استعداد للعمل الفردي
متى اقتنعنا بعدم إهمال العمل الفردي كأفضل وسيلة لربح النفوس فلنبدأ الآن في الاستعداد له ولكني أسمع أحدكم يهمس في أذني قائلاً "وهل يحتاج العمل الفردي إلى استعداد؟ فالوعظ يحتاج إلى استعداد أما العمل الفردي فلا يحتاج إلى أي مجهود". يقول فلتشر أن العمل الفردي يتطلب تكريساً أعمق وجلاء أكثر مما يتطلب إلقاء المواعظ ويقول بوسويه الواعظ الفرنسي الشهير "تحتاج إلى إيمان وشجاعة لتقول كلمتين وجهاً لوجه لخاطئ واحد في المقعد أكثر مما تحتاج في توبيخ ألف سامع من المنبر" وهنا لنقف متسائلين:
كيف نستعد للعمل الفردي؟
في العمل الفردي نحن نعمل مع أفراد من الناس ونعرفهم بالله ونرشدهم إلى ذلك بالكتاب فنحتاج أن نستعد لهذا العمل العظيم بمعرفة ثلاثة أمور وهي الناس والكتاب والله قيل أن واعظاً كان عليه أن يخاطب ابنه في حفلة رسامته فوجه إليه هذه النصيحة المثلثة "كن قريباً من الناس- كن قريباً من الكتاب- كن قريباً من الله- فتستطيع أن تقرب الناس إلى الله وهذا هو غرض الخدمة" فهذا أفضل استعداد ثلاثي للخدمة الرابحة.
(1) اعرف الناس.
يقول مودي "لكي تعرف شخصين ببعضهما يجب أن تعرف كليهما فرابح
النفوس لا يجب أن يكون له فقط معرفة متينة شخصية بالله ولكن أيضاً بالشخص الذي يبغي أن يقوده إلى الخلاص" ففي عالم التجارة التاجر الناجح رابح الفلوس هو الذي يعرف الطبيعة البشرية ويفهم كيف يؤثر على عقول الناس ويختلط بهم ويجتذبهم إليه وهكذا رابح النفوس عليه أن يعرف من شعر منهم بالله ويمتزج بهم ويعاشرهم ويقوي روابط الصداقة بينه وبينهم فالمسيح ربح كثيرين لأنه كان صديقاً للعشارين والخطاة ولذا كانوا يدنون منه ليسمعوه حتى قيل عنه هذا يقبل خطاة ويأكل معهم وبولس قد اندمج مع الناس حتى صار مثلهم ليربحهم للمسيح فيقول "صرت لليهود كيهودي لأربح اليهود وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس لأربح الذين بلا ناموس- صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء" فأعرف أشخاصاً كبولس على اختلاف أنواعهم وأشكالهم ومذاهبهم وأديانهم فلا تقتصر على معرفة نوع واحد بل اعرف الجميع وكن ذا شخصية جذّابة للناس.
(2) اعرف الكتاب.
لقد قدم اسبرجن الواعظ المعروف نصيحة ذهبية لتلاميذه في كلية اللاهوت
"كونوا قريبين دائماً من الحق الخلاصي في الكتاب" ويقول بولس عن صفات الأسقف أن يكون ملازماً للكلمة الصادقة. في قصة الوزير الحبشي التي هي نموذج للعمل الفردي أع8: 35 نرى السائل المهتم وهو الوزير الحبشي والعامل الفردي وهو فيلبس ونسخة من الكتاب وهي سفر اشعياء ففيلبس كان يعمل قليلاً مع الوزير الحبشي لو لم يكن معه نسخة من الكتاب أمامه فقيل "وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع" فهل تعرف كيف تستعمل الكتاب في قيادة الخاطئ إلى المسيح كفيلبس.
يقول توري توجد أربعة أشياء في الكتاب التي يجب أن يعرفها كل شخص يرغب أن يكون رابحاً للنفوس.
(أ) يجب أن يعرف كيف يستعمل كتابه ليري الآخرين حاجتهم إلى مخلّص.
(ب) يجب أن يعرف كيف يستعمل كتابه ليريهم أن المسيح هو هذا المخلّص الذي يحتاجون إليه.
(ج) يجب أن يعرف كيف يستعمل كتابه ليريهم كيف يقبلون هذا المخلص لأشخاصهم.
(د)يجب أن يعرف كيف يستعمل كتابه لحل كل الصعوبات التي تقف حائلاً بين الخاطئ والمسيح.
فهل لنا إلمام تام كخدام وأعضاء بهذه الأمور الأربعة الهامة في العمل الفردي.
إن أعظم كتاب يعلمنا كيف نربح النفوس هو الكتاب المقدس فقد قال عنه بولس لتيموثاوس "وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع. كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" 2تي3: 15-17. فهل يوجد عمل صالح يعدنا له الكتاب نظير ربح النفوس ففيه نرى كيف ربح المسيح نفس الإمرأة السامرية وكيف حادث نيقوديموس وجذب زكا العشار وفيه ندرس الآيات الخلاصية التي تناسب الخطاة والثابتين والمرتدين والفاترين والمهملين وغير المؤمنين.
يوجد خدام فصحاء ومقتدرون ولكنهم لا يربحون نفوساً وذلك لأنهم لا يعرفون الكتاب كما يجب بينما يوجد خدام بسطاء لم يتخرجوا من كلية لاهوتية ولكنهم يربحون نفوساً لأنهم يفحصون الكتب فمودي الواعظ الشهير لم يتخرج من مدرسة ثانوية ولكن لأن معرفة عجيبة بالكتاب المقدس فقد استعمله الله لربح نفوس عديدة فأعظم رابحي النفوس كانوا من البيروتانيين وسر نجاحهم في الخدمة هو لأنهم كانوا من الصباح إلى المساء يدرسون الكتاب فهل أنت تلميذ للكتاب هل أنت رابح نفوس؟ يقول الأسقف مول "اعرف كتابك كما يعرف الإنجليزي عاصمة بلاده لندن ونحن نقول اعرف كتابك كما يعرف المسلم قرآنه واليهودي توراته ويقول ملاخي "لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لأنه رسول رب الجنود 2: 7.
(3) اعرف الله
اعرف الناس- اعرف الكتاب- اعرف الله وكن قريباً من المسيح فلا تقدر أن تستعد لربح النفوس فردياً بمعرفة الناس أو الكتاب فقط بل بمعرفة الله معرفة شخصية متينة وقوية فكيف تقدم شخصاً لآخر لا تعرفه وليس لك علاقة متينة معه ورابح النفوس يقدم الخاطئ إلى المسيح فيجب أن تكون له معرفة جيدة بالمسيح كمخلص وأن يتأكد من تجديده وميلاده الثاني قبل أن يسعى في خلاص غيره فباكتر يقول "يوجد كثيرون من الخدام وغيرهم ينادون بالخلاص وهم غير مخلصين وبالتجديد وهم غير متجددين. إن أردت أن تربح النفوس ليكن لك شركة عميقة مع المسيح حتى تقود الآخرين إليه فاصنع إليه وهو يناديك هلم ورائي فأجعلك تصير صياد الناس وادخل مدرسة المسيح وهو يعدك لصيد الناس كما أعد أندراوس الذي مكث معه يوماً فخرج وهو يعرف كيف يربح أخاه بطرس وكما فيلبس لربح نفس الوزير الحبشي لأنه كان في شركة مع الروح وكما أعد بطرس لربح ثلاثة آلاف نفس لأنه كان ممتلئاً بالروح.فعش في شركة مستمرة مع المسيح وحينئذ يكون حولك جو روحي جذاب للنفوس ولا تتحدث عن الخدمة الروحية الفضلى أيام الآحاد بينما تعيش الحياة السفلى باقي أيام الأسبوع بل كن قريباً من الله على الدوام فيبارك كل خطوة من خطواتك في الخدمة ويتقدم أمامك في كل حديث وزيارة فيعدك للكلام كما يعد الشخص الذي تتحدث معه بل يرشدك بروحه إلى من تتحدث معه كما أرشد فيلبس ولكي تحفظ شركتك مع الله بدون انقطاع عليك أن تعيش بالقداسة وتترك كل خطية وتكرس نفسك تماماً للرب فالله لا يستعمل إلا الأواني الطاهرة المقدسة فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح ويقول إشعياء تطهروا يا حاملي آنية الرب. وعندما نتفرغ تماماً نمتلئ بقوة الروح والامتلاء بالروح هو خير استعداد لربح النفوس بواسطة العمل الفردي كما يقول السيد "ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً (أع1: 8).
في مؤتمر كهذا بمدينة نورثفيلد سنة 1895 بعدما ألقى ترمبل الواعظ خطاباً عن العمل الفردي قاد المؤتمر في الصلاة شاب يدعى ستد وهنا يسجل ترمبل هذه الكلمات "شعرت أن السماء فتحت فوقنا وكنا وجهاً لوجه مع محب النفوس ومخلصها فأثرت في حياتي قوة تلك الصلاة وقلت في نفسي من له قوة مع الله لأجل الناس لا بد أن له قوة مع الناس لأجل الله" فهل لنا قوة الصلاة في الروح في العمل الفردي؟ ونقل مع بولس أعظم رابح للنفوس.
"لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته".
- عدد الزيارات: 3828