الحاضر
إن كل مؤمن يحتاج أحياناً إلى أن يراجع الماضي، وأن يفحص الحاضر وأن يفكر في المستقبل. فمراجعة الماضي تقودنا للشكر للرب، كما تعلمنا دروساً نافعة من تعامل الرب معنا. في هذه المرة سنتكلم عن فحص الحاضر، لأن الكتاب المقدس يشجعنا على ذلك، إذ يقول: "لنفحص طرقنا ونمتحنها" (مراثي أرميا 40:3). وهناك ناحيتان لهذا الفحص:
أولاً: أن نفحص أنفسنا بأمانة وإخلاص
ثانياً: أن نطلب من الرب أن يفحصنا
أولاً: يجب أن نفحص أنفسنا بأمانة وإخلاص:
في محضر الرب وفي ضوء كلمته ونسأل أنفسنا أسئلة مهمة، ونجيب عنها بكل إخلاص. وهذه عينات من الأسئلة التي نمتحن بها أنفسنا.
1- هل نحن نحيا حياة القداسة؟ وما هو المقياس الذي نحكم به، هل هو مقياس المقارنة مع الآخرين أم هو كلام الله؟
2- ما هي أهدافنا ومطامحنا في هذه الحياة؟ هل هي الغنى أو الشهرة، أو مدح الناس، أو تقليد المجتمع الذي نعيش فيه، أم هو عمل مشيئة الرب وما يمجد اسمه؟
3- كيف أتصرّف في وقت الفراغ؟ هل في الحديث غير النافع الطعن بسيرة الآخرين، أو مراقبة أفلام لا فائدة روحية منها، أو فيما يؤدي لنموي الروحي ومساعدة وبركة الآخرين؟
4- ما هو الدافع للخدمة الروحية؟ هل هو الشهرة ومدح الناس، أم محبة الله لنا ومحبتنا له؟
5- كيف أتصرف في أموالي؟ هل أفضل الحصول على أشياء أرضية "وغرور الغنى" على العناية بالفقراء "وافتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم" (يعقوب 27:1)،والمساهمة في عمل الرب، مثل مساعدة المرسلين وخدام الرب العاملين في كرمه؟ هل أساهم بقدر الإمكان في نواحي كثيرة من عمل الرب مثل المجلات الروحية والإذاعات المسيحية، وغيرها الكثير؟
6- هل أقضي وقتاً كافياً في الصلاة؟ وهل أصلي من أجل احتياجات الآخرين، بما فيها عمل الرب؟ هل أصلي من أجل خدام الرب والمبشرين والمرسلين والمضطهدين؟ ومن أجل الخراف والمرضى والفقراء؟
7- هل أقضي وقتاً كافياً في قراءة كلام الله والتأمل فيه والتعزي به؟ وهل اقرأ كتباً أخرى تساعدني على فهم كلام الله، وتحثني على حياة البر؟ ويجدر بنا أيضاً أن نقرأ ولو كل بضعة شهور كتباً عن سير رجال الله.
8- هل أسامح من أخطأ إليَّ وأتمنى له الخير، فأبارك أعدائي ولا أرجو لهم الضرر؟ وهل أفرح بنجاح الآخرين سواء في أمورهم الزمنية أو في عمل الرب؟ إن الحقد والخصام والغيرة هي أشياء ضارة جداً روحياً.
9- هل تعاملي مع المؤمنين الآخرين يسبب لهم النمو والفرح الروحي؟ أم هل أنتقدهم كثيراً وأسبب لهم الفشل.
10- هل أهتم بخلاص النفوس وأشهد للآخرين عن طريق الخلاص؟
هناك طبعاً أسئلة أخرى كثيرة يجب أن نفحص بها أنفسنا، لكي نصبح آنية مقدسة نافعة لخدمة السيد.
ثانياً: أن نطلب من الرب أن يفحصنا
فكما فعل داود في مزمور 139. في افتتاحية هذا المزمور يعترف داود بأن الرب يعرف كل شيء عنه، يعرف جلوسه وقيامه، وأن الرب يفهم فكره من بعيد ويعرف كل كلمة في لسانه أي قبل أن ينطق بها، ولقد حاصره من خلف ومن قدام. هذه المعرفة الإلهية العجيبة جعلته في بادئ الأمر قلقاً، حتى أنه قال: "عجيبة هذه المعرفة فوقي ارتفعت، لا أستطيعها" (عدد 6). بل يبدو أنه تمنى الهروب حتى قال: "أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب"
(عدد 7). ولكنه إذ استمر في التأمل في هذه المعرفة وهذه الحكمة الإلهية التي عرفت كل شيء عنه حتى قبل أن يولد، إذ كان لا يزال جنيناً في بطن أمه هتف قائلاً: "ما أكرم أفكارك يا الله عندي ما أكثر جملتها" (عدد 17)، ولذلك بدلاً من أن يتهرب ويحاول الاختفاء عن وجه الرب وهو طبعاً أمر مستحيل. قال لله: "اختبرني يا الله واعرف قلبي، امتحني واعرف أفكاري وانظر إن كان فيّ طريق باطل، واهدني طريقاً أبدياً" (عدد 23،24). وهذا هو ما يجدر بكل منا أن يعمله ونحن في أوائل هذا العام، لا نعمله مرة أو مرتين في السنة، بل يومياً. أن يقول كل منا للرب: "اختبرني ... امتحني ... أنظر فيّ... اهدني". لشدّ ما يفيد لو أن صلاة كهذه تصدر من كل القلب فتكون جزءاً من صلاتنا في بداءة كل يوم. ألا يحتاج كل مؤمن يومياً إلى عمل إلهي به ينال الانتصار الروحي في حياته العملية؟ هناك أمور تبدو لنا صغيرة، بل قد لا نلاحظها حين نفحص أنفسنا، لذلك يجب أن نطلب من الله أن يعملها لنا. كما قال داود: "من الخطايا المستترة أبرئني" (مزمور 12:19)، أو كما جاء في (نشيد الأنشاد 15:2) "خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغار المفسدة للكروم". من ضمن هذه الأشياء التي قد لا نلاحظها ولكنها لا تُخفى عن عيني ذاك الذي يرى في الظلمة كما في النور، الإعجاب بالذات والافتخار بما نعمله في حقل الخدمة. الغيرة من الآخرين، المبالغة في الكلام، عدم المسامحة الكاملة لكل من أساء إلينا "كما سامحنا الله أيضاً في المسيح" (أفسس 32:4).
ولكن لا بد أن نقول كلمة تحذير بخصوص هذا الموضوع المهم، وهي أنه هناك فرق كبير بين فحص النفس، والانشغال بالذات. لأن الانشغال بالذات يسبب لنا ضعفاً روحياً. لذلك حين يكشف لنا الرب أخطاءنا فنعترف بها ونتحول عنها، ولا ننشغل بها بعد ذلك بل نتذكر أن "دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية".
إذا راعينا هذه التعاليم المبنية على كلمة الله، سيعطينا الرب نعمة لكي نكون مرضيين عنده فيفرح هو بنا ونفرح نحن به.
مقتبس من مجلة صوت الكرازة بالإنجيل
- عدد الزيارات: 7023