Skip to main content

حقيقة الجسد الواحد

إن أول حق يتوجب على الكنيسة أن تشهد له هو هذا:

أ-هناك جسد واحد

كيف يستطيع المؤمنون أن يشهدوا لهذه الحقيقة اليوم؟

(1)ربما كانت أبرز طريقة لذلك هي عدم اتخاذ تسمية خاصة من شأنها أن تعزلهم عن باقي المسيحيين. ففي كنيسة كورنثوس كان البعض يقولون "أنا لبولس" وآخرون "أنا لأبلّوس" وآخرون أيضاً "أنا للمسيح". وبولس يشجب باحتداد روحاً كهذه متسائلاً "هل انقسم المسيح على ذاته؟" (1كو1: 10-17).

واليوم ينقسم المسيحيون شيعاً وطوائف بأسماء أقطار, وقادة دينيين, وفرائض, ونُظُمٍ لإدارة الكنائس. وكل هذه إنما هي إنكار فعلي لوحدة جسد المسيح.

(2)من الجلي الواضح أن أفضل طريقة هي أن يُعرف أولاد الله بالأسماء الواردة في الكتاب المقدس, خذ مثلاً كلمة "المؤمنين" (اع5: 14) و"التلاميذ (اع9: 1) والمسيحيين (اع11: 26) "والقديسين" (اف1: 1) والأخوة (يع2: 1). ولعل من أشق الأمور في شؤون كنسية أن لا يحمل المرء اسماً آخر سوى اسم مؤمن بسيط. فالأغلبية العظمى اليوم يعتقدون أن المرء يجب أن يتبع كنيسة نظامية ما, وأن يحمل اسماً غير تلك الأسماء المدونة في كلمة الله. وكل من يرفض أن يدعى باسم آخر غير أنه ابن لله سوف يتعرض للهزء حتى من المسيحيين الآخرين, وسوف يبقى لغزاً وأحجية في المجتمع. ولكن أنّى للمؤمنين أن يفعلوا غير ذلك؟

(3) ومن الواضح أن ليس كافياً أن يكون للمرء اسم كتابي صحيح. فمن الممكن جداً أن يتمسك الإنسان بلغة الكتاب بتدقيق ولكنه في روحه طائفي متطرف. لقد كان البعض في كورنثوس مثلاً يقولون "أنا للمسيح". ولعلهم كانوا يفاخرون بصحة تسميتهم, ولكنهم فعلاً كانوا يقصدون أنهم, دون سواهم من مؤمنين حقيقيين, هم للمسيح. ولقد دانهم بولس كما دان أولئك الذين ادعوا بأنهم موالون له أو لأبولس.

(4)عندما يكون هناك أي شك في صحة بعض الطوائف كتابياً يذهب البعض إلى أن الرب قد بارك بعض الفئات والطوائف في الكنيسة بركة عميقة. وإذا ما سلمنا جدلاً بصحة هذا القول فيجب أن لا ننسى ما يأتي:

أ-إن بركة الرب لا تعني رضاؤه عن كل التفصيلات. فهو يكرم كلمته, ولو كان إلقاؤها مصحوباً غالباً بالفشل والقصور. فلو أن الرب لا يبارك إلا حيث يوجد الكمال فقط لما كانت هناك بركة على الإطلاق. ولذلك إذا ما رأت طائفة ما يد الرب تعمل وتبارك فليس معنى ذلك أنه راضٍ عن كل ما في تلك الجماعة. فالرسالة دائماً أعظم من الرسول.

ب-أما رأي الرب من جهة الانقسامات في الكنيسة فمعلن بوضوح في 1كو3: 4 " لأنه متى قال واحد أنا لبولس وآخر أنا لأبلوس أفلستم جسديين؟".

ج-هذا فضلاً عن أن هذه الانقسامات في الكنيسة تولد شروراً عظمى:

1-فهي تقيم حواجز مصطنعة في طريق الشركة.

2-وهي تحدد من حرية انتقال رجال الله الموهوبين الذين يجب أن تكون خدمتهم في متناول الكنيسة كلها.

3-وهي تؤدي إلى بلبلة العالم وتجعل الناس يتساءلون " أية كنيسة هي الأصح؟".

كتب ماركوس رينزفورد في كتابه الشهير " الصلاة الربانية للمؤمنين" يقول:

" إنني شخصياً أعتقد إن المذاهب والطوائف إن هي إلا نتيجة محاولات الشيطان لتشويه الوحدة المنظورة لكنيسة الله وعرقلتها ما أمكن ذلك. وهي كلها راجعة إلى كبريائنا الروحية ومحبتنا لذواتنا, وبرنا الذاتي, وخطيتنا.

ليت الرب يسامحنا على انقساماتنا, وليته يقومها. فليس من شيء يعطي الذين هم من خارج الفرصة للشكاية علينا أكثر من الانقسام بين من يدّعون المسيحية. إن المنازعات والمشاحنات بين الرجال والنساء من مذاهب وطوائف مختلفة لكنيسة الله المنظورة كانت دائماً إحدى العقبات العالمية الكبرى, فبدلاً من أن يقول الناس " انظروا كيف يحب أولئك المسيحيون بعضهم بعضاً تراهم يقولون انظروا كيف ينددون بعضهم ببعض ويدين بعضهم بعضاً ويؤذون بعضهم بعضاً".

(5) إن المؤمنين الذين يعزمون على الشهادة لوحدة جسد المسيح يجدون من الصعب عليهم أن يعزلوا أنفسهم عن كل انقسام في الكنيسة وأن يحتفظوا في الوقت نفسه بروح المحبة نحو كل شعب الله.

كتب س. هـ.ماكنتوش المؤلف المحبوب لـ" تفسير التوراة" يقول:

"إن الصعوبة الكبرى هي التوفيق بين الانعزال التام وبين روح التسامح والوداعة واللطف والاحتمال, أو كما قال أحدهم "الاحتفاظ بدائرة ضيقة في قلب كبير", وتلك صعوبة بالغة. وبمقدار ما إن الحفاظ على الحق بدقة لا تعرف المساومة يدعو إلى تضييق الدائرة حولنا, بمقدار ذلك أيضاً نحتاج كلنا إلى قوة النعمة المتسعة لتحفظ القلب متسعاً وتبقي على حرارة المحبة. ونحن إذا ما دافعنا عن الحق بأي شيء سوى التسامح فإننا نظهر شهادة ذات وجه واحد, وليس بها شيء يجذب أو يُحَب. ومن الناحية الأخرى إذا حاولنا إظهار التسامح على حساب الحق فمعنى ذلك في النهاية أننا نتساهل على حساب الله كما يفعل الكثيرون. وهو أمر لا يستحق الاعتبار إطلاقاً.

ولقد عبر و. هـ. جريفت توماس W.H.Griffith Thomas عن الفكر عينه إذ قال في كتابه " Ministerial Life and Work":

فلتثبت المبادئ على صخرة الحق الإلهي التي لا يخطئها إنسان ولكن لتمتلئ قلوبنا رأفة قدر المستطاع لكل الذين يحاولون أن يحيوا للمسيح وأن يخدموه. إنني لا أستطيع أن أنسى كلمات ذلك القديس النبيل, الأسقف ويبل Bishop Whipple أسقف مينيسوتا, ورسول الهنود, تلك الكلمات التي سمعتها في لندن في إحدى الفرص التاريخية. قال : "لقد حاولت طوال ثلاثين سنة أن أرى وجه المسيح في أولئك الذين كانوا يختلفون عني في المبادئ".

(6) إن إظهار وحدة جسد المسيح لا يكون عن طريق الحركات المسكونية التي نسمع عنها كثيراً في هذه الأيام. إن هذه الاتحادات والمجامع وما شابهها لا تنجح إلاّ في المساومة على حساب الحقائق العظمى للكتاب المقدس. إن الجماعات المسيحية ينكرون ربهم عندما ينضمون مع أولئك الذين ينكرون مولد المسيح من عذراء ولا يؤمنون بحياته المعصومة الكاملة في الجسد, وموته الكفاري بديلاً عنا, وقيامته بالجسد, وصعوده, ومجيئه الثاني.

(7) إن الأساس الصحيح للوحدة المسيحية هو المحبة المشتركة للمسيح ولكلمته. وعندما يكون مجده هو رغبتنا الكبرى فعندئذٍ تتقارب قلوبنا وتستجاب صلاته "ليكونوا واحداً كما إننا نحن واحد" (يو17: 22).

يقال عادة أنه عندما ينتهي المد وينحسر الماء يخلف وراءه بركاً من الماء هنا وهناك على الشاطئ تفصلها بعضها عن بعض مسافات شاسعة من الرمال, ولكن عندما يجيء المد العظيم مرة أخرى يغمر هذه جميعها فتصبح كلها واحدة متحدة. وهكذا الحال مع كل اختلافاتنا القلبية "وانقساماتنا الأسيفة" سوف يفيض مدّ الله العظيم بصورة أعمق وأقوى ليغمر حياة كل منا أفراداً وجماعات, وفي بحر تلك المحبة الفياض نستطيع أن نختبر المحبة الإلهية الكاملة والفرح والسلام إلى الأبد.

أما الآن فمسئولية الكنائس المحلية هي أن تؤدي الشهادة لوحدة جسد المسيح في وقت ينكرها معظم المسيحية الاسمية. ويمكنهم أن يفعلوا ذلك بقبولهم أخوتهم المؤمنين في الروح والمبدأ والحياة.

  • عدد الزيارات: 5310