سفر القضاة
وسنرى هنا في هذا السفر صورة لتاريخ المسيحية. ففي ص2 نجد الآتي: "وعبد الشعب الرب كل أيام يشوع وكل أيام الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع" ومات يشوع وكل ذلك الجيل انضم إلى آبائه،
"وقام بعدهم جيل آخر لم يعرف الرب ولا العمل الذي عَمِل لإسرائيل". ثم نجد التاريخ المحزن كيف فعلوا الشر وعبدوا آلهة أخرى تركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروت، ولمئات من السنين لا نسمع كلمة عن شيلوه، المكان الذي أقامه الرب ليضع اسمه فيه.
ولكن الله لم ينس شعبه ولكنه أقام قضاة، ومع أن بعضهم كانوا غرباء لكن الله كان يعتني بشعبه وينقذهم. كانت دبورة وجدعون ويفتاح وشمشون ولكن لم يسمى واحداً منهم باسم شيلوه.
وهكذا بالضبط ما رأينا بعد موت بولس وكل هذا الجيل. إذ قام جيل آخر لم يعرف الرب ولا طرقه. كما كان في البداية. وهكذا قام الشيطان بزرع تعاليم مختلفة. ولكن الرب في عنايته بشعبه أقام أفراداً، وبواسطتهم حرر الكنيسة من فسادها الكامل عندما أضاعت كل الحق منها. وظل المسيح لقرون عديدة غير معروف ولا يعترف به كشيلوه الحقيقي. لا بل إن الإنسان في تجديفه وُضع مكانه ليصير المركز والرأس للكنيسة. وحتى المصلحون ولا واحد منهم استطاع أن يكتشف مركز الكنيسة الحقيقي الذي ضاع لفترة طويلة، والمنظور لها أنها مجتمعة حوله فقط وهو صاحب الحق في ذلك. إنهم هربوا من الكثير من الوثنية التي كانوا غارقين فيها. ولكنهم لم يعرفوا المسيح كالمركز الحقيقي الوحيد والذي من حوله يجتمع اثنان أو ثلاثة في هدوء وسلام تام. وتستطيع القول بأنه في جزء كبير مما قاموا به فإنهم احتفظوا بالروح العالمية أو بمبدأ بابل الذي فيه اختلطت الكنيسة بالعالم. وشيء ملحوظ أن ذات الاتجاهات الوثنية قد سادت في المسيحية كما كانت في زمان إسرائيل خلال قرون سادتها الظلمة- تذكارات الأيام، والاتجاه إلى الشرق، وعبادة ملكة السماء، وصور القديسين كما كانت قديماً جوبيتر وعشتاروت الخ. والرهبان والراهبات والشموع والماء المقدس الخ، هذه جميعها وثنية حقيقية- وثنية ترفضها كلمة الله.
ولكن خلال هذه القرون من تاريخ إسرائيل هل كانت شيلوه الحقيقة موجودة؟ نعم كانت حقاً موجودة وبالتأكيد فإن الله يبقى كما هو. وهناك نص يرينا ذلك "ووضعوا لأنفسهم تمثال ميخا المنحوت الذي عمله كل الأيام التي كان فيها بيت الله في شيلوه" (قضاء18: 31). ألم يكن الأمر كذلك في أيام المسيحية وقت تاريخها المظلم؟ كل الأيام التي أقاموا فيها المذابح والصور- كل الأيام ظل فيها مبدأ الكنيسة الحقيقي وهو أن المسيح في الوسط كشيلوه الحقيقي، الوحيد الذي له الحق أن يجمع مفدييه لنفسه على الأرض، كما سيكون في السماء. ومما لا شك فيه فإن عدداً من أشخاص كانوا غير معروفين، كانوا يتمتعون بحضوره في هدوء وسلام. هذا مؤكد أن الرب باق بعينه، مع أن مكان شيلوه الحقيقي كان مجهولاً بين المسيحية باستثناء القليل، كما كان رمزياً في إسرائيل.
وهناك قصة مأساوية في تاريخ إسرائيل المحزن عن ذلك الرجل الذي أراد أن يذهب إلى بيت الرب، ولكنه قال "وليس أحد يضمني إلى البيت" (قضاء19: 18). كانت شيلوه مجهولة إلى حد بعيد خلال هذه القرون، وليس غير قليلين ممن كانوا يعرفون هذا الطريق. وتَطَلّب معرفة المكان وصفاً دقيقاً للوصول إليه "ثم قالوا هوذا عبد الرب في شيلوه من سنة إلى سنة شمالي بيت إيل شرقي الطريق الصاعدة من بيت إيل إلى شكيم وجنوبي لبونه" أليس هذا بعينه ما حدث على مدى قرون عديدة، فإذا سأل إنسان أين هو المكان الحقيقي، شيلوه الحقيقي، أين يجتمع القديسون للمسيح، كما في سفر الأعمال، فهل يستطيع واحد أن يخبرهم أو يدلّهم على الطريق؟ أيمكنك يا قارئي أن تخبر الآن عن هذا المكان الحقيقي؟
نعم هناك مكان يستطيع فيه البنياميني أن يأخذ منه زوجة. وهناك مكان الآن يستطيع منه الكارز أن يعظ على الرغم من أنه قد لا يعيش هناك وربما لا يعطي كلمات نافعة. "في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل. كل واحد عمل ما يحسن في عينيه"- هذه هي الكلمات الأخيرة في سفر القضاة. وهي كلمات تشرح أيضاً تاريخ المسيحية كله وربما كانت هي سبب كل انقسام شرير فبدلاً من الاعتراف الحقيقي لربوبية المسيح وسلطانه سالكين في خوف الرب، فإن كل واحد يفعل ما يحسن في عينيه- بحسب إرادته الذاتية.
ونأتي الآن إلى الإصحاحات الثلاثة الأولى من سفر صموئيل الأول.
- عدد الزيارات: 2952