Skip to main content

التعيين الرسولي

ولا شك أنك ستلاحظ أيها القارئ وجود التعيين الرسولي في قضية الشمامسة السبعة المذكورين في (أع 6). والنقطة الرئيسية في تلك القضية هي أن الجماعة انتخبت والرسل عينوا بكل وقار ولكن لا تنس أن الجماعة هي التي انتخبت الأشخاص الأكفاء للعناية بالفقراء وملاحظة خدمة الموائد اليومية، وهذا تصرف كان لائقاً بالجماعة كل اللياقة. وفيه نرى تنازل الله في صلاحه وجوده نحو الذين أعطوا مما عندهم للفقراء وكذلك الفقراء أنفسهم. فإن كانت الكنيسة أعطت لفقرائها ما هو لازم لحياتهم المادية فإنه من الضروري أن يكون لها صوت في انتخاب الذين تثق فيهم ثقة كاملة بأنهم سيوزعون تلك العطاءات أمام الله ليس فقط بضمير صالح وشعور صادق بل بحكمة وتعقل أيضاً. وفي هذا نرى مثالاً واضحاً لحكمة الله وعنايته السامية بشعبه. فالجمهور اختار أشخاصاً حكم بأنهم أكثر الإخوة لياقة لهذه الخدمة. على أن مجرد اختيار المؤمنين لهؤلاء الرجال السبعة لم يعطهم هذا المركز في ذاته لأنه إذا كان الجميع قد انتخبوهم فإن الرسل وحدهم هم الذين أقاموهم على هذه الحاجة الزمنية.

أما بالنسبة للشيوخ فإن المبدأ قد تغير تغيراً مناقضاً لمبدأ رسامة الشمامسة كما أنه بختلف أكثر بالنسبة إلى مواهب الخدمة الممنوحة من المسيح لخدامه ففي كل الكتاب المقدس لا نجد ما يفيد بأن جماعة اختارت الشيوخ. بل على العكس فإننا نجد حقيقة واحدة فيما يختص بإقامة هؤلاء الشيوخ وهي: أن الرسل كانوا يجولون وحيثما كانت تتأسس الجماعات إذا وجد بين أفرادها من كانوا يحوزون بعضاً من المؤهلات الروحية والأدبية وتبرز تلك المؤهلات لدى أبصار الرسل الروحية ويرون فيها ما يليق للمشيخة فإنهم كانوا يختارون نظير هؤلاء ليكونوا شيوخاً. ومن بين المبادئ التي كانت متبعة في ذلك العهد بالنسبة لإقامة الشيوخ أن الذين يبتغون هذا المركز يجب أن يكونوا أشخاصاً لهم شهادة حسنة، وإذا كانوا متزوجين فكل منهم بعل امرأة واحدة لأنه قد وجد في ذلك العصر أفراد مؤمنون دخلوا إلى إيمان المسيح ولهم عدة زوجات. وكلما كان يزداد انتشار الحق المسيحي كلما كان يشعر المسيحيون بأن مثل هذه الحالة بين المتزوجين إنما هي شين وعار على المسيحية. ولم يكن من الصواب ألا يعترف المؤمنون بشخص هو بعل زوجتين أو ثلاث ما دام يؤمن بالمسيح، ولكن مثل هذا الشخص لم يكن له أن يتوقع أن يصبح يوماً ما شيخاً أو أسقفاً وهو مرتبط بأكثر من زوجة إذ لم يكن لائقاً مطلقاً لأن يصير ممثلاً محلياً لكنيسة الله.

وخذ أيضاً أيها القارئ قضية شخص لم يرب أولاده تربية حسنة. فربما كان إهماله في تربية أولاده قبل أن يؤمن، وربما داخلته بعد الإيمان عقيدة ترك الأولاد لأنفسهم بدعوى أن الله إذا أراد أن يؤمنوا فسوف يجعلهم يوماً ما يؤمنون. نسلم بأنه قد تحدث هذه الأخطاء ولا شك أن نتائجها تعيسة. ولكن مهما كان السبب في عدم تدبير البيت تدبيراً حسناً فإن رب ذلك البيت لم يكن مستطاعاً أن يصبح أسقفاً. ومهما كانت مواهبه الروحية فإنها لا تفلح، ومثله لم يكن أهلاً لأن تناط به المناظرة على جماعة الله. لأن هذا المركز لم يكن يتطلب مواهب مثل ما كان يتطلبه مكن المؤهلات الأدبية. قد يعطي الرب شخصاً أن يكون نبياً أو معلماً أو مبشراً، وقد تكون زوجته وأولاده بغير ترتيب. على أن عدم ترتيب عائلته هذا لا يبطل مواهبه. ولكنه لم يكن جائزاً أن يصير شيخاً ما لم يرب أولاده في دائرة الخضوع والوقار – وما لم تكن له هو نفسه شهادة حسنة من الذين هم من خارج.

  • عدد الزيارات: 2625