تأديب الكنيسة
" ألستم انتم تدينون الذين من داخل" (1كو5: 12)
سيأتى الرد الصادق لهذا السؤال من معظم الكنائس بالنفي " لا لن نفعل" لقد صار هناك تدهور شديد في عمل الكنيسة المحلية في إدانة أو تأديب سلوك الأعضاء. . طابع هذا العصر ضد التأديب، عصر تدهور فيه التأديب الأسرى وساد التساهل. يضع المجتمع مقاييس خاصة ضد المجرمين مع أنه يتساهل مع الفساد ، الخمر ، الكذب والشراهة. كل هذه جرائم في نظر الله.
أصابت الفضائح قادة الكنيسة المعروفين فعطلت شهادتهم. سادت الحياة غير المقدسة والسلوك السيئ بين الأعضاء أيضا. كانت هذه المشكلات والقضايا موجودة أيضا في أزمنة الكتاب المقدس. انتقد الرسول بولس كنيسة كورنثوس في فشلها فى تأديب عضو فاسد (1كو5). قال لهم" إن أخا يدعي زانيا أو طماعا أو عابد وثن أو شتاما أو سكيرا أو خاطفا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا (1كو5: 11).
ليس التأديب بأى وسيلة قاصرا علي فكرة التصويب أو العقاب العام . الفكرة الأساسية هي التدريب والممارسة الأخلاقية، التنمية عن طريق التهذيب والمشورة والتصويب عند الضرورة. كلمة تأديب وكلمة تنظيم لهما معني واحد، المقصود منه الشخص الذي يتبع ويقلد. للتأديب اتجاهان 1- تعليم في السلوك 2- تغيير السلوك الغير مقبول والتشجيع علي الانضباط الشخصي . لا يمكن أن ينشأ الأولاد نشأة سليمة بدون تأديب. كيف يطور الشخص مهارة موسيقية أو رياضية أو حتى كيف يستثمر الوقت بدون تأديب؟ كيف يمكن إن تقوم الكنيسة بالرعاية وقيادة الشعب وتدريبه علي التوجه الصحيح بدون تأديب؟
وضع الله نفسه هذا النموذج إذ يقول " يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبخك لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله" (عب12: 5-6). تأديب الله علامة حبه وهو يؤدب شعبه من أجل منفعتهم ليأتي بهم إلي حياة البر( عب12: 10- 11). الله له الحق في هذا ونحن في حاجة إلي التأديب. وتعتمد نتائج التأديب علي مدي تجاوب وتعاون الذين يقبلونه. كيف ينطبق هذا علي الكنيسة؟ قد يقول البعض" من الملائم أن يقوم الله بالتأديب ولا داعي أن تمارسه الكنيسة" والجواب هو أنه صار للكنيسة الحق في ممارسة التأديب لا ن الله منحه لها كمن ينوب عنه علي الأرض . قال الرب في ( مت18: 17- 18 ). " إن لم يسمع منك فقل للكنيسة وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عنك كالوثني والعشار. الحق أقول لكم كل ما تربطونه علي الأرض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحلونه علي الأرض يكون محلولا في السماء". هذا معناه أن الله يعترف بعمل الكنيسة الكتابي في الربط والحل بسلطانه هو. والتأديب الذي تجريه الكنيسة هو تأديب قانونى يجريه الله. هذا العمل عمل مقدس . إذا فشلت الكنيسة في ممارسة التأديب وأهملت حياة القداسة في نظر الله ، فأنها تفقد بركته. اقرأ يشوع الإصحاح السابع--قصة عاخان في هذا المجال واقرأ (1كو11: 30- 31 ).
درجات التأديب الكنسي.
لا يمكن تأديب شخص من خارج الجماعة-التى هى الكنيسة. وليست إرادة الله أن يفشل أي مؤمن في أن يكون جزءا من الشركة المحلية. إذا كان الشخص جزءا منها فلابد أن يشترك في هذه الأنظمة التي تتفق مع كلمة الله. ويجب أن تكون كلمة الله هى مركز المناقشة حول سوء السلوك. يجب أن يكون الأمر هو ما يوصي به الله في كلمته. من الصعب أن يقبل الناس المبدأ " يجب أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع5: 29). وهم يستخدمون هذه الآية خارج مضمونها الأصلي.
مستويات التأديب. –يبدأ بالحزم بالتدرج الآتي:
1- ناقش: (مت18: 15-17). يجب علينا أن نبدأ في جلسة هادئة في مناقشة القضية مع الشخص. المواجهات المندفعة ، غير المعدة، التي لم تسبقها صلاة تشعل الشرر ولا تقود إلي الفهم. هدفنا باستمرار هو تحقيق السلام والبر وليس خلق عداء مستمر وسوء نية. لهذا السبب يطلب منا هذا النص اللقاء الفردي مع الشخص، ثم مع شخص آخر قبل الوصول بالأمر كله إلي جماعة اكبر.
2- عظ: (تي1: 9-11). يحتاج المعاندون ومسببو المشاكل إلي المواجهة. تعامل معهم تعاملا شخصيا مستخدما كلمة الله. إنهم في حاجة إلي الاقتناع بالخطأ بواسطة المكتوب.
3- حذر: (2تي2: 14، 1تس5، 14، 2تس3: 11-12) التحذير قريب من الوعظ والمقصود منه استئصال مشكلة التساهل واستمرار الجدل ، السلوك غير السوي وغير المهذب والكسل.
4- انتهر: بالأخص الانتهار العام (1تي5: 20، تي1: 13). إذا استمر الأفراد أو حتى الشيوخ في الخطأ دون توبة، يجب إيقافهم. لا يمكن رعاية سلوك مشين في الكنيسة رغم الجهود المستمرة. يجب مواجهه الشخص جهرا . ولكن إذا تاب الشخص وأصبح مسئولا فلا داعي للمواجهة.
5- تجنب: (2تس3: 14، 1كو5: 11، رو16: 17، تي3: 10). القصد من التجنب هو مساعدة ذلك الشخص أن يري أنه خرج عن الشركة مع الله ومع شعبه. يوجد ميل في أن يرثي الأصدقاء لمن فعل الشر ويظهروا له المحبة. لا يتفق هذا مع الاتجاه الإلهي في إغفال الوجه عن شخص مخطئ غير تائب. من الأفضل إظهار المحبة الحازمة عند عزل أي شخص عن الشركة. ولا يجب أن يتحيز الذين يقومون بالعمل.
هدف الحزم هو تقويم العصاة، المجادلين، صانعي المشاكل وخالقي الانقسام في الكنيسة. ولتجنب قريب جدا من العزل.
6- العزل من الكنيسة: (1كو5: 13). بهذا العمل نحن نسلم المعزولين لسلطة الشيطان (1تي1: 20،1كو5:5) هذا أقصي تأديب توقعه الكنيسة. وعلي الرجل أو المرأة المواجهين للعزل أن يخافا. يجب تقرير هذا العمل النهائي بعد استخدام كل أنواع العلاج الأخرى، وبعد الصلاة الكثيرة التي يقدمها الشيوخ من أجل الشخص العاصي.
يجب أن يكون الرعاة حريصين وهم يطبقون الحق ضد أي مؤمن. علي فم شاهدين أو ثلاثة تقوم الشهادة (2كو13: 1) يجب أن نتأكد من الحقائق إما بالمشاهدة الشخصية أو بالشهادة الصادقة. مجرد التشكك ليس أمرا كافيا. يجب أن نتأكد أن الحقائق تتفق مع النص الذي نستخدمه في توجيه التأديب.
أسلوب التأديب في الكنيسة.
أسلوب تطبيق التأديب مهم مثل أهمية التأديب نفسه. أسلوب الأعمال والأقوال المفزعة، الأسلوب المفاجئ والمندفع أسلوب جارح. إذا تم التأديب بصورة سليمة فليس هناك مبرر للنقد. لا يفيد النقد في وجود حقائق. يجب أن يتم الحكم بمحبة حازمة. هدف كل تأديب متضمنا تأديب الله نفسه، هو رد نفس الإنسان. وفي الحقيقة: الله هو إله رد النفس. هذا الحق فيه راحة للملايين . إذا كان هذا هدفنا، علينا أن نعمل بأسلوب أكثر تلائم مع رد النفس.
يقدم الرسول في (غل6: 1) أسلوب العلاج وفيه يقرر " أيها الأخوة إن إنسبق أحد فأخذ في ذله فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرا إلي نفسك لئلا تجرب أنت أيضا" نلاحظ أنه توجد متطلبات روحية نعملها في رد نفس أخ مخطئ. من هذه المتطلبات أن يكون التأديب بروح الوداعة. ويجب أن تتذكر أنه لولا نعمة الله لكنت أنا نفسي مخطئا . ويجد أي تأديب تقبلا أكثر إذا أجري بهذا الفكر المتواضع.
أما روح التحيز وعدم العدالة التي نعامل بها الناس- الذين لهم نفس المشكلة بطريقة مختلفة فهي أمور غير مقبولة. حتى الأطفال يكونون في غاية الحساسية لعدم العدالة. كان الرب يسوع في كل تعاملاته عادلا . يجب معاملة الشخص غنيا كان أو فقيرا بالمساواة . يستخدم الرسول يعقوب هذا المبدأ (يع2: 1، 9) عند دخول شخص غني إلي الاجتماع. لا تلزم المحاباة في التأديب. يجب معاملة العائلات الغنية مثل العائلات الفقيرة، بدون تمييز، عند توقيع التأديب الكنسي. وهناك عوامل هامة في التعامل مع المسيء كالصبر، الصرامة، الثبات والاتجاه البناء. لا يتضمن هذا العمل أي نوع من الضعف. يجب أن نتذكر لطف الله وصرامته (رو11:22). المواجهة، الزجر والطرد أعمال قاسية. لهذا السبب يتجنب كثير من القادة القيام بتأديب الشخص المخطئ – ويتركوا الأمر للرب ليقوم هو بالتأديب. تحمل العبارة العظيمة " صادقين في المحبة " الأمرين المطلوبين. يوصى الرسول بولس تيموثاوس باستخدام الرفق والصبر (2تي2: 24). ويضيف الاحتمال والمغفرة في كو3: 13.كذلك طول الأناة والصفح في كو(3: 13).
إذا كانت هذه حالنا سيلقى التأديب قبولا أكثر. ستذوب هذه الاتجاهات وهذا أفضل جدا من تقسية قلوب المسيئين.
موضوعات التأديب الكنسي.
يجب أن يتذكر كل شخص في الكنيسة أننا جميعا معرضون للتأديب الإلهى . نحن جزء من أسرة ولسنا أفرادا. يجب أن نكون أسرة مترابطة وأن يعتني بعضنا البعض بالتقويم والتصويب لأي سلوك ضار. يرفض بعض الناس طلب المعونة . يتردد بعض المؤمنين ويجدون مشكلة في هذا . عندما يخطئون يرفضوا أي نصح و تصويب. يبحث القائد الحكيم بروح التمييز عن الذين يبتعدون، كما يبحث الراعى الصالح عن الخراف الضالة ، وهو يقدم رعاية صادقة أمينة للقطيع.
من هو الشخص الذي يجب أن يكون جزء من هذه الشركة المحلية؟ الذي يخضع لقيادة الرب رئيس الرعاة وللرعاة الآخرين؟ وضعت المسيحية الاسمية قوانين إيمان بعيدة عن الحق وهى تصر علي أنها سليمة . تضم الكنائس أشخاصا غير مؤمنين إلي سجلاتها دون أن يقدموا شهادة واضحة عن خلاصهم. تقبل الكنائس الأعضاء الذين سيساهمون في التمويل. يرغبوا في ذلك لمجرد زيادة عضوية الكنيسة. يجب أن يكون هناك مستوي أعلي للتأكد من خلاص الإنسان حتى يقبل في الكنيسة المحلية. لا يجب أن يقبل بها أشخاص غير مؤمنين بالمسيح. تقوم الكنيسة الروحية بتأديب المؤمنين المخطئين الذين هم في شركة روحية. يبدأ التأديب في الكنيسة للشخص الذي ينتمي إلي الرب في عضوية الكنيسة وقيادتها وليس من هو خارج الشركة.
يوصينا الكتاب المقدس بقبول الذين قبلهم المسيح(رو15: 7). من هم هؤلاء الأشخاص وكيف نعرفهم؟ هم الذين يعترفون بأفواههم أن المسيح هو رب ويؤمنون بقلوبهم أن الله أقامه من الأموات ( رو10:9) الذين يبرهنون أنهم تابعين حقيقيين له وليس أناس يرددون الأقوال المألوفة. "ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات"( مت7: 21). الذين أطاعوا الرب في معمودية المؤمنين، كما أوصانا فى (مت28: 19). لنتذكر أن النص في (1يو3: 4-10) ينتهي بهذه الوصية "بهذا أولاد اله ظاهرون وأولاد إبليس. كل من لا يفعل البر فليس من الله وكذا من لا يحب أخاه". يجب أن يكون هذا واضحا في حياة المؤمن فنستطيع أن نميز بين من هو المؤمن ومن هو غير المؤمن .
يجب أن يقبل جميع أعضاء الشركة عناصر العقيدة الأساسية مهما كان انتماؤهم الديني. تشمل هذه العقيدة: لا هوت المسيح، الثالوث، وحي الكلمة وسلطانها ، الخلاص بالنعمة بعمل المسيح الكامل فوق الصليب وليس بالأعمال.
ما هي الأمور الأخرى التي يجب أن نتوقعها؟ تعتمد الشركة الحقيقية مع الله علي السلوك في النور. "إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يوا: 7 ) . الشركة مع المؤمنين مشروطة بالسلوك . عندما يكون الشخص تحت قصاص من الله أو عندما لا يسلك في الحق أو النور، لا يجب أن تقبله الجماعة في الشركة حتى تحل مشكلاته الخاصة. علينا أن نساعد في رد المؤمن الذي أبتعد بقدر ما نستطيع. علي أن التوبة الجوفاء أو الاستخفاف بالأمور الجادة سوف تؤدي إلي تكرار الخطية في المستقبل.
خاتمة وتعليق.
سوف يثمر التأديب الذي تنفذه الكنيسة المحلية بالأسلوب الجيد. لكن عندما نحزن الروح القدس بإهمال التأديب فنحن نغلق قنوات الاتصال المفتوحة مع الله . لا يجب أن ننتظر حتى يأتي رب الكنيسة إلي الاجتماع ويدعونا للتوبة مثلما فعل في (رؤ2، 3) فالرب يدعونا إلي مستوي أعلي من القداسة بأن يجعلنا مسئولين عن الحياة التي لا تسئ إليه و لا إلي الكنيسة.
ويفيد التأديب المؤمنين الذين يتعرضون له كأفراد – بأن يرجعهم ثانية ليسيروا في طريق يسر بها الله.
كرسي المسيح هو المكان النهائي الذى تتم فيه محاسبة جميع المؤمنين عن أسلوب حياتهم وخدمتهم( 2كو5: : 10 ، 1كو3: 12-15) ومع أن المسيح دفع ثمن خطايانا وغسلنا بدمه، إلا إن هذا لا يعني أنه في إمكاننا أن نتجنب إعطاء الحساب عن حياتنا. فالقضاء يبدأ من بيت الرب أولا(1بط4: 17) وقد رفض الله القادة الروحيين في العهد القديم والجديد بسبب تراخيهم في ممارسة تأديب شعبه. ونراه مرارا كثيرة يوقع الدينونة علي خطايا وعدم أمانة الشعب الذي يعلن الإيمان به. إن كان علينا أن نحيا كجسد مؤمنين صحيح ، يلزمنا أن نمارس التأديب في الكنيسة.
- عدد الزيارات: 12551