أولاً- تعريف الكنيسة
أ-كلمة "كنيسة" في العهد الجديد هي ترجمة للكلمة اليونانية "اكليسيا" ومعناها
"جماعة مختارة", أو "جمعية" أو "جماعة". وقد استعمل استفانوس الكلمة في وصفه لإسرائيل بأنهم "الكنيسة (الاجتماع) في البرية" (اع7: 38). واستعملت الكلمة عينها أيضاً في سفر الأعمال في وصف الغوغاء في مدينة أفسس (اع19: 32و 39و 41). أما الاستعمال الأكثر شيوعاً للكلمة في العهد الجديد فيصف جماعة من المؤمنين بالرب يسوع المسيح. وهكذا يتكلم بولس عن "كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (اع20: 28). وفي رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس يقسم الرسول الكبير العالم أقساماً ثلاثة هي اليهود, والأمم, وكنيسة الله (1كو10: 32). ثم يتكلم عن كنيسة الله باعتبارها تشمل جماعة المؤمنين المسيحيين الذين كان يضطهدهم قبل تجديده (1كو15: 9).
ب-كثيراً ما يقال أن الكنيسة ليست منظمة أو هيئة بل هي جسم حي. وهذا معناه أنها ليست منظمة لا حياة فيها بل هي وحدة حية. فهي شركة واتحاد يضم جميع الذين يشتركون في حياة المسيح والذين يربطهم معاً في اتحاد حي روح الله القدوس. ولقد صدق من وصفها إذ قال أنها "شركة خالصة من أشخاص بدون مميزات النظم المعهودة".
ج-يضفي العهد الجديد ألقاباً وصفية عديدة على الكنيسة ومن أنجح السبل لتفهم ما هي الكنيسة أن نتأمل في معنى كل لقب. وهاك أبرز تشبيهات الكنيسة:
1-هي قطيع أو خراف (يو10: 16). فالأمة اليهودية حظيرة, أما الكنيسة فخراف أو قطيع أو رعية. وهكذا قال المسيح في يو10: 16 "ولي خراف أُخَرُ ليست من هذه الحظيرة (اسرائيل) ينبغي أن آتي بتلك أيضاً فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد". وفكرة الرعية تعيد إلى الأذهان جماعة من المؤمنين المسيحيين يعيشون سوياً تحت رعاية الراعي الصالح مشمولين بحبه وحدبه, يسمعون صوته ويتبعونه.
2-فلاحة الله (1كو3: 9). فالكنيسة بستان لله يريد أن ينبت فيه ثمراً لمجده. وهكذا نرى أمامنا فكرة الإثمار.
3-بناء الله (1كو3: 9). وهذا التعبير يصوّر لنا الله وهو يضع برنامجاً للبناء. فهو يضع في الكنيسة حجارة حية. فمن المهم جداً أن تكون حياتنا مكرسة لمشروع البناء الذي يهم الله تلك الأهمية القصوى.
4-هيكل الله (1كو3: 16). وكلمة "هيكل" تذكرنا مباشرة بفكرة العبادة, وإن العبادة الوحيدة التي يقبلها الله اليوم هي تلك الصادرة من أولئك الذين هم أعضاء في الكنيسة.
5-جسد المسيح (اف1: 22و 23). والجسد هو الوسيلة التي يُظهر الشخص بها ذاته. ولذلك فجسد المسيح هو الجماعة التي اختار الرب أن يظهر نفسه بها للعالم اليوم. وإذا ما أدرك المؤمن هذه الحقيقة العظمى فلن يعود يستهين بأهمية الكنيسة, بل سوف يكرس نفسه بدون تحفظ لخدمة جسد المسيح.
6-إنسان جديد (اف2: 15). وهنا تبرز فكرة الخليقة الجديدة. ففي الكنيسة أزيل الفرق الأعظم الذي كان سائداً من قبل, ألا وهو التفريق بين اليهودي والأممي, وجعل الله من الاثنين إنساناً واحداً جديداً.
7-مسكن لله (اف2: 22). وهذا التعبير يعني أن الله الآن يسكن في الكنيسة. لا في خيمة مادية أو هيكل ملموس, كما كانت الحال في العهد القديم.
8-عروس المسيح (اف5: 25- 27 و2كو11: 2). وهذه الفكرة عن الكنيسة تبرز فكرة المحبة: "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يُحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن". فإذا كان المسيح قد أحب الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها, فمن البديهي إذن أن تمتلئ الكنيسة بالحب له.
9-بيت الله (1تي3: 15). وفكرة البيت توحي إلينا بالترتيب والنظام. وفكرة الترتيب واضحة في 1تي3: 15 "لكي تعلم كيف أن تتصرف في بيت الله". وأما فكرة النظام فواردة في 1بط4: 17 "ابتداء القضاء من بيت الله".
10-عمود الحق وقاعدته (1تي3: 15). فالعمود في القرون الأولى كان دعامة للبيت كما كانت تعلق عليه الإعلانات والنشرات, وهكذا كان وسيلة للإعلان, و"القاعدة" معناها الحصن والسند. فكنيسة الله هي الوحدة التي عيّنها الله لنشر حقه, ودعمه, والمحاماة عنه. فنستطيع إذن أن نقول بحق أنه إذا ما أراد المسيحيون أن يكونوا في طريق مشيئة الله وقصده فعليهم أن يكرسوا أفخر جهدهم لانتشار الكنيسة وازدهارها.
كثيرون هم الذين يفخرون اليوم بأن رسالتهم هي أن يبشروا بالإنجيل ولا يرون عليهم أي واجب تجاه الكنيسة. على أولئك أن يعرفوا أن خدمة بولس الرسول كانت ذات شقين:
أ-أن يبشر "بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يستقصى".
ب-وأن ينير "الجميع في ما هو شركة السر المكتوم", أي يعلمهم ويثبتهم في حقائق الكنيسة العظمى (اف3: 8 و 9).
- عدد الزيارات: 9447