Skip to main content

العروس في مقاصد الله

تكوين2

في النص السابق الذي كنا نتأمل فيه أفسس5 وجدنا أنه ينتهي باقتباس من تكوين2، إذ نقرأ بعدما صنع الله حواء وأحضرها إلى آدم "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً". وبعدما يقتبس هذا النص فإن الرسول في أفسس5 يضيف "هذا السر عظيم ولكنني أنا أقول من نحو المسيح وكنيسته". وهذا يعطينا الدليل المؤكد للقول بأن آدم وحواء هما صورة جميلة للمسيح وكنيسته.

وفي جنة عدن حيث وُضعت كل الترتيبات الإلهية فإننا نتعلم ليس فحسب ما في قلب الله من نحو الإنسان، بل أيضاً ما في قلب الله من نحو المسيح. فآدم ليس هو رجل مقاصد الله ولكنه كان مثالاً للآتي. وحسناً نتساءل لماذا أوجد الله هذه الأرض بكل ما فيها من مخلوقات عجيبة؟ ونجد الإجابة الإلهية فيما قد أُعلن لنا الآن عن سر المسيح والكنيسة، وفي الصورة الرمزية ما نجده في الجنة عندما أكمل الخليقة وقبل دخول الخطية فإجابة الله هي المسيح وشبع قلبه. وهذا صحيح فالكنيسة كانت في مشوراته قبل تأسيس العالم لأن فكرة الكنيسة تعود بنا إلى قصد الله الأزلي وتسير بنا إلى الأبدية. إنها ترتبط بالأزل والأبدية. صحيح أن الزمان والخلق يستحضران الكنيسة إلى الوجود. وإن كانت الخليقة هي أولى أعمال الله في الزمان أما الكنيسة فهي أولى مشورات الله، كما نجد ذلك في أفسس3، إذ نقرأ أن الله "خالق الجميع بيسوع المسيح لكي يُعرّف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا". وإن كانت الكنيسة قد تكونت ولكن "السموات والأرض الكائنة الآن" فستمضي في وقت لاحق أما الكنيسة فستبقى لمجد الله ولشبع محبة المسيح إلى دهر الدهور.

وبينما نرى المسيح والكنيسة أمامنا بصورة رمزية فعلينا أن نتذكر أن حواء تمثل الكنيسة كعروس المسيح. وكما رأينا أن هناك أوجه أخرى للكنيسة ولكننا في هذه الزاوية نجد أسمى وأعلى مركز للكنيسة فهي القريبة لقلب الله والعزيزة على قلب المسيح. ونتعلم أن الله قصد أن يضمن غرضاً يتناسب تماماً مع محبة المسيح. ولا نرى في الكنيسة كعروس أنها فحسب جماعة من الناس وجدت في المسيح غرضاً كافياً لإشباع قلوبهم، بل إنهم جماعة من الناس قد صاروا غرضاً كافياً لمحبة المسيح، وهذا هو الأمر العجيب والمبارك للكنيسة باعتبارها عروس المسيح. قليلاً ما نتعجب أن تجد الكنيسة في المسيح غرضاً للمحبة، أما أن تصبح الكنيسة غرضاً كاملاً يجد فيه المسيح محبته فهو حقاً ما يدهشنا كثيراً.

بهذه الفكرة العظيمة يفتتح الله كتابه وبهذه الفكرة العظيمة أيضاً يختمه. وما بدأه الله لا يتخلى عنه. ويُفتَتح سفر التكوين بالصورة التي تكتشف فكر قلبه، ومع أن الخطية والموت أفسدتا خليقة الله، وطوال التاريخ المحزن لفشل الإنسان وخراب الكنيسة تحت المسئولية فإن الصورة تشوهت وضاعت، ولكن في النهاية هذه الفكرة العظيمة لله تبرز إلى النور وفي السفر الختامي للكتاب يُسمح لنا مرة أخرى أن نرى يسوع يُسرّ بعروسه والعروس منتظرة يسوع.

وعندما نتطلع بإيجاز إلى الصورة في تكوين2 نرى في الجزء الأول من الإصحاح وصفاً لجنة المسرات التي أعدها لله للإنسان. و"عدن" تعني "مسرة". إنها مسرة الله أن يمد خليقته بما يجعلهم مسرورين ولهذا نجد في الجنة "كل شجرة شهية للنظر" فهو يوفر كل ما هو جميل. وهناك كل شجرة "جيدة للأكل" لتسديد كل حاجات الإنسان. وأيضاً شجرة الحياة ليمنح الإمكانية للتمتع بهذا المشهد، وهناك أيضاً شجرة الخير والشر وما يصاحبها من منع. فكل ما جنة المسرات هذه للتمتع طالما كانت هناك العلاقة القائمة مع الله والمُعبّر عنها بالطاعة لله.

هذا المشهد الجميل الذي صنعه الرب، قد وضع فيه الإنسان ليعمل ويحفظ هذه الجنة. وبالرغم من جمال الجنة لكنها افتقرت إلى الكمال ولهذا السبب صار آدم وحيداً. كان كل ما يحيطه كاملاً، ومركزه متفوقاً فهو أعلى من كل الخليقة الوضيعة- ولكنه كان وحيداً، وليس حسناً أن يكون آدم وحده. كان كل شيء هناك بمسرة عينيه، وكل شيء هناك لحفظ حياته، وكانت لديه القدرة ليتمتع بكل ما يحيط به، ولكن في جميع هذه المشاهد الجميلة والكثيرة لم يكن هناك غرض لإشباع قلبه، ففي كل الأشياء المحيطة به العظيمة والوضيعة لم يكن هناك منها ما يتجاوب مع محبة قلبه فقد كان وحيداً.

ولكن يبرز أمام نفوسنا مشهداً آخر، إنه ظل جميل لمشهد للبيت الأبدي الذي لا يمكن أن تدخل إليه الخطية. فمع أن الجنة كانت في حد ذاتها كاملة ولكنها قابلة لدخول العدو فيها ونعلم كيف دخل إليها العدو سريعاً واستحضر الخطية والموت والخراب إلى جنة المسرات هذه، غير أن البيت الذي كانت الجنة تشير إليه ليس فقط هو مكان الكمال الأبدي والمسرات الأبدية ولكن أيضاً لا يمكن للعدو أن يدخل إلى هناك ولا القدمين التي لوثتهما الخطية أن تعبر إليها، فهو مشهد لا يقترب منه الموت ولا الحزن ولا الصراخ ولا الوجع. هذه الأشياء ليست هناك ولا يمكن أن تدخل إليه لأنها عبرت بعيداً. ولكن يسوع هناك وابن الإنسان في مركزه الفائق في دائرة هذا المجد، أفلا نقول إنه يكون هناك ليعملها ويحفظها فإن كل بهاء وزينة هذا المشهد وضمانها الأبدي إنما هو نتيجة عمله.

لا تُربة قد أفسدتها بذور خبث أو شرور

أو لمسـة الإنسان غاشمةٌ لتقلع الزهـور

لا شيء يسلبنا الصفاء ويمنع الخير الكثير

في ذلك الوطن الذي بالخير يغمره السرور

فكـل ما يجذبنـا أو يسبي فينـا النظـر

حلـوٌ جميـلٌ طاهـرٌ يشد فينـا الوتـر

كـل النسيم حولنا أنفـاسه عطـرٌ سرى

يقول أن بوسطنـا يسـوع سيـد الورى

ولكن لو ظل آدم وحده هناك تُرى هل كان يصبح قلبه مكتفياً ومسروراً؟ وهل نكون نحن في اكتفاء إذا وجدنا أنفسنا في مشهد الكمال الأبدي والقداسة التامة ويسوع ليس هناك؟ وهل يكون هو مكتفياً إن كنا لسنا هناك؟ إن مهد الكمال الأبدي لن يُشبع القلب. فكما أنه لابد أن يكون هو الغرض أمام قلوبنا، أفلا بد أن نصبح نحن الغرض أمام قلبه؟ ولكن كيف يصبح هذا الغرض مضموناً؟ هذا ما نتعلّمه في الصورة التي أمامنا إذ نجد الطريقة التي أمدّ الله بها معيناً لآدم.

أولاً نتعلم أن الشخص الذي سيصبح معيناً يجب أن يكون "نظيره" أو "مثله". وعلينا أن نقرأ الكلمتين الأخيرتين التي ترد في عدد18. فالشخص الذي يمكن أن يشبع قلب آدم يجب أن يكون نظيره وله ذات الأفكار والعواطف وقادر أن يتجاوب مع محبته. لأن المحبة فقط هي التي بمقدورها أن تكتفي بغرض تتجاوب مع محبته.

ولقد عبرت الخليقة الدنيا أمام آدم ودعاها بأسمائها- لا بأسماء وهمية، فالاسم في الكتاب يمثل الخاصية المميزة لمن تسمّى. وفي تسمية آدم للحيوانات نرى أن آدم كانت له معرفة تامة بالحيوانات، ولكن مع هذه المعرفة الكاملة فقد فشل أن يجد لنفسه معيناً نظيره. وليست في كل الخليقة الدنيا ما يجد من يشاركه أفكاره أو يحس بأحاسيسه أو من يتجاوب مع محبته، إذ كان في أعلى مستوى بما لا يقاس عن كل الخليقة الحيوانية.

ولكن ما يُعد نظيره كان يلزم من التدخل الإلهي، وبهذا التدخل تتضح لنا ثلاثة أشياء:

أولاً- حواء أُخذت من آدم

ثانياً- حواء صُنعت لآدم

ثالثاً- حواء استُحضرت لآدم

وهنا نرى ثلاث حقائق عُظمى أمامنا في أفسس5. فأولاً إذا كانت حواء نظيره فلابد أن تؤخذ من آدم. كان لابد له من النوم العميق ويؤخذ الضلع من آدم والتي بُنيت المرأة منها. هكذا أيضاً المسيح لكي ما يقيم عروساً له- عروساً نظيره وتتجاوب مع محبته فلابد أن تؤخذ منه حقاً. كان لابد له أن يدخل في نوم عميق وهو نوم الموت وإلا بقي وحده "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها"، "إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً (أو نسله)". نسله لابد أن يكون نظيره وهو نتيجة موته، والمحبة هي التي كانت وراء موته إذ نقرأ "هكذا المسيح أيضاً أحب الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها".

ثم نقرأ إذ أخذ الضلع من آدم، أنه "بنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة". وبالارتباط مع الكنيسة أفليس هذا العمل هو الذي يجري حالياً في الوقت الحاضر بالروح؟. فإذا كان بموت المسيح أصبحت العروس وهي نظيره في أمان، فإنه في الوقت الحاضر بعمل الروح فإن عواطفنا ترتبط بالمسيح، وكنتيجة أيضاً لعمل المسيح الآن في تقديسه وتطهيره لنا بغسل الماء بالكلمة. إن قلوبنا تتأثر بقوة محبة المسيح، والعواطف العرسية تتكون بسبب تكريس عواطفنا لنفسه وتطهيرنا من كل ما لا يتفق مع عروس حقيقية وعفيفة.

وفي النهاية تُستحضر العروس. لقد أُحضرت حواء إلى آدم وقال آدم "هذه الآن (بالمباينة مع الوقت الذي عبرت أمامه الحيوانات) عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنها من امرءٍ أُخذت". ويجد آدم في النهاية "نظيره". وهكذا أيضاً سيأتي اليوم عندما تُستحضر الكنيسة وهنا نرى ثلاث حقائق عُظمى أمامنا في أفسس5. فأولاً إذا كانت حواء نظيره فلابد أن تؤخذ من آدم. كان لابد له من النوم العميق للمسيح "كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن ولا شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا لوم". إنها منه شخصياً ولذلك فهي نظيره، وهي تتشكل في عواطفه بعمله في تقديسها وتطهيرها بعمل الكلمة ولذلك يمكنها أن تتجاوب مع محبته. وطوال الأبدية سيصبح للمسيح عروسه، إنها منه شخصياً ولذلك فهي نظيره، إنها تتشكل في عواطفه بعمله فيها لتقديسها وتطهيرها بالكلمة ولذلك يمكنها أن تتجاوب مع محبته، قادرة أن تفكر مثله وتشعر بشعوره وتحب كما يحب. ولذلك فهي صارت كاملة لتتوافق مع غرض محبته، عندئذ يصبح المسيح مكتفياً وسيرى من تعب نفسه ويشبع.

ما أمجـد اليـوم الذي فيـه تُتَمـم الوعـود

حيث العريس والعروس يُرون في العرس المجيـد

تزدان أرجـاء السماء ويُعزَفُ اللحن السعيـد

وتشبـع المحبـةُ بذلـك الحــب الشديــد.

  • عدد الزيارات: 3913