Skip to main content

الفصل 2

عند انتهاء الاجتماع ذهب تالوس بدعوة من مرقس وجوليا وكورش إلى بيتهم. ولكي لاتقع عليهم عيون العسكر الروماني أو يتعرضوا لأسئلتهم ساروا في طريقهم عبر الممرات الضيقة والشوارع الخلفية حتى وصلوا على المكان الذي كان مرقس قد أخفى عربته فيه.

كانت مزرعة مرقس تقع خارج مدينة رومية ولذلك انطلقوا على مهل على طول الطريق المهجورة. يتبادلان الحديث، وهذا الأخير يتحدث بلهفة عن نجاحه مع أفراسه.

(إذاً أنت لاتزال تربي الخيول؟) قال تالوس. أجاب مرقس: (نعم. منذ وفاة أبي وأنا أدير المزرعة).

-(إني أذكر أباك جيداً فضلاً عن أنه كانت لدينا أفضل الخيول في المنطقة).

وفجأة-ودون سابق إنذار- تراجع الحصانان اللذان يجران العربة رافعَين قوائمهما في الهواء خوفاً مما ظهر لهما. فما إن وطئت أقدامهما جسراً خشبياً صغير حتى هوَت ألواح مشققة على الأسفل إلى النهر القليل الماء!.

فنادى مرقس جوادّيه (هِش، هِش) فيما كان يحاول السيطرة على وثباتهما المذعورة. وقبل أن يهدأا قفز والد جوليا من مؤخرة العربة وأسرع نحو الجسر صارخاً: (يبدو أن سُلا هو الذي قام بهذا اعمل مرة أخرى). ولدى سكون الحصانين وثب مرقس أيضاً نازلاً وتبعه تالوس وجوليا، ولما تفحصوا الجسر المكسور اكتشفوا أن العملية كانت مدبَّرة. فقد رُتِّبت الأخشاب بشكل تجعل الجسر يتداعى لحظة يدوس الجواد أيّ واحدة منها!.

قال تالوس متسائلاً: (لقد ذكرت اسم سُلا ياكورش، فهل لك عدو؟). (أجل) أجابت جوليا بسرعة. (إنه جاه الذي يحسده على خيوله).

فأجاب كورش محذراً: (جوليا، ليست هذه هي الطريقة التي يتكلم بها المؤمن المسيحي).

فردت جوليا بوداعة: (آسفة ياأبي! ولكن ذلك الرجل يوتِّر أعصابي، مرقس لايرد اتهامه رغم معرفة كليكما بأنه وراء هذه الأعمال).

(لابدّ من القول أن الدلائل تشير إلى أن أحداً قد تلاعب بالجسر) قال مرقس.

وأضاف كورش: (شكراً لله أننا كنا نسير ببطء جعل من السهل على الحصانين أن يتوقفا فوراً. كان من الممكن جداً أن يُصابا بأذى بالغ).

وهنا قفز مرقس إلى مقعده في العربة ليدور بها وهو يقول: (لابأس. فلَدر دورة أخرى في اتجاه البيت).

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم أُوقف الجوادان أمام منـزل مرقس، ولما نـزل الجميع اقتاد مرقس العربة إلى ظِلة قريبة وحل الحصانين ليريحهما.

أما في داخل المنـزل فكانت تنتظرهما الأطعمة التي أعدها الخدام. وعند انتهائهم من تناول الطعام صرف تالوس بعض الوقت وهو يحدثهم عن سفراته في أوروبا ومغامراته التي خاضها أثناء كرازته بالمسيح.

في اليوم التالي ذهب مرقس بتالوس في جولة حول مزرعته وشرح له بالتفصيل كل ماله علاقة بعمله. فَسُر تالوس جداً وأعجب بالخيول المطَّهَمة التي رآها. وبينما كان كورش يقتاد إحدى المركبات بالقرب منه، قال تالوس: (ياله من رباعيّ جميل! هل تشتركون في الكثير من السباقات؟).

(أجل ياتالوس، إنها الطريقة الوحيدة لاجتذاب الشارين) أجاب مرقس. (مايهمني ليس كسب السباقات فقط بل أيضاً إثبات أصالة خيولي. أنا وكروش نربِّيها على القوة والسرعة والاحتمال). ولما قال هذا ربَّت على عنق فري يزيِّنه حريريّ جميل وقد كان واقفاً قرب الظِلَّة المخصصة لعلف الخيول.

في تلك اللحظة دخل كورش يجر حصاناً بالقرب منهما ليبدأ بالكلام من حيث انتهى مرقس، فأضاف يقول: (... والوداعة أيضاً. فحتى الأولاد يستطيعون اقتياد خيولنا، أليس كذلك يامرقس؟).

-(أجل. (أوه، ماهي جوليا قادمة). تأمَّل نوعية هذا الفرس. إنه أسع فرس عندي).

غير أن صول جوليا السريع لم يكن حباً بالظهور بل رغبة منها في توصيل أبخار مستعجلة كانت تحملها. فنادت وهي تلهث: (يامرقس! وياأبي! إن سياجاً آخر قد هُدِم).

(مرة أخرى؟ إنها المرة الثالثة خلال هذا الشهر) قال كورش باستغراب.

فأجاب مرقس بغضب: (أرى أن هذا أيضاً عمل من أعمال سُلا).

وقبل أن تنهي جوليا كلامها أضافت تقول: (.. وإن بعضاً من أفراسنا وأمهارنا قد شردت في اتجاه أرض سُلا).

فأشار مرقس بحركة منه إلى تالوس قائلاً: (هلم بنا نعترضها ونعود بها إلى مكانها. أنا سآخذ هذا الحصان). ثم قال لجوليا: (أعطي حصانك لتالوس لنعود من مزرعة سُلا بهذه الخيول الشاردة).

ولما مضيا وجدا سُلا ورجاله وقد طوقوا خيول مرقس على مسافة كيلومتر واحد من السياج المتهدم فصاح سُلا عابساً وقد تكشفت صلعته عن جبهة متجعدة: (أخرج من أراضي يامرقس وإلا لاحقتك بتهمة التعدي على أملاك الغير).

أجابه مرقس بلطف: (حسناً، ولكننا أتينا لاسترجاع خيولنا).

(خيولك؟) قالا سُلا هازئاً وقد علت وجهه علامات السخرية والخبث. (كل الخيول اللي على أراضي هي لي. كيف تثبت أنها لك؟).

(لست في حاجة إلى ذلك) قال مرقس بهدوء أعصاب. (سأترك أفراسي تثبت لك ذلك بنفسها).

وعندها صفَّر بصوت عال وانطلق يعدو على ظهر حصانه وتالوس يسير في أثره. فلما سمعت الأفراس صوت سيدها استدارات فوراً وراحت تعدو وراءه.

وهنا صاح مرقس ملتفتاً إلى الوراء: (أرأيت ياسُلا؟ ليس في وسعك أن تخذع الخيول الأصيلة). فاستشاط سُلا غضباً بسبب الإهانة التي لحقت به على يد منافسه مرقس أمام عبيده بالذات. فالتفت إلى واحد منهم وصاح به: (لِمَ لَم تخفِ تلك الأمهار كما أمرتك؟).

فشعر العبد المسكين بما كان ينتظره فانحنى أمام استطاع قوله للدفاع عن نفسه هو: (لم يكن لديّ متسع من القوت). فنظر سُلا على باقي العبيد وأمرهم: (خذوه واضربوه خمسين جلدة) ثم مضى إلى بيته ساخطاً مقطب الجبين.

وبينما كان تالوس ومرقس يصلحان السياج المتهدم الذي من عنده شردت الخيول، قال الأول: (الآن فهمت ماعنيته بقولك أنك لاتقدر أن تُثبت شيئاً ضد سُلا). فأجاب مرقس: (إنه خبيث ولاريب. في مامضى كنا نتنافس بروح ودية ولكن لما استأجرت كورش ليعمل سائساً عندي وبدأت أكسب معظم سباقات العربات، لم يعد سُلا يطيقني).

  • عدد الزيارات: 2771