الفصل الثاني: أهمية العمل الفردي
شبه أحد خدام الرب التبشير الجماعي بإنسان يحاول أن يملأ مئة زجاجة بالماء عن طريق رش الماء عليها. أما العمل الفردي فيشبه إنساناً يأخذ كل زجاجة على حدة ويملأها بالماء ويتأكد من امتلائها.
هناك ظاهرة عامة في الكنائس، فعندما يتكلم خادم الرب بكلمة الرب من المنبر كثيراً ما يفتكر السامع أن خادم الرب لا يقصده بل يقصد شخصاً آخر غيره. ولكن عندما تتكلم إلى شخص واحد، فلا مجال للشك في أنك تتكلم إليه هو، وليس لشخص آخر غيره.
حدثنا أحد خدام الرب عن سيدة اسمها "كاترين جونس" كانت عضواً في كنيسة محلية، وكانت فضولية، وثرثارة، تغتاب الآخرين، وقد أحدثت "كاترين جونس" بثرثرتها واغتيابها للآخرين متاعب كثيرة داخل الكنيسة. واجتمع مجلس الكنيسة وطلب من الراعي أن يعد رسالة خاصة قوية عن خطية الثرثرة والاغتياب. وألقى الراعي رسالة نارية عن خطية الثرثرة والاغتياب وكانت "كاترين جونس" تستمع إلى الرسالة باهتمام شديد. وبعد الخدمة أراد أحد الشيوخ أن يعرف مدى تأثير الرسالة على مسز كاترين جونس فتقدم إليها قائلاً: ما رأيك في رسالة الراعي اليوم؟ وابتسمت كاترين جونس وقالت: "مسكينة مسز هيلين ادوارد فقد كانت كل كلمة في الرسالة تنطبق عليها".
مرة تكلمت عن اللسان، وكنت أقصد سيدة معينة طالما أساءت إلى الأخوة والأخوات بكلامها. وبعد انتهاء الاجتماع جاءت إلي هذه السيدة وقالت:" عظتك كانت مباركة جداً لأن بعض الأعضاء يحتاجون إلى مثل هذه العظة.. أنا أعرف الكثيرين منهم". لقد كنت أقصدها بالذات لكنها حولت الرسالة للآخرين ولم تستفد منها شيئاً. من هنا تظهر أهمية العمل الفردي.
والعمل الفردي يعني التعامل مع الأفراد، كل واحد على حدة. وإنجيل يوحنا مليء بالأمثلة عن العمل الفردي.
أمثلة عن العمل الفردي في إنجيل يوحنا.
أندراوس
نقرأ عن أندراوس الكلمات "كان أندراوس أخو سمعان بطرس واحداً من الاثنين اللذين سمعا يوحنا وتبعاه. هذا وجد أولاً أخاه سمعان فقال له قد وجدنا مسيا الذي تفسيره المسيح. فجاء به إلى يسوع فنظر إليه يسوع وقال: "أنت سمعان بن يونا. أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس". (يوحنا 1: 4-24)
أندراوس سمع شهادة يوحنا المعمدان عن الرب يسوع المسيح، وآمن بعد لقائه الخاص مع المسيح بأنه حمل الله الذي جاء لكي يرفع خطية العالم. أو بمعنى آخر أن أندراوس قد قبل المسيح مخلصاً شخصياً لنفسه. وبعد نواله الخلاص "وجد أولاً أخاه سمعان". وكلمة "وجد" ترينا أنه صار يبحث عنه حتى وجده. وأندراوس يرينا هنا أهمية البحث عن الأفراد وربهم للمسيح. ولما وجد أندراوس أخاه سمعان قدم له شهادته الخاصة فقال "وجدنا مسيا الذي تفسيره المسيح" والذي يقوم بالعمل الفردي لابد له أن يجد المسيح لنفسه، ويقبله مخلصاً قبل أن يقدمه للآخرين. ولم يكتف أندراوس بذلك بل جاء بأخيه سمعان إلى المسيح. فلا يكفي أن تشهد للفرد عن المسيح، بل عليك أن تأتي به إليه، وتدع المسيح يتعامل معه.
فيلبس
نقرأ عن فيلبس الكلمات "في الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل فوجد فيلبس فقال له اتبعني. وكان فيلبس من بيت صيدا من مدينة أندراوس وبطرس. فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة. فقال له نثنائيل أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح. فقال له فيلبس تعال وانظر" (يوحنا 1: 43-46).
هذه حالة أخرى نرى فيها اختباراً مختلفاً. ففيلبس وجده المسيح وقال له اتبعني. كان اختباره اختباراً خاصاً مع المسيح دون وسيط.. ولكن السبب في هذا أن فيلبس كان يدرس النبوات الخاصة بمجيء المسيح، وكان يتوقع وينتظر هذا المجيء، ولذا فحين واجه المسيح رأى فيلبس فيه المسيا الذي كتب عنه موسى والأنبياء.
لكن فيلبس بعد أن وجده المسيح، وآمن بالمسيح قلبياً بدأ يعمل عملاً فردياً "فيلبس وجد نثنائيل" وكلمة "وجد" ترينا أنه بحث عنه حتى وجده. إن العمل الفردي يتطلب البحث عن الأفراد لا انتظار مجيئهم إلينا. وكان أسلوب فيلبس في تقديم المسيح لنثنائيل مزدوج. فهو أولاً: قدم شهادته الشخصية تماماً كما فعلى أندراوس مع سمعان أخيه فقال لنثنائيل "وجدنا الذي كتب عنه موسى.. يسوع" وهو ثانياً: أكد أن اختباره يتمشى تماماً مع كلمة الله الواضحة "وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء.. يسوع" (يوحنا 1: 45).
ولعلى فيلبس استخدم هنا في شهادته لنثنائيل النبوة التي نطق بها موسى "يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي. له تسمعون.. أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه" (تث 18: 15و18).
وأخيراً نرى نقطة هامة يجب أن نتعلمها من فيلبس، وهي أنه حين أراد نثنائيل أن يبدأ معه نقاشاً بخصوص المسيح لم يقع فيلبس في الفخ ويندفع إلى النقاش بل قال له بكل ثقة "تعال وأنظر".. إن هدفه كان أن يأتي بنثنائيل إلى الرب يسوع. ويدع الرب يتعامل معه شخصياً.
المرأة التي أمسكت في زنا
هذه حالة عمل فردي من نوع فريد، فالمرأة أحضرها الفريسيون لتُرجم حسب شريعة موسى لأنها أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل. ولكن المسيح جعل من هذا الموقف الذي كان يجب أن تواجه فيه هذه المرأة الموت، طريقاً ليقدم لها الحياة.
لقد انحنى يسوع وكان يكتب بإصبعه على الأرض ثم انتصب وقال لهم "من منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر... وأما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم خرجوا واحداً فواحداً مبتدئين من الشيوخ إلى الآخرين. وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط. فلما انتصب ولم ينظر أحداً سوى المرأة قال لها يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك. أما دانك أحد. فقالت لا أحد يا سيد. فقال لها يسوع ولا أنا أدينك. اذهبي بسلام ولا تخطئي أيضاً" (يوحنا 8: 7-11).
في هذا النص نرى عدة حقائق هامة للعمل الفردي:
أولاً: لقد أكد المسيح له المجد لهذه المرأة الساقطة أن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. فلا أحد يستطيع أن
يُستثنى من هذا الوضع.
ثانياً: بقي يسوع وحده مع المرأة... وأهم ما يجب أن تفعله حين تقوم بالشهادة لشخص يحتاج للخلاص أن
توقفه وجهاً لوجه مع المسيح. أن تجعله يواجه المسيح ويبقى معه وحده.
ثالثاً: أعطاها المسيح غفراناً لخطيتها التي كانت ستؤدي إلى رجمها وموتها.
رابعاً: أعطاها المسيح قوة للحياة الجديدة "اذهبي ولا تخطئي أيضاً" والكلمات لا تعني مجرد أمر، بل تحمل القوة
التي تمكن هذه المرأة من تنفيذ هذا الأمر.
هذه نماذج للعمل الفردي، وسنعالج غيرها في الفصول القادمة.
لكننا نريد التركيز على أن الكتاب المقدس يصرح أن العمل الفردي هو واجب كل مؤمن ومؤمنة. وأنه الطريق الفعال لربح النفوس للمسيح.
إن العمل الفردي هو طريق تلمذة الآخرين للمسيح، والتلمذة هي الطريقة المثلى لنمو الكنيسة.
يكتب بولس الرسول إلى تيموثاوس فيقول "فتقوَ أنت يا ابني بالنعمة التي في المسيح يسوع. وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء إن يعلموا آخرين أيضاً" (2تيموثاوس 2: 1و2).
عليك أن تتقوى بالنعمة التي في المسيح يسوع. كما قال الرب لبولس "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل" (2كورنثوس 12: 9).
ثم عليك أن تتعلم كلمة الله وتفهمها جيداً، وأخيراً عليك أن تودع هذه الكلمة لأناس أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً"
إنها سلسلة متصلة الحلقات
بولس علم تيموثاوس
تيموثاوس عليه أن يعلم آخرين
الآخرين عليهم أن يعلموا آخرين أيضاً وهكذا.
قال أحدهم "إذا ربح مؤمن نفساً للمسيح، وانضم الشخص رجلاً كان أو امرأة إلى عضوية الكنيسة فهذه العملية عملية جمع. ولكن إذا درب المؤمن وتعلم كيف يربح نفوساً للمسيح، وبدوره درب الآخرين الذين يربحهم ليربحوا آخرين فهذه العملية عملية ضرب. وبعملية الضرب تتزايد الأعداد وينمو ملكوت الله."
لقد طالب المسيح من قابلهم وتعامل معهم أن يشهدوا له وعندما خلص المجنون ساكن القبور، من جنون الشياطين، "طلب إليه الذي كان مجنوناً أن يكون معه. فلم يدعه يسوع بل قال له اذهب إلى بيتك وإلى أهلك وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك فمضى وابتدأ ينادي في العشر المدن كم صنع به يسوع. فتعجب الجميع." (مرقس 5: 18-20).
ليتك تدرك قيمة العمل الفردي وفاعليته، وتعزم من اليوم أن تقوم بنصيبك في هذا العمل العظيم.
إمكانية العمل الفردي
يتميز العمل الفردي بأنه أمر ممكن:
1. كل مؤمن يستطيع القيام بخدمة العمل الفردي.
2. العمل الفردي ممكن أن يقوم به المؤمن في كل مكان، وفي كل زمان.
3. العمل الفردي يؤدي إلى نتائج عملية كثيرة.
4. المؤمن الذي يقوم بعمل فردي لربح الآخرين للمسيح يختبر حياة الفرح الدائم في الرب.
5. خدمة العمل الفردي لا تحتاج إلى دراسات لاهوتية في كلية لاهوت أو إحدى صفوف درس الكتاب، لكنها تحتاج إلى أمانة شخصية في درس الكتاب المقدس لمعرفة ما تقوله كلمة الله. وإلى حفظ النصوص الكتابية التي كثيراً ما تستخدم في التعامل مع الأفراد.
6. العمل الفردي ممكن إذا سلم المؤمن ذاته لقيادة الروح القدس، ليقوده إلى النفوس المحتاجة للخلاص، وإلى الكلمات التي ينطق بها (1كورنثوس 2: 1-7).
7. العمل الفردي يجب أن يكون مرتبطاً بحياة الصلاة. فالمؤمن الذي يقوم بعمل فردي سيختبر قوة حياة الصلاة.
مثال فيلبس
في سفر أعمال الرسل الإصحاح الثامن نرى أن فيلبس ربح الوزير الآتي من الحبشة عن طريق العمل الفردي.
والرب نفسه هو الذي كلمه للقيام بهذا العمل العظيم "ثم أن ملاك الرب كلم فيلبس قائلاً قم واذهب نحو الجنوب على الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة.. فقام وذهب. وإذا رجل حبشي خصي وزير لكنداكة ملكة الحبشة كان على جميع خزائنها. فهذا كان قد جاء إلى أورشليم ليسجد. وكان راجعاً وجالساً على مركبته وهو يقرأ النبي أشعياء. فقال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة. فبادر إليه فيلبس وسمعه يقرأ النبي أشعياء فقال ألعلك تفهم ما أنت تقرأ. فقال كيف يمكنني إن لم يرشدني أحد. وطلب إلى فيلبس أن يصعد ويجلس معه. وأما فصل الكتاب الذي كان يقرأه فكان هذا: مثل شاة سيق إلى الذبح ومثل خروف صامت أمام الذي يجزه هكذا لم يفتح فاه.. فأجاب الخصي فيلبس وقال أطلب إليك عن من يقول النبي هذا عن نفسه أم عن واحد آخر. ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع." (أعمال 8: 26-35).
في هذا النص نرى فاعلية وأسلوب العمل الفردي.
أما عن فاعلية العمل الفردي فهذا واضح من أمر الرب نفسه لفيلبس. لقد كان فيلبس يقود نهضة قوية في السامرة ولكن الرب أمره أن يترك هذه النهضة ليقوم بعمل فردي مع نفس محتاجة للخلاص.. مع الوزير الآتي من بلاد بعيدة، وهو في طريقه إلى بلاده.. إلى الحبشة.
ونرى أن فيلبس كان تحت قيادة الروح القدس طول الوقت "فقال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة" ونرى أن الوسيلة التي استخدمها الروح في العمل الفردي كانت هي كلمة الله.
ونرى أن الصليب كان هو مركز كرازة فيلبس للوزير الحبشي. وأخيراً نرى أن فيلبس لم يترك الوزير الحبشي إلا بعد أن تأكد من إيمانه بالمسيح ابن الله. أي بعد أن تأكد من نواله الحياة الجديدة، والحياة الأبدية كما قال يوحنا الرسول "وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب، وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه." (يوحنا 20: 30و31).
لقد ربح فيلبس الوزير بالعمل الفردي، بتقديم المسيح المصلوب الذي تنبأ عنه أشعياء النبي، وختام القصة يرينا مدى فاعلية الكلمة المقدسة في العمل الفردي "وفيما هما سائران في الطريق أقبلا على ماء. فقال الخصي هو ذا ماء. ماذا يمنع أن أعتمد؟ فقال فيلبس إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز. فأجاب وقال أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله. فأمر أن تقف المركبة فنزلا كلاهما إلى الماء فيلبس والخصي فعمّده" (أعمال 8: 37و38).
فليتك تتعلم كيف تتعامل مع الأفراد لقيادتهم للمسيح. فنمو الكنيسة، واتساع ملكوت الله يتوقف على اهتمام المؤمنين بالعمل الفردي.
- عدد الزيارات: 12441