العمل الفردي أفضل وسيلة لربح النفوس الثمينة
قد يسأل البعض ما هو العمل الفردي؟ فليس هو دعوة شخص إلى الكنيسة لحضور الاجتماعات أو إلى مطالعة الكتاب أو إلى مطالعة الكتاب أو إلى ممارسة الصلاة أو إلى الانضمام لعضوية الكنيسة ولكن هو الإتيان بشخص خاطئ إلى المسيح ليخلص ويتجدد.
فأندراوس هو أول رسول للعمل الفردي وأول من مارس العمل الفردي إذ قيل عنه "جاء به إلى يسوع" أي بأخيه سمعان فالعمل الفردي إذاً هو أن يأتي فرد بفرد آخر إلى المسيح وهذه الطريقة هي أفضل وسيلة لربح النفوس الثمينة ولكن قد يقول أحدهم هذه طريقة بطيئة- أفلا ترى أنه بعظة واحدة قد ربح بطرس ثلاثة آلاف نفس ولكن هل تنسى أيها القارئ إن خلاص هذه الألوف كان متوقفاً على العمل الفردي- على حديث أندراوس الفردي مع أخيه بطرس فأين يكون بطرس بعظته المؤثرة يوم الخمسين لو لم يكن أندراوس قد أتى بأخيه إلى المسيح بواسطة العمل الفردي فلا يذكر الكتاب أن أندراوس ألقى عظة واحدة في حياته وإذا كان قد وعظ فالروح القدس لم يرَ لذكر ذلك أهمية كبرى ولكن قد رأى أن يذكر عمل أندراوس الفردي ليرينا طريقاً أفضل لربح النفوس فما أعظم نتائج العمل الفردي في العصر الرسولي, وأيضاً في عصرنا الحديث فأين يكون مودي اليوم الذي أنهض قارتين روحياً وربح نحو نصف مليون نفس للمسيح لو لم يربح نفسه معلم بمدرسة الأحد في مدينة بوسطن يدعى إدوارد كمبل بواسطة العمل الفردي فمن هذا يتضح جلياً أن بطرس ومودي لم يربحا للمسيح بتأثير عظة ألقيت على جمهرة من السامعين ولكن عن طريق العمل الفردي لا يجلب مدح الناس و تعظيمهم كالوعظ العلني ولكن هو العمل الذي يمدحه الله ويعظمه الله.
أليست هذه طريقة المسيح كما يظهر لنا من دراسة العهد الجديد الذي نرى فيه تاريخاً للعمل الفردي فالمسيح يبدأ خدمته بالعمل الفردي عندما دعا أندراوس ويوحنا على انفراد قائلاً لهما تعاليا وانظرا فأتيا ونظرا أين كان يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم يوحنا 1: 39 ثم دعا فيلبس على انفراد قائلاً له اتبعني. ادرس في الأناجيل الأربعة كيف كان المسيح يؤثر على الأفراد- كيف ربح نفس السامرية وزكا ونيقوديموس والشاب المجنون والأعمى والمفلوج وغيرهم من الذين شفاهم فردياً وخلص نفوسهم روحياً فعمل المسيح التبشيري بين الجماهير لم يعطل عمله العظيم بين الأفراد فيوماً ما ترك الجمهور وراءه لأجل الفرد لكي يدخل بيت زكا ويخلصه على إنفراد فهذه غاية مجيئه إلى العالم أن يطلب الفرد ويخلص ما قد هلك. ألا ترى أن الأمة المبرحة على الصليب لم تبطل عمله الفردي فآخر عمل أتاه هو ربح فرد هو نفس اللص التائب على الصليب فمن بدء حياته في الناصرة إلى نهايتها على الصليب نرى محبة المسيح لربح نفوس الأفراد وهو في السماء الآن يفرح بخلاص نفس الفرد " بخاطئ واحد يتوب " فالمسيح يعلمنا قيمة نفس الفرد في مثل الخروف الضال والدرهم المفقود.
وعلى هذه الطريقة نهج التلاميذ فقد أدركوا قيمة العمل الفردي فأندراوس كما ذكر جاء بأخيه بطرس قائلاً قد وجدنا مسيا الذي تفسيره المسيح, وفيلبس عندما دعي شعر بمسؤولية نحو نثنائيل ولم يسترح إلا لما ربح هذا التلميذ الجديد للمسيح و ألا نقرأ في سفر أعمال الرسل أن حنانيا تلميذ دمشق ربح نفس شاول المتأثر وأرشده على انفراد إلى المسيح وبولس بعدما تجدد بدأ يربح نفوس الأفراد كتيموثاوس وأنسيمس والسجان وغيرهم.
وهكذا امتدت هذه الطريقة الرابحة إلى الكنيسة في العصر الأول فالذين تشتتوا من جرّاء الاضطهاد جالوا مبشرين بالكلمة ففيلبس ربح نفس الوزير الحبشي بواسطة العمل الفردي وفي عصر يعقوب أدرك المسيحيون الأولون قيمة العمل الفردي بل مارسوه عملياً كما يظهر في رسالة يعقوب 5: 19 " أيها الأخوة إن ضلّ أحد بينكم عن الحق فرده أحد فلم يقل خادم أو واعظ أو مراسل أو وارع ولكن أحد من الأخوة وهكذا نمت هذه الروح وتغلغلت في الكنيسة المسيحية ".
يقول جبون المؤرخ الشهير " لقد كان واجباً مقدساً على كل متجدد أن يتحدث مع أصدقائه عن بركات الخلاص العظيمة التي حصل عليها " ويحدثنا كارليل عن كيفية انتشار المسيحية في العالم فيقول أنها لم تنتشر بإقامة المعاهد الدينية والمنشآت والمؤسسات الاجتماعية ولكنها انتشرت من نفس إلى نفس ومن قلب إلى قلب ومن فرد إلى فرد.لقد قال أحد التابعين للبابا عن جماعة الولدنيين الإنجيليين في شمال إيطاليا في القرن الثالث عشر أنه بعدما يتجدد الفرد منهم بسبعة أيام يكون قد ربح شخصاً آخر وبهذه الطريقة كثر عددهم وازداد وفي منتصف القرن التاسع عشر قام رجل يدعى هنري كلاي ترمبل قد أشرت إليه في بلاء كلامي منادياً بطريقة العمل الفردي كأفضل وسيلة لربح النفوس في أميركا وفي إنكلترا قد تأسست جمعية للعمل الفردي سنة 1890 تدعى واحد بواسطة الآخر وقد ربحت كثيرين للمسيح ولها فروع في أنحاء شتى من العالم وهنا قد أوردت لكم خلاصة موجزة لتاريخ العمل الفردي في مدى عشرين قرناً فهل نجرب هذه الطريقة في العالم العربي في منتصف القرن العشرين.
ولنسأل الآن لماذا العمل الفردي أفضل وسيلة لربح النفوس؟ وإجابة لهذا السؤال أذكر لكم بكل إيجاز خمسة أسباب.
أولاً: لأنه بمتناول كل شخص ويمكننا جميعاً القيام به. فلا يمكن لكل واحد أن يعظ أو يرنم أو يعلم في مدرسة الأحد ولكن يمكن لكل متجدد صغيراً كان أم كبيراً جاهلاً أو عالماً ذا مواهب أو بلا مواهب أن يشهد عن مخلصه الذي وجده حتى المريض في البيت يمكنه القيام بالعمل الفردي فليس كل صياد يستطيع الصيد بالشبكة ولكن كل فرد يقدر أن يصطاد بالصنارة حتى الصبي الصغير ومن هذا يتضح أنه ليس في مقدور كل شخص أن يستعمل شبكة الوعظ بل يمكن لكل مسيحي متجدد أن يربح النفوس بصنارة العمل الفردي.
ثانياً: لأنه لا يمكن القيام به في كل وقت: يقول بولس "عظ في وقت مناسب وغير مناسب" فلا يمكنك أن تعظ أمام الجماعة في كل وقت بينما تستطيع أن تعمل عملاً فردياً 365 يوماً في السنة وفي أية ساعة من اليوم نهاراً أم ليلاً- قيل عن مودي الواعظ الشهير أنه عزم ألا يدع يوماً يمضي دون أن يتكلم مع شخص واحد على الأقل عن قبول المسيح مخلصاً ففي أحد الأيام كان مشغولاً لدرجة أنه نسي أن يتكلم مع شخص عن المسيح وفي ذلك اليوم وصل إلى المنزل متأخراً في المساء فخلع ملابسه وأوى إلى فراشه وكاد ينام وهنا تذكر أنه لم يتحدث مع أحد حديثاً خلاصياً فقال في نفسه لا فائدة من الخروج في هذا الوقت المتأخر من الليل وغالباً لا أجد شخصاً سائراً في الطريق الآن ولكنه لم يستطع أن ينام فقام ولبس ثيابه وخرج إلى الباب فرأى المطر ينزل بشدة وفي تلك اللحظة سمع وقع أقدام رجل يسير في الشارع حاملاً مظلة على رأسه فخرج إليه مسرعاً وطلب إليه قائلاً هل يمكن أن أحتمي بمظلتك من المطر فأجابه الرجل مرحباً نعم وبدأ مودي يتجاذب معه أطراف الحديث وحينئذ قال له "هل لك ملجأ في وقت الزوبعة" وهنا بشّره بالمسيح كملجأ من السيل. فيا ليت لنا هذه الغيرة في العمل الفردي فلا ندع يوماً يمر من حياتنا دون أن نشهد للمسيح على الأقل أمام شخص واحد وننتهز كل فرصة للتحدث عنه سواء كنا في القطار أو الترام في السيارة أو الطيارة في المكتب أو الدكان بل في كل مكان وبذا يمكننا أن نربح ألوفاً من النفوس في كل عام.
ثالثاً: لأننا به نصل إلى كل نوع من الناس فيوجد البعض الذين لا يمكن أن تصل إليهم عن طريق الوعظ العلني لأنهم لا يحضرون اجتماعات الكنيسة العامة أو الخاصة في أسابيع النهضة ولكن بالعمل الفردي تصل إليهم سواء كانوا على فراش المرض أو الموت أو في حمأة الخطية والشهوات منغمسين فالكافرين والمستهترون والماديون والمهملون لا يأتون إلى الكنيسة ولكن يمكنك أن تذهب إليهم فبالعمل الفردي استطاع قسيس أميركي أن يصل إلى نفوس زعماء النازي فتجدد على يده ريبنتروب وكيتل رئيس قوات الدفاع الألماني وريدار قائد الأسطول وغيرهم من زعماء الألمان وبالعمل الفردي تستطيع أيها القارئ أن تصل إلى نفوس غير المؤمنين وتربحها للمسيح.
رابعاً: في العمل الفردي نجد أفضل وسيلة مؤثرة في السامعين فهي تنجح بينما كل طريقة أخرى تفشل. يقول توري رأيت أناساً لا يتأثرون أو يتحركون بعظات أقدر الواعظين ويخرجون بدون تأثير مما سمعوه ثم رأيت بعض أعضاء الكنيسة العاملين يذهبون بعد الاجتماع الديني فوراً ليقابلوا هؤلاء الأشخاص الذين لم يتأثروا من عظات مودي القوية وفي مدى ربع ساعة تصرف معهم في الحديث الفردي الروحي يسلمون ذواتهم للمسيح, فالعمل الفردي بواسطة أناس مكرسين ينجح ويثمر بينما عظة أقدر الواعظين تعجز وتفشل فلا يهم من هو الواعظ فكل عظة يجب أن تتبع بالعمل الفردي.
إن الحديث مع شخص واحد إذ تكلمه عيناً لعين وقلباً لقلب هو الذي يؤثر في النفس ففوائد العظة تقسم على عدد السامعين فإذا كان لديك مائة سامع يستفيد واحداً في المائة وإذا كان لديك عشرون سامعاً فكل شخص يستفيد خمسة في المائة وإذا كان لديك عشرة من السامعين فكل يستفيد عشرة في المائة وإذا كان أمامك سامع واحد فهو يستفيد مائة في المائة. قال هنري وارد بيتشر الواعظ المشهور بأميركا "كلما أتقدم في العمر كلما أقتنع بتأثر العظة التي يلقيها شخص واحد لفرد واحد كعظة المسيح للمرأة السامرية" التي كان تأثيرها ونتيجتها مائة في المائة.
خامساً: في العمل الفردي نرى أفضل وسيلة منتجة لربح النفوس بعد خمسين سنة قضاها ترمبل في العمل الفردي قال أنه ألقى عظات كثيرة على جماهير غفيرة تتراوح بين خمسة عشر وخمسة آلاف سامع وكان يحرر مجلة دينية يشترك في مطالعتها نحو مئة ألف قارئ وقد ألف نحو ثلاثين كتاباً دينياً وبعد كل هذه المجهودات يحدثنا عن اختباره الشخصي فيقول "إني رأيت نتائج أفضل من حديثي مع الأفراد مما رأيت من عظاتي التي ألقيتها على ألوف السامعين وكتبي الدينية التي انتشرت بين الكثيرين" إن محاضرة قيّمة عن فوائد التأمين على الحياة لا تؤثر في السامعين كي يؤمنّوا على حياتهم في شركات التأمين بقدر ما تؤثر زيادة فردية من وكيل الشركة للشخص الذي يراد التأمين على حياته وفي معارك الانتخابات البرلمانية لا تؤثر الخطب الحماسية في المنتخبين بقدر ما تؤثر زيادة المرشح للانتخابات لكل منتخب على انفراد فالعمل الفردي حتى في دوائر الأعمال الدنيوية أكثر إنتاجاً ونفعاً وتأثيراً فلماذا لا نجربه في خدماتنا الدينية وفي ربح النفوس فالأشخاص الذين يخلصون بالعمل الفردي أفراداً أكثر من الذين يخلصون بالوعظ جملة.قال ستيوارت مولدن الواعظ الكبير "إني أزداد اعتقاداً واقتناعاً يوماً بعد آخر بأن حلّ مشكلة ربح العالم للمسيح يتوقف على طريقة العمل الفردي فالمؤتمرات الروحية والاجتماعات الانتعاشيّة تعمل شيئاً ولكن العمل لا يكمل والعالم لا يربح بجملته للمسيح إلا لما كل نفس خلقت تربح نفساً أخرى بالعمل الفردي" نحن هنا في هذا المؤتمر يبلغ عددنا نحو مئة خادم فلنفرض أن كلامنا ربح نفساً في الأسبوع ففي آخر السنة نكون قد ربحنا خمسة آلاف نفس للمسيح ولو أن كل نفس من هذه الخمسة آلاف تربح شخصاً واحداً في السنة وهكذا كل نفس تخلص تربح أخرى فبعد عشرة أعوام نكون قد ربحنا مليونين ونصف للمسيح وبعد ثلاثة عشر عاماً نكون قد ربحنا عشرين مليوناً وهكذا تكون مصر كلها للمسيح. إن مصر لا تربح للمسيح بواسطة التبشير العلني ولكن بالعمل الفردي إذا كان كل مسيحي حقيقي يعمل لربح آخر فهل نجرب الآن هذه الطريقة المنتجة ونبدأ العمل بجد ونشاط وغيرة واجتهاد. إن مفتاح مشكلة التبشير بأيدينا فهل نجربه في فتح الأبواب المغلقة فقد يغلق في وجوهنا باب التعليم أو باب التبشير العلني بعد حين ولكن لا يمكن أن يغلق باب العمل الفردي فهو الباب المفتوح على الدوام فلندخل منه ناظرين إلى يسوع الذي يخاطبنا اليوم قائلاً "هانذا قد جعلت أمامك باباً مفتوحاً ولا يستطيع أحد أن يغلقه" فاليوم يوم بشارة ولكن نحن ساكتون.
- عدد الزيارات: 6012