شفاء الروح المكسورة
"روح الإنسان تحتمل مرضه، أما الروح المكسورة فمن يحملها" (أمثال 14:18). استوقفتني كلمات هذه الآية، "أما الروح المكسورة فمن يحملها؟" تساءلت: كيف يمكن أن تُكسر الروح، والروح ليست كياناً مادياً؟ ووصلت إلى هذه النتيجة..
كلمات الآية مجازية، تُصَوِّر روح الإنسان وقد صدمتها التجارب الساحقة.. أو أثقلتها الخطايا الكبرى.. أو هزتها الآمال الضائعة.. فتكسَّرت تحت وطأة هذه الأمور مجتمعة أو منفردة..
الإنسان كائن ثلاثي مع أنه واحد.. وقد أعلن بولس الرسول حقيقة الإنسان بكلماته: "وإله السلام نفسه يقدِّسكم بالتّمام ولتُحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح" (1تسالونيكي 23:5).
الروح هي سر الحياة.. "الجسد بدون روح ميت" (يعقوب 26:2).
النفس هي مركز العاطفة والإرادة، "فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك" (تثنية 5:6).
الجسد هو الهيكل الخارجي الذي يحوي الروح والنفس، "وحين تُكسر روح الإنسان يصبح كئيباً.. حزيناً.. يائساً.. وبائساً.
لماذا يسمح الله بانكسار الروح؟
1- إن الله يسمح بانكسار الروح ليحطّم عناد قلوبنا.. ويظهر لنا شناعة خطايانا
إن صورة يعقوب وهو يصارع مع الله المتجسِّد طيلة الليل، ترينا مقدار العناد في القلب الإنساني. ولقد استمرّ الله في صراعه مع يعقوب حتى طلوع الفجر، ثم ضرب حُقَّ فخذه ليكسر عناده ويقوده إلى طاعته.
"فبقي يعقوب وحده. وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر عليه، ضرب حُقَّ فخذه. فانخلع حُقُّ فخذ يعقوب في مصارعته معه" (تكوين 24:32و25).
فهل ترفض الخضوع لإرادة الله وتستمر في حياة الذات، والكبرياء، والاعتماد على فهمك وعقلك؟
احذر.. فإن الله في قدرته أن يكسر روحك ويخضعك..
وهناك سبب خطير لكسر روحك، هو سقوطك في خطية مشينة.. لما زنى داود الملك مع بثشبع وقتل زوجها أوريا بمكيدة عسكرية.. كسر الرب روحه تحت وطأة خطاياه، فصرخ للرب قائلاً: "أسمعني سروراً وفرحاً فتبتهج عظام سحقتها" (مزمور 8:51). لقد سحق الله عظام داود وكسر روحه بسبب خطيته.
2- إن الله يسمح بانكسار الروح لتفوح رائحته الذكية بواسطتنا ويروا نور المسيح فينا
"لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون" (2كورنثوس 15:2).
فكيف تفوح هذه الرائحة ليشمها الآخرون ويتأثروا بها؟
إنها تفوح بكسر قارورة عطرنا.
"وفيما هو في بيت عنيا.. جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن فكسرت القارورة وسكبته على رأسه" (مرقس 3:14).. "فامتلأ البيت من رائحة الطيب" (يوحنا 3:12).
ولما قال قوم من الحاضرين: "لماذا كان تلف الطيب هذا؟" لم يوافق الرب يسوع على احتجاجهم بل قال: "الحق أقول لكم حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يُخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها" (مرقس 9:14).
لما انكسرت القارورة امتلأ البيت من رائحة الطيب. وكم من مؤمنين فاحت رائحتهم الذكية حين صدمتهم آلام الحياة.. فكتبوا أعذب الترانيم.. وتكلموا بأجمل الأفكار.
مراراً يُظهر المسيح نوره فينا بكسر أرواحنا.
هذا نراه في قصة جدعون، "وكان لما سمع جدعون خبر الحلم وتفسيره أنه سجد ورجع إلى محلة إسرائيل وقال: قوموا لأن الرب قد دفع إلى يدكم جيش المديانيين. وقسَّم الثلاث مئة الرجل إلى ثلاث فرق، وجعل أبواقاً في أيديهم كلهم، وجراراً فارغة ومصابيح في وسط الجرار.. فجاء جدعون والمئة الرجل الذين معه إلى طرف المحلة في أول الهزيع الأوسط، وكانوا إذ ذاك قد أقاموا الحراس، فضربوا بالأبواق وكسَّروا الجرار التي بأيديهم.. ووقفوا كل واحد مكانه حول المحلة، فركض كل الجيش وصرخوا وهربوا" (قضاة 15:7-21). فالله يسمح بانكسار الروح ليظهر نوره ونصرته فينا.
يقول بولس الرسول: "لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. ولكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منّا" (2كورنثوس 6:4و7).
فالنور الذي فينا هو نور المسيح، ونور المسيح يظهر في أواني حياتنا الخزفية حين تنكسر أرواحنا.
فالروح المكسورة قد تكون هي الوسيلة التي يشم بها الآخرون رائحة المسيح الذكية فينا حين يروا فرحنا وسلامنا في تجاربنا.
3- إن الله يسمح بانكسار الروح ليشبع الجياع بأيدينا
فقد أطعم الرب نحو خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد عندما كسر الأرغفة الخمسة والسمكتين، ولو بقت الأرغفة صحيحة لمضت الجموع جائعة.
"فلما خرج يسوع أبصر جمعاً كثيراً فتحنن عليهم وشفى مرضاهم. ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين: الموضع خلاء والوقت قد مضى. اصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاماً. فقال لهم يسوع: لا حاجة لهم أن يمضوا. أعطوهم أنتم ليأكلوا. فقالوا له: ليس عندنا ههنا إلا خمسة أرغفة وسمكتان. فقال: ائتوني بها إلى هنا. فأمر الجموع أن يتكئوا على العشب، ثم أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين، ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسَّر وأعطى الأرغفة للتلاميذ، والتلاميذ للجموع. فأكل الجميع وشبعوا، ثم رفعوا ما فضل من الكِسَر: اثنتي عشرة قفة مملوءة. والآكلون كانوا نحو خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد" (متى 14:14-12). وهكذا أطعم الرب بالأرغفة المكسورة جموع الجماهير.
الشفاء الإلهي للروح المكسورة
هل سمح الله بكسر روحك عن طريق فقدان ابن عزيز، أو زوجة فاضلة، أو عن طريق انهيار آمالك ومشروعاتك؟ أو عن طريق تدهور صحتك.. لا تحزن لأن الله المحب "يشفي المنكسري القلوب ويجبر كسرهم" (مزمور 3:147).
1- الله يشفي الروح المكسورة بمهارة يديه
قد تحسّ وأنت في انكسار روحك أن لا داعي لحياتك، وقد تطلب الموت لنفسك كيونان، وتقول: "موتي خير من حياتي" (يونان 8:4). وقد تظلم الحياة أمام عينيك، ولكن ثق أن الله سيشفي روحك المكسورة بمهارة يديه، ويصنع من حطام حياتك إناء بحسب مسرة قلبه. "لأنه هو يجرح ويعصب. يسحق ويداه تشفيان" (أيوب 18:5).
2- الله يشفي الروح المكسورة بالصلاة إليه
اجتازت حنة أم صموئيل ثلاث تجارب مريرة: التجربة الأولى في نفسها، فقد كانت محرومة من الولد. والتجربة الثانية في بيتها، فقد "كانت ضرتها تغيظها أيضاً غيظاً لأجل المراغمة [أي المكايدة]" (1صموئيل 6:1). والتجربة الثالثة في كنيستها إذ قال لها عالي الكاهن وهو يظنها سكرى: "حتى متى تسكرين؟ انزَعي خمركِ عنكِ" (1صموئيل 13:1و14).
وقد أمرَّت هذه التجارب نفسها وأحزنت روحها "فقامت... وهي مُرَّة النفس. فصلت إلى الرب، وبكت بكاء ونذرت نذراً"، وأجابت عالي الكاهن قائلة: "إني امرأة حزينة الروح... أسكب نفسي أمام الرب" (1صموئيل 10:1و15). وقد شفى الرب روحها المكسورة الحزينة بعد أن صلَّت إليه وسكبت نفسها أمامه، "ثم مضت.. في طريقها وأكلت ولم يكن وجهها بعد مُغيَّراً" (1صموئيل 18:1).
3- الله يشفي الروح المكسورة بتعويضه السخي
لقد كسرت التجارب المحرقة روح أيوب، ولكن الرب شفى هذه الروح المكسورة بتعويضه السخي "وزاد الرب على كل ما كان لأيوب ضعفاً... وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاه..." (أيوب 10:42و12).
وفي سفر إشعياء نقرأ كلمات النبوة التي تمت في المسيح: "روح السيد الرب عليَّ، لأن الرب مسحني لأبشِّر المساكين، أرسلني لأعْصِب منكسري القلب، لأنادي للمسبيّين بالعِتق، وللمأسورين بالإطلاق... لأعزّي كل النائحين، لأجعل لنائحي صهيون، لأعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد، ودُهن فرح عِوضاً عن النوح، ورداء تسبيح عوضاً عن الروح اليائسة، فيُدْعَون أشجار البر، غرس الرب للتمجيد" (إشعياء 1:61-2).
فيا أيها المنكسر الروح بسبب هزيمتك أو آلامك أو انهيار آمالك، اذكر أن "ذبائح الله هي روح منكسرة، القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مزمور 17:51)، وتعال إلى المسيح ملقياً أحزانك عند قدميه فهو وحده الذي يجبر الكسير، ويقيناً أنه سيشفي روحك المكسورة!!
مقتبس من مجلة صوت الكرازة بالإنجيل
- عدد الزيارات: 32341