إحياء شيلوه وانتعاشها
مما يلفت النظر أن هناك صورة جميلة لعروس المسيح مرموز لها براعوث وهذا يأتي بنا إلى القرن الحاضر من المسيحية ففي بداية هذا القرن كان الروح القدس استحضر أمامنا عروس بوعز السماوية
والحق المجيد المختص بالفداء الأبدي الذي تكمّل بالقيامة. والآن بعدما صارت شيلوه منسية فإننا نرى أشياء كثيرة عن شيلوه في الثلاثة الإصحاحات الأولى من سفر صموئيل الأول بأكثر مما نجده في كل الكتاب أو في تاريخ إسرائيل من قبل.
إنه من المفيد لنا أن نقرأ بعناية هذه الإصحاحات الثلاثة التي ترتبط بموضوعنا ونقارنها مع (رؤيا 3: 7- 22). فمن جهة نجد أن المشاهد الختامية لشيلوه، ومن الناحية الأخرى نرى المشاهد الختامية للمسيحية. وفي كليهما نقترب من القضاء. ليت الروح القدس يفتح أعيننا لنرى تطبيق ذلك على ما يحيطنا من ظروف في أيامنا هذه.
نجد في 1 صموئيل عائلتين وكليهما في شيلوه، في المكان الذي أسكن اسمه فيه منذ البداية. ففي عائلة منهما لا نجد فيها شيئاً يدينه الله، وفي العائلة الأخرى لا نجد فيها شيئاً يزكيه الله. وفي الأيام الأخيرة للمسيحية لا يجد الرب في كنيسة فيلادلفيا شيئاً واحداً يدينه فيها (رؤ3: 7-13)، أما في لاودكية فلا نجد شيئاً واحداً يمتدحه أو يزكيه فيها (رؤ3: 14- 19).
والأسماء الواردة في العائلتين لها معاني ومدلولات هامة فنتعلم منها أنه لا يكفي لنا أن نكون على الأساس الصحيح للاجتماع حول المسيح ليتخذ سلطانه ورياسته الحقيقية، كشيلوه الحقيقي، وباعتباره المكان الوحيد الصحيح الذي يؤكده، ولكن أيضاً يجب أن تصبح نفوسنا في حالة صحيحة عندما نجتمع حوله.
هناك عائلة ألقانة وعائلة عالى، وكلاهما كانا في شيلوه. وهذه الإصحاحات تتحدث عنهما وهما في شيلوه. ولا أحد ينكر الاعتراف بأنه حدثت نهضة ملحوظة لهذا الحق الثمين باعتباره المكان الحقيقي الوحيد للعبادة والخدمة، هذا الذي يجمع المؤمنين للمسيح باعتباره شيلوه الحقيقي، وذلك في الخمسين سنة الأخيرة[1].
ويأتي اسم ألقانة أولاً "وألقانة" معناه "الله يفدي" أو "نصيب الله" أو "الذي خلقه الله". وفي هذه المعاني جميعها يرتبط الاسم كله بالله. فالفداء قد تم والله افتدانا لنفسه، نحن ملكه ولا يستطيع أحد أن يخطفنا من يده. نحن ملكه ولسنا لأنفسنا. "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة". وهذه الخليقة الجديدة كلها من الله. وهكذا نجد أن اسم ألقانة يدل على الحقائق المباركة التي استردها الله لنا في هذه الأيام الأخيرة.
واسم "حنه" له مدلول، فإنها "النعمة والرحمة" إنها حرية النعمة المجانية وأعماق رحمته.
وبالمباينة مع هذه جميعها- "عالى" يعني "الابن الذي يتربى ويُطعم" أو "الذي تبناه الرب". ويلاحظ أن الكلمة في اليونانية "ديوتريفس" تعطي نفس المعنى أي "الله الذي يُطعم ويغذي". وهذا كله يشير إلى الحالة الروتينية الشكلية التي كان عليها عالى في الوقت الذي كان يجب أن يكون عليه في مكان التمتع بعلاقة التبني لمن هو مولود من الله. أليس هناك اختلاف بين ما يقره الله عن الجسد وبين الطبيعة الإلهية المعطاة للمولود من الله.
وأسماء أبناء عالى لها أيضاً مدلولات ولكن الله لم يصادق عليها.
حفنى معناه ملاكم أو من يملأ قبضة يديه.
فينحاس معناه جسور أو متكلم بالوقاحة، وربما كانت هذه الجسارة نافعة في الخير كما رأينا في فينحاس آخر[2]، ولكن ما رأيناه وأسفنا له بحزن شديد عن أولئك الذين أخذوا مكانهم في شيلوه، الذين يعترفون بأنهم جُمعوا للمسيح ولكنهم يحملون هذه الصفات التي تعنيها تلك الأسماء. وبدلاً من السعي لمساعدة وإطعام كل كنيسة الله أينما وُجدت بتلك الحقائق المباركة للفداء الأبدي الكامل- وبمحبة الله التي لا تتوقف وعنايته بالقديسين الذين هم خاصته- وأن كل مؤمن هو خليقة جديدة لله، وبدلاً من إعلان غنى نعمته وأعماق رحمته، بدلاً من هذه الأشياء جميعها، فلا شيء يتفق مع طبيعتهم غير أنهم يذهبون إلى هذا المكان أو ذاك ليحاربوا كل إنسان وكل جماعة مثل الملاكم البارع وبجسارة وقحة لا تعرف الاستحياء. تلك هي أسماء العائلتين اللتين كانتا في شيلوه. وحتى في عائلة ألقانة فإن فننه المزدهرة والأمينة فإن الله لم يصادق عليها مثل حنة الضعيفة ابنة النعمة والرحمة. فأي تحذير وتعليم إلهي لنا.
ولنتأمل الآن في حنة إذ يستحضرها الروح القدس أمامنا بشكل واضح، إذ نراها في شيلوه وقد كانت ضرتها تغيظها غيظاً بسبب عقمها ولكنها طرحت كل شيء أمام الرب في شيلوه. وهناك بكت بمرارة لأجل نفسها. ربما تكون يا قارئي عقيماً ومجدياً بلا ثمر في أمور الرب فهل بكيت بمرارة لأجل ذلك؟ لقد بكت في شدة ألمها، فهل فعلت ذلك؟ وطلبت في شيلوه أن يرزقها ولداً. أما عالى الكاهن العجوز فلم يعرف شيئاً عن هذا كله. رأى ولكنه لم يفهم وظن أنها سكرى. نعم فقد توجد جماعتان في شيلوه ولكنهما لا يفهما بعضهما البعض، كان عالى يجلس عند قائمة هيكل الرب وحنة تبكي بحرقة شديدة ولكنه أجاب طلب من بكت. إنها سكبت نفسها في شيلوه أمام الرب وهو سمع وأجاب. قال يسوع لمساكينه الضعفاء والباكين أمثال حنَه: "الحق الحق أقول لكم مهما سألتم من الآب باسمي فإنه يعطيكم" (يوحنا 16: 23).
والذي طلبته إياه أعطاها: "حنَه حبلت وولدت ابناً ودعت اسمه صموئيل (سأل من الله) قائلة لأني من الرب سألته".
إن الناس تسرّ بما هو عظيم وظاهر ولكن الرب ليس كذلك، يقول "قد جعلت أمامك باباً مفتوحاً لا يقدر أحد أن يغلقه" هل كان ذلك بسبب أنه أصبح عظيماً وقوياً وفعل أشياء جبارة؟ كلا، بل "لأن لك قوة يسيرة، وقد حفظت كلمتي ولم تنكر اسمي". أليس هذا ما يصادق عليه الرب في تلك الأيام الأخيرة؟ فيلادلفيا (رؤ3: 8) هي الإجابة.
وأمامنا صورة محببة للفيلادلفي الحقيقي، فهناك أربعة أشياء تميزه: أولاً كان صموئيل صبياً صغيراً، ويخبرنا يسوع أنه ليس من طريق للدخول سوى "مثل ولد" (لوقا18: 17).
والشيء الثاني أن صموئيل قد فُطم قبل أن يأتي إلى شيلوه، وأي حزن للكنيسة يتسبب من أشخاص يقبلون قبل أن يفطموا من العالم.
والشيء الثالث أن صموئيل تكرس بالموت- موت ثور.
والملاحظة الرابعة لهذا الفيلادلفي الحقيقي أنه كان ساجداً في شيلوه "وسجد هناك للرب".
لا شك أنه هناك كانت مجموعتان في شيلوه، أحدهما مصادق عليها والأخرى غير مصادق عليها، وكلاهما قد اتخذا مكانهما على أساس الاجتماع ليُجمعا للرب. فكيف يمكنني أن أعرف أيهما كان الصحيح؟ أمامنا أربعة أشياء تقودنا في ذلك- الصغر والفطام والتكريس والسجود. فهل هذه العلامات تكشف عن حالة نفوسنا الحقيقية أو بالحري حالة نفوسنا تُظهر هذه العلامات؟ هل نحن حقاً صغار في أعين أنفسنا؟ إن لم نكن كذلك فلسنا أولاداً لحنة أي للنعمة والرحمة. هل نحن مفطومين عن العالم؟ إن لم نكن كذلك فمن الأفضل أن نذهب إلى العالم بدلاً من استحضار العالم إلى شيلوه الله. أنحن حقاً مكرسين لموت المسيح الذي كان فيه الثور رمزاً؟ أتفكر في حقيقة الصلب مع المسيح؟ وفي النهاية أنحن ساجدين حقيقيين بالروح والحق؟ أنحن نُسّر بالله ونفرح بالله؟ ها هي محبة الله لك؟ هل انسكبت في قلبك بالروح القدس المعطى لك وبالتالي جعلتك تتعبد له في سلام مقدس؟ إن هذه العلامات الأربعة فعلت الكثير حيثما اجتمعت النفوس إلى الرب، هناك ينفرد بالسلطان وحده، شيلوه المبارك، حيث مكان السلام وهدوء النفس.
وقبل أن نتقدم في التعرف على خصائص هاتين العائلتين في شيلوه، لكي نميز بوضوح بين ما كان يُسّر الله في ذلك الوقت وما لا يُسّره، فلنسأل أنفسنا أنحن ساجدين حقيقيين؟ أنستطيع أن نرنم ترنيمة شيلوه؟ نعم.
[1]-واليوم مضى ما يزيد عن 170 سنة منذ حدوث تلك النهضة الفيلادلفية (المُعرَّب).
[2]-وهو فينحاس بن ألعازر بن هرون رئيس الكهنة- وقد أظهر غيرته لله عندما قتل زمرى وكزبى، ولذلك أعطاه الرب "ميثاق السلام"، له ولنسله، و "ميثاق كهنوت أبدي" العدد 25: 7- 13. وقد خلف أباه ألعازر كرئيس كهنة. (المُعرّب).
- عدد الزيارات: 2742