Skip to main content

مقدمة: هذا الكتاب

للعشاء الرباني مكانة سامية لدينا نحن المسيحيين، ولذلك كان الكاتب يهتم به منذ حداثته أكثر من أي موضوع ديني آخر. ولما وجد في دور الشباب أن الطوائف المسيحية تختلف بشأنه اختلافاً كبيراً, وأن لكل طائفة حججاً خاصة تعتمد عليها في تأييد عقيدتها, عكف على دراسة ما سجله الكتاب المقدس عنه, وما سجله أيضاً رجال الدين في كل الطوائف, حتى تتجلى له الحقيقة. ثم أصدر منذ ربع قرن تقريباً كتاب "العشاء الرباني" يوضح فيه حقيقة هذا العشاء, ويشرح الآيات الخاصة به. فتعرض بعض رجال الدين لنقده شفوياً وتحريرياً, فقابل نقدهم جميعاً بصدر رحب وعاد إلى كتابه يدرسه بكل تدقيق, فوجد أنه لم يخطئ في شيء, وأن السبب في نقدهم يرجع إلى أن هذا الكتاب كان موجزاً – ولذلك درس من جديد موضوع العشاء الرباني في مراجع أكثر, فأسفرت الدراسة عن إصدار الكتاب الذي يقدمه للقراء الآن.

وكل ما يرجوه الكاتب في هذه المقدمة, أن يضع القراء أمامهم أن الحقيقة هي بنت البحث, وأن من يرفض دراسة الآراء المخالفة لرأيه, أو يدرس هذه الآراء بروح تختلف عن تلك التي يدرس بها الآراء الموافقة له, لا يتيسر له إدراك الحقيقة إطلاقاً. ولذلك قال الرسول: "امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن" (1 تسالونيكي 5: 21). كما وصف قوماً بـأنهم أشرف من غيرهم, لأنهم قبلوا رسالته بكل نشاط, وكانوا يفحصون الكتب المقدسة كل يوم باجتهاد, لكي يروا إن كانت رسالته تتوافق مع هذه الكتب أم لا تتوافق (أعمال الرسل 17: 11- 12). إذاً علينا أن نستمع لكل الآراء الدينية, حتى المخالفة منها لرأينا, وأن ندرسها جميعاً في ضوء الوحي الإلهي, لكي نعرف حكمه عليها, وحكمه هو فصل الخطاب بشأنها.

وقد فعل ذلك جميع الأتقياء في كل الطوائف, فمن المأثور عن القديس ديونسيوس الذي عاش في القرن الثاني أنه قال: إن الله أعلن له أن يقرأ كل ما يمكن أن يصل إليه من كتب, لأنه يستطيع أن يمتحن كل شيء ويصححه, وإن هذا هو السبب في إيمانه منذ البداءة (يوسابيوس ص 316). ومن المأثور عن بعض أتقياء الأرثوذكس القدامى أنهم قالوا "إن انقياد الإنسان وراء الغير, يُفقده شخصيته ويجعله عاجزاً عن التصرف في شيء من تلقاء ذاته. ولما كان الله يتطلب من المؤمنين أن يكونوا أقوياء الشخصية, وجب عليهم ألا يلقوا بقيادتهم إلى إنسان ما, بل أن يسمعوا لكثيرين وأن يقرأوا لكثيرين, حتى تنطلق أرواحهم حرة من كل قيد تبحث عن الحق أينما كان, غير خاضعة أو مقدسة لفريق خاص من الناس" (كتاب انطلاق الروح ص 29- 30), لأن بهذه الوسيلة وبها وحدها, يمكن للنفوس أن تدرك الحق بوضوح وجلاء.

ختاماً أسجل شكري لكل الذين أمدوني بالمراجع التي تطلبها هذا البحث،كما أسجل شكري للدكتور طمسون ودكتور بطرس عبد الملك والخوري جرمانوس لطفي لمعاونتهم لي في دراسة ما كان من هذه المراجع باللغات اليونانية والعبرانية والسريانية – جزى الله الجميع خير الجزاء.

المؤلف

  • عدد الزيارات: 4551