Skip to main content

إهمال العمل الفردي

إذا كان العمل الفردي أفضل وسيلة منتجة ومؤثرة لربح النفوس فلماذا يهمله الكثيرون. أفلا نشعر نحن الخدام قبل الأعضاء بأننا أهملنا هذا الواجب الخطير في خدمتنا في أورشليم أي في دائرة البيت والعائلة وفي اليهودية والسامرة أي بين الجيران والأصدقاء وفي أقصى الأرض بين البعيدين وغير المؤمنين. قيل أن شخصاً أصيب بمرض عضال فكان صديقه يزوره ويواسيه في غالب الأحيان ويتحدث معه في أمور شتى ولما اشتد المرض عليه وقبل أن يلفظ الأنفاس الأخيرة قال لصديقه بصوت خافت متهدج "لقد حدثتني عن أمور عالمية كثيرة فلماذا لم تكلمني عن خلاص نفسي. إني سأموت الآن ودمي يطلب منك لأنك أهملت ربح نفسي للمسيح" ألا ينطبق هذا القول على كثيرين من المسيحيين اليوم وهنا لنقف متسائلين لماذا نهمل هذا العمل العظيم وإني أذكر لكم ثلاثة أسباب هامة:

(1) هناك سبب خارجي وهو الشيطان. فالشيطان يمنع المؤمن من التكلم عن

المسيح فردياً مع أنه لا يمنعنا عن الوعظ للجمهور فيهمس في آذاننا أنه الآن ليس وقتاً مناسباً للكلام ويجاهد في منعنا عن الشهادة لأنه يرى في العمل الفردي أفضل طريقة لهدم حصونه وتقويض أركان ملكوته وتخليص النفوس الهالكة من قبضة يده. يقول ترمبل الذي مارس العمل الفردي مدة خمسين عاماً "كان لي فرص كثيرة لأحادث ألوفاً من الناس ولكن في كل مرة كنت أشرع في الكلام مع أحد الأفراد أرى الشيطان ماثلاً أمامي يجاهد في تعطيلي ذاكراً أن هذا يضر بمصلحة هذه النفس إذا حدثتها الآن فيشير علي بالتأجيل وقد نجح في منعي عن الشهادة لسيدي عدة مرات" فلا تعطوا إبليس مكاناً- قاوموه فيهرب منكم.

(2) وهنا سبب داخلي فينا يقودنا إلى الإهمال وهو الفتور والانشغال فلا شيء يلجم ألسنتنا عن الكلام مع الخطاة نظير الفتور في الحياة الروحية والانهزام أمام الخطية فعندما نعثر في الصلاة وتنقطع شركتنا مع الله نهمل الشهادة للمسيح أمام الأفراد وبالعكس عندما نمتلئ بروح الغيرة والانتعاش نتكلم بكلمة الله بكل مجاهرة ونؤدي الشهادة بقوة وتأثير كما كان يفعل الرسل فلنكن دائماً في روح الصلاة وفي الصلاة في الروح فنسمع صوت الروح ينادينا قائلاً "تقدم ورافق هذه المركبة".

قيل أن شاباً بينما كان يعمل في مصانع الصلب والحديد في مدينة شفيلد في

إنكلترا قد سقط على لوح من الصلب محمي بالنار الملتهبة فاحترق جسمه من الداخل وأصبحت حياته في خطر الموت وهنا صرخ رفقاؤه بصوت عال "أحضروا الطبيب". أحضروا الطبيب لإسعافه و لكن هذا الشاب المتألم صرخ قائلاً "لا يهمني أن تستدعوا الطبيب ليعالج جسمي بقدر ما يهمني أن يخبرني أحدكم كيف أحصل على خلاص نفسي وها أنا الآن أموت بدون مسيح- بدون خلاص- بدون إله- هل يوجد أحد بينكم الآن يستطيع أن يسعفني روحياً" ومع أنه كان يقف حوله نحو ثلثمائة رجل من العمال فلم يوجد أحد بينهم ليخبره عن طريق الخلاص وبعد ما مرت عليه عشرون دقيقة وهو يتوجع من شدة الألم مات بدون رجاء فأحد الرجال الذين شاهدوا هذه الحادثة الأليمة وسمع صراخ هذا الشاب المسكين قال "لقد سمعت أنين هذا الشاب المحترق وصرخاته المؤلمة وكنت أود لو أخبرته عن يسوع المخلص ولكن بكل أسف اعوجاج وفتور حياتي قد أغلق شفاهي" فيا ليت الله يجعلنا في حالة روحية مقدسة لنكون مستعدين على الدوام لنخبر الآخرين عن طريق الخلاص الثمين.

ومن جهة أخرى نرى الانشغال مانعاً عن القيام بواجب العمل الفردي فالخادم منشغل في الاستعداد للوعظ العلني فيصرف ساعات طويلة في إعداد عظة صباح الأحد جاعلاً هذه العظة الرسمية غرضاً له في خدمته ناسياً أن وراء العظة نفس ذلك الفرد الذي يجب أن يربحه للمسيح- لقد عظمنا العظة فوق ما ينبغي فهل ننظم العمل الفردي وتخليص النفوس مسترشدين بقول بوندز عن الخدام "نحن لسنا صانعي عظات ولكننا صانعو رجال ورابحو نفوس" فهل تنشغل أيها الواعظ عن الغاية بالوسيلة وهل تجعل غايتك كذلك خلاص النفوس قائلاً معه "صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوماً" إن الكنيسة الإنجيلية في العالم وفي البلاد العربية قد عظمت الوعظ العلني فهذا أحسن ومفيد ولازم ولكنها في مسيس الحاجة لتشدد وتنبر على العمل الفردي فيصرف طالب اللاهوت ثلاث سنوات في تعلم طرق العمل الفردي فيا ليت يدرس للطلبة في كليات اللاهوت كتاب توري أو ترمبل عن العمل الفردي فتخرج خداماً يلمون بأعظم علم بين العلوم اللاهوتية وهو علم ربح النفوس الذي يجب أن يدرسه جميع أعضاء الكنيسة فتصبح الكنيسة رابحة وعاملة وناهضة. قرأت عن خادم يهتم بالعمل الفردي أنه زار طالباً في إحدى مدارس اللاهوت بأميركا فبينما هو في غرفة الانتظار شعر بوجوب انتهاز الفرصة وإشغال الوقت بالحديث مع فرّاش المدرسة عن خلاص نفسه فوجده في حاجة إلى المساعدة الروحية وقادة إلى المخلّص وقد علم منه أثناء الحديث أنه لم يتحدث معه أحد الطلبة كل هذه السنين عن خلاص نفسه فكانوا منشغلين في استعداد للوعظ العلني عن ممارسة العمل الفردي.

لقد انشغلنا كخدام بالعمل بين المسيحيين وبزيارتهم والصلاة لأجلهم وقينا البعيدين وغير المؤمنين- لقد أنشلنا بخدمة التسعة والتسعين في الحظيرة والكنيسة ونسينا الخروف البعيد الضال وأهملنا التفتيش عليه بين التلال وعلى الجبال فبإهمالنا هذا الخروف الضال نحن نكسر أهم وصية للمسيح القائلة "اذهبوا إلى العالم أجمع وتلمذوا جميع الأمم" ولنسمع صوت المسيح الآن ينادينا في هذا المؤتمر قائلاً "لا تخف بل تكلم ولا تسكت لأني معك ولا يقع بك أحد ليؤذيك لأني لي شعب كثير في هذه المدينة وفي هذه البلاد".

(2) وهنا سبب ثالث في العمل نفسه. فالبعض يهملون العمل الفردي لأنهم

يرونه حقيراً وفقيراً بالنسبة إلى الوعظ وأنه عمل غير ظاهر أو جذاب لأنه يعمل في زاوية فلا يكتسب صاحبه صيتاً أو شهرة ولكن ألا تعلم أن المسدسات الصغيرة والهادئة ذات الصوت الخافت تقتل أناساً أكثر مما تقتل المدافع التي تحدث دوياً في الفضاء كالرعد القاصف هكذا العمل الفردي الصامت الهادئ يخلص نفوساً أكثر من الوعظ المرعد. قال واعظ كبير لخادم صغير "ربما يكون هذا أمر تافه وصغير عندك أن تتحدث مع فرد عن المسيح ولكن لا تنسى أن هذا أمر عظيم وكبير عند المسيح فهو يقدر الخدمة الفردية قائلاً "بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم" فلا تحتقر يوماً الأمور الصغيرة فربما نفس واحدة تربحها يستعملها الله لجذب ألوف من النفوس كما استعمل بطرس ومودي وكيف ننجو إن أهملنا عملاً فيه خلاص لكثيرين هذا مقداره.

  • عدد الزيارات: 9622