موهبة الخدمة
أما عن تمييز موهبة الخدمة سواء في ناحية التبشير أم التعليم فعلى العموم هو أمر واضح بسيط. فإذا وقف أحد الإخوة ليتكلم في وسط الجماعة المسيحية بدون أن يكون حاصلاً على موهبة من الله فسرعان ما يعرف نفسه بمزيد الألم فإذا كان حاكماً على ذاته فسوف يتعلم من ضميره كثيراً. على أنه سرعان ما يسمع من الآخرين ما يشعره بأنه ليس حاصلاً على موهبة في نظر أخوته. ولكن إذا كان الأخ حاصلاً فعلاً على موهبة أفليس ممكناً أن يصب الناس عليه انتقادهم السابق لأوانه وبذلك يرفضون موهبته؟ بكل تأكيد أن هذا يحصل ولكن إلى حين. قد يفتكر البعض أفكاراً علمية عن موهبته، وقد يجهل صفات تلك الموهبة والمكان والزمان اللائقين لممارسة تلك الموهبة، وقد يكون مشغولاً لدرجة كبيرة بطريقته الخاصة في الكلام، ومشتاقاً أن يستعجل إظهار موهبته. كل هذا قد يحصل، وغالباً يحصل، ويخلق على الدوام صعوبات ومشاكل. غير أن هذا لا يؤثر على الحقيقة العظيمة الباقية وهي أن الذي من الله يثبت. وعلى قدر سعة ملاحظاتي ومعرفتي المحدودة فإن اختباري الخاص يجعلني أفتكر أن أولاد الله معرضون لأن يولعوا بالموهبة أكثر من أن يزدروا بها. وفي الحالة الراهنة التي آلت إليها الكنيسة لا نشعر بنمو في المواهب إلا قليلاً، وكلما سمونا في إدراكنا الروحي وتحققنا مركزنا الصحيح كلما ازداد فينا هذا الشعور. فهل تريد أيها القارئ أن تعرف مركزك معرفة صحيحة وكاملة؟ ثق في الله وفتش كلمة نعمته. ونحن نقول لك أنه قد تعترضك في طريق اتخاذك المركز الصحيح أمور كثيرة لا بل وتعمل على إبعادك عن هذه الطريق. فمرة تصدك التعاليم التي ورثتها، ومرة تتوقف خوفاً من صعوبة الحصول على مورد أمين للرزق لاسيما إذا كنت ممن شغلوا مركز مبشر بين الطوائف. وإذا تأتي لك أن تترك مهنة التبشير (ولا أقول التبشير) باعتبارها لا تتفق مع الكتاب، فإنك تخسر كل ما كنت تحصل عليه من تلك المهنة، إذ قد تخسر حتى كسرة الخبز (هذا إذا لم يكن لك مورد للرزق غير التكسب من هذه المهنة) ومثلك يرى بواعث كثيرة جداً تحبب له البقاء محترفاً هذه المهنة. ومن ثم تجد صعوبات لا تحصى في طريق الانفصال عن هذه المهنة خضوعاً لكلمة الرب. على أن قوة الله هي وحدها التي تستطيع أن توجد في نفسك هذا التغيير وتحفظك في سلام حتى تسبح مع الرسول وتقول "راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين".
وبينما نحن متأكدون أن كلمة الله وروحه القدوس يحددان لنا بجلاء المركز الصحيح الذي يجب أن يشغله المسيحي والجماعة المسيحية، ولكن ينبغي ألا نتوقع – ما دامت الأمور كما هي في زماننا الحاضر – تنوعاً وقوة عظيمة في مواهب نعمة الرب. لا شك أنه له المجد يستطيع أن يعمل بحسب سلطانه المطلق – ونحن بكل تأكيد تحت التزام أن يشكره كثيراً جداً لأجل ما منحه لخيرنا – ولا شك أيضاً أنه تبارك اسمه يقسم مواهبه في أي مكان شاء. فقد أعطى مواهب لبعض أفراد وخدام الكنيسة الأسقفية وليس من يعارض في ذلك. كما أنه قد أعطى بحسب حكمته مواهب لبعض أفراد وخدام الطوائف المنشقة. وهل لنا أن نفترض عدم وجود شيء من عطايا نعمة الرب في الكنيسة الرومانية ذاتها؟ أما من جهتي فلا أستطيع أن أرتاب في ذلك. إذ من ذا الذي يقدر أن يرفض حقيقة وجود أشخاص في تلك الكنيسة نظير مارتن بوص مثلاً، الذي استخدمه الرب واسطة لتغيير الخطاة وتعضيد القديسين إلى حد كبير؟ أليس أمثال هؤلاء الأفاضل عطايا المسيح للكنيسة – عطايا صحيحة بغض النظر عن وجودهم في مركز غير صحيح كما لو وجدوا خارج ذلك المركز؟ فكونهم رومانيين، لا بل وكهنة رومانيين، لا يبطل نعمة المسيح مهما كان شعورنا من جهة أمانة أولئك الأفاضل. فالرب يعطي بالروح القدس كما يشاء وعلينا نحن أن نعترف بهذه المواهب أينما كان أصحابها. ولكن إذا كان شخص منتسباً إلى الطوائف المنشقة، سواء كخادم أو كأحد الأفراد، فأنا مقتنع أنه في كلتا الحالتين في مركز غير صحيح. على أنني حينما اعتقد أن الأساسات التي بنى عليها المنشقون نظامهم هي أساسات باطلة فليس ذلك الاعتقاد ناشئاً من شعور بالكراهية لهم، وأنني أرجو أن يحتملني قرائي المنتسبون لتلك الطوائف إذا ما قصدت أن أثبت بكل هدوء وخشوع عقيدتي الخاصة بأن مذهبهم غير سليم في مبادئه الظاهرة. إذ هو يعاكس بالتمام صفات الكنيسة باعتبارها جسداً واحداً: وسواء في الخدمة الجمهورية أم في انتخاب الخادمين فهو مذهب ينقض الخدمة كنظام إلهي ثابت صادر من نعمة المخلص. وهو مذهب اشتراكي يعارض في حقيقته مشيئة الله كأي مبدأ آخر، بل ربما أكثر. والأدلة واضحة: فأصحاب هذا المذهب يستعيضون بانتخاب الشعب عن اختيار الرب يسوع المسيح، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
- عدد الزيارات: 2855