ابن الله
قد تأملنا في ما مضى في تاريخ الإنسان الأول، ورأينا ما كان عليه وهو تحت مسؤولية العمل لله. والآن نود أن نتأمل قليلاً في الله عندا استخدم قوته العظيمة لتعمل – ليس لمجرد خير الإنسان بل – لمجد ابنه الوحيد العزيز. إذ لا يجب أن يغيب عن بالنا أننا لن نحصل على ملء البركة إلا إذا عرفنا هذا الحق الخطير وهو أن قلب الله لا يعز أحداً مثل ابنه، ولا يفكر في أحد إلا فيه. فلا في خيرك وخيري أيها القارئ، ولا في بركة محبيه ولا حتى الأعداء إذا تابوا – بل في ذلك الابن العزيز الذي عليه تستقر عيناه، والذي لاقى ما لاقى لمجد أبيه، وربط ذلك العمل الإلهي المجيد بالبركة التامة الغنية الأبدية للذين يؤمنون باسمه المبارك. ودعنا أيها القارئ نمعن النظر ملياً في نتائج الصليب – ذلك الصليب الذي ظهر فيه ضعف الله!! الله نفسه المتنازل بفرط المحبة ليس فقط ليطلب إلى الإنسان أن يتصالح معه، بل ليضع حمل الخطية الثقيل على ربنا وسيدنا يسوع وبذلك سدد حاجة الخطاة في ابنه الذي تألم لأجلهم – نعم في ذلك الصليب دعنا نتأمل. ففيه نرى أن المسيح قضى على الخطية بضربة الموت إذ "أبطل الخطية بذبيحة نفسه" وبالصليب أيضاً أزال الله جميع الفوارق التي كانت بين اليهود والأمم، ونفذ غرض قلبه السامي الذي كان في مشوراته وعلمه السابق. ليس منذ تأسيس العالم فقط بل من قبل تأسيسه أيضاً – تلك الرغبة التي كانت في قلبه المحب قبل إعطاء الناموس وقبل سقوط الإنسان. ومما يدعو للعجب أن الرمز الحلو الذي طبقه الرسول في أفسس 5 على سر المسيح والكنيسة، وكان قد أدخله الله قبل دخول الخطية (تك 2) (أعني أن مشورة الله من جهة تكوين جسد لابنه كانت سابقة لدخول الخطية) وفي الحقيقة قد كانت مشورة نابعة من قلب الله الممتلئ بالمحبة – نعم – قلب الله من حيث هو تعالى في صفاته الإلهية. لاشك أ، دخول الخطية قد أعطى لله فرصة حتى يظهر نعمته بطرق مباركة. ولكن يجب ألا يغرب عن ذهننا أن الله تعالى كانت له في نفسه أفكار النعمة ومشوراتها المحتومة.
ولاحظ أيضاً أيها القارئ أن الروح القدس يذكر في سفر التكوين مشورات الله قبل أن يذكر شيئاً عن خطية الإنسان، وهذا التطبيق عينه نراه مذكوراً في أفسس أي أن فكر الله من جهة المسيح والكنيسة سابق لذكر جهالة الإنسان وخطيته وعاره وفقره. فالأول مذكور في ص 1 والآخر مذكور في ص 2. ذلك الإصحاح الذي يوضح بطريقة عجيبة يندر أن إصحاحاً غيره يوضح بها ما أوضحه هذا من حيث تعمق الإنسان في الشر. على أن هذا ليس فكر الله الأول، إذ نقرأ في أفسس 1 قول الرسول "مبارك الله وأبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة" وإن كان الرسول قد أشار في العدد السابع من ذلك الإصحاح لقديسي الله المباركين ولا ذرة من الخطية إلا في تلك الإشارة العرضية التي تخبرنا بحاجتنا إلى الفداء غفران الخطايا. ومعنى ذلك أن العمل كان من الله شخصياً وقد نفذه في ابنه المحبوب قاصداً به مجد ذلك الابن العزيز الوحيد الذي وهو كل مسرة قلبه أعطاه الآب كل المجد والكرامة، مقدماً له من فيض محبته الغزيرة ما يناسب مقامه السامي مما غمر القديسين الذين هم جسد المسيح كما يصفهم الرسول في نهاية الإصحاح الأول. وما أعجب أيها القارئ تلك الطريقة التي يبتهج الروح القدس أن يعلن بواسطتها مشورات النعمة!
- عدد الزيارات: 3101