Skip to main content

6- العقائد الخاصة بالعشاء الرباني

رأينا فيما سلف أن العشاء الرباني عظيم في بساطته وبسيط في عظمته, لكن مما يؤسف له كثيراً أننا اختلفنا من جهته اختلافاً كبيراً كما ذكرنا في المقدمة. ويرجع السبب في ذلك إلى أن فريقاً منا أخذ حديث المسيح (الذي ذكرناه في الفصل الرابع) عن هذا العشاء بالمعنى الحرفي أو المادي, وأخذه الفريق الآخر بالمعنى المجازي أو الروحي, وفيما يلي أهم الآراء بشأنه:

1- الرأي الكاثوليكي والأرثوذكسي[5]

يقول الأرثوذكس والكاثوليك إن الخبز والخمر يتحولان بطريقة سرية إلى ذات لاهوت المسيح وناسوته, وذلك مع بقاء الخبز والخمر كما هما في الشكل واللون والطعم والرائحة. فالتحول الذي يحدث في العشاء الرباني حسب اعتقادهم، هو تحول فعلي لا معنوي, وكل ما في الأمر أنه غير مدرك بالحواس البشرية. كما يقولون إن لهذا العشاء فاعلية ذاتية (أي أن فاعليته مستمدة من ذاته وليست متوقفة على إيمان الذين يقبلونه, فيكون مثل العشاء الرباني لديهم مثل النار التي تشتعل من ذاتها لأن فيها خاصية الاشتعال). وهذه الفاعلية هي منح الذين يتناولون منه الغفران والحياة الأبدية, وإعطاؤهم امتياز التمتع بحلول المسيح في نفوسهم, ومساعدتهم على عمل وصاياه في العالم الحاضر أيضاً.

ويرجع السبب في اعتقادهم هذا إلى فهم حديث المسيح عن العشاء الرباني (الذي ذكرناه فيما سلف) بالمعنى الحرفي, وإلى اعتبار حديثه الوارد في (يوحنا 6) عن التغذي بجسده ودمه للحصول على الحياة الأبدية, خاصاً أيضاً بالتناول من هذا العشاء (وليس بالإيمان بشخصه), وفهمه تبعاً لذلك بالمعنى الحرفي مثل الحديث الأول[6].

غير أن الكاثوليك يختلفون عن الأرثوذكس من جهة شروط فاعلية العشاء الرباني. فيقولون إن الله لا يتطلب من المتناولين من هذا العشاء أن يكونوا أنقياء أو أطهاراً, كما يقولون إن فاعليته لا تتوقف على عمل الروح القدس في نفوس هؤلاء. أما الأرثوذكس فيقولون إن فاعلية العشاء الرباني وإن كان لا تتوقف على سلوك الذين يتناولون منه, غير أنه من الواجب عليهم ألا يقاوموا تأثيره في نفوسهم, كما يقولون إنه إذا تناول إنسان من العشاء الرباني بدون استحقاق لا يفيد منه, وليس هذا فحسب بل ويعرّض نفسه لدينونة الله أيضاً. ولعل الكاثوليك ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه, بسبب اعتقادهم أن تحول العشاء الرباني إلى المسيح نفسه, يجعله غير محتاج في أداء أعماله إلى معونة من كائن ما, حتى لو كان هذا الكائن هو الروح القدس – ولكن (على فرض حدوث الاستحالة) فإن الوحي يعلن لنا أن الله لا يمنح بركة إلا حيث يوجد الإيمان (أعمال 14: 19) وتتوافر القداسة (1 تسالونيكي 4: 3), كما يعلن لنا أن الابن والروح القدس هما مع الآب واحد في الجوهر, وأنه لا انفصال لأحدهم عن الآخر, لا في الذات ولا في الأعمال (متى 28: 19).

2- الرأي اللوثري

ويقول اللوثريون[7] إن العشاء الرباني هو ذات جسد المسيح ودمه, ليس بمعنى أنه يتحول إلى ذات لاهوت المسيح وناسوته, أو إلى ذات جسده ودمه فحسب, بل بمعنى أن ذات جسده ودمه يحلان في العشاء المذكور, حلول السيف في الغمد واستقراره فيه. ولذلك يعتقدون أنهم بالتناول من العشاء الرباني, يتناولون ذات جسد المسيح ودمه في غلاف من الخبز والخمر. فالحلول الذي يقولون به إذاً هو حلول فعلي, وكل ما في الأمر غير مدرك بالحواس البشرية. وفاعلية العشاء الرباني لديهم ليست مستمدة من ذاته (كما يقول الأرثوذكس والكاثوليك)بل متوقفة على إيمان الذين يتناولون منه. ولذلك فمثل العشاء الرباني لديهم مثل النار التي لا تنتقل حرارتها إلى الفحم إلا إذا كان جافاً, غير أن جفافه ليس هو العلة التي تجعل للنار خاصية الاشتعال. كما أن فاعلية هذا العشاء لديهم ليست هي كل فاعليته عند الأرثوذكس والكاثوليك, بل هي فقط تمتع المتناولين بحلول المسيح فيهم. لأن اللوثريين يعتقدون أن الحصول على الغفران والحياة الأبدية يكون فقط بواسطة الإيمان الحقيقي بالمسيح, وذلك بناء على ما ورد في (يوحنا 3: 16, أعمال 10: 43), وغير ذلك من الآيات[8].

ويرجع السبب في اعتقادهم, إلى فهم حديث المسيح عن العشاء الرباني الذي ذكرناه فيما سلف بالمعنى الحرفي (كالأرثوذكس والكاثوليك), غير أنهم نفوا اتحاد اللاهوت في هذا العشاء, كما فسروا حديث المسيح عنه تفسيراً يرون أنه لا يتعارض مع الواقع أو مع خصائص المادة. أما من جهة حديث المسيح عن التغذي من جسده ودمه الوارد في (يوحنا 6) فيعتقدون مثل غيرهم من الطوائف التي سنذكرها فيما بعد, إنه خاص بالإيمان بشخصه, ولذلك يفهمون هذا الحديث بالمعنى المجازي أو الروحي.

3- الرأي المشيخي أو الكلفيني[9]

ويقول المشيخيون أو الكلفينيون إن العشاء الرباني لا يتحول إلى ذات لاهوت المسيح وناسوته, أو يحوي ذات جسد المسيح ودمه, بل إن المسيح يرافق هذا العشاء بحالة روحية إلى قلوب الذين يتناولون منه بالإيمان, دون أن يطرأ على العشاء تغيير ما, غير أنهم يتفقون مع اللوثريين وغيرهم من الطوائف التي سنذكرها فيما بعد, على أن العشاء الرباني ليست له فاعلية ذاتية, بل أن فاعليته متوقفة على إيمان الذين يتناولون منه. ويرجع السبب في اعتقادهم إلى فهم حديث المسيح عن العشاء الرباني بالمعنى المجازي لا الحرفي (بعكس الأرثوذكس والكاثوليك واللوثريين)، ثم ربط التناول من هذا العشاء حلول المسيح في القلب، لاعتقادهم أن المسيح يرافق العشاء المذكور بحالة روحية. إذ يعتقدون أنه كما ترسل الشمس ضوءها وحرارتها إلى الأرض، مع أنها بعيدة عن الأرض بعداً عظيماً، هكذا الحال من جهة المسيح، فانه وإن كان موجوداً الآن في السماء غير أنه يبعث تأثيراً روحياً في العشاء الرباني يتقبله الذين يتناولون منه بالأيمان على الأرض. ولذلك يؤمنون أنهم بالتناول من هذا العشاء، يستقبلون جسد المسيح مع قوته المحيية، ليس بطريقة مادية يدخل بها جسد المسيح الذي في السماء إلى أفواههم، بل بطريقة روحية يحل بها المسيح في نفوسهم.

4- الرأي الأسقفي[10]

ويقول الأسقفيون إن العشاء الرباني هو سر جسد المسيح ودمه, وأن المسيح في هذا السر هو قوت روحي للمؤمنين. لأنهم يعتقدون أنهم يتناولون المسيح بحالة روحية عند التناول من العشاء الرباني. أما من جهة علاقة العشاء الرباني بجسد المسيح ودمه, فيقولون أنهما لا يحلان في هذا العشاء بل يحلان في المؤمنين, لأن الخبز والخمر لا يتحولان إلى ذات جسد المسيح ودمه, أو يحل ذات جسده ودمه فيهما, بل أنهما يظلان كما هما خبزاً وخمراً. ولذلك فاعتقادهم يشبه اعتقاد المشيخيين, إذ أن كلمة "سر" مستعملة عند الأسقفيين بمعنى "علامة" كما كانت تستعمل عند المسيحيين في القرون الأولى.

5- الرأي الزونجلي

ويقول الزونجليون[11] إن العشاء الرباني لا يتحول إلى المسيح أو يحل المسيح فيه. وليس هذا فحسب بل ويقولون أيضاً إن المسيح لا يقترن به بأي اقتران يؤدي إلى حلوله في نفوس الذين يتناولون العشاء المذكور، لأنهم يعتقدون أن حضور المسيح لا يكون إلا بالروح وسط المؤمنين الحقيقيين الذين يجتمعون حول هذا العشاء، كما يحدث بناء على وعده الكريم عندما يجتمعون باسمه للعبادة والصلاة (متى18:20). وفاعلية العشاء الرباني لديهم، مثل فاعليته لدى الطوائف الثلاث السابق ذكرها، تتوقف على الحالة الروحية للذين يتناولون منه. غير أنهم ينفردون بالقول إن هذه الفاعلية ليست هي حلول المسيح في قلوب الذين يتناولون من العشاء الرباني، بل هي إعلان الروح القدس لنفوسهم مقدار ما تحمله المسيح من الآلام في سبيل التكفير عنهم، وبذلك يتذكرون هذه الآلام ويتأثرون بها في نفوسهم تأثراً يملأهم بالمحبة الله، ويساعدهم على مواصلة السير في طريقه بتواضع وإخلاص. أما من جهة حلول المسيح في القلب، فيعتقدون بناء على ما جاء في (افسس3:17،غلاطية2:20) انه بالإيمان الحقيقي وصلب أهواء الجسد وشهواته.

ويرجع السبب في اعتقادهم إلى فهم حديث المسيح عن العشاء الرباني بالمعنى المجازي لا الحرفي، ثم تفسيره تفسيراً يتفق مع فهمه بهذا المعنى، دون أن يسندوا إلى هذا العشاء فائدة أو خاصية لم ينص الكتاب المقدس عليها.

6- رأي الكويكرز[12]

ويرى الكويكرز – أو الأصدقاء – أن العشاء الرباني الذي عمله المسيح لم يكن إلا رمزاً للتغذي الروحي بشخصه، ولذلك لم يجدوا ضرورة لممارسة هذا العشاء.. واكتفوا بأنهم عند كسر الخبز في كل وجبة يتناولونها يذكرون موت المسيح على الصليب. غير أن كثيرين منهم أقلعوا في أوائل القرن الحالي عن هذا الرأي، وذلك تحت تأثرهم بالآيات الواردة في (أعمال 2:42، 20:7،1 كورنثوس10:15، 11: 27). والتي تنادي بوجوب ممارسة العشاء الرباني بالانفصال عن الواجبات العامة، ومن ثم أخذوا في ممارسته على النمط المتبع عند الإنجيليين تقريباً.

وقد سبق الكويكرز إلى عدم ممارسة العشاء الرباني جماعة من الغنوسيين الذين عاشوا في القرون الثلاثة الأولى (والذين ظهروا بعد ذلك باسم البوليسيين والكاترنيين والمانيخيين، فيما بين القرنين التاسع والثاني عشر)، وجعلوا ديانتهم مزيجاً من المسيحية والوثنية. غير أن الغنوسيين لم يمارسوا العشاء الرباني، لأنهم كانوا يعتقدون أن الخبز والخمر هما من عمل إله الشر، لكونهما من نتاج الأرض (التي حسب اعتقادهم خلقت بواسطة هذا الإله) ولذلك رأوا ألا يستعملوها في أمر خاص بإله الخير. الذي بحسب اعتقادهم هو الخالق للسماء والنور والروح فحسب- وقد اندثرت بدعتهم من زمن بعيد.

هذه هي أهم العقائد الخاصة بالعشاء الرباني، ومنها يتضح لنا أن الاختلاف الجوهري بينها ينحصر في أن بعضها ينص على أن العشاء الرباني يتحول إلى ذات لاهوت المسيح وناسوته، أو أن ذات جسده ودمه يحلان في هذا العشاء، وأن البعض الآخر ينصّ على أن العشاء الرباني يظل كما هو دون تغيير أو تبديل، وأن التحول الذي يحدث فيه (إن جاز أن يسمى تحوّلا)، هو تحول معنوي أو اعتباري فحسب، وذلك بسبب كون هذا العشاء تذكاراً لموت المسيح على الصليب.

وسندرس في البابين التاليين الحجج التي يقول بها كل فريق من المسيحيين، حتى تظهر لنا الحقيقة بكل جلاء ووضوح.

[5]كلمة "أرثوذكس" معناها "استقامة الرأي", وكلمة "كاثوليك" معناها "جامعة", والمفروض في "استقامة الرأي", هو التمسك بكلمة الله وحدها, وليس بكلمة الله وأقوال القديسين القدماء, لأن هؤلاء القديسين, وإن كانوا على جانب عظيم من التقوى, إلا أنهم لم يخرجوا عن كونهم بشراً معرضين للخطأ نظيرنا. والمفروض في "الكنيسة الجامعة" أنها تجمع كل المؤمنين الحقيقيين في كل البلاد إلى المسيح وحده كالرأس والرئيس, وليس إلى رسول من الرسل أو بطريرك من البطاركة.

[6]عن المراجع الآتية: (أ) الإفخارستيا (ب) سر العشاء الرباني (ج) أسرار الكنيسة السبعة (د) اللآلئ النفيسة (للأرثوذكس) و (أ) مختصر المقالات اللاهوتية (ب) إيضاح التعليم المسيحي (ج) اللاهوت الأدبي (د) اللاهوت النظري (للكاثوليك).

[7]اللوثريون هم أتباع "لوثر", ولوثر ولد في سكسونيا في القرن الخامس عشر, وكان أبوه قد أعده لدراسة القانون, غير أنه التحق بالدير وعكف على الصوم والتقشف. ولما لم يجد لنفسه سلاماً ثابتاً في ممارسة هذا وذاك, أخذ في دراسة نسخة من الكتاب المقدس كان قد عثر عليها مع أحد أصدقائه. فعرف منها أنه لا سلام للنفس إلا بعد حصولها على الغفران, وأنه لا غفران إلا بواسطة دم المسيح الذي سفك مرة على الصليب (عبرانيين 1: 12). ومع أنه اقتنع بهذه الحقيقة وقاوم بابا رومة بعد ذلك بسبب صكوك الغفران التي كان يبيعها للناس, واحتمل في هذ السبيل اضطهاداً عنيفاً منه, غير أنه بسبب تغلغل الكثلكة في نفسه منذ حداثته (كما يقول المؤرخون), كان يعيش طوال حياته تحت تأثير عقائدها الخاصة بالعشاء الرباني وذلك لخطورتها الفائقة. لأن هذا العشاء كان يحاط بالقدسية التي يحاط بها الله نفسه, وكان كل من يشك في كونه ذات المسيح بلاهوته وناسوته, يعتبر كافراً ولا يستحق إلا الهلاك, ولذلك فإن لوثر وإن كان لم يستطع قبول عقيدة الاستحالة لتعارضها مع الواقع ومع خصائص المادة, إلاّ أنه ذهب إلى ما يشبه هذه العقيدة, غير عالم أنه أتى كذلك بأمر يتعارض مع الواقع, ومع خصائص المادة أيضاً, لأن الحلول الذي قال به ليس أمراً واقعياً, إذ أنه غير مدرك أو محسوس مثل الاستحالة تماماً. كما أنه يتعارض مع خصائص المادة, إذ أنه يقضي بدخول جسد المسيح ودمه في الخبز والخمر, مع بقاء الخبز والخمر كما هما دون تغيير أو تبديل.

[8]- آراء اللوثريين وغيرهم من الطوائف التي ستذكرها فيما بعد مقتبسة من:

(أ) Eucharist The Sacrament Of

(ب) The Christian Sacraments

(ج) Of The History Of DoctrineThe Book

(د) At The Lord's Table

(هـ) The Happy Christian

(و) تاريخ الكنيسة لموسهيم

(ز) تاريخ الاصلاح لدوبينيه

 (ح) نظام التعليم في علم اللاهوت القويم

(ط) أصول الإيمان

(ي) الصلاة العامة للأسقفيين.

[9]- كلمة "المشيخي" مشتقة من نظام الشيوخ الذي يسير عليه المشيخيون, فهم يعينون شيوخاً للقيام بالرعاية الدينية لديهم, والشيوخ هم القسوس بعينهم. وكل ما في الأمر أن كلمة "شيوخ" عربية, أما كلمة "قسوس" فمشتقة من الكلمة السريانية "قشيشو" التي تعني أشخاصاً متقدمين في السن أو "شيوخاً" ومن هذا يتضح لنا أن الذين يقومون بالرعاية الدينية بين المؤمنين يجب أن يكونوا متقدمين في السن. وقد نص الكتاب على هذه الحقيقة فسجل أن من بين الشروط التي يجب توافرها في القسوس قبل قيامهم بأعمالهم, أن يكون لهم أولاد مؤمنون, ليسوا في شكاية الخلاعة ولا متمردين (تيطس 1: 5- 6). والمشيخيون وغيرهم من الجماعات التي سنذكرها بعد يحملون اسماً واحداً وهو "الإنجيليون" نسبة إلى الإنجيل. أما التفرقة بين القسوس والشيوخ فقد حدثت على الراجح في القرن الثالث (الدسقولية ص 10). ولعل المؤمنين الذين عاشوا في هذا القرن قصدوا بالقسوس الأشخاص الذين يقومون بالخدمة الدينية داخل الكنيسة بغض النظر عن سنهم, وقصدوا بالشيوخ الأشخاص المتقدمين في السن الذين كانوا يهتمون بأمور المؤمنين الروحية خارج الكنيسة, كما هي الحال في بعض الطوائف المسيحية في الوقت الحاضر.

     أما كلفن, فهو أبو المشيخية, فقد نشأ في فرنسا في القرن السادس عشر, وبعد أن أتمَّ دراسة القانون, عكف على دراسة الكتاب المقدس. فانتهى به الأمر إلى الانفصال عن المذهب الكاثوليكي والانضمام إلى مذهب لوثر. غير أنه خالفه في اعتقاده من جهة العشاء الرباني, لأنه (كما يقول المؤرخون) لم يكن متأثراً بالكثلكة تأثر لوثر بها.

[10]- الأسقفية, هي كنيسة إجلترا, وتنقسم إلى قسمين: قسم يتبع في عبادته نظماً تشبه النظم المستعملة عند الكاثوليك, وقسم آخر يتبع في عبادته نظماً تشبه النظم المتبعة عند الإنجيليين, ولكن مع اختلافهما في نظم العبادة لا يؤمنان بالاستحالة أوالحلول. ويرجع السبب في تسمية هذه الكنيسة بالأسقفية إلى أنها تقيم أساقفة يشرفون على أعمال القسوس فيها – ولكن الكتاب المقدس يعلن لنا أن الأسقف هو القسيس, وأن القسيس هو الأسقف. فقد ذكر عن بولس الرسول أنه أرسل مرة إلى أفسس "واستدعى قسوس الكنيسة". فلما جاؤا إليه قال لهم: "احترزوا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة" (أعمال 20: 18). كما ذكر عن الشيوخ (أو القسوس) في كريت أنهم أساقفة (تيطس 1: 4- 7). فضلاً عن ذلك فإننا إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس نجد (أولاً) أنه لم يكن في الكنيسة في العصر الرسولي أساقفة وقسوس وشمامسة, بل كان فيها فقط أساقفة وشمامسة (فيلبي 1: 1) (ثانياً) أن الرسول لم يعلن لتلميذه تيموثاوس مميزات الأساقفة والقسوس والشمامسة, بل أعلن له مميزات الأساقفة والشمامسة فحسب (1تيموثاوس 3: 1- 8), الأمر الذي يدل على أن الأسقف هو القسيس وأن القسيس هو الأسقف كما ذكرنا.

     وكلمة "أسقف" ليست عربية, بل معربة عن الكلمة اليونانية "أبسكوبوس" ومعناها "ناظر". ومن هذا يتضح أن الشخص الذي كان يُقام للرعاية الروحية بين المؤمنين كان يسمّى قسيساً بالنسبة إلى سنّه ويسمّى أسقفاً بالنسبة إلى عمله.

     والتفرقة بين الأسقف والقسيس حدثت في أواخر القرن الثاني, عندما ازداد عدد القسوس وقام النـزاع بينهم من جهة شئون الخدمة التي كانوا يقومون بها, فاستحسنوا أن ينتخبوا لهم رئيساً أطلقوا عليه وحده لقب "الأسقف", لكي يوزع عليهم أعمالهم ويقضي في المنازعات التي تقوم بينهم (تاريخ موسهيم 31, 32, 62, 63) – أما الاعتراض بأن إطلاق لقب القسيس على الأسقف يرجع إلى أن الأسقف يقوم أحياناً بعمل القسيس مع أنه ليس قسيساً, فلا يجوز الأخذ به, لأن الكتاب المقدس لا يدعو الأسقف قسيساً بل يدعو القسيس أسقفاً, وهذا لا يمكن حدوثه إلا إذا كان القسيس هو الأسقف, والأسقف هو القسيس.

[11] "لزونجليون" هم أتباع زونجلي, الذي نشأ في سويسرا في القرن السادس عشر, وقد كان في أول الأمر كاثوليكياً, لكن بدراسته لموضوع العشاء الرباني في ضوء الكتاب المقدس, وجد أنه طالما أن المسيح موجود بجسده الآن في السماء, وأن جسده مادة تتحيز بالحيز الذي توجد فيه, لذلك لا يمكن أن يكون المسيح موجوداً بجسده هذا على الأرض في الوقت الحاضر تحت أي شكل من الأشكال. ومن ثم لا يمكن أن يكون العشاء الرباني هو ذات جسد المسيح ودمه, أو أن ذات جسده ودمه يحلان في هذا العشاء. ولذلك كانت له مع لوثر مناقشة حادة من جهة هذا الموضوع, سنذكر طرفاً منها في الباب الرابع.

[12]الكويكرز هم جماعة أسسها جورج فوكس في القرن السادس عشر، وكانت تنادي بما تدعوه "النور الباطني" – وهو حسب اعتقادها وجود معرفة غريزية في نفس كل إنسان من جهة طريق الخلاص والحياة الأبدية – ولذلك فإن الإنسان حسب رأي الكويكرز ليس في حاجة إلى وحي من السماء عنهما. ويبدو من آرائها أنها كانت تجنح إلى التطرف في عقائدها رغبة منها في مخالفة الكنيسة الكاثوليكية. ومع ذلك كان الكويكرز أنصار السلام والإنسانية، وكانوا يدعون إلى المودة والحرية ردحاً طويلاً من الزمن. ولكن يبدو أن هذه الحرية قادتهم إلى الحرية المطلقة، أو بالحري إلى الإباحية، فأساءوا في سلوكهم وتصرفاتهم.

  • عدد الزيارات: 6095