اجتماعات المسيحيين تشهد على حضور الروح
وقبل أن أختم خطابي هذا أذكر بعض كلمات عملية ولا أطيل فيها لأننا سنرى في المحاضرات التالية تطبيقاً ونتائج أخرى عليها. ودعني أسألك أيها القارئ هذا السؤال: إذا وجد شخص إلهي على الأرض يسكن في القديسين فردياً وفيهم باعتبارهم كنيسة الله فهل يعتبر هذا أمراً ثانوياً؟ وهل هذا الحق يمكن أن يتأثر بالظروف؟ وهل هو من الأمور التي يمكن أن نقصيها عنا رغبة في عدم إزعاج البعض منا؟ وهل يقدر أولئك الذين يفتكرون هذه الأفكار ويتفوهون بها ويتصرفون بمقتضاها أن يؤمنوا بصحة حضور الروح القدس موجود فعلاً في الكنيسة على الأرض؟ ولست أشير بهذا السؤال الأخير إلى مجد الروح القدس الإلهي الذي يملأ به كل الأشياء لأن هذا من الأمور الحقيقية على الدوام. فهو حقيقي قبل مجيء المسيح وبعده، كما أن هذا الحق يصدق بالتمام على أقانيم الثالوث المقدس. ولكن كما أن الابن نزل من السماء وعاش كإنسان نيفاً وثلاثين سنة ثم انطلق، هكذا قد أتى الروح القدس شخصياً ليمكث معنا ويدوم فينا بطريقة لم تكن معروفة قبلاً إلا في المسيح. لقد قلت أن الروح القدس أتى ليمكث معنا ويدوم فينا شخصياً وكما كان المسيح هيكل الله الوحيد الحقيقي هكذا أصبحت فعلية عملية وكامتياز أيضاً للقديس وللكنيسة. وعلى ذلك، فإذا طبقنا هذا الحق على اجتماعات المسيحيين، فإن مسئوليتهم تقوم في أن تلك الاجتماعات يجب أن يسوسها حق وجود الروح القدس هناك.
وإن قال قائل: ولكن كيف يعمل الروح القدس عمله حيث يعترف بحضوره فإننا نحيله على الفصل الموضوع رأساً لخطابنا هذا فيجد فيه الجواب وهو أن الروح القدس يوزع على كل واحد بمفرده كما يشاء. أفلا نعترف إذن بحضوره؟ إزاء هذا العمل؟ ألا نحترم عمله ونقدره حق تقدير؟ وما الذي نكتشفه لو قصدنا أن نمتحن (بكلمة الله) تصرفات المسيحيين في هذا الموضوع؟ ولو أنني لست أشاء أن أزعج أحداً ولا أن أثير خصومة أو جدلاً غير أنني أقول أنه توجد بعض حقائق لا يجوز التسامح في التوفيق فيها ومساواتها إلى حد أغراض المعاندين وفي الحقيقة أن كل الحق الإلهي يرفض مثل هذا التوفيق غير اللائق. وماذا لنا أيها القارئ – من المشاعر والإيمان والأمانة لهذا الحق المهم للكنيسة، والجوهري للتكريم الصحيح لشخص الروح القدس وللرب نفسه؟ وهل أنت ترتاب في أن كنيسة الله قد أصبحت في عدم النظام؟ وأي مسيحي عاقل ذاك الذي لا يعترف بهذا الحق الصادق مهما تفاوتت درجة اعترافه؟ وهل يوجد شخص روحي يدرك أن الحالة الحاضرة التي صارت إليها الكنيسة تتفق مع ما نقرأه في العهد الجديد؟ ألا أشعر بخطيتي في هذا الأمر المحزن وبخطية الكنيسة فيه وأتذلل أمام الله لأجل تلك الخطية؟ ألا ينبغي على أن أسعى لأكون حيث يعترف بحضور الروح القدس؟ ولا يهم مطلقاً أين كنت بجهالة قبلاً – إذ لا أشك أنني كنت في مكان ليس فيه أي مظهر من مظاهر الاعتراف بحضور الروح القدس وبعمله حسب الكتب، وقد أكون اشتركت مع البعض في الصلاة لله حتى يسكب الروح القدس مرة ثانية (كنه لم يأت وكأنه ليس موجوداً في كنيسة الله) فهل تدعو أيها القارئ مثل هذه الصلاة اعترافاً بحضوره؟ أما أنا فلا أتصور أن هناك أكثر وأوضح جهلاً بحق حضور الروح القدس في الكنيسة من تلك الصلاة غير الكتابية. ولكن لو صلينا ألا يحزن روح الله فينا، أو أن القديسين يمتلئون به لكانت صلاتنا هذه كتابية. وماذا كنت تقول في تلميذ موجود مع ربنا يسوع أثناء حياته على الأرض يصلي طالباً من الآب أن يرسل ابنه؟ وأن يقيم المسيا بينما المسيا كان فعلاً موجوداً على الأرض؟ أفليس روح العالم فقط هو الذي لا يستطيع أن يقبل الروح القدس لأنه يراه ولا يعرفه؟ أما نحن فنعرفه أو على الأقل ينبغي أن نعرفه.
وإذا كنا نعرف حقيقة أن الروح القدس موجود فهل هو أمر هين إذا خضعنا أم لم نخضع لعمله في الكنيسة؟ عبثاً أقول إنني أعترف بحق حضوره، إذا كنت غير خاضع للكتاب المقدس الذي يشهد بأن الروح القدس يعمل لمجد المسيح حقاً ما أردأ ذلك. فمجرد الكلام لا يكفي لأن الله ينتظر الأمانة لكلمته والخضوع لسلطانها والاعتراف العملي بحضور الروح القدس.
نحن نجتمع معاً وقد نكون قليلي العدد أي شيء نستند في اجتماعنا نعم نحن ضعاف وجهال ولكن يوجد في وسطنا من يعرف كل شيء ومن هو مصدر لكل قوة. فهل نحن قانعون به؟ وهل نعتمد عليه بالرغم من المخاطر والصعوبات؟ ولماذا قد وصلت الكنيسة إلى الضعف؟ لماذا نلمس العوز إلى القوة والغبطة والسلام والتعزية بين أولاد الله؟ وهل ندهش من هذه الظواهر؟ أما أنا فلا أدهش منها بل بالحري من رحمة الله وإمهاله وطول أناته وبركته التي يرسلها إليهم بالرغم من شكوكهم وعدم إيمانهم؟؟ وهل تظن أيها القارئ أن هذا أمر لا يكترث به الله؟ أفلا يطلب مني إتمام إرادته بلا تردد بأن أعترف بحضور روحه وبحرية عمله؟ وكم يجب أن تنحني إجلالاً لهذا الحق السامي وهو أنه بفضل الفداء إكراماً لشخص الرب يسوع قد أتى الروح القدس شخصياًً وهو الآن موجود في الكنيسة على الأرض! إنه حق يمتحن النفس وفعلاً هو أعظم امتحان للمسيحيين. لا شك أن المسيح يبقى إلى الأبد المحك العملي لكل أمر ولكل شخص ومع ذلك فإذا كانت نفسي تعرفه وتعتبره الطريق والحق والحياة أفلا يهمه أن تكون تصرفاتي في كنيسة الله قائمة على الأساس الذي وضعه لي وهو الإيمان بحضور الروح القدس الموعود به؟ أفليس هذا هو الحق الذي قد عينه الله نفسه ليكون حياة الكنيسة ونبع نشاطها؟
- عدد الزيارات: 2633