Skip to main content

الصليب

على أن موت المسيح وقيامته أنتجا حالة جديدة من كل الوجوه. ولا ريب في أن جميع المسيحيين يسلمون بصفة عامة بهذا الأمر من حيث مطابقة عمل المسيح لحاجة النفس. ولا نظن أن مسيحياً له ولو اليسير من الفطنة الروحية، لا يعترف بخطورة أهمية صليب المسيح لحاجته الخاصة بالنسبة لمقامه أمام الله، اعترافاً واضحاً مشفوعاً بتشكرات قلبه. قد يكون ضعيف الشعور بالعتق الكامل، وقليل التمتع بالسلام التام الذي صار له بدم ربنا يسوع المسيح المهراق فوق الصليب، ومع ذلك فهو متمسك بهذا الحق، متمتعاً بنتائجه، شاكراً الله لأجله.

إلا أن الصليب لم يسدد حاجة الخاطئ فقط من جهة خلاص نفسه، بل هناك أعظم. لذلك أحب أن ألفت نظر القارئ إلى الإصحاح الثاني من رسالة أفسس حيث يوضح لنا الروح القدس مركز الصليب يف معاملات الله. فنقرأ في ذلك الإصحاح قول الرسول "ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح. لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط. أي العداوة. مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً. ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به" ومن هذه الأعداد يتضح لنا أن الصليب ليس هو فقط أسام سلام النفس بل هو أيضاً الأساس الذي يرتكز عليه "الجسد الواحد" الذي يصنعه الله الآن لنفسه من اليهود والأمم. وهذا نراه بوضوح إذا رجعنا بتأملنا في حياة ربنا المبارك وهو على الأرض. إذ نقرأ انه حذر تلاميذه من أن يمضوا إلى طريق أمم، أو يدخلوا مدينة للسامريين – ليس لنقص في محبة سيدهم، إذا لم يحصل أن قلبه المحب لم يعطف على أولئك السامريين المرفوضين، ولم يحصل أنه لم يعظم إيمان ذلك الأممي الذي قال عنه أنه لم ير في إسرائيل إيماناً مثل إيمانه – نعم وهذا ولا ذاك، بل كان على التلاميذ أن يذهبوا فقط إلى خراف بيت إسرائيل الضالة – تلك الخراف التي لأجلها فقط جاء المسيح والتي لأجلها فقط يجب أن يذهبوا هم أيضاً. ومع أن قلب المسيح كان مملوءاً بالنعمة إلا أننا نراه له المجد يحافظ تماماً على ترتيب الله المقدس الذي كان يطالب به الناموس. فقد كان الناموس يطلب حالة تختلف كل الاختلاف عما هو موصوف في أف 2. وحتى في مدة وجود الرب على الأرض كان هناك حاجز قوي يمنع رسمياً اختلاط اليهود بالأمم – الأمر الذي قد زال بعد موت السيد وقيامته وأصبح اتحاد الأمم واليهود ليس فقط مجرد واجب بل سرور المحبة والصدى اللائق لموت المسيح وقيامته في نفوس القديسين (انظر مت 28: 19) ولكن قد يقول قائل: وكيف تم ذلك؟ وعلى أي أساس حصل هذا التغيير الهائل؟ الجواب: على أساس الصليب – الصليب الذي أظهر عدم نفع الإنسان – المتدين صاحب الامتيازات النادرة تحت حكم شريعة الله. لأنه إذا كان الإنسان قد خاب تحت الناموس المعطى من الله فأي ناموس آخر ينفع يا ترى؟ فقد كانت شريعة الله أحكم الشرائع وأحسنها، وأقدسها، معاملة عادلة ممكن أن تتفق مع حالة الإنسان الطبيعية، ومع ذلك فقد أظهرت تمام خراب الإنسان. وتبارك اسم إلهنا: فلقد كان يعرف جيداً هذه النتيجة حتى أنه تعالى احتاط إليها فذكر في أول أسفار الكتاب المقدس وفي ذات نصوص الشريعة كما في سائر الأسفار بكلمات واضحة جلية أن الإنسان لابد أن يخطئ وأنه لا يوجد من ينفعه غير المسيح بسفك دمه فوق الصليب. ونرى في عدن شهادة جميلة لهذين الوجهين: فالمسيح كان ولا يزال محط رجال الإيمان. ومع ذلك نرى أن الله المنفرد وحده بالحكمة قد امتحن الإنسان في صبر كثير وطول أناة لعله يري منه شيئاً صالحاً. ولكن صليب ربنا يسوع قد أظهر تماماً أن كل ما في الإنسان إنما إلى الخراب تماماً. ولله الحمد، فإن في الميدان متسعاً لنعمة الله لكي تعمل لخير الإنسان. ويسرني أيها الأعزاء أن أتحدث إليكم قليلاً عن هذا الموضوع:

  • عدد الزيارات: 3096