحسنة التي بقربها مدينة لسائية.
ولما مضى زمان طويل وصار السفر في البحر خطراً إذ كان الصوم أيضاً قد مضى جعل بولس ينذرهم قائلاً أيها الرجال أنا أرى أن هذا السفر عتيد أن يكون بضرر وخسارة كثيرة ليس للشحن والسفينة فقط بل لأنفسنا أيضاً. ولكن كان قائد المئة ينقاد إلى ربان السفينة وإلى صاحبها أكثر مما إلى قول بولس. ولأن المينا لم يكن موقعها صالحاً للمشتى استقر رأي أكثرهم أن يقلعوا من هناك أيضاً عسى أن يمكنهم الإقبال إلى فينكس ليشتوا فيها. وهي ميناء في كريت تنظر نحو الجنوب والشمال الغربيين. فلما نسمت ريح جنوب ظنوا أنهم قد ملكوا مقصدهم فرفعوا المرساة وطفقوا يتجاوزون كريت على أكثر قرب".
نرى في هذه المرحلة من رحلة بولس ما يتجاوب مع الدور الثالث من رحلة الكنيسة، أي دور كنيسة برغامس (رؤ2- 17) التي يميزها ما يلي:
1-المسيحية أصبحت ديانة عالمية.
2-دخول الروح العالمية إلى الكنيسة.
3-التحول عن كلمة الله إلى كلام الإكليروس.
أولاً: المسيحية ديانة عالمية:
عند ميراليكية بدّل المسافرون السفينة الأدراميتينية "التي ليست في السباق" بسفينة إسكندرية، أي من مصر التي ترمز في الكتاب المقدس إلى العالم. وهذا يشير إلى الدور الذي بدأ باعتناق الإمبراطور قسطنطين المسيحية وصيرورة المسيحية الديانة الرسمية للدولة، فأصبحت بذلك ديانة عالمية. لقد بدأ هذا الدور عام 313م. حيث يقال إن الإمبراطور قسطنطين وهو ذاهب للحرب من فرنسا إلى إيطاليا رأى وقت الظهر علامة الصليب في السماء وفوقه مكتوب بحروف بارزة "بهذا تغلب وتنتصر". ولقد عمل راية على مثال الصليب الذي رآه واستعمله علماً له في الحرب فانتصر انتصاراً باهراً. وكانت النتيجة أنه اعتنق المسيحية بعد ذلك وجعلها الديانة الرسمية للإمبراطورية.
في كتاب مختصر تاريخ الكنيسة يعلق أندرو مولر على هذا الأمر قائلاً: "إننا إذا تعمقنا في معرفة فكر قسطنطين معرفة صحيحة لما ترددنا لحظة في القول بأنه كان في ذلك الوقت وثنياً بالقلب ومسيحياً من الوجهة الحربية فقط. وما اعتنق المسيحية إلاَّ كجندي واقع تحت تأثير الخرافات، حيث كان في تلك اللحظة على استعداد أن يقبل بسرور ويرحب بمساعدة أي إله قدير يستعين به في حروبه[1]". وهذا في تمام التوافق مع القول الوارد في رحلتنا "إذ وجد قائد المئة سفينة إسكندرية مسافرة إلى إيطاليا أدخلنا فيها" (ع6).
ثم يقول بعد ذلك "سافرنا من تحت كريت بقرب سلموني... جئنا إلى مكان يقال له المواني الحسنة" (ع8). في المرحلة السابقة مروا من تحت قبرص "التي تعني حب أو صفاء" أما هنا فسافروا من تحت كريت "ذات السمعة الرديئة كقول بطون بطالة". وكلمة كريت ذاتها تعني "جسدي (carnal, fleshy)" ومدلول هذا أن المؤمنين في عصور الاستشهاد عبروا من تحت الصفو فلم يمكنهم أن ينعموا بالراحة أو يبلغوا هدوء البال بل قاسوا الاضطهاد وعانوا التعب. أما هنا فعلى العكس لم يعانوا من وحشية الأباطرة وظلمهم بل أتوا إلى مكان يقال له المواني الحسنة.
المواني الحسنة!! نعم ألم يصبح الإمبراطور نفسه في صفهم، والإمبراطورية كلها دانت بدينهم، فكيف لا تكون تلك هي المواني الحسنة؟! وإن من يدرس تاريخ الفكر الكنسي يعلم أنه ابتداءً من ذلك الوقت بدأ الاعتقاد بأن الكنيسة تعيش الآن في الملك الألفي. فعندما كف العالم عن إظهار العداء وتنفس المؤمنون الصعداء، ظنوا أنهم "ملكوا مقصدهم" (ع13). وتخيلوا أنهم بلغوا المواني الحسنة. لكن كما سنرى بعد قليل لم يكن الأمر كما ظنوا. ويا ليتنا نحن المؤمنين لا نتوقع موانئ حسنة في هذا العالم المضطرب المتغيَّر حتى نرسو آمنين هناك في ميناء المجد الأبدي بعيداً عن أعاصير هذا العالم حيث "البحر" وما يمثله من اضطراب وهياج "لا يوجد فيما بعد" (رؤ21: 1).
هذا الدور الثالث للرحلة يذكرنا بالمثل الثالث من أمثال ملكوت السماوات الوارد ذكره في (متى13: 31، 32) حيث يشبه ملكوت السماوات بحبة الخردل الصغيرة التي كبرت جداً وصارت شجرة. لكن هل كان هذا حقاً ربحاً للشهادة؟ كلاّ، فبالأسف وجدت طيور السماء "إشارة لقوى الشر الروحية" قارن (مت13: 4، 19) مكاناً لها في هذه الشجرة.
إذاً فلقد غيَّر الشيطان فقط أسلوب الهجوم على الشهادة. فلم يأت هذه المرة كأسد مزمجر كما فعل في دور كنيسة سميرنا (رؤ2: 8- 11) بل كحية خادعة. وكم نحن في خطر عندما يأتينا العدو كحية ويظهر كأنه يريد خيرنا ونفعنا (2كو11: 3، انظر أيضاً تك3). والواقع أنه أفضل جداً أن يعبس العالم في وجوهنا من أن يبتسم لنا ويأخذنا في أحضانه. وسوف نرى خطورة ذلك فيما يلي.
ثانياً: دخول الروح العالمية إلى الكنيسة:
نعم دخلت الروح العالمية إلى الكنيسة في كل شيء فما عادت العبادة كما كانت في عصور الاستشهاد- في سراديب. ولا حتى في بيوت وأماكن متواضعة كما كان في العصر الرسولي بل في مبان فخمة ضخمة زينت بصور القديسين وتماثيلهم. نعم أصبحت السفينة إسكندرية "أي عالمية". لقد دخل كثير من الوثنيين إلى المسيحية، ويا ليتهم ما دخلوا. أقصد يا ليتهم ما دخلوا بالصورة التي دخلوا بها. فهم لم يدخلوها نتيجة توبة وإيمان، بل لمجرد ركوب الموجة. وكما يقولون: "إن الناس على دين ملوكهم" هكذا كان الحال آنذاك.
إذاً فلقد كان النجاح في هذا الدور مجرد نجاح ظاهري بدون تقدم حقيقي في المسير كقول المؤرخ الإلهي وهو يصف رحلتنا عند ذلك الدور "كنا نسافر رويداً... بالجهد صرنا بقرب كنيدس "التي تعني يلسع أو يقرص" ولم تمكنا الريح أكثر... ولما تجاوزناها بالجهد".
ثم يقول في (ع9) "ولما مضى زمان طويل وصار السفر في البحر خطراً إذ كان الصوم قد مضى". والعبارة الأخيرة "كان الصوم قد مضى" عند تطبيقها على رحلة الكنيسة فإنها تفيد بأن أيام معاناة الكنيسة الأولى ولت وجاءت أيام الرغد والرخاء، إذ فتح قصر الإمبراطور أبوابه أمام رجال الدين وامتدت لهم موائده وفوقها أطايبه فصارت المناصب الدينية العالية مغنماً عالمياً. إذ ذاك فإن الصوم كان قد مضى.
لكن بالأسف جاء الفقر الروحي مع الغني الزمني. وجاء الخواء الباطني مع الثراء الظاهري. قيل إن القديسين توما الأكويني ذهب إلى مدينة روما ليقدم الاحترام للبابا الموجود في ذلك الوقت. فأراه ذلك البابا بعجب وخيلاء روائع قصره. ثم ذهب به بزهو فائق إلى خزانته وأراه رقائق الفضة والذهب التي كان يتلقاها من كل ريح وصقع، وبابتسامة خفية قال البابا للقديس: وهكذا أنت ترى يا أخ توما أنني لا أقدر أن أقول كما قال البابا الأول "يقصد الرسول بطرس" "وليس لي فضة ولا ذهب" (أع3: 6) فهذا زمان ولّى وذهب. وهنا نظر القديس توما الأكويني إلى البابا بحزم وقال نعم، تماماً كما لا تقدر أن تقول "باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش". ويا له من رد يحمل الكثير والكثير. وآه مما خسرته المسيحية بدءاً من ذلك الدور، وأيضاً مما كسبته!
يقول المؤرخ الإلهي "صار السفر في البحر خطراً إذ كان الصوم قد مضى" وهذا يعني في التطبيق أن الإبحار إلى الأبدية بحسب كلام الناس أصبح غير مضمون. وضاع تأكيد الكتاب المقدس لخلاص المؤمن الأبدي.
ثم في (ع12) "ولأن الميناء لم يكن موقعها صالحاً للمشتى استقر رأي أكثرهم أن يقلعوا من هناك عسى أن يمكنهم الإقبال إلى فينكس ليشتوا فيها، وهو ميناء في كريت ينظر نحو الجنوب والشمال الغربيين".
لقد أتى وقت الشتاء البارد. والشتاء بمفهومه الروحي يحدثنا عن برودة الابتعاد عن الله وانقطاع الشركة معه (انظر نش2: 10، 11). لهذا فإنهم في جو انقطاع الشركة الحية والخيبة مع الله اتجهوا إلى فينكس[2]"التي معناها القرمز وأرجوان. أو شجر النخيل". تلك الأمور التي اتجهت إليها المسيحية في ذلك الدور، أعني المجد العالمي والملك والعظمة. لكأنهم استبدلوا بأفراح الشركة الإلهية أفراح العالم الزائفة. ويضيف المؤرخ الإلهي بأن هذا الميناء في كريت "الجسدية (carnal)" ينظر نحو الجنوب والشمال الغربيين!
موقع عجيب أن ينظر الميناء نحو الجنوب والشمال[3]معاً. وأعجب منه أن يحاول المسيحي التوفيق بين الأرض والسماء، أو أن تريد المسيحية جمع الدنيا والدين في آن معاً! لكن هذا ما آلت إليه المسيحية في هذا الدور بالأسف.
ثم يقول "فلما نسمت ريح جنوب ظنوا أنهم ملكوا مقصدهم". إن رياح الشمال العاتية تحدثنا عن الاضطهادات (أم25: 23، نش4: 16، حز1: 4). أما الرياح الجنوبية الهادئة الدافئة (أي37: 17، لو12: 55) فتحدثنا بالعكس عن مصادقة العالم للمسيحية "فلما نسمت ريح جنوب" وبدا وكأن الأمور كلها تناصرهم "ظنوا أنهم ملكوا مقصدهم" لكن هل ملكوا فعلاً؟ قال الرسول بولس "ليتكم ملكتم لكي نملك نحن أيضاً معكم" (1كو4: 8). كلاَّ إن الأمر لم يتجاوز مجرد الظن.
إذاً في أول هذه المرحلة من الرحلة أتى المسافرون إلى مكان يقال له "المواني الحسنة" وما هو كذلك. وفي آخرها ظنوا أنهم ملكوا مقصدهم. وكان ظناً في غير محله كما رأينا.
ثالثاً: التحول عن كلمة الله إلى كلام الأكليروس:
"ولما مضى زمان طويل وصار السفر في البحر خطراً، إذ كان الصوم أيضاً قد مضى، جعل بولس ينذرهم قائلاً أيها الرجال أنا أرى أن هذا السفر عتيد أن يكون بضرر وخسارة كثيرة ليس للشحن والسفينة فقط بل لأنفسنا أيضاً. لكن كان قائد المئة ينقاد إلى ربان السفينة وإلى صاحبها أكثر مما إلى قول بولس".
لقد رأى الرسول في السفر ضرراً وخسارة كثيرة ليس للشحن والسفينة فقط بل للمسافرين أيضاً. والشحن يشير إلى الحق، لأن الكنيسة هي مستودع الحق الإلهي والشاهدة له "عمود الحق وقاعدته" (1تي3: 15). أما السفينة فإنها الكنيسة كإناء يشهد لله على الأرض. أوليس هذا ما حدث؟ ما أكبر الخسارة التي لحقت بالحق وبالشهادة في ذلك الدور من تاريخ الكنيسة!.
لكن ما معنى الضرر لأنفس المسافرين؟ ألعله يعني احتمال هلاكهم؟ كلاَّ، فالمؤمن الحقيقي لا يمكن أن يهلك. لكن هناك خسارة على أي حال نراها في الارتباك الذي يحدث للمؤمن في المعاناة التي تصيبه نتيجة فساد التعليم إذ يظل المؤمن في فزع ورعب ويصبح مضطرباً محمولاً بكل ريح تعليم (أف4: 14).
"لكن كان قائد المئة ينقاد إلى ربان السفينة وإلى صاحبها أكثر مما إلى قول بولس". هنا نجد تعبيراً ملفتاً يرد لأول مرة في الرحلة "ربان السفينة وصاحبها". وفي التطبيق: إذا كنا نرى في السفينة صورة للمسيحية كشاهدة لله، فكم هو مؤسف أن يكون هناك شخص يقال له ربان[4]السفينة وصاحب السفينة. لكن في هذا الدور من رحلة الكنيسة وُجد من اعتبر نفسه أو اعتبره الناس رئيس الكنيسة أو صاحبها[5]. وأين المسيح "السيد الوحيد" (يه4) وأين الخضوع له "كما تخضع الكنيسة للمسيح في كل شيء" (أف5: 24) لقد بدأ من ذلك الوقت النداء "اسمعوا لما تأمر به الكنيسة" فضاعت بالتالي كلمات الوحي "من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" (رؤ2: 7، 11، 17، 29، 3: 6، 13، 22). وتحولت الطاعة إلى الأنظمة الرسمية وإلى الأكليروس لا إلى كلمة الله وروحه القدوس!
إن "قول بولس" كما ذكرنا يشير في التطبيق إلى كلمة الله. ومع أنه في هذا الدور تمتعت الكنيسة بالكتاب المقدس مقرراً مقنناً[6]بين يديها. لكن من أقاموا أنفسهم "أو أقامهم البشر" ورؤساء على الكنيسة لم يكن خضوعهم لكلمة الله وحدها بل إلى أقوال أخرى معها.
لم يسمع قائد المئة لكلام بولس (ع11). وهذا يذكرنا بقول الرسول بولس نفسه لابنه تيموثاوس "أنت تعلم هذا أن جميع الذين في آسيا ارتدوا عني" (2تي1: 15). إنهم لم يرتدوا عن الرب بل عن بولس. وهنا أيضاً- في الدور الثالث لرحلة الكنيسة- لم تترك المسيحية المسيح ولم تنكر إيمانه "أي الحقائق اللاهوتية الجوهرية- انظر رؤ2: 13". ودافعت على يد اثناسيوس دفاعاً مجيداً عن لاهوت المسيح ضد بدعة أريوس. لكنها بالأسف تحولت عن كلام بولس وتخلت عن التعاليم السامية التي نادى بها الرسول مثل التبرير بالإيمان، ووحدة جسد المسيح، ودعوة الكنيسة السماوية وغيرها وغيرها....
ولاحظ القول "كان قائد المئة ينقاد إلى ربان السفينة وصاحبها أكثر مما إلى قول بولس". أو أنه رفض الانقياد إليه بصورة مطلقة. بل كان ينقاد إلى ربان السفينة وصاحبها أكثر مما إلى قول بولس. وكانت النتيجة الحتمية لذلك هو التحول عن كلمات بولس نهائياً. لقد كان لدى الربان خبرة في أمور البحر. ولقد احترم قائد المئة تلك الخبرة. وهو نفس ما حدث في تاريخ الكنيسة عندما صارت لخبرة الشيوخ لا لكلام الله المقام الأول.
هذا هو سر الانحراف الخطير في المسيحية اليوم.والانحراف دائماً يبدو صغيراً، في صورة تحول طفيف. لكن الوقت كفيل بأن يجعله انحرافاً هائلاً وخطيراً. هذا ما حدث في تاريخ المسيحية كما نستنتجه من أولى كلمات هذه المرحلة من الرحلة "لما كنا نسافر رويداً أياماً كثيرة". وهكذا على مدى قرون نتج هذا التحول الرهيب عن الحق الكتابي.
"ولأن الميناء لم يكن صالحاً للمشتى استقر رأي أكثرهم أن يقلعوا من هناك (ع12). وهنا نجد طابعاً لظاهرة انتشرت في تلك الحقبة من تاريخ الكنيسة. أعني بها المجامع المسكونية. فلم تكن نتائج تلك المجامع الجماعية. وما كان المجتمعون يخرجون فيها برأي واحد، كما حدث مثلاً في أول مجمع كنسي ورد ذكره في أعمال 15، بل كانوا يأخذون رأي الأغلبية. وليس هذا بعجيب فعندما يُنحى الروح القدس- المرشد الوحيد- جانباً، وتصبح كلمة الله، الكتاب المقدس، مصدراً ثانوياً لا رئيسياً لمعرفة فكر الرب، ويصبح رأي الأساقفة هو المطلوب معرفته، فلا غرابة ألاَّ يخرج الجميع برأي واحد (قارن أع15: 22، 25، 28).
ورأي الأكثرية ليس هو بالضرورة الرأي الصواب. بل إننا إذا تتبعنا كلمة الله سنجد بوضوح أن الأكثرية ما اختارت قط طريق الطاعة للرب. وهو عين ما نره هنا. فرأي الأكثرية كان على النقيض من رأي بولس. ذلك لأن الأكثرية تتبع التقليد لا الحق الكتابي. وآه ما أندرهم اليوم أولئك الذين يهتمون في المقام الأول لا برأي الناس بل "ماذا يقول الكتاب" (رو4: 3، 11: 2).
ثم لاحظ أن هذا الرأي كان رأي الأكثرية لا رأي الكل. وهذا معناه أنه كانت هناك بقية لا توافق رأي الأكثرية الخاطئ، ولم تتبع الكثيرين إلى فعل الشر (خر23: 2). وهو نفس ما نراه في خطاب الروح إلى ملاك كنيسة برغامس (رؤ2: 12- 17). فمع وجود المتمسكين بتعليم بلعام وتعليم النيقولاويين، كانت هناك أقلية مختلفة متمثلة في أنتيباس الشاهد الأمين للحق والذي ختم شهادته باستشهاده ففاز بأن دعاه المسيح "شهيدي الأمين".
ومن المعزي أخيراً أن نلاحظ أنه رغم أن الرحلة لم تتبع رأي بولس ولا عمل المسئولون بكلامه إلاَّ أن بولس نفسه ظل موجوداً في الرحلة ومعه أيضاً أرسترخس "خير حاكم". وفي الدور الخامس والسادس سوف نعود ونستمع إلى بولس. وهكذا مع أنه حدث التحول والانحراف عن الحق بصفة عامة في هذا الدور، لكن في الدور الخامس والسادس حدثت استعادة مباركة للحق كما سنرى في حينه.
قد كنت قبلاً عونَنا ولم تزلْ أيضاً تعين
لذا إليـك كلُنـا ما زلنا دوماً ناظرين
[2] -تعني النخل بحسب دافيدسون وطمسون وبوتس وجاكسون، كما تعني الأرجوان أو القرمز بحسب موسوعة john D. Davis.
[3] -يرى البعض أن الشمال في الكتاب المقدس يرمز إلى عرش الله أو السماء. فلقد أراد الشيطان أن يصعد إلى السماء وأن يجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال (أش14: 13). والجنوب على العكس يرينا صورة للعالم. فلقد ارتحل أبرام ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب. وانتهى به المطاف إلى مصر أي العالم.
[4] -إنه أمر مؤسف أن يكون أول إنسان يختلس مقام رئيس الكنيسة هو الإمبراطور قسطنطين الذي أشرنا إليه فيما سبق، والذي يذكر عنه التاريخ أنه ظل محتفظاً لنفسه بمقام الكاهن العظيم للوثنيين، ولم يتخل عنه قط، ومات وهو حائز على اللقبين معاً: رئيس الكنيسة وكاهن الوثنيين الأعظم (مختصر تاريخ الكنيسة لأندرو مولر ص264).
[5] -نسمع أحياناً بالأسف من بعض رجال الدين من يستخدم مثل هذه التعبيرات: كنيستي أو رعيتي أو شعبي!! مع أن الكنيسة هي "كنيسة الله" (أع20: 28، 1تي3: 5) والرعية "رعية الله" (1بط5: 2) انظر أيضاً مت16: ،يو21: ....الخ.
[6] -اعترف مجمع هبو"Hippo" الذي انعقد عام 393م بقانونية أسفار العهد الجديد.
- عدد الزيارات: 5433